بروفايل: وجه السعودية الأممي في نيويورك... سفيرٌ وُلِدَ دبلوماسياً

عبد العزيز الواصل... 23 عاماً بين دهاليز «الخارجية» وسفاراتها

بروفايل: وجه السعودية الأممي في نيويورك... سفيرٌ وُلِدَ دبلوماسياً
TT

بروفايل: وجه السعودية الأممي في نيويورك... سفيرٌ وُلِدَ دبلوماسياً

بروفايل: وجه السعودية الأممي في نيويورك... سفيرٌ وُلِدَ دبلوماسياً

هناك نوعان من البراعة في الدبلوماسية: الأول في العلاقات الثنائية حين يُبعث السفير لدى دولة واحدة، والثاني في العلاقات متعددة الأطراف وهي المنظمات الدولية والأممية وغير الحكومية الدولية والإقليمية، كالأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي أو الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي أو الاتحاد الأوروبي. الدكتور عبد العزيز بن محمد الواصل، يعد خليطاً من هذا وذاك؛ فبعد مشوار طويل في السلك الدبلوماسي، شغل منصب نائب سفير في لندن، ثم كان مندوباً دائماً للسعودية في عاصمة العمل الإنساني جنيف. وفي مطلع أغسطس (آب) 2022 قدم أوراق اعتماده مندوباً سعودياً دائماً في عاصمة القرار السياسي الأممي في نيويورك. يصعب اختزال أدوار الواصل والحديث عنها في قصة؛ فالدبلوماسي المخضرم يتكئ على 23 سنة من الخبرة، موظفاً وقيادياً بين دهاليز الخارجية السعودية ودوائرها وأقسامها، ومارس العمل في العلاقات متعددة الأطراف، وتوسد مهام لا تقل صعوبة عن التحدي الجديد.

لم يستغرب السعوديون تلك الإطلالة التي رافقت أول ظهور أممي للمندوب السعودي الجديد لدى الأمم المتحدة، الدكتور عبد العزيز الواصل، على المنبر الأممي في نيويورك مطلع أغسطس (آب) 2022.
كانوا يتابعونه بشغف إبان ظهوره اللافت في جنيف، ويعيدون تغريدات تحمل مقاطع فيديو انتشرت بشكل واسع، ويتذكرون جيداً كلماته التي تميزها مخارج الحروف الواضحة، ووجه خالي الملامح باستثناء نظارة عصرية ذات إطار داكن.
لقد كان عبد العزيز الواصل يذود عن بلادهم تارة، يدافع عن جيرانهم وجيران جيرانهم وقضاياهم تارة أخرى، يظهر الموقف الحازم الحاسم لبلاده تارات وتارات.
الدكتور الواصل اليوم في محطة جديدة على خط مسيرته. يسمي الدبلوماسيون نيويورك «عاصمة القرار السياسي» لمنظمة الأمم المتحدة؛ فيها مجلس الأمن، والجمعية العامة، ومئات الاجتماعات والقضايا والأشخاص الذين يترقبون المندوب الجديد. وسيتحتم عليه خلال الشهر المقبل حضور العرس الأممي السنوي المتمثل بالجمعية العامة، بما في ذلك عشرات الاجتماعات والكلمات والخطابات والمؤتمرات.

سيكون الواصل هذه المرة على رأس الوفد السعودي، وسيكون أمامه سيل من التحديات. فالعالم هذا العام، ليس كما كان العام الماضي، وإن استمرت وتكررت جل القضايا والهموم الدولية والإقليمية، إلا أن أزمة أوكرانيا ستحمل العديد من الإثارة والكر والفر السياسيين داخل ردهات مبنى المنظمة الدولية العتيد في نيويورك.
هناك أيضاً تحديات الطاقة، والمماحكات والتحركات الواسعة التي من المرتقب أن تلقي بظلالها على السياسة والسياسيين، وستجد نصيباً من اللقاءات والخطابات.

- خلافة المعلمي
سيخلف الواصل في هذا الموقع مندوباً كان يصنع العناوين، ويتمتع بحضورجاذب ونسق مميز وهو المهندس عبد الله المعلمي بأدائه طيلة العقد الماضي. هذا تحدٍ آخر يواجه السفير الذي تعمل بلاده مع نحو 23 وكالة وصندوقاً وبرنامجاً كلها تابعة للأمم المتحدة بما في ذلك المكاتب الإقليمية.
وحقاً، تنتظر الأوساط الدبلوماسية من المندوب الدائم الجديد مهمة غير عادية، وفترة تمثيل ستملؤها الإثارة والمتابعة، وسيعود السعوديون والعرب لتداول مداخلاته وكلماته وحواراته، كما كانوا يفعلون قبل ذلك، فالأحداث والمنصب والشخصية المقبلة ستكون مدعاة للاهتمام.

- «عاصمة العمل الإنساني»
المندوب الدائم الجديد دبلوماسي هادئ وحكيم، يستطيع بناء شبكات من العلاقات مع مختلف الشخصيات. وصقل لديه هذه الميزةَ عملُه في جنيف ما أهّله للتعامل مع عشرات المنظمات والاتحادات... من ملكية فكرية إلى اتحاد اتصالات، ومن تجارة وتنمية إلى منظمة الصحة العالمية والصليب الأحمر واتحاد الصليب الأحمر والهلال الأحمر، ومن مجلس حقوق إنسان إلى اتحاد نزع السلاح، فضلاً عن منظمات الهجرة والعمل وحتى الأرصاد.
صحيح أن غالبية تلك المنظمات تتعاطى فنياً مع نظيراتها من المؤسسات السعودية، لكن في صميم مهام المندوب في جنيف أن يحضر ويتفاعل ويتعاطى مع مختلف الملفات.
لقد كانت جنيف بالنسبة للدكتور الواصل محطة لافتة، ليس لأنها آخر محطات الواصل فحسب، بل إن مشواره كان مثيراً قبل أن يبدأ، وكان عند الموعد.
وهنا يقول الدكتور عبد العزيز المزيني، سفير اليونيسكو لدى مصر وجامعة الدول العربية لـ«الشرق الأوسط»: «كنت أرى ذلك الرجل الذي يملأ ردهات مكاتب الأمم المتحدة في جنيف أثناء عملي هناك سفيراً لليونيسكو. لقد كان يمثل بلاده لدى أكبر ورشة عمل فنية أممية مليئة بالمنظمات واللقاءات والمواضيع المتشعبة التي تتطلب جهداً واسعاً».
ويضيف السفير المزيني: «لقد وجدت شخصية استثنائية تتمتع بصفات الدبلوماسي المحترف، كالهدوء وحسن اختيار العبارات، وإجادة العمل ضمن منظومة علاقات متعددة الأقطاب. هذه الصفات الاحترافية تحلق حولها عقلية متفتحة، وثقافة واسعة في السياسة والفلسفة والتاريخ الإسلامي، والأدب العربي».
ثم يتابع قائلاً: «لم أجد نشاطاً لسفير عربي أو دولي يضاهي ذلك النشاط، ومن دون مجاملة، أستطيع القول إن عبد العزيز الواصل وُلِدَ دبلوماسياً... حتى في أكثر المواقف الحساسة، لا يتراجع الواصل ولا يتردد عن الحديث مع أي شخص مهما كان، ويجد دائماً الوقت للإصغاء والاتصال».

- القوة الصلبة
يتحدث كثيرون من المهتمين بالعلاقات الدولية عن «القوة الناعمة» المتمثلة بالإعلام والمنظمات غير الحكومية والبرامج الثقافية وغير المباشرة، ومدى تأثيرها، وانتشارها وتوسعها، إلا أن بعض هؤلاء ينسون «القوة الصلبة»، وهي التأثير المباشر للدول والقدرة على الوصول والتواصل والانخراط الإيجابي الهادئ والحازم في الوقت نفسه. ولن يكون مندوب دولة بحجم السعودية وتأثيرها الدولي وقوتها الصلبة فقط حارساً لمصالح بلاده، بل سيكون أيضاً قائداً لمجموعات خليجية وعربية وإسلامية ودولية؛ إذ تتلاقى الاهتمامات السعودية مع اهتمامات تلك المجموعات والدول، ولكنها تتقاطع أيضاً وأحياناً تتناقض، وهنا يأتي دور رجل الوساطات والتوافقات.
عند هذه المحطة، يتذكر مراقبون كيف لعب عبد العزيز الواصل دوراً لافتاً في توحيد مواقف دولية فيما يعرف داخل أوساط مفوضية حقوق الإنسان بأزمة «المشروع الهولندي» التي شهدت تبايناً عربياً - غربياً داخل أروقة الاجتماعات عام 2017.
خلال عام 2021 حملت كلمته حججاً مقنعة ووقعاً هائلاً، حين انتقد الواصل فريق لجنة خبراء حقوق الإنسان الذي استعان بتقارير حوثية وتجاهل قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216 في تقاريره. لقد لعب الدبلوماسي السعودي المحنك وزملاؤه، بقيادة الخارجية السعودية وتعاون الدول الصديقة لليمن، دوراً فاعلاً في إنهاء تلك الأزمة، وجرى حل اللجنة التي جنت على اليمن واليمنيين، من منطلق دور السعودية القيادي.
وهكذا، أثبت الواصل أنه يحسن ارتداء قلنسوة رجل المطافئ أحياناً... لكنه لا يتردد في ارتداء رداء المحامي إذا لزم الأمر.

- مُلهم ومحفز
تاريخ الدكتور الواصل مع زملائه في جنيف، وما قبلها، يشي بدبلوماسي من قماشة فريدة. ولا يكل الموظفون الذين سبق لهم العمل تحت إدارته من التباهي بأنهم عاصروا تلك «الكاريزما» والطاقة المحفزة التي يزرعها داخل فريق العمل.
إتقانه اللغة العربية لا يُعزى إلى إعجابه الشديد بشاعر العرب أبو الطيب المتنبي فحسب، بل أيضاً لغزارة الاطلاع التي يتمتع بها ولا يخبئها عن زملائه ومن يعمل إلى جانبه. وهم يتذكرون كيف كان يستقطع من وقته ليشرح مسائل لغوية عند كتابة الخطابات أو الرسائل ويوليها عناية واسعة. كما أن العبارات البليغة التي قد تخرج أحياناً من زملائه تستوقفه، حتى إن كان الأمر خارج العمل، يبقى تذوقه للغة وجمالها وتفاصيلها إحدى خصاله وهواياته.
أيضاً، يتداول الدبلوماسيون الذين عملوا مع الواصل مقولة تحمل بعض المجاملة، لكن وقعها مثير وهي: «من لم ينجح مع الواصل سيكون من الصعب أن ينجح مع غيره». ويبرر ذلك حرصه على التحفيز والتطوير وإلهام كل من يعمل تحت إدارته، كونه يتقبل الأفكار ولا يوصد باب المبادرات، «بل يتحول الأمر إلى أن يلاحق أصحاب المبادرة أو الفكرة ويطالبهم بمستجداتها ويتابعها حتى تنضج».
وفي الإطار ذاته، يتفق عدد من زملاء الواصل ونظرائه، على قدرته الفائقة على الإنصات، فهو «ينصت لدرجة تجعل المتحدث يعيد ويكرر ويوغل في التفصيل لينجح في إيصال فكرته، ثم يتفاجأ بأن الدكتور عبد العزيز لم يستوعب الفكرة وحسب، بل بدأ فعلاً بتكوينها بعمق والإلمام بأبعادها وتحدياتها».
أحد الدبلوماسيين الذين عملوا مع السفير، وفضّل حجب اسمه، قال: «حتى عند رفع التقارير الرسمية، يحرص الواصل على تذييل الرسائل باسم صاحب المبادرة. لديه قدر هائل من التصالح مع ذاته لدرجة أنه يدفع بالمبادرين والحريصين على الاجتهاد في العمل إلى أعلى درجة ممكنة من النجاح والسطوع، لهذا السبب يجري العمل معه أشبه بكسر للرتابة والروتين، رغم بيروقراطية العمل الحكومي، والالتزام والمساحات المحسومة مسبقاً التي تحملها وظيفة الدبلوماسي.
وحقاً، يترك الواصل لدى من عمل معهم من الموظفين أثراً جيداً تظهر صوره جلية عند مشاركتهم في الاجتماعات. وهو يقدر انخراطهم في العمل ومثابرتهم لتحقيق مصالح بلادهم، لكنه أيضاً دقيق في المواعيد وحريص على الإنجاز، وأشد حرصاً على التحضير الجيد لأي لقاء مهما كان من وجهة نظر آخرين عادياً.
أخيراً، يفخر كثيرون بِسِمات الدكتور الواصل، ويتداولون قصصه معهم كأنها حكايات خارجة من كتاب، وليست جزءاً من مهام العمل اليومية؛ فـ«كاريزما» الرجل وحكمته ممزوجتان بالتواضع والحسم عند الحاجة. وقد تكون هذه روايات تحكى، لكنها أيضاً واقع؛ إذ يعتبر كل من عمل مع الواصل أن تأثيره كان فائق الإيجابية على أدائهم وتحفيزهم. وتجسد ذلك في مختلف البعثات التي كان الدبلوماسي المخضرم - الذي وُلِدَ دبلوماسياً - جزءاً منها.

  • سيرة شخصية

- من مواليد جلاجل في وسط المملكة العربية السعودية، شمال غربي الرياض
- متزوج وأب لثلاث بنات وولدين
- تلقى تعليمه الجامعي في المملكة، وحاز شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية والعلاقات الدولية من جامعة أستراليا الوطنية في العاصمة الأسترالية كانبرا
- التحق بالسلك الدبلوماسي عام 1999 حيث عمل في إدارة المنظمات الدولية بوزارة الخارجية في الرياض
- عام 2001 انتقل إلى سفارة المملكة العربية السعودية في كانبرا عاصمة أستراليا. وكان بين المهام التي تولاها القائم بالأعمال
- عام 2007 عاد إلى ديوان وزارة الخارجية، ثم انتقل إلى البعثة الدائمة للمملكة العربية السعودية لدى الأمم المتحدة بجنيف، حيث تولى ملف حقوق الإنسان لمدة تزيد على أربع سنوات ونصف
- عام 2013 انتقل إلى السفارة في لندن عام 2013، وكُلف بالعمل نائباً لرئيس البعثة، ومكث في بريطانيا حتى صدور قرار تعيينه سفيراً ومندوباً دائماً للمملكة العربية السعودية لدى الأمم المتحدة بجنيف عام 2016
- قبل انضمامه إلى السلك الدبلوماسي، عمل في وظائف مُختلفة في القطاعين العام والخاص، بما في ذلك العمل مُحاضراً في كلية الملك عبد العزيز الحربية بالرياض، ومُساعد مُحاضر في قسم العلوم السياسية بجامعة مارشال في الولايات المتحدة


مقالات ذات صلة

«أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

شمال افريقيا «أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

«أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

نقلت سفينة «أمانة» السعودية، اليوم (الخميس)، نحو 1765 شخصاً ينتمون لـ32 دولة، إلى جدة، ضمن عمليات الإجلاء التي تقوم بها المملكة لمواطنيها ورعايا الدول الشقيقة والصديقة من السودان، إنفاذاً لتوجيهات القيادة. ووصل على متن السفينة، مساء اليوم، مواطن سعودي و1765 شخصاً من رعايا «مصر، والعراق، وتونس، وسوريا، والأردن، واليمن، وإريتريا، والصومال، وأفغانستان، وباكستان، وأفغانستان، وجزر القمر، ونيجيريا، وبنغلاديش، وسيريلانكا، والفلبين، وأذربيجان، وماليزيا، وكينيا، وتنزانيا، والولايات المتحدة، وتشيك، والبرازيل، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وهولندا، والسويد، وكندا، والكاميرون، وسويسرا، والدنمارك، وألمانيا». و

«الشرق الأوسط» (جدة)
الخليج السعودية تطلق خدمة التأشيرة الإلكترونية في 7 دول

السعودية تطلق خدمة التأشيرة الإلكترونية في 7 دول

أطلقت السعودية خدمة التأشيرة الإلكترونية كمرحلة أولى في 7 دول من خلال إلغاء لاصق التأشيرة على جواز سفر المستفيد والتحول إلى التأشيرة الإلكترونية وقراءة بياناتها عبر رمز الاستجابة السريعة «QR». وذكرت وزارة الخارجية السعودية أن المبادرة الجديدة تأتي في إطار استكمال إجراءات أتمتة ورفع جودة الخدمات القنصلية المقدمة من الوزارة بتطوير آلية منح تأشيرات «العمل والإقامة والزيارة». وأشارت الخارجية السعودية إلى تفعيل هذا الإجراء باعتباره مرحلة أولى في عددٍ من بعثات المملكة في الدول التالية: «الإمارات والأردن ومصر وبنغلاديش والهند وإندونيسيا والفلبين».

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق «ملتقى النقد السينمائي» نظرة فاحصة على الأعمال السعودية

«ملتقى النقد السينمائي» نظرة فاحصة على الأعمال السعودية

تُنظم هيئة الأفلام السعودية، في مدينة الظهران، الجمعة، الجولة الثانية من ملتقى النقد السينمائي تحت شعار «السينما الوطنية»، بالشراكة مع مهرجان الأفلام السعودية ومركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي (إثراء). ويأتي الملتقى في فضاءٍ واسع من الحوارات والتبادلات السينمائية؛ ليحل منصة عالمية تُعزز مفهوم النقد السينمائي بجميع أشكاله المختلفة بين النقاد والأكاديميين المتخصصين بالدراسات السينمائية، وصُناع الأفلام، والكُتَّاب، والفنانين، ومحبي السينما. وشدد المهندس عبد الله آل عياف، الرئيس التنفيذي للهيئة، على أهمية الملتقى في تسليط الضوء على مفهوم السينما الوطنية، والمفاهيم المرتبطة بها، في وقت تأخذ في

«الشرق الأوسط» (الظهران)
الاقتصاد مطارات السعودية تستقبل 11.5 مليون مسافر خلال رمضان والعيد

مطارات السعودية تستقبل 11.5 مليون مسافر خلال رمضان والعيد

تجاوز عدد المسافرين من مطارات السعودية وإليها منذ بداية شهر رمضان وحتى التاسع من شوال لهذا العام، 11.5 مليون مسافر، بزيادة تجاوزت 25% عن العام الماضي في نفس الفترة، وسط انسيابية ملحوظة وتكامل تشغيلي بين الجهات الحكومية والخاصة. وذكرت «هيئة الطيران المدني» أن العدد توزع على جميع مطارات السعودية عبر أكثر من 80 ألف رحلة و55 ناقلاً جوياً، حيث خدم مطار الملك عبد العزيز الدولي بجدة النسبة الأعلى من المسافرين بـ4,4 مليون، تلاه مطار الملك خالد الدولي في الرياض بـ3 ملايين، فيما خدم مطار الأمير محمد بن عبد العزيز الدولي بالمدينة المنورة قرابة المليون، بينما تم تجاوز هذا الرقم في شركة مطارات الدمام، وتوز

«الشرق الأوسط» (الرياض)
شمال افريقيا فيصل بن فرحان وغوتيريش يبحثان وقف التصعيد في السودان

فيصل بن فرحان وغوتيريش يبحثان وقف التصعيد في السودان

بحث الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله وزير الخارجية السعودي والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، اليوم (الخميس)، الجهود المبذولة لوقف التصعيد العسكري بين الأطراف في السودان، وتوفير الحماية اللازمة للمدنيين السودانيين والمقيمين على أرضه. وأكد الأمير فيصل بن فرحان، خلال اتصال هاتفي أجراه بغوتيريش، على استمرار السعودية في مساعيها الحميدة بالعمل على إجلاء رعايا الدول التي تقدمت بطلب مساعدة بشأن ذلك. واستعرض الجانبان أوجه التعاون بين السعودية والأمم المتحدة، كما ناقشا آخر المستجدات والتطورات الدولية، والجهود الحثيثة لتعزيز الأمن والسلم الدوليين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

اختيار هاريس قد لا يكفي لتجنيب الديمقراطيين الهزيمة

كمالا هاريس... أمام الأختبار السياسي الأكبر (رويترز)
كمالا هاريس... أمام الأختبار السياسي الأكبر (رويترز)
TT

اختيار هاريس قد لا يكفي لتجنيب الديمقراطيين الهزيمة

كمالا هاريس... أمام الأختبار السياسي الأكبر (رويترز)
كمالا هاريس... أمام الأختبار السياسي الأكبر (رويترز)

في حملة الانتخابات الرئاسية الأميركية، ثمة انزياح الجمهوريين إلى سياسات انعزالية خارجياً وحمائية اقتصادية داخلياً، معطوفة على سياسات اجتماعية يمينية متشددة، قد يكون من الصعب إقناع بعض الشارع بخطورتها. وفي المقابل، ما لم يقدم الديمقراطيون حلولاً للمشاكل التي أبعدت ولا تزال تبعد، شريحة واسعة من أبناء الطبقة العاملة إلى التصويت مرتين لمصلحة دونالد ترمب، فإنهم سيفقدون السيطرة على حملتهم.

الأمر لا يقتصر على أفراد الطبقة العاملة البيضاء الذين غادروا الحزب الديمقراطي بأعداد كبيرة خلال العقود الأخيرة، إذ أظهرت استطلاعات الرأي أن ترمب يُعد لاجتذاب الناخبين السود واللاتينيين من الطبقة العاملة بنسب تاريخية محتملة. ومع اعتناق ترمب ومرشحه لمنصب نائب الرئيس، جي دي فانس، لسنوات، سياسات «شعبوية» فإنهما سعيا أيضاً إلى استخدام حتى بعض الانتقادات «التقدمية» للسوق الحرة، ولو كانا سيخدمان الأثرياء في نهاية المطاف.

ترمب يهاجم هاريس خلال مهرجان انتخابي في ولاية نورث كارولينا (آب)

ولاغتنام هذه الفرصة، قد يفكر الديمقراطيون في قراءة كيف تمكّن حزبهم من التعافي من الأزمات الخطيرة في ماضيهم. ومعلوم أنه في حين كانت الانتخابات الماضية تدور حول السياسات، وليس التدهور الذهني للمرشحين والتشكيك بقدرتهم على الفوز، كما كان الحال مع بايدن في هذه الانتخابات، فإنهم لم ينجحوا إلا عندما قدّموا أجندة اقتصادية، تروّج لرأسمالية أكثر أخلاقية وأقل ضراوة وقسوة.

توحد حول «أجندة تقدمية»يقول مايكل كوزين، أستاذ التاريخ في جامعة جورجتاون، إنه منذ القرن التاسع عشر، لم ينجح الديمقراطيون في قلب هزائمهم، إلّا بعد توحيد صفوفهم خلف أجندة، قدمت مساراً مختلفاً لمعالجة الأزمات، من «الكساد الكبير» إلى التصدي للعنصرية، وكسر الخطاب الشعبوي - الذي هدف إلى كسب تأييد المزارعين وعمال المناجم - ومن ثم طرحوا حلولاً بشأن العمل والضمانات الاجتماعية والصحية والمال.

في العشرينات من القرن الماضي، دارت أزمة الديمقراطيين حول قضايا الثقافة والعِرق بدلاً من تحديد من فاز ومن خسر فيما كان آنذاك اقتصاداً مزدهراً. ولقد تطلب الأمر أسوأ كساد في تاريخ البلاد، لإعطاء الديمقراطيين الفرصة لوضع هذه الاختلافات وراء ظهورهم. وعام 1932، تحت قيادة فرانكلين روزفلت، فازوا بغالبية كبيرة في الكونغرس وأنشأوا أكبر توسع في السلطات المحلية للحكومة الفيدرالية في تاريخ الولايات المتحدة.

وبعدها، في عام 1968، بدا أن انسحاب ليندون جونسون من السباق أشبه بانسحاب جو بايدن هذا العام... إذ كان الرجلان يخطّطان للترشح لإعادة الانتخاب، لكن المعارضة الشرسة داخل حزبهما أثنتهما عن ذلك. واليوم، كما حصل سابقاً، أخذ نائب الرئيس مكانه على رأس القائمة. غير أن معارضة عودة جونسون كانت بسبب أكثر أهمية بكثير من القلق بشأن أداء الرئيس في مناظرة، أو على قدراته الجسدية والمعرفية التي قسا عليها الزمن. كان الخلاف يومذاك حول «حرب فيتنام» يقسم الديمقراطيين، والأميركيين عموماً، وهو ما أدى إلى خسارتهم أمام الجمهوريين وفوز المرشح الجمهوري ريتشارد نيكسون.

اصطفاف التيار التقدمياليوم، باستثناء الحرب في غزة، وانتقاد التيار التقدمي لإسرائيل، فإن الديمقراطيين متّحدون بشكل ملحوظ حول القضايا التي ركّز عليها بايدن في حملته الانتخابية. وبدا أن تمسك هذا التيار به والاصطفاف اليوم وراء نائبته كامالا هاريس، دليل على إجماع على أن «خطر» إدارة ترمب أخرى قد طغى على استيائه منهما. وفي غياب أي استثناءات تقريباً، يتفق ممثلوهم مع أعضاء الحزب في مجلسي الشيوخ والنواب، على تشجيع العمال على تشكيل النقابات ويريدون القيام باستثمارات جادة في مجال الطاقة المتجددة، ويؤيدون بالإجماع زيادة الضرائب على الأغنياء وتسليح أوكرانيا.

بيد أن تغير موقف «التيار التقدمي» بشأن هاريس - التي لطالما تعرضت للانتقادات منه - يعكس إلى حد كبير الديناميكيات السياسية المتغيرة داخل الحزب الديمقراطي نفسه. وحقاً، منذ التراجع المطّرد لدور اليساري المخضرم بيرني ساندرز وتحوّله إلى شيء من الماضي، وكون النجوم التقدميين مثل النائبة ألكساندريا أوكازيو كورتيز، ما زالوا أصغر من أن يتمكنوا من الترشح للرئاسة، لا يوجد بديل واضح عند هذا التيار. وأيضاً، مع تهميش أولويات «التقدميين» التشريعية السابقة كالتعليم الجامعي المجاني والرعاية الصحية الشاملة، واستمرار تعثر القضايا الحالية كالحرب في غزة من دون نهاية واضحة، تقلصت فرص «تيارهم» في لعب دور أكبر داخل الحزب.

ولكن إذا أعطى انسحاب بايدن الديمقراطيين فرصة لإحياء حظوظهم فيما بدا لفترة وكأنه سباق خاسر، فإنه قد لا يفعل ذلك الكثير لمعالجة الأزمة الأعمق التي واجهوها منذ أعاد ترمب تشكيل الحزب الجمهوري.

الديمقراطيون تجنّبوا الانقسامفإجماع الديمقراطيين على الدفع بكامالا هاريس خياراً لا بد منه، قد يكون جنبهم على الأقل خطر الانقسام. ورغم كونها خطيبة مفوهة، على خلفيتها بوصفها مدعية عامة وسيناتوراً سابقاً عن كاليفورنيا - كبرى الولايات الأميركية وأهمها - يظل العديد من الأميركيين ينظرون إليها على أنها «ليبرالية» و«تقدمية» تهتم بشدة بالحقوق الإنجابية والتنوع العرقي. وهم أيضاً يأخذون عليها أنها لم تظهر، حتى الآن على الأقل، قدرتها على التواصل بالقوة نفسها مع ناخبي الطبقة العاملة الذين يعتقدون أن لا الحزب الديمقراطي ولا الحكومة أظهرا الاهتمام نفسه بمشاكلهم الاقتصادية... وخوفهم من أن حياة أطفالهم قد تتعرض للخطر.

واستناداً إلى استطلاعات رأي تشير منذ عدة سنوات إلى أن أغلب الناس يعتقدون أن الولايات المتحدة «تسير على المسار الخطأ»، استخدم جي دي فانس، نائب ترمب، هذه المخاوف التي عرضها في كتابه «مرثية هيلبيلي» لتصعيد الخطاب الشعبوي، الذي عدّه البعض دعوة إلى إعادة عقارب الزمن عبر إحياء الصناعات المنقرضة، بدلاً من الاستثمار في المستقبل.

صعود المظالممع هذا، إذا اكتفت هاريس بالترويج والدفاع عن إنجازاتها وبايدن فقط، فقد تفشل في معالجة هذه المخاوف، وربما تسمح لترمب بالفوز مرة أخرى. الاعتراف باللامساواة بين الجنسين وقبول «الهويات» الجنسية، ونقد الاستعمار والعنصرية وكراهية الأجانب، وصعود حركة حماية البيئة، كلها مظالم وتحديات لشرائح واسعة تعتقد أنها تتعرّض للخطر وتدعو الساسة للعودة إلى الأنماط القديمة دفاعاً عنها. كما أن اضطرابات أخرى لعبت أيضاً دوراً في صعود هذه المظالم، من تغير المناخ والتحديات الاقتصادية التي فرضها، واستمرار التفاوت في الدخل، وموجات المهاجرين إلى أوروبا والولايات المتحدة، والانهيار الاقتصادي عام 2008، وجائحة «كوفيد-19» التي ألحقت أضراراً بالغة بالاقتصادات في جميع أنحاء العالم.

ومع تصاعد الشكوى من الهجرة والمهاجرين والتغير الديموغرافي والعولمة في كل مكان، يهدّد خطاب «الشعبوية» الجديد الديمقراطيات الليبرالية القديمة. وبدا أن احتضان الناخبين الأميركيين لترمب، يشبه تحول الناخبين الفرنسيين نحو حزب «التجمّع الوطني» اليميني المناهض للمهاجرين بزعامة مارين لوبان، الذي يدّعي أنه يمثل «فرنسا الحقيقية»، ومعه صعود العديد من أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا، وفق الكاتب الأميركي إدواردو بوتر.

فشل ديمقراطي

مع ذلك، فشل الديمقراطيون منذ عهد باراك أوباما في تقديم برنامج سياسي متماسك حول الوجهة التي يريدون أخذ أميركا إليها، والتكلم عن أولئك الذين يكافحون من أجل تغطية نفقاتهم، وهذا، بصرف النظر عن دفاعهم عن مصالح الطبقة الوسطى والتسامح مع الاختلافات الثقافية والتحرك نحو اقتصاد أكثر خضرة.

ومع أن ترشيح كامالا هاريس قد يعطيهم الفرصة للبدء في تغيير تلك الصورة، يظل الخطر كامناً في أنهم قد يعتقدون أن الأزمة الأخيرة التي مروا بها، أمكن حلها بتغيير المرشحين من دون معالجة حالة السخط التي تعصف بالبلاد. وهذا ما بدا من خطابهم الذي عاد للتشديد على أن المهمة الرئيسية هي منع عودة ترمب. فقد التحمت الأصوات الديمقراطية في خطاب شبه موحّد لتصوير الانتخابات على «أنها بين مجرم مُدان لا يهتم إلا بنفسه ويحاول إعادة عقارب الساعة إلى الوراء بما يخص حقوقنا وبلدنا، ومدعية عامة سابقة ذكية ونائبة رئيس ناجحة تجسد إيمانناً بأن أفضل أيام أميركا لا تزال أمامنا»، على ما كتبته الثلاثاء، هيلاري كلينتون في مقالة رأي في «نيويورك تايمز».

ربما لا حاجة إلى التذكير بأن خسارة كلينتون نفسها للسباق الرئاسي أمام ترمب عام 2016، كان بسبب إحجام ناخبي ولايات ما يعرف بـ«حزام الصدأ» - حيث قاعدة العمال البيض - عن تأييدها، بعدما خسر مرشحهم بيرني ساندرز الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي، الذي كان ينظر إليه على أنه مرشح واعد للدفاع عن حقوق الطبقة العاملة، ومنحهم أصواتهم لترمب الذي نجح في مخاطبة هواجسهم.

فرصة هاريس

اليوم، في ضوء انتزاع هاريس - إلى حد بعيد - بطاقة الترشيح قبل انعقاد مؤتمر الحزب في 19 أغسطس (آب) المقبل، ما يوفر عليها خوض انتخابات تمهيدية جديدة والفوز فيها، فإنها تحظى بفرصة لإعادة تقديم نفسها. وخلال الأيام الأخيرة، تعززت حملتها بفضل زيادة الحماسة والدعم وجمع التبرعات الذي حقق أرقاماً قياسية خلال 48 ساعة، وكل ذلك كان مفقوداً في حملة بايدن وسط مخاوف بشأن عمره وصحته.

لكن الحزب ما زال منقسماً حيال الرد على هجمات الجمهوريين، إذ يشعر البعض بالقلق من أن الغرق في مناقشات حول العنصرية والتمييز الجنسي، يمكن أن يستهلك حملة هاريس لدى انشغالها بمخاطبة جمهور الناخبين الأوسع. ولذا تصاعدت الأصوات الديمقراطية الداعية إلى جسر الهوة إزاء الهجرة والجريمة والتضخم، التي يركز الجمهوريون عليها، بينما يتساءل آخرون، عمّا إذا كان الكلام الصارم عن الإجهاض والضرائب والعنصرية، وغير ذلك من بنود جدول الأعمال التي يسعى الديمقراطيون بشدة إلى إعادتها إلى قمة الأولويات العامة، هو الطريقة الأفضل لخوض السباق ضد ترمب. الديمقراطيون متّحدون اليوم حول القضايا التي ركّز عليها بايدن

 

لطّف الجمهوريون خطابهم المتشدد... بينما يبحث الديمقراطيون عن نائب لهاريس

> لا يخفى، لدى تفحّص المشهد الانتخابي الأميركي، أن الجمهوريين سعوا للاستفادة من مكاسب استطلاعات الرأي مع الأميركيين الذين كانوا مترددين في السابق تجاه دونالد ترمب، وخاصة الناخبين غير البيض. إذ أعادوا تنظيم مؤتمرهم الوطني للتأكيد على «الوحدة»، بعد محاولة الاغتيال التي تعرّض لها ترمب، وتقديمه كرجل دولة وليس محارباً للثقافة والعرق. وتضمن المؤتمر كلمات دحضت الاتهامات بالعنصرية ضد ترمب، إلى جانب عدد من المتكلمين الذين أكدوا على خلفياتهم المهاجرة وعلى أن الجمهوريين مهتمون فقط بأمن الحدود. وبينما يقلّب الديمقراطيون الأسماء لاختيار نائب الرئيس على بطاقة الاقتراع مع كمالا هاريس، برز عدد من الأسماء على رأسهم جوش شابيرو حاكم ولاية بنسلفانيا المتأرجحة. وحظي شابيرو، وهو يهودي أبيض،

ترمب يهاجم هاريس خلال مهرجان انتخابي في ولاية نورث كارولينا (آب)

بالاهتمام كونه حقق فوزاً كبيراً في انتخابات عام 2022، متغلباً على سيناتور يميني متشدد أنكر فوز بايدن في انتخابات عام 2020، ويلقى دعماً كبيراً من الرئيس السابق باراك أوباما. أيضاً، برز السيناتور مارك كيلي (من ولاية أريزونا المتأرجحة أيضاً) الذي عُدّ منافساً محتملاً في مواجهة نائب ترمب، السيناتور جي دي فانس (من ولاية أوهايو). ويقف الرجلان على النقيض في العديد من قضايا السياسة الخارجية، وخصوصاً فيما يتعلق بمسألة مساعدة أوكرانيا. وبدا كيلي مرشحاً مثالياً ضد فانس؛ للموازنة بين الحفاظ على الولايات المتأرجحة، والحفاظ على سياستهم الخارجية. واتهمه بأنه «سيتخلى» عن أوكرانيا لصالح روسيا. وأردف كيلي قائلاً، إنه «أمام ما قد يفعله ترمب وفانس للتخلي عن حليف، فهذا من شأنه أن يؤدي إلى عالم أكثر خطورة بكثير». ورغم رفضه تأكيد أن يكون من بين المرشحين، قائلاً إن الأمر يتعلق بهاريس، «المدعية العامة التي تتمتع بكل هذه الخبرة، وترمب الرجل المدان بـ34 جناية ولديه خيار بشأن المستقبل، قد يعيدنا إلى الماضي حين كنا أقل أماناً».