«سد النهضة»: إثيوبيا تتقدم خطوة جديدة... وتدعو مصر والسودان لـ«الحوار»

تجاهلت اعتراضات «دولتي المصب» وأعلنت تشغيل «التوربين الثاني»

موقع بناء سد النهضة (وكالة الأنباء الإثيوبية)
موقع بناء سد النهضة (وكالة الأنباء الإثيوبية)
TT

«سد النهضة»: إثيوبيا تتقدم خطوة جديدة... وتدعو مصر والسودان لـ«الحوار»

موقع بناء سد النهضة (وكالة الأنباء الإثيوبية)
موقع بناء سد النهضة (وكالة الأنباء الإثيوبية)

تجاهلت إثيوبيا اعتراضات مصر والسودان، متقدمةً خطوةً جديدةً في مشروع «سد النهضة»، الذي تبنيه منذ 2011 على الرافد الرئيسي لنهر النيل، ويثير توترات متنامية مع دولتي المصب.
وبحضور رئيس الوزراء آبي أحمد، والرئيسة سهل وورك زودي، ومسؤولين حكوميين كبار آخرين، أعلنت أديس أبابا (الخميس)، تشغيل «التوربين الثاني» للسد، بهدف توليد الكهرباء، في إجراء «أحاديّ» عدّه مراقبون مصريون «انتهاكاً لإعلان المبادئ الموقَّع عام 2015».
وتطالب مصر والسودان، بإبرام اتفاق قانوني مُلزم ينظم عملتي ملء وتشغيل السد، وعدم شروع إثيوبيا في اتخاذ أي إجراءات أحادية، دون التنسيق مع دولتي المصب، تحسباً لأي أضرار محتملة.
وحسب وكالة الأنباء الإثيوبية (الرسمية) فإن التوربين الثاني تبلغ طاقته الحالية (375 ميغاواط). في حين أعلن آبي أحمد توليد 375 ميغاواط من الطاقة الكهرومائية من التوربين الأولى، في 20 فبراير (شباط) الماضي.
ووصلت أعمال البناء الكلية بـ«سد النهضة» إلى نحو 83.9 في المائة، فيما وصلت الأعمال المدنية إلى 95 في المائة، والأعمال الكهروميكانيكية إلى 61 في المائة، وفق ما ذكره مدير مشروع السد كيفل هورو.
وجاء الإعلان الإثيوبي وسط مظاهر احتفالية، شكر فيها آبي أحمد «جميع الجهات الفاعلة ذات الصلة» على ما وصفه بـ«الإنجاز الناجح» للمشروع وفقاً للخطة. كما هنأ «جميع الإثيوبيين على مساهماتهم المستمرة في المشروع»، مشيراً إلى أن «النجاحات التي تم تسجيلها حتى الآن تثبت أن ازدهار إثيوبيا سيتحقق حتماً».
ودعا رئيس الوزراء آبي أحمد مصر والسودان إلى مواصلة المفاوضات (المجمدة منذ أبريل - نيسان 2021)، مشيراً إلى أن بلاده «تقوم ببناء السد لتوليد الطاقة بحيث تتمكن البلاد في إخراج شعبها من الظلام». وطالب السودان ومصر بأن «يتفهما رغبة إثيوبيا في تلبية احتياجاتها من الطاقة الكهربائية»، نافياً أن تكون هناك «نية لإلحاق الضرر بدول المصب». وأوضح آبي أن «التعبئة لتوليد الطاقة الكهرومائية باستخدام التوربينات أثبتت أن إثيوبيا تعمل بحذر في تحقيق مشروعها مع مراعاة تدفق المياه إلى دول المصب».
كما دعا رئيس الوزراء مصر والسودان إلى «الدخول في مفاوضات لتسوية القضايا ذات الاهتمام المشترك عبر الحوار الذي هو الطريق الأمثل بالنسبة للبلدان مع استمرار بناء سد النهضة».
وعدّ «سد النهضة» تأكيداً على «التزام إثيوبيا بالاستخدام المنصف والمعقول لنهر آباي (الرافد الرئيس لنهر النيل باللغة الإثيوبية)»، ووعد بأن يصبح «مشروع تعاون في المنطقة، له مساهمة كبيرة في التكامل الاقتصادي».
وبشأن عملية الملء الثالث لخزان السد، قال آبي أحمد إنه «تم الوصول إلى ارتفاع 600 م3، قبل الوقت المحدد بعشرة أيام وتم تخزين 22 مليار متر مكعب المياه خلف السد».
ولم يصدر رد فعل مصري رسمي، على الفور، تجاه الخطوة الإثيوبية الجديدة. لكن الدكتور محمد مهران، أستاذ القانون الدولي، وعضو الجمعية الأميركية للقانون الدولي قال لـ«الشرق الأسط»، إن الإجراء الإثيوبي يعد استمراراً لانتهاكها قواعد القانون الدولي والاتفاقيات الدولية المعنية، كذلك «إعلان المبادئ الموقَّع بين الدول الثلاث عام 2015، وجميعها يفرض على إثيوبيا إخطار مصر والسودان بأي إجراءات على المجرى المائي الدولي، وضرورة التعاون والالتزام بتبادل المعلومات، وعدم الإضرار بالدول المعنية، والاتفاق على مواعيد الملء والتشغيل للسد، وغيرها من المبادئ التي تحكم الاستخدامات غير الملاحية للمجاري المائية الدولية».
وشكّك مهران في إعلان آبي أحمد عدم تضرر دولتي المصب بالمشروع، متسائلاً: «لماذا لا ترغب إثيوبيا في صياغة تلك التعهدات في اتفاق قانوني ملزم؟»، وعدّ «التعنت الإثيوبي سبباً رئيسياً وراء إفشال المفاوضات».
وطالب أستاذ القانون الدولي، مجلس الأمن بـ«عقد جلسة طارئة لاتخاذ قرار عاجل بوقف الأعمال والتشغيل بالسد، وإلزام إثيوبيا بالتفاوض للوصول إلى اتفاق قانوني ملزم لجميع الأطراف بشأن مواعيد الملء والتشغيل للسد، وتحمل مسؤولياته في الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين بالمنطقة».
ويرى وزير الموارد المائية المصري الأسبق محمد نصر علام، أن «وجود سد على نهر مشترك تعيش على مياهه دولتا مصر والسودان تبعاً لاتفاقيات قانونية دولية حدودية تاريخية، يتطلب موافقة البلدين على قواعد الملء والتشغيل بما يمنع أي أضرار جسيمة تؤثر على حياة هذه الشعوب»، مضيفاً: «السودان دولة ممر، ومصر دولة مصب، وكل مياه تخزَّن أمام السد الإثيوبي، تكون من حصة مصر المائية، لأن السودان تأخذ مياهها كاملة قبل وصول المياه لمصر».
وأوضح علام، في تغريدة له، أن «مصر والسودان توافقان على توليد الكهرباء لصالح الشعب الإثيوبي، ولا تمانعان من تخزين مياه السد وتشغيله، بضمان عدم الإضرار بشعبيهما، لذلك تطالب مصر بتعهد إثيوبيا برد السلفة المائية التي تستخدمها في ملء السد وتشغيله، خصوصاً في سنوات الجفاف، لحماية شعب مصر من نقص مياه مخزون السد العالي نتيجة للمياه التي تُحجز أمام السد الإثيوبي».
وتستهدف أديس أبابا الوصول إلى أكثر من 6 آلاف ميجاواط عند الانتهاء من بناء السد.
وأواخر الشهر الماضي، اتهمت مصر إثيوبيا بإفشال جميع الجهود والمساعي التي بُذلت من أجل حل أزمة سد النهضة، مؤكدةً تسجيلها اعتراضاً رسمياً لرئيس مجلس الأمن بسبب استمرار أديس أبابا في ملء السد بشكل أحادي.
وتصف القاهرة القضية بـ«الوجودية» لشعبها. ومطلع الأسبوع الجاري قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إن بلاده تتحرك في موضوع سد النهضة بـ«بهدوء وتفاوض»، وتعهد بحماية حصة بلاده قائلاً: «مياه مصر أمانة في رقبتنا كلنا وفي رقبتي ولن أسمح لأحد بالمساس بها».


مقالات ذات صلة

كيف تؤثر التوترات في السودان على موقف مصر بملف «سد النهضة»؟

العالم العربي كيف تؤثر التوترات في السودان على موقف مصر بملف «سد النهضة»؟

كيف تؤثر التوترات في السودان على موقف مصر بملف «سد النهضة»؟

جددت الاشتباكات بين قوات الجيش السوداني، وقوات «الدعم السريع»، المخاوف من دخول السودان في موجة جديدة من الاضطرابات، يمكن أن تؤثر على ملف «سد النهضة»، في وقت تستعد فيه إثيوبيا للملء الرابع لبحيرة السد، الذي يثير خلافات بشأنه مع دولتي المصب (السودان ومصر). وأكد مراقبون وخبراء تحدثوا إلى «الشرق الأوسط»، أن للاضطرابات الأخيرة في السودان «تأثيراً مباشراً» على أكثر من ملف إقليمي، من بينها أزمة «سد النهضة»، لافتين إلى أن «الارتباك السياسي» سيضعف أي تحفظات سودانية على الملء الرابع المنتظر أن يبدأ صيف هذا العام، الأمر الذي «يلقي بمزيد من الأعباء على الجانب المصري، وتحركاته الدولية والأممية في الملف». و

العالم العربي كيف يؤثر النزاع في السودان على موقف مصر بملف «سد النهضة»؟

كيف يؤثر النزاع في السودان على موقف مصر بملف «سد النهضة»؟

جددت الاشتباكات بين قوات الجيش السوداني، وقوات «الدعم السريع»، المخاوف من دخول السودان في موجة جديدة من الاضطرابات، يمكن أن تؤثر على ملف «سد النهضة»، في وقت تستعد فيه إثيوبيا للملء الرابع لبحيرة السد، الذي يثير خلافات بشأنه مع دولتي المصب (السودان ومصر). وأكد مراقبون وخبراء تحدثوا إلى «الشرق الأوسط»، أن للاضطرابات الأخيرة في السودان «تأثيراً مباشراً» على أكثر من ملف إقليمي، من بينها أزمة «سد النهضة»، لافتين إلى أن «الارتباك السياسي» سيضعف أي تحفظات سودانية على الملء الرابع المنتظر أن يبدأ صيف هذا العام، الأمر الذي «يلقي بمزيد من الأعباء على الجانب المصري، وتحركاته الدولية والأممية في الملف». و

العالم العربي «سد النهضة»: «الملء الرابع» يؤجج الخلافات بين مصر وإثيوبيا

«سد النهضة»: «الملء الرابع» يؤجج الخلافات بين مصر وإثيوبيا

مع اقتراب عملية الملء الرابع لخزان «سد النهضة» الإثيوبي على نهر النيل، تأججت الخلافات بين القاهرة وأديس أبابا، وسط تصعيد متوقع خلال الفترة القادمة في ظل جمود المفاوضات. وفيما اتهمت إثيوبيا مصر بـ«تسييس القضية»، رافضة الحصول على «إذن مسبق» من أجل الشروع في عملية الملء، قالت الخارجية المصرية إن إثيوبيا «تتنصل من المسؤولية القانونية». وتبني إثيوبيا «سد النهضة» على الرافد الرئيسي لنهر النيل، منذ عام 2011، ووفق الهيئة الحكومية المسؤولة عن المشروع، فقد اكتمل 90 في المائة من عمليات البناء.

محمد عبده حسنين (القاهرة)
العالم العربي «سد النهضة»: الملء الرابع يؤجج الخلافات بين مصر وإثيوبيا

«سد النهضة»: الملء الرابع يؤجج الخلافات بين مصر وإثيوبيا

مع اقتراب عملية الملء الرابع لخزان «سد النهضة» الإثيوبي على نهر النيل، تأججت الخلافات بين القاهرة وأديس أبابا، وسط تصعيد متوقع في ظل جمود المفاوضات. وفيما اتهمت إثيوبيا مصر بـ«تسييس القضية»، رافضة الحصول على «إذن مسبق» من أجل الشروع في عملية الملء، قالت الخارجية المصرية إن إثيوبيا «تتنصل من المسؤولية القانونية». وتبني إثيوبيا «سد النهضة» على الرافد الرئيسي لنهر النيل، منذ عام 2011، ووفق الهيئة الحكومية المسؤولة عن المشروع، فقد اكتمل 90 في المائة من عمليات البناء.

محمد عبده حسنين (القاهرة)
العالم العربي «معركة علمية» بين القاهرة وأديس أبابا لحسم النزاع المائي

«معركة علمية» بين القاهرة وأديس أبابا لحسم النزاع المائي

تسعى إثيوبيا إلى «انتفاضة بحثية علمية» تخدم موقفها في نزاعها المائي مع مصر، التي نجحت في فرض حضور دولي مبني على «نشر معلومات مغايرة للحقيقة»، بحسب وزير المياه والطاقة الإثيوبي هبتامو إيتافا. وتتنازع إثيوبيا مع كل من مصر والسودان، بسبب «سد النهضة»، الذي تبنيه على الرافد الرئيسي لنهر النيل، ويثير توترات مع دولتي المصب. وتقول القاهرة إن السد، الذي يقام منذ 2011، وقارب على الانتهاء بنحو 90 في المائة، يهدد «حقوقها» في مياه النهر الدولي، مطالبةً بضرورة التوصل إلى اتفاق قانوني مُلزم ينظم قواعد ملء وتشغيل «سد النهضة».

محمد عبده حسنين (القاهرة)

هل استهدفت إسرائيل إقصاء الوسطاء عن مفاوضات «هدنة غزة»؟

فلسطينيون يبكون على جثة أحد ضحايا القصف الإسرائيلي في النصيرات وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يبكون على جثة أحد ضحايا القصف الإسرائيلي في النصيرات وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

هل استهدفت إسرائيل إقصاء الوسطاء عن مفاوضات «هدنة غزة»؟

فلسطينيون يبكون على جثة أحد ضحايا القصف الإسرائيلي في النصيرات وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يبكون على جثة أحد ضحايا القصف الإسرائيلي في النصيرات وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

مساعٍ وجولات كثيرة قادتها مصر وقطر والولايات المتحدة للوساطة، بهدف إنهاء أطول حرب شهدها قطاع غزة، أسفرت عن هدنة نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، استمرت أسبوعاً واحداً؛ غير أن الجهود المتواصلة منذ ذلك الحين واجهتها إسرائيل تارة بفرض شروط أو خطط جديدة، أو توجيه اتهامات للوسيطين المصري والقطري، أو بتكذيب الحليف والوسيط الثالث الأميركي بعد لوم نادر وجهه الرئيس جو بايدن.

ويبدو أن تلك الاتهامات، التي نفتها القاهرة والدوحة وتجاهلتها واشنطن، جزء من «استراتيجية إسرائيلية» وفق ما يقدر خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، عدّوا كذلك أن تل أبيب تستهدف «تجحيم جهود الوسطاء وكبح مساعيهم لوقف إطلاق النار».

وفي حين يتوقع الخبراء أن «تستمر تلك الاستراتيجية في إطالة أمد المفاوضات لما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية»؛ فإنهم يرجحون ألا تنجح «في دفع الوسطاء؛ لا سيما المصري والقطري لأي انسحابات».

وعقب لقاء في لندن، جمع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، بنظيره البريطاني ديفيد لامي، أكد البلدان الأحد، «دعم جهود الوساطة الجارية من جانب الولايات المتحدة ومصر وقطر؛ لإبرام اتفاق وقف إطلاق النار في غزة وإطلاق سراح الأسرى».

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن (يسار) مع نظيره البريطاني ديفيد لامي في لندن 10 سبتمبر الحالي (أ.ف.ب)

التأكيد الأميركي - البريطاني جاء بعد يومين من بيان عربي - إسلامي - أوروبي في مدريد، الجمعة، أعلن «الدعم الكامل لجهود الوسطاء، ورفض جميع الإجراءات التي تهدف إلى عرقلتها»، بالتزامن؛ أعرب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، خلال اتصال هاتفي أجراه مع وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، عن «تقديره لدور وجهود الوسطاء»، معرباً عن «تطلعه للتوصل إلى هذا الاتفاق في أقرب وقت ممكن»، وفق إفادة لـ«الخارجية» المصرية.

وجاء الدعم اللافت لجهود الوسطاء ومطالبهم، لا سيما الوسيطين المصري والقطري، بعد حديث القناة 12 الإسرائيلية في 10 سبتمبر (أيلول) الحالي، عن أن «مصر وقطر تدرسان إصدار إعلان يحمل إسرائيل مسؤولية فشل المفاوضات».

وكان نتنياهو صعّد انتقاداته للقاهرة منذ أوائل سبتمبر الحالي، وزعم أنها مسؤولة عن تهريب السلاح لغزة عن طريق الأنفاق، قبل أن ترد وزارة الخارجية المصرية في 3 من الشهر ذاته، وترفض تلك الاتهامات وتعدّها «عرقلة لجهود الوساطة واتفاق الهدنة».

وجدد بدر عبد العاطي، وزير الخارجية، خلال اجتماع مدريد، رفض مصر الوجود العسكري الإسرائيلي في محور فيلادلفيا والجانب الفلسطيني من معبر رفح، وما يفرضه من انخفاض في وتيرة دخول المساعدات لقطاع غزة، مؤكداً أن «إسرائيل تقوم بتقويض جهود الوساطة».

البيان الوزاري الصادر عن اجتماع مدريد طالب المجتمع الدولي باتخاذ خطوات نشطة لتنفيذ حل الدولتين (واس)

وسبق أن نفى مصدر مصري رفيع المستوى لقناة «القاهرة الإخبارية» في 29 مايو (أيار)، تلك «الاتهامات الإسرائيلية»، ووصفها بأنها «أكاذيب» وبعدها في 13 يوليو (تموز)، دعا مصدر مصري «إسرائيل إلى عدم عرقلة المفاوضات، وطرح مبادئ جديدة تخالف ما تم الاتفاق عليه بهذا الصدد».

ولم تكن مصر وحدها المستهدفة إسرائيلياً، ففي فبراير (شباط) الماضي، رفض متحدث «الخارجية» القطري، ماجد الأنصاري، اتهامات نتنياهو للدوحة بتمويل «حماس»، ودعاه إلى «الانضباط في مسار التفاوض لإبرام صفقة، بدلاً من التركيز على إطالة أمد الصراع».

ولم يسلم الوسيط الأميركي الحليف لإسرائيل، من انتقادات نتنياهو، الذي وصف قبل أيام في مداخلة مع برنامج «فوكس نيوز»، تصريحات البيت الأبيض حول قرب التوصل إلى اتفاق هدنة بـ«الكاذبة وغير الصحيحة»، معرباً عن رفضه «الاتهامات الأميركية بعدم القيام بجهدٍ كافٍ» لاستعادة الرهائن، في إشارة إلى تصريحات في هذا الصدد من الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي طرح في 31 مايو الماضي، مقترحاً لوقف إطلاق النار من 3 مراحل.

آنذاك، عقّب منسق الاتصالات بالبيت الأبيض، جون كيربي، في مؤتمر صحافي، على ما قاله نتنياهو. ورفض الدخول في جدال علني معه، مضيفاً: «الاتصالات الأميركية مع الإسرائيليين مستمرة ونحاول حل الخلافات والتوصل إلى حل وسط».

وبرأي مستشار «مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية»، الدكتور عمرو الشوبكي، فإن «إسرائيل لا تستطيع إقصاء الوسطاء، لكن تسعى لتحجيم أدوراهم بصور مختلفة، باتهامات زائفة؛ منها تعطيل المفاوضات والقرب من (حماس)، وتهريب أسلحة لها»، لافتاً إلى أن إسرائيل لا تريد للوسطاء أن يسمعوا لكلا الطرفين وتريد أن يستمعوا لها فقط.

وباعتقاد الشوبكي، فإن البيانات في الآونة الأخيرة سواء عربياً أو دولياً بدعم مصر وقطر، رسالة لإسرائيل بأن المجتمع الدولي والدول الكبرى؛ الكل راغب في استمرار جهود الوسطاء ووقف تلك الاتهامات.

تلك الاتهامات الإسرائيلية ضمن الضغوط المتواصلة تجاه مصر وقطر، تحديداً لـ«تجحيم أدوراهما وتهرب نتنياهو من استحقاقات التوصل إلى اتفاق»، وفق تقدير الأكاديمي المصري، في الشؤون الإسرائيلية، الدكتور أحمد فؤاد أنور.

ويصف السفير الفلسطيني، السابق، بركات الفرا، تلك الضغوط الإسرائيلية، بأنها ضمن «استراتيجية تهدف لتحجيم الأدوار التي تقوم بها مصر وقطر، بهدف إطالة نتنياهو أمد المفاوضات أملاً في وصول حليفه ودعمه دونالد ترمب للبيت الأبيض».

ترمب مستقبلاً نتنياهو في «بالم بيتش» يوليو الماضي (د.ب.أ)

بالمقابل، ترى الخبيرة الأميركية المختصة في الشؤون الاستراتيجية، إيرينا تسوكرمان، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن «الحكومة الإسرائيلية لم تبذل أي جهد لاستبعاد مصر أو الولايات المتحدة، لكنّ هناك جهوداً مستمرة لإقصاء مصر من الوساطة من قبل مجموعة من أصحاب المصالح؛ بعضهم من الإسرائيليين اليمينيين بخلاف المعادين لمصر».

وتضيف أن «الحكومة الإسرائيلية غير راضية عن قطر بدعوى مساعدتها (حماس)، لكنها لا تستطيع إجبارها على الانسحاب دون موافقة الولايات المتحدة، التي تشيد بالدوحة، لكن إسرائيل ترى أن واشنطن هي أفضل طرف ممكن للوساطة وأقل تحيزاً ضدها، مع امتلاكها أكبر قدر من النفوذ الدولي».

مخالفاً لرأيي تسوكرمان، يعتقد المحلل المختص بالشأن الأميركي، مايكل مورغان، أن حكومة نتنياهو «عملت على إقصاء أي وساطة لوقف إطلاق النار»، مؤكداً أن دعم جهود الوسيطين مصر وقطر، مهم، خصوصاً لأهمية القاهرة الجيوستراتيجية للسلام بالمنطقة وقرب «حماس» من قطر في تسهيل أي اتفاق.

وإزاء ضغوط إسرائيلية كثيرة، لوح الوسيطان المصري والقطري، بإمكانية الانسحاب، في شهور سابقة، قبل أن تطرح التسريبات الإسرائيلية للقناة الـ12 ذلك المسار من جديد.

وكان رئيس الوزراء القطري وزير الخارجية، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، قال في أبريل (نيسان) الماضي، إن الدوحة «تقوم بعملية تقييم شامل لدور الوساطة الذي تقوم به»، إزاء استمرار الانتقادات الإسرائيلية.

ولوحت مصر أيضاً بذلك في 22 مايو 2024، عقب رفضها تقريراً نشرته «سي إن إن» الأميركية نقلاً عن مصادر أميركية وإسرائيلية، يدعي أنها غيّرت شروط صفقة وقف إطلاق النار في غزة، مؤكدة أن استمرار التشكيك «قد يدفع الجانب المصري لاتخاذ قرار بالانسحاب الكامل من الوساطة»، وفق ما ذكرته هيئة الاستعلامات المصرية آنذاك.

وقالت الهيئة إن «القاهرة لاحظت خلال الفترات الأخيرة قيام أطراف بعينها بممارسة لعبة توالي توجيه الاتهامات للوسيطين، القطري تارة ثم المصري تارة أخرى، واتهامهما بالانحياز لأحد الأطراف وإلقاء اللوم عليهما، للتسويف والتهرب من اتخاذ قرارات حاسمة بشأن صفقة وقف إطلاق النار».

بينما قال وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي بمؤتمر صحافي الاثنين، في روسيا: «لن نتوقف عن جهودنا الدؤوبة لسرعة التوصل إلى وقف إطلاق النار بقطاع غزة، وسنواصل جهودنا بالتعاون مع الشركاء لتحقيق ذلك».

وأكدت صحيفة «الشرق» القطرية، الأحد، في افتتاحية عددها، أن «جهود قطر المكثفة لإنهاء حرب غزة خلال الوساطة المشتركة التي تقودها مع مصر والولايات المتحدة، جهود مستمرة لن تثنيها عقبات ولا عراقيل».

ولا يتوقع الشوبكي أن تغادر مصر وقطر جهود الوسطاء، باعتبارها التزاماً تجاه فلسطين لرفع المعاناة عنها، وتأكيداً لحضور إقليمي دولي مهم للبلدين، واضعاً تلك التسريبات الحديثة في إطار السجال الإعلامي، مستبعداً أن تقترب المفاوضات من اتفاق إلا بعد الانتخابات الأميركية الرئاسية «إذا استمر تعنت نتنياهو».

ويتفق كل من الفرا وأنور في أن مصر مستمرة بالوساطة، ولديها وسائل أخرى ترسل بها رسائل «تكشر بها عن أنيابها حماية لأمنها القومي»، سواء بتأجيل استقبال السفير الإسرائيلي الجديد، أو كما حدث من زيارة رئيس الأركان المصري للحدود مع غزة الفريق أحمد خليفة، في 5 سبتمبر الحالي، أو إبقاء الاتصالات على المستوى الأمني فقط.

وأيضاً لا تعتقد إيرينا تسوكرمان أن مصر أو قطر ستنسحبان من المفاوضات رغم الصعوبات، لأسباب كثيرة؛ منها النفوذ الدبلوماسي المزداد مع وجودهما بتلك الوساطة، وعدم الانسحاب أيضاً خيار يتوقعه مايكل مورغان، لاعتبارات أهمها تسهيل إتمام الاتفاق.