تسعى مصر حالياً لتكثيف حملاتها الترويجية لمقاصدها السياحية المتنوعة من أجل مواجهة تداعيات أزمة التضخم العالمية التي خلفتها الحرب الروسية - الأوكرانية، فبعد إطلاقها حملات عدة خلال النصف الأول من العام الجاري، تستعد وزارة السياحة والآثار لإطلاق حملة جديدة في الربع الأخير من العام نفسه، تزامناً مع الاحتفال بيوم السياحة العالمي الذي يوافق 27 سبتمبر (أيلول) من كل عام، وذكرى مرور 200 عام على فك رموز الكتابة المصرية القديمة ونشأة علم المصريات، والاحتفال بمرور 100 عام على اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون، واستضافة مصر مؤتمر الأطراف السابع والعشرين لاتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ COP27 بمدينة شرم الشيخ في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
وتعاقدت الهيئة المصرية العامة للتنشيط السياحي، التابعة لوزارة السياحة والآثار مع شركة إعلانات أميركية لتنفيذ الحملة الترويجية لمصر في ضوء الاستراتيجية الإعلامية الجديدة للترويج السياحي لمصر، التي أعدّها تحالف كندي إنجليزي خلال عام 2021، وذلك في ظل المستجدات العالمية السياسية والصحية التي يشهدها العالم، التي ألقت بظلالها على حركة السياحة في العالم وغيّرت من اتجاهات السياحة ومن آليات الترويج السياحي، بحسب وصف وزارة السياحة والآثار.
ويرى متابعون أن هذه الاستراتيجية لن تتغير بعد إقالة الدكتور خالد العناني، وزير السياحة والآثار، أمس (السبت)، من منصبه، وتعيين أحمد عيسى أبو حسين، بدلاً منه، وأوضح عمرو القاضي، الرئيس التنفيذي لهيئة تنشيط السياحة، في بيان صحافي يوم الجمعة، أن «الشركة ستقوم بتنفيذ عدد من المهام والخطط من خلال آليات الترويج المختلفة منها ابتكار العديد من الأفكار الإبداعية المختلفة، وإعداد مواد ومنشورات دعائية على منصات التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية المختلفة، وإقامة عدد من الفعاليات الترويجية في مصر والخارج، وإنتاج المواد الإعلانية لكل وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة والإلكترونية، وإعداد وحجز وشراء المساحات الإعلانية على مختلف وسائل الإعلام في الأسواق المختلفة (تلفزيون وصحافة، ووسائل إلكترونية، وإعلانات طرق، وغيرها).
وحسب وزارة السياحة والآثار، فإن هذه الوكالة الإعلانية الأميركية اختيرت بعد منافسة بين العديد من وكالات الإعلان المحلية والدولية وبناء على المقترحات الإبداعية التي تقدمت بها الشركات التي جاءت متماشية مع الاستراتيجية الإعلامية للترويج السياحي لمصر، التي تهدف لإبراز الصورة الذهنية للمقصد السياحي المصري بصورة عصرية شابة ومليئة بالنشاط والحيوية، على حد تعبير وزارة السياحة والآثار.
وأطلقت مصر، خلال العام الجاري، حملات عدة من بينها «اليوم في مصر ما بيخلصش» التي شاركت فيها الفنانة المصرية دنيا سمير غانم، ومجموعة من مشاهير المدونين والمؤثرين، والتي استهدفت السوق العربية والخليجية، ووفق وزارة السياحة والآثار فإن المؤشرات الأولية تشير إلى تحقيق الحملة نجاحاً في زيادة نسب البحث عن مصر بالأسواق المستهدفة مقارنة بمثيلتها في العام الماضي بعد شهر من إطلاق هذه الحملة، حيث زاد البحث في المملكة العربية السعودية بنسبة 123 في المائة وفي الكويت بنسبة 182 في المائة، كما تلاحظ «زيادة أعداد السائحين من الأشقاء العرب خلال الأسابيع الماضية كنتيجة لهذه الحملات».
كما أطلقت الهيئة حملة Follow the Sun التي تم إطلاقها بالأسواق الرئيسية المصدرة للسياحة إلى مصر خلال فترة الشتاء الماضي؛ حيث فازت بأفضل إعلان سياحي لشهر مايو (أيار) 2022 في منطقة أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا، بالإضافة إلى حملة Sunny Christmas التي نجحت في الوصول إلى 107 ملايين مستخدم، كما رفعت معدلات البحث الإلكتروني عن مصر على محركات البحث العالمي بالأسواق المستهدفة بنسبة 95 في المائة مقارنة بعام 2020، وغيرها من الحملات التي أطلقت على مواقع التواصل الاجتماعي.
ورغم حملات الترويج السياحي التي تطلقها مصر بشكل مستمر، فإن الخبير السياحي أحمد عبد العزيز يرى أن «نتائجها ضعيفة، ولن تحقق هدفها المنشود مستقبلاً، من دون النظر إلى اعتبارات مهمة أخرى، من بينها قطاع الطيران المصري المنوط به نقل السائحين المستهدفين الذين تجتذبهم هذه الحملات إلى مصر؛ حيث لا يمكن تقييم نجاح هذه الحملات بناء على نسب المشاهدات الافتراضية، لكن بأعداد السائحين الحقيقية التي وصلت إلى مصر».
وأشار إلى أن «دور الدولة لا بد أن يقتصر على الترويج وتوفير البيئة المناسبة لاستقطاب السائحين، بينما يقع عاتق التسويق على القطاع الخاص»، لافتاً إلى أن «مصر تستهدف نحو 24 دولة فقط، من بين كل دول العالم».
ويضيف عبد العزيز لـ«الشرق الأوسط»: «نجحت تركيا في استقطاب عدد كبير من السائحين، خصوصاً من دول آسيا الوسطى، عبر خطوطها الجوية التي تعتبرها ذراعاً طولى في عمليات اجتذاب السائحين».
ولفت عبد العزيز إلى أن «سياسات تشغيل الطائرات المصرية الحالية التي تقسم مقاعد طائراتها إلى فئات معينة، يعرضها إلى خسائر كبيرة بسبب فقدان ربع طاقة الطائرة، في المقاعد والفئات الفخمة، لذلك يمكن رؤية إحدى الطائرات التركية أو الأجنبية الأخرى من نفس الطرز مكتملة العدد، والمصرية تحمل نصف طاقتها».
وشدد على أن «انتعاشة السياحة المصرية تبدأ من قطاع الطيران، وليس العكس، فإذا نجحت حملة ترويجية سياحية في أحد البلدان المهمة في تصدير السياحة، كيف سيتم نقلهم؟ وكم سيبلغ تكلفة ذلك؟ لأن السائح يبحث عن توفير أي مبلغ في ظل التداعيات الاقتصادية الجارية»، على حد تعبيره.
ويمثل عدد العاملين في القطاع السياحي نحو 10 في المائة من قوة العمل في مصر، ويقدرون بنحو 3 ملايين شخص، بحسب دراسة لمعهد التخطيط القومي التابع لوزارة التخطيط، نشرها في مايو عام 2020، ووصل عدد السياح في عام 2019 إلى 13 مليون سائح، بعائدات بلغت 12.6 مليار دولار، وفقاً للدراسة ذاتها.