إصابة ماضية بـ«كوفيد» في الصين تجعل من المرضى السابقين منبوذين

يُطلق عليهم لقب «الخراف الصغيرة» وسجلهم الطبي يلاحقهم كـ«الغيمة السوداء»

صورة أرشيفية من مدينة شنغهاي (أ.ف.ب)
صورة أرشيفية من مدينة شنغهاي (أ.ف.ب)
TT

إصابة ماضية بـ«كوفيد» في الصين تجعل من المرضى السابقين منبوذين

صورة أرشيفية من مدينة شنغهاي (أ.ف.ب)
صورة أرشيفية من مدينة شنغهاي (أ.ف.ب)

تعجز السيدة زوو عن إيجاد عمل، بعد أشهر على إصابتها بـ«كوفيد»، وشفائها منه، على غرار العديد من الصينيين الذين يشكون من تمييز متزايد يجعلهم «منبوذين من المجتمع»، على ما أوردت «وكالة الصحافة الفرنسية» في تقرير لها، أمس.
وحين كشف فحص إصابتها بالوباء، في وقت كانت تعمل في طاقم التنظيف بمركز للحجر الصحي في شنغهاي، ظنّت المرأة الصينية التي لم تعطِ سوى اسم عائلتها، أنها ستُشفى من المرض وتستعيد حياة طبيعية، لكنها لا تزال بعد أشهر عدة تقاتل من أجل معاودة العمل، وتقول: «الناس يخشون التقاط الفيروس بمجرّد الاقتراب منا، وبالتالي يتفادوننا».
ومن الصعب إخفاء الحقيقة خلال مقابلة توظيف، إذ إن الذين يتولّون اختيار الموظفين «يتحققون من سجل اختبارات (كوفيد) لفترة تعود إلى عدّة أشهر خلال المقابلة». ويندد مدافعون عن الحقّ في العمل بهذا التمييز الذي يطال مرضى سابقين بعد شفائهم الكامل، مشيرين إلى أن الضحايا الأوائل هم النازحون القادمون من الأرياف والشبان.
والصين هي آخر الاقتصادات الكبرى في العالم التي لا تزال تطبق سياسة «صفر كوفيد» صارمة، مع إجراء حملات فحوص واسعة النطاق، وفرض الحجر الصحي على أحياء، لا بل على مدن بالكامل. ويتم إرسال الذين تظهر الفحوص إصابتهم ومخالطيهم تلقائيّاً إلى مراكز حجر. ونتيجة هذه السياسة، يقول جين دونيانغ، الأستاذ في مدرسة العلوم الطبية الأحيائيّة، في جامعة هونغ كونغ، إن «وصمة تلحق ببعض المرضى السابقين، كما بأفراد عائلاتهم وجيرانهم وأصدقائهم. وحتى أعضاء الطواقم الطبية في الخطوط الأمامية لمكافحة المرض يواجهون مشاعر ريبة وحذر». وأوضح أن «الجهل يجعل البعض يخشون أن يكون الأشخاص الذين أُصيبوا في الماضي عرضة أكثر للإصابة مجدّداً، في حين أن العكس صحيح».
وبينما باشرت السيدة زوو معركة قضائية ضدّ رب عملها الذي يرفض تسديد أجرها منذ أن أُصيبت بالمرض، أو أن يعيد لها وظيفتها، عرفت هي يوشيو المصير ذاته، فكانت المؤثّرة على شبكات التواصل الاجتماعي التي تتكلم تحت اسم مستعار في أوكرانيا حين اندلعت الحرب، ثم عادت إلى الصين حيث باشرت العمل أستاذة للغة الروسية في إقليم هيبي بشمال الصين، لكن حين علمت المدرسة أنها أصيبت بـ«كوفيد» في أوكرانيا، طُرِدت من وظيفتها. وقالت في فيديو نشرته على «ويبو»، وهو الموقع الصيني الشبيه بـ«تويتر»: «ما خطر لي يوماً أن أخسر وظيفتي الأولى لهذا السبب»، متسائلة: «لماذا نُعامل وكأنّنا فيروس في حين أننا هزمناه؟».
وأُشير إلى حالات تمييز أخرى في أنحاء مختلفة من البلاد؛ ففي الشهر الماضي، نشرت إعلانات عن وظائف في مصانع في شنغهاي أشارت بوضوح إلى أنه لن يتمّ توظيف أي شخص سبق أن أُصيب بـ«كوفيد». وفي شنغهاي أيضاً، انتشرت قصة امرأة شابة عاشت عدّة أسابيع في حمّامات محطة القطارات في هونغ كياو، إذ لم يعد بوسعها، بعد شفائها، العثور على عمل ولا العودة إلى العيش في قريتها.
وفي فوشان (جنوب)، اضطرّ مسرح إلى الاعتذار، بعد فضيحة أثارها ملصق يحظر دخول كل من أُصيب في يوم من الأيام بالفيروس. ونشرت السلطات الصينية في يوليو (تموز) مذكرة تحظر «أي تمييز ضد المرضى المتعافين من (كوفيد)»، ودعا رئيس الوزراء لي كه تشيانغ إلى فرض «عقوبات صارمة على من يخالف هذه التعليمات».
لكن وانغ تاو، الوكيل الذي يشكل صلة وصل بين المصانع والعمال القادمين من الأرياف، يؤكد أن بعض المصانع في شنغهاي «لم تبدّل ممارساتها حتى بعد إعلان المدينة قواعد صارمة ضد التمييز». وقال: «بعضها يعطي ذرائع مختلفة (لعدم التوظيف) في حين تعاني نقصاً في اليد العاملة، لكن الحقيقة أن كل الذين رُفضت طلباتهم للعمل كانت فحوصهم إيجابية في فترة ما ماضية».
واتصلت «وكالة الصحافة الفرنسية» بثماني شركات ذكرتها وسائل الإعلام الرسمية لممارساتها التمييزية، ومن بينها «فوكسكون»، لصنع أجهزة «الآيفون»، لكن أياً منها لم تشأ التعليق. وقال أيدان تشاو الباحث في مجموعة «تشاينا لايبور بوليتين» الحقوقية: «من الصعب جداً على العمال حماية حقوقهم، لأنه (...) من الصعب أن يثبتوا أن أرباب العمل يخالفون قانون العمل». وتابع: «من المهم أن تتحرك النقابات. لكن العديد من الشركات الصغرى والوسطى ليس لديها نقابات».
ويُطلق على الذين كشفت الفحوص إصابتهم لقب «الخراف الصغيرة»، على شبكات التواصل الصينية، إذ إن كلمتي «إيجابي» و«خروف» تُلفظان بالطريقة ذاتها باللغة الصينية... ويبقى أن كلّ ما تريده السيدة زوو هو طي الصفحة. وتقول: «من الصعب جداً على المرضى المتعافين العودة إلى حياة طبيعية. أينما ذهبنا، يتبعنا سجلّ إصابتنا مثل غيمة سوداء».


مقالات ذات صلة

«أولمبياد 2024»: إصابة رياضيين بلجيكيين بـ«كوفيد» قبل السفر لباريس

رياضة عالمية رياضيو بلجيكا اضطروا إلى تأجيل مغادرتهم إلى باريس (رويترز)

«أولمبياد 2024»: إصابة رياضيين بلجيكيين بـ«كوفيد» قبل السفر لباريس

ثبتت إصابة كثير من الرياضيين البلجيكيين المشاركين في دورة الألعاب الأولمبية بفيروس «كوفيد-19» مؤخراً، واضطروا إلى تأجيل مغادرتهم إلى باريس.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي جو بايدن (رويترز)

طبيب: نتائج اختبار بايدن لـ«كوفيد» جاءت سلبية

أعلن طبيب البيت الأبيض في رسالة، اليوم (الثلاثاء)، أن نتيجة اختبار جو بايدن لـ«كوفيد-19» جاءت سلبية، في الوقت الذي عاد فيه الرئيس إلى واشنطن.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
رياضة عالمية آنا ميريس رئيسة بعثة أستراليا خلال حديثها لوسائل الإعلام (رويترز)

بعثة أستراليا: عزل لاعبة كرة ماء في أولمبياد باريس بعد إصابتها بكوفيد

قالت آنا ميريس رئيسة بعثة أستراليا في أولمبياد باريس اليوم الثلاثاء إن لاعبة في فريق كرة الماء المحلي تم عزلها بعد إصابتها بفيروس كورونا.

«الشرق الأوسط» (باريس)
العالم عودة السفر الجوي إلى طبيعته بعد طفرة دامت سنوات في أعقاب جائحة كورونا وسط إحجام المصطافين والمسافرين بسبب ارتفاع الأسعار (رويترز)

الطلب على السفر الجوي يعود إلى طبيعته بعد الطفرة التي أعقبت «كورونا»

قال مسؤولون تنفيذيون في شركات طيران كبرى مشاركون بمعرض «فارنبورو» للطيران في إنجلترا، الاثنين، إن الطلب على السفر الجوي يعود إلى طبيعته بعد «كورونا».

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم كبار السن وضعاف المناعة معرضون بشكل خاص للمتغيرات الفرعية الجديدة للفيروس (أرشيفية - رويترز)

لماذا ينتشر فيروس «كورونا» هذا الصيف؟

في شهر يوليو (تموز) من كل عام، على مدى السنوات الأربع الماضية، لاحظ علماء الأوبئة ارتفاعاً مفاجئاً في حالات الإصابة بفيروس «كورونا».

«الشرق الأوسط» (لندن)

بلينكن يصل إلى لاوس لحضور اجتماعات «آسيان» ولقاء نظيره الصيني

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن خلال مشاركته في اجتماع وزراء خارجية رابطة دول جنوب شرق آسيا (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن خلال مشاركته في اجتماع وزراء خارجية رابطة دول جنوب شرق آسيا (أ.ف.ب)
TT

بلينكن يصل إلى لاوس لحضور اجتماعات «آسيان» ولقاء نظيره الصيني

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن خلال مشاركته في اجتماع وزراء خارجية رابطة دول جنوب شرق آسيا (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن خلال مشاركته في اجتماع وزراء خارجية رابطة دول جنوب شرق آسيا (أ.ف.ب)

وصل وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، فجر السبت، إلى لاوس حيث سيحضر اجتماعات رابطة دول «آسيان» ويجري محادثات مع نظيره الصيني، وذلك في مستهل جولة آسيوية تشمل دولاً عدة وتهدف إلى تعزيز علاقات واشنطن مع حلفائها الإقليميين في مواجهة بكين.

ومن المقرر أن يلتقي بلينكن وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش محادثات وزراء خارجية رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) التي تعقد في فينتيان، عاصمة لاوس.

منافسة حادة

ويسعى بلينكن لتحقيق تطلّع بجعل منطقة المحيطين الهندي والهادئ «منطقة حرة ومفتوحة ومزدهرة»، وهو شعار يحمل في طيّاته انتقاداً للصين وطموحاتها الاقتصادية والإقليمية والاستراتيجية في المنطقة.

وقالت وزارة الخارجية في بيان صدر قبل وقت قصير من وصول بلينكن إلى فينتيان، إنّ «محادثات الوزير ستواصل البناء والتوسع غير المسبوق للعلاقات بين الولايات المتحدة وآسيان»، وفق ما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية.

وهذه هي الزيارة الـ18 التي يقوم بها بلينكن إلى آسيا منذ توليه منصبه قبل أكثر من ثلاث سنوات، ما يعكس المنافسة الحادة بين واشنطن وبكين في المنطقة.

ووصل بلينكن بعد يومين على اجتماع عقده وزيرا خارجية الصين وروسيا مع وزراء خارجية تكتل «آسيان» الذي يضم عشر دول، وقد عقدا أيضاً اجتماعاً ثنائياً على الهامش.

وناقش وانغ وسيرغي لافروف «هيكلية أمنية جديدة» في أوراسيا، وفق وزارة الخارجية الروسية.

وقالت الوزارة إن وانغ ولافروف اتفقا على «التصدي المشترك لأي محاولات من جانب قوى من خارج المنطقة للتدخل في شؤون جنوب شرق آسيا».

وتقيم الصين شراكة سياسية واقتصادية قوية مع روسيا. ويعتبر أعضاء حلف شمال الأطلسي بكين مسانداً رئيسياً لموسكو في حربها على أوكرانيا.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية ماو نينغ، الجمعة، إن وانغ وبلينكن «سيتبادلان وجهات النظر حول مسائل ذات اهتمام مشترك».

ووفق وزارة الخارجية الأميركية سيناقش بلينكن «أهمية التقيّد بالقانون الدولي في بحر الصين الجنوبي» خلال محادثات «آسيان».

توترات متصاعدة

وتأتي المحادثات في خضم توترات متصاعدة بين الصين والفلبين في بحر الصين الجنوبي، حيث سجّلت مواجهات في الأشهر الأخيرة بين سفن فلبينية وصينية حول جزر مرجانية متنازع عليها.

وتتمسك بكين بالسيادة شبه الكاملة على الممر المائي الذي تعبره سنوياً بضائع بتريليونات الدولارات، على الرغم من حكم أصدرته محكمة دولية قضى بأن لا أساس قانونياً لموقفها هذا.

وفقد بحار فلبيني إبهامه في مواجهة وقعت في 17 يونيو (حزيران) حين أحبط أفراد من جهاز خفر السواحل الصيني محاولة للبحرية الفلبينية لإمداد قواتها في موقع ناء.

وانتقدت الصين في وقت سابق من العام الحالي تصريحات لبلينكن أبدى فيها استعداد واشنطن للدفاع عن الفلبين إذا تعرضت قواتها أو سفنها أو طائراتها لهجوم في بحر الصين الجنوبي.

وتصر بكين على أنه «لا يحق» للولايات المتحدة التدخل في بحر الصين الجنوبي.

والبلدان على طرفي نقيض في ملفات التجارة وحقوق الإنسان ووضع جزيرة تايوان المتمتعة بالحكم الذاتي.

وتشمل جولة بلينكن ستّ دول هي لاوس وفيتنام واليابان والفلبين وسنغافورة ومنغوليا.

ومن المقرر أن يصدر وزراء خارجية الدول المنضوية في «آسيان» بياناً مشتركاً في ختام الاجتماعات التي ستُعقد على مدى ثلاثة أيام.