تيك توك لـ«الشرق الأوسط» تعليقاً على «تحديات الموت»: متيقظون في حماية المستخدم

الموت في سبيل جمع المشاهَدات والإعجابات

شعار تطبيق «تيك توك» على هاتف محمول (أ.ف.ب)
شعار تطبيق «تيك توك» على هاتف محمول (أ.ف.ب)
TT

تيك توك لـ«الشرق الأوسط» تعليقاً على «تحديات الموت»: متيقظون في حماية المستخدم

شعار تطبيق «تيك توك» على هاتف محمول (أ.ف.ب)
شعار تطبيق «تيك توك» على هاتف محمول (أ.ف.ب)

كان تشارلز غرين في الرابعة من عمره يوم قفز من شرفة منزل جدته في الطابق السابع وتوفّي متأثراً بإصابته. حدث ذلك في أحد شوارع نيويورك عام 1979، وكان والد تشارلز قد اصطحبه قبل أيام إلى السينما لمشاهدة فيلم «سوبرمان». لم يرمِ الطفل بنفسه بهدف الانتحار، بل لفرط إعجابه بالبطل الطائر. كثيرون هم الأطفال الذين قلّدوا «سوبرمان» عبر السنوات، ولقوا مصيراً مشابهاً لمصير تشارلز.

بعد 43 سنة على تلك الحادثة، ربط الطفل أرتشي باترسبي (12 عاماً) عنقه بشريط وشدّ إلى أن اختنق وفقد الوعي. حدث ذلك في بريطانيا في أبريل (نيسان) الماضي، بعد أن قضى أرتشي أياماً، بحسب ما تخبر والدته، وهو يشاهد فيديوهات لتحدّي التعتيم أو حبس الأنفاس Blackout Challenge على منصة تيك توك. أمضى الطفل 4 أشهر في غيبوبة، إلى أن قررت الجهات الطبية فصل أجهزة الإنعاش عنه بعد أن خسر والداه معركة قانونية من أجل إبقائه موصولاً بها.

أرتشي ليس أول طفل أو مراهق يفقد حياته متأثراً بتحدياتٍ شاهدها على الهاتف، فتحدّي التعتيم وحده حصد 8 ضحايا، بين بعض أهاليهم والمنصة دعاوى قانونية. في هذا الوقت تصرّ إدارة تيك توك على أنها بريئة ممّا يجري، وبحسب تصريح حصلت عليه «الشرق الأوسط» من متحدّث باسم الشركة، فإن «هذا التحدّي المزعج الذي يبدو أن الناس تعرف عنه من خلال مصادر غير تيك توك، ظهر قبل منصتنا (معروف منذ عام 1995) وهو لم يكن يوماً ترند على تيك توك. نبقى متيقّظين في التزامنا بحماية المستخدم، ونحن نمحو فوراً أي محتوى مرتبط بالموضوع في حال العثور عليه. نتوجّه بأعمق التعازي إلى العائلة بخسارتهم المفجعة».

في لعبة المشاهَدات واللايكات، كل شيء مُباح
في زيارة إلى الموقع الإلكتروني للشركة وجولة سريعة على إرشادات مجتمع تيك توك، يبدو واضحاً مدى التشديد على منع المحتوى المخيف والصادم والعنيف. كما أن المنع يشمل الأنشطة والتحديات الخطيرة التي قد تتسبب بإصابات أو وفيات، بالتوازي مع تشجيع المستخدمين على التبليغ عن أي حساب يتفاعل مع ترند خطير.

يصف الصحافي المتخصص في تكنولوجيا المعلومات وخبير التواصل الاجتماعي محمد دنكر موقف تيك توك ممّا يجري بـ«رد الفعل غير الكافي والمخيّب للآمال»، ويقول في حديثه إلى «الشرق الأوسط» إن «تعاطي الشركة فيه الكثير من الاستهتار». يضيف دنكر: «تكرر تيك توك منذ عام أنها في طور العمل على برنامج الحماية الذي يراقب الهاشتاغات المرتبطة بتحديات خطيرة. لكن يبقى ذلك قولاً لا فعلاً، ربما لأنهم مضغوطون ومرتبكون بسبب كمية المحتوى الهائلة التي تُنشر يومياً. لا شك بأن المنصة مثيرة للاهتمام، وفيها المسلّي والمفيد، لكنها في الوقت عينه تحتوي على كمّ كبير من السخافة والجَهل».

تيك توك التي دخلت مشهدية التواصل الاجتماعي سنة 2016، استطاعت بسرعة قياسية أن تستقطب 1.4 مليار مستخدم، غالبيتهم تحت سن الـ15، وذلك بفضل اعتمادها على الفيديوهات القصيرة والسريعة، والقائمة بمعظمها على تحديات الرقص والغناء والتمثيل.

لكن ليس كل محتوى يُنشر على المنصة ببساطةِ رقصة أو ببراءةِ أغنية، فبعض الفيديوهات تتخطى المنطق والأخلاقيات البشرية، كل ذلك بإسمِ جمع المشاهَدات والإعجابات. يقول دنكر في هذا السياق: «الناس في بحث دائم عن الاهتمام والمتابعين والمال والمشاهَدات، وتيك توك يؤمّن كل ذلك. وبعض الأشخاص مستعد للذهاب إلى أقصى الحدود من أجل تحقيق تلك الأهداف. صحيح أنه من المستحيل ضبط مليار مستخدم، لكن باستطاعة تيك توك التحكّم بالهاشتاغات الرائجة والمتعلّقة بتحديات خطيرة، وبالتالي محو الفيديوهات المرتبطة بها».

لا يمكن تحميل تيك توك كامل المسؤولية عمّا يجري، ففي النهاية ليست المنصة صانعة المحتوى بل هي تعرضه. غير أنها وحدها قادرة على التحكّم بما يُنشر، وهي تحاول مضاعفة جهودها في هذا الإطار مؤخراً على خلفية الحوادث المتكررة.

«الأهل هم الأساس وهم المسؤولون، قبل تيك توك»، يؤكد دنكر الذي ينصح الآباء والأمهات بأن يكونوا على دراية بما يشاهد أولادهم. يقول إن «تيك توك أخطر من الشارع، بمعنى أن الطفل أو المراهق قادر على الوصول إلى أي شيء من خلال التطبيق. يجب أن يراقب الأهل تيك توك بأنفسهم إذا كان لديهم ولد يتابعه، حتى يعلموا ما إذا كان هناك ترند خطير رائج على المنصة».

لكن المفارقة هنا هي أن بعض الأهل يقفون بأنفسهم وراء فيديوهات غير مسؤولة، سعياً وراء التحوّل إلى ترند على تيك توك وجمع ملايين المشاهَدات. وقد حصل ذلك فعلاً منذ أيام، عندما انتشرت فيديوهات يقفل فيها آباء وأمهات أبواب الغرف على أطفالهم الصغار، ثم يبدأون بإصدار أصوات غريبة ومخيفة لإثارة ذعر الأولاد، غير آبهين بالصدمة التي قد يتسببون لهم بها.
https://www.youtube.com/watch?app=desktop&v=-VeObEpI8lw
بعد أن دخل أرتشي باترسبي في غيبوبته، نصحت والدته كل الأهل بالتحدّث مع أولادهم عن التحديات الرائجة. قالت: «لو كنت أعلم عن ذاك التحدّي، لجلست مع أرتشي وحاورته بوضوح ولما كنا وصلنا إلى هنا».

توافق المعالجة النفسية المتخصصة في علم نفس الأطفال عُلا خضر على أن الأهل هم الأساس. تقول رداً على سؤال «الشرق الأوسط» عمّا قد يودي بالأطفال إلى المخاطرة بحياتهم من أجل لعبة وتحدٍ وهميّ: «تيك توك يمنح الأطفال والمراهقين شعوراً بالانتماء، إذ يبني الولد بيئة خاصة به يشعر أنه مميّز في إطارها. أما اللجوء إلى التحديات الخطيرة فيحصل من منطلق إثبات الوجود ولفت النظر وجمع اللايكات». تنصح خضر الأهل بمراقبة ما يتابع أبناؤهم، لا التجسس عليهم. تقول: «الحوار وتصحيح الرؤية هما الأساس. من الواضح أن الأطفال الذين يلجأون إلى هكذا أساليب ينقصهم التواصل مع أهلهم».

وتلفت خضر إلى أن أكثر ما يقلقها في تيك توك هي خوارزمياته: «من الممكن أن يتعلم الأطفال أموراً مفيدة من خلال تيك توك، لكن قد تعرض المنصة أمام الولد محتوى غير صحي، وفي حال كان الطفل يعاني من إحباط أو أفكار انتحارية، قد يتأثر جداً بما يشاهد فيتماهى معه».

أخطر تحديات تيك توك

- تحدّي النار: كان عبارة فيديوهات ظهر فيها المراهقون وهم يضرمون النار في مواد قابلة للاشتعال، ما أدى إلى إصابة عدد منهم بحروق بالغة.
https://www.youtube.com/watch?v=vdnJYkLNH5g
- تحدّي أسنان مصّاصي الدماء: حدث ذلك لمناسبة هالويين، عندما انتشرت فيديوهات يركّب فيها روّاد تيك توك أسناناً اصطناعية فوق أسنانهم الحقيقية بواسطة مادّة لاصقة قوية، لينتهي بهم الأمر عاجزين عن نزعها. أدّى هذا التحدّي إلى أضرار كبيرة في أسنان مَن تجرّأوا على خوضه.

- تحدّي كسّارة الجمجمة: هي الحركة الشهيرة التي تجمع 3 أصدقاء يُرمى واحدٌ منهم أرضاً بركلة عنيفة وغير متوقّعة، ما أدى إلى إصابات عدة في الظهر والرأس في صفوف المراهقين.
- تحدّي «بينادريل»: انتشر هذا التحدّي عام 2020 وقضى بأن يبتلع المشاركون فيه عدداً كبيراً من أقراص دواء مضاد للحساسية، وصولاً إلى مرحلة من الهلوسة.

إشارةً إلى أن التحديات القاتلة ليست حكراً على تيك توك، فهي انتشرت على منصات أخرى مثل يوتيوب وإنستغرام، وكان الأخطر من بينها تحدّي الحوت الأزرق الذي أودى بحياة عدد من الأطفال والمراهقين حول العالم.


مقالات ذات صلة

سجن مؤثرين في تونس يفجر جدلاً حول استخدامات وسائل التواصل الاجتماعي

شمال افريقيا احتجاجات صحفيين وسط العاصمة للمطالية بعدم التضييق على رجال الإعلام (إ.ب.أ)

سجن مؤثرين في تونس يفجر جدلاً حول استخدامات وسائل التواصل الاجتماعي

اشتعل جدل حاد في الأوساط الحقوقية والسياسية في تونس حول محتوى منصة «تيك توك»، وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي، وتسبب في انقسام الآراء بشكل واضح.

«الشرق الأوسط» (تونس)
العالم الانشغال الزائد بالتكنولوجيا يُبعد الأطفال عن بناء صداقات حقيقية (جامعة كوينزلاند) play-circle 00:32

أستراليا تتجه لحظر «السوشيال ميديا» لمن دون 16 عاماً

تعتزم الحكومة الأسترالية اتخاذ خطوات نحو تقييد وصول الأطفال والمراهقين إلى وسائل التواصل الاجتماعي.

«الشرق الأوسط» (سيدني)
الولايات المتحدة​ تحظر «ميتا» و«تيك توك» و«يوتيوب» و«إكس» المنشورات التي تسعى إلى ترهيب الناخبين (رويترز)

كيف تعمل «ميتا» و«تيك توك» و«يوتيوب» و«إكس» على إدارة التهديدات الانتخابية؟

أكثر شبكات التواصل الاجتماعي نفوذاً -بما في ذلك «ميتا» و«تيك توك» و«يوتيوب» و«إكس»- لديها سياسات وخطط جاهزة لإدارة التهديدات الانتخابية والمعلومات المضللة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق شعار تطبيق «تيك توك» (رويترز)

عائلات فرنسية تقاضي «تيك توك» بعد انتحار مراهقَين

رفعت 7 عائلات فرنسية دعوى قضائية ضد تطبيق «تيك توك»، متهمة المنصة بتعريض أطفالها المراهقين لمحتوى ضار أدى إلى انتحار اثنين منهم.

«الشرق الأوسط» (باريس)
الولايات المتحدة​ شعار تطبيق «تيك توك» يحوز أعلى مجموعة من الجوائز في معرض «فرنكفورت للكتاب» السادس والسبعين (د.ب.أ)

المرشحون الأميركيون يلجأون لـ «تيك توك» رغم مطالبتهم بحظره

 ذكر تقرير جديد أن هناك عدداً قياسياً من المرشحين للمناصب الفيدرالية وعلى مستوى الولايات في أميركا يستخدمون تطبيق «تيك توك» للوصول إلى الناخبين.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

البروفسور ناصر الرباط يفوز بجائزة مسابقة عبد الله المبارك الصباح

الشيخ مبارك العبد الله الصباح يسلم الجائزة للبروفسور ناصر الرباط وتبدو رئيسة لجنة التحكيم فرنسيس غي عن يمين الصورة (خاص)
الشيخ مبارك العبد الله الصباح يسلم الجائزة للبروفسور ناصر الرباط وتبدو رئيسة لجنة التحكيم فرنسيس غي عن يمين الصورة (خاص)
TT

البروفسور ناصر الرباط يفوز بجائزة مسابقة عبد الله المبارك الصباح

الشيخ مبارك العبد الله الصباح يسلم الجائزة للبروفسور ناصر الرباط وتبدو رئيسة لجنة التحكيم فرنسيس غي عن يمين الصورة (خاص)
الشيخ مبارك العبد الله الصباح يسلم الجائزة للبروفسور ناصر الرباط وتبدو رئيسة لجنة التحكيم فرنسيس غي عن يمين الصورة (خاص)

أقامت جمعية الصداقة الكويتية – البريطانية، مساء الأربعاء 6 نوفمبر (تشرين الثاني)، حفلها السادس والعشرين لإعلان جوائز مسابقة عبد الله المبارك الصباح لأفضل الكتب الصادرة بالإنجليزية عن الشرق الأوسط، وذلك برعاية مبرة عبد الله المبارك الصباح، وسفارة دولة الكويت في لندن.

وأكد ممثل المبرة الشيخ مبارك العبد الله الصباح على أهمية الجائزة في دعم الثقافة والتعريف بمنطقة الشرق الأوسط بشكل خاص والعالم الإسلامي بشكل عام، حيث تمنح للباحثين في مختلف التخصصات.

وتتزامن جائزة هذا العام مع الاحتفال بمرور 125 عاماً على الشراكة الكويتية - البريطانية الاستراتيجية التي تشمل التعاون في المجالات الأمنية والتجارية والثقافية والعلمية.

وإيماناً بأهمية إثراء شريحة القراء الأجانب بتاريخ العالم العربي والإسلامي، فقد تم الإعلان عن مضاعفة قيمة الجائزة. وفاز بالجائزة الأولى البروفسور ناصر الرباط أستاذ العمارة الإسلامية في الولايات المتحدة عن كتابه Writing Egypt، الذي يتناول فيه المشروع التاريخي للمؤرخ المصري تقي الدين المقريزي.

وحضر الحفل نخبة من كبار الأكاديميين المتخصصين في الدراسات الإسلامية الشرق أوسطية ومثقفين وإعلاميين عرب وبريطانيين.