سيندي تشاو.. نحاتة ومعمارية ومصممة في وقت واحد

أجهضت والدتها حلمها بامتهان الهندسة المعمارية فأبدعت في مجال الجواهر

«سيندي تشاو»  -  النجمة الصينية زييي زانغ ترتدي مجوهرات من تصميم تشاو  خلال حفل متحف الميتروبوليتان الأخير  -  سيندي تشاو مع الممثلة سارة جيسيكا باركر
«سيندي تشاو» - النجمة الصينية زييي زانغ ترتدي مجوهرات من تصميم تشاو خلال حفل متحف الميتروبوليتان الأخير - سيندي تشاو مع الممثلة سارة جيسيكا باركر
TT

سيندي تشاو.. نحاتة ومعمارية ومصممة في وقت واحد

«سيندي تشاو»  -  النجمة الصينية زييي زانغ ترتدي مجوهرات من تصميم تشاو  خلال حفل متحف الميتروبوليتان الأخير  -  سيندي تشاو مع الممثلة سارة جيسيكا باركر
«سيندي تشاو» - النجمة الصينية زييي زانغ ترتدي مجوهرات من تصميم تشاو خلال حفل متحف الميتروبوليتان الأخير - سيندي تشاو مع الممثلة سارة جيسيكا باركر

كما هناك نهضة فنية عالمية تشهد عليها المزادات، هناك أيضا نهضة في تصميم الجواهر. من بيروت ولندن إلى باريس والصين، نجحت مجموعة من المصممين الشباب في تغيير خريطة التصميم والإبداع، مستندين على خلفيات ثقافية متنوعة وتأثيرات غنية يستمدونها من كل ما يجري حولهم ثم يترجمونها في أشكال مبتكرة وفريدة تحاكي التحف. الكثير من هؤلاء متأثر بفن العمارة أو درسها، مما يظهر جليا في أعمالهم. سيندي تشاو، التايوانية الأصل، واحدة من هؤلاء. فهي تمزج أناقة الغرب بفنية شرقية خاصة تستهدف بها زبائن نخبويين من عشاق اقتناء القطع الفنية في المقام الأول. الآن أصبح اسمها يرادف كل ما هو مترف وفخم، وأي قطعة من تصميمها يمكن أن تُباع بملايين الدولارات في المزادات العالمية، بدليل أن قطعة من مجموعتها «بلاك لايبل» عرضت بـ10 ملايين دولار أميركي، بينما تتراوح مجموعاتها الأخرى ما بين 10 آلاف إلى 100 ألف دولار أميركي.
رغم النجاح الذي حققته وقدرتها الفذة على الإبداع، لم تتلق سيندي تشاو أي تدريب في تصميم الجواهر، على الأقل بالمفهوم التقليدي. فهي لم تدرس أو تتخرج من معاهد عالمية معروفة، وكل التقنيات والخبرات التي تتمتع بها، تعلمتها في بيت العائلة، وهو ما تعتبره ميزة كبيرة خدمتها لأن طريقة تفكيرها وتصورها للأشياء ليست تقليدية، وتركيزها على الأبعاد الثلاثية التي أبهرتها وهي طفلة صغيرة، تجعلها تصوغ جواهر أقرب إلى المنحوتات، مع فارق بسيط ومهم وهو أنها منحوتات يمكن للمرأة أن تستعملها بسهولة في النهار كما في المساء إذا لم تكن لها نية بتخزينها كاستثمار لتباع في مزاد علني في يوم ما.
لم يكن اللقاء مع سيندي تشاو مبرمجا، وكانت الفكرة من التوجه إلى فندق الفورسيزونز، جورج V، خلال أسبوع باريس للموضة الراقية، لمجرد التعرف على تصاميمها عن قرب، إلا أن وجودها في عين المكان، كان مفاجأة سارة على كل الأصعدة. فقد فتح الباب لحديث عفوي كان فرصة ثمينة لكي نتعرف على شخصيتها وأعمالها من منظورها الخاص. عند مصارحتها بأن أحجام تصاميمها مذهلة، ترد بصوت شبه هامس ولكنة آسيوية بأنه لم يكن يخطر ببالها أن تصبح مصممة جواهر في يوم ما، لأن حلمها كان أن تصبح معمارية، وهو ما ينعكس على هذه الأحجام. عندما ترى نظرات الاستغراب على وجهي، تشرح بأنها تتنفس فن العمارة والنحت منذ طفولتها، فجدها، زي زينان، هو الذي صمم الكثير من المعابد في آسيا، كما أن والدها نحات معروف، ومنهما تعلمت أن الفن الحقيقي هو الذي يتحدى الزمن حتى تستمتع به أجيال متتالية. فعندما كان جدها يصحبها معه إلى المعابد التي كان يبنيها، كانت تراقبه بفضول وتسأله عن النماذج التي كان يرسمها، وما يقوم به العامل وهو يشكلها بالصورة التي تصورها الجد. كانت تقف مبهورة لأنه كان يخيل لها أن كل من حولها عمالقة. ما زاد من إعجابها أنها وجدت مؤخرا بعض أعماله القديمة، وكانت كلها مرسومة باليد وبأبعاد ثلاثية في منتهى الدقة والجمال في وقت لم يكن فيه الكومبيوتر متوفرا لكي يسهل على المعماريين مهماتهم مثلما هو الحال الآن، مما رسخ إعجابها وأكد لها أن إعجابها لم يكن نابعا من طفوليتها فحسب. تقول: «أعتقد أنني تعلمت من جدي أن أنظر للأشياء من كل الزوايا، وأن أتعامل مع كل جانب، بغض النظر عن حجمه ومكانه، على أنه واجهة بحد ذاتها، تحتاج مني أن أصب فيها كل طاقتي». وبالفعل فكل قطعة تحمل توقيعها تأتي مزينة بأحجار في كل أجزائها، بما في ذلك الأجزاء الداخلية التي لا يمكن رؤيتها، لكن صاحبتها تعرف بوجودها. فهذه ليست جواهر عادية بقدر ما هي تحف تتوجه للمقتنين وعشاق الفن بالأساس، وهو ما لا يسمح لها بإنتاجها بكميات وأعداد كبيرة، ويفسر في الوقت ذاته إقبال السوق الآسيوية عليها بنهم باعتبارها استثمارا بعيد المدى نظرا إلى وزنها وجودة أحجارها وطبعا تصاميمها المبتكرة والفريدة، التي تروق للسوق الآسيوية على وجه الخصوص. فضلا عن أنها قطع فريدة من المستحيل استنساخها حسب قول سيندي تشاو: «فمهما حاولت أنا نفسي أن أصوغها بنفس الشكل والحجم لا أستطيع».
المهم أنها وقعت في حب الهندسة المعمارية بشكل طبيعي بحكم بيئتها والتأثيرات المحيطة بها، وبدأت تحلم بامتهانها فعليا وتبرمج لذلك، لولا أن أجهضت والدتها هذه الرغبة. بالنسبة للأم كان عمل أي فتاة في مجال ذكوري يتعارض مع أنوثتها والتقاليد الآسيوية التي شبت عليها، لأنها تعني التعامل مع عمال ومقاولين في أجواء لا تناسب المرأة. بل رفضت حتى فكرة أن تصبح ابنتها مصممة ديكور داخلي عندما توجهت هذه الأخيرة إلى نيويورك لدراسة هذا المجال كبديل للهندسة. استجابت البنت لرغبة والدتها خصوصا أن هذه الأخيرة كانت هي التي تدفع مصاريف دراستها من جهة، كما أنها كانت تعرف في قرارة نفسها أن والدتها ليست ظالمة أو فقط تريد أن تفرض رغبتها. فقد كانت مثل أغلبية بنات جيلها ابنة بيئتها وما تفرضه الطقوس الاجتماعية عليها. في المقابل، تركت لها الباب مفتوحا لكي تبحث عن طرق أخرى للتعبير عن فنيتها وقدرتها على الابتكار، على شرط أن تتوافق مع صورة المرأة الآسيوية وما يتطلبه المجتمع منها من رقة. كانت تعرف أن بداخل ابنتها بركانا فنيا يغلي، لم ترثه من جدها فحسب بل أيضا من والدها النحات، الذي تقول سيندي تشاو أنها تعلمت منه تقدير جمالية الأشكال وأهمية أن تكون متوازنة. كان يثيرها ولا يزال، أن جدها ووالدها ينتميان إلى جيل ما قبل الكومبيوتر، ومع ذلك كانا يتقنان رسم نماذج ثلاثية الأبعاد باليد، وهو ما تحاول تطبيقه في جواهرها التي تولي كل زاوية منها اهتماما كبيرا، مؤكدة أنها تؤمن بأن أي قطعة جواهر يجب أن تأتي بمثابة تحفة فنية، أو عمل معماري مصغر، لهذا عندما تبدأ في العمل عليها، تفكر كثيرا في حجمها والمكان الذي ستضع فيه الأحجار بدقة، لخلق تناغم جمالي يجمع جمال الشكل بقوة الضوء. فقد يكون والدها نحاتا مشهورا، إلا أنها تحاول دائما تطبيق نفس التقنيات التي تعلمتها منه، فوجه الاختلاف بينهما يتمثل في المواد فقط، فهو يستعمل الطين والصلصال، وهي تستعمل الذهب والأحجار الثمينة. تتذكر أنها حين كانت ترافقه إلى الاستوديو الخاص به، كانت تنصت إليه بإعجاب وهو يشرح لها بصبر ما يتطلبه النحت من أدوات. كانت الأوقات التي تقضيها معه من أسعد أوقاتها لأنه كان يشركها في العمل معه، بالسماح لها بتهوية أعماله حتى تجف بسرعة أحيانا. تبتسم وهي تقول إنه كلما أراد بعض الهدوء، يلهيها بعمل صغير تقوم به، يشعرها بأهميتها فتركز عليه ناسية ما يجري حولها. وعندما تنتهي من مهمتها، يعلق على النتيجة، ويتبرع لها بالنصائح التي باتت تقدرها وتفهمها أكثر كلما كبرت في السن. كان يقول لها: «بغض النظر عن الموضوع الذي تتناولينه، يجب أن تأتي النتيجة النهائية نابضة بالحياة كما لو كانت حقيقية تتحرك. خذي وقتك في التأمل وانتبهي إل أدق التفاصيل، ثم حكمي قلبك وعقلك قبل البدء في تشكيل أي قطعة». هذه الكلمات لا تزال تتردد على آذانها إلى الآن وربما أقوى من ذي قبل.
جولة في معرضها المصغر في فندق «الفورسيزونز» تشير إلى أن التأثيرات التي تظهر فيها متنوعة، تتراوح بين الأشكال الطبيعية والكائنات البرية إلى المباني المعمارية الكلاسيكية، بأشكالها الضخمة، التي خزنتها ذاكرتها من الطفولة، أو الحداثية والانسيابية خصوصا تصاميم أنطوني غاودي وزها حديد. عند مواجهتها بهذه الملاحظة، ترد بأنها من أكثر المعجبات بزها حديد، مضيفة أن أي عمل، مهما كان، يدين بنجاحه إلى الأحاسيس التي يتضمنها ويثيرها في النفس، لأن هذا ما يمنحه حيويته وقوته. فـ«نظرة كل فنان للشيء الواحد تختلف، مما ينعكس على طريقة ترجمته» حسبما تقول. وتضيف: «خذي مثلا مجموعة (ماي ريبن My Ribbon) فهي ثمرة عشقي للأقمشة، التي يثيرني ترفها وحركتها وملمسها ما حاولت أن أجسده في هذه المجموعة بالتركيز على الأحجار الكريمة التي تبدو وكأنها مغلفة بأشرطة من الماس أو تبدو وكأنها تتمايل وتتراقص. فليس هناك عنصر واحد يحدد عملي، لأني أستوحي تصاميمي من كل شيء يحيط بي، بدءا من الطبيعة إلى تجاربي وتفاعلي مع الناس. فليس هناك حدود للأشياء التي يمكن لأي فنان أو مصمم أن يستقي منها أفكاره. صحيح أن الطبيعة ملهم قوي في أعمالي، خصوصا الكائنات المائية والأزهار المتفتحة لكن أسفاري وفن العمارة والهندسة، وثقافات متنوعة لها أيضا فضل في تشكيل الصور في خيالي.
المهم أن أسعى إلى التقاط جمالية لحظة ما، أو شيء في وقت زمني محدد، وأنجح أن أجسده بطريقة توقظ عاطفة جياشة تربط بين القطعة وبين صاحبها».
وهذا بالفعل ما توقظه تصاميمها من النظرة الأولى في النفس: عاطفة جياشة يتمازج فيها الإعجاب بقدرتها على الإبداع بجرأة فنية مع رغبة في لمسها، لأنك تعرف بأنها ستبقى بالنسبة للأغلبية حلما بعيد المنال، ومجرد لمس انعراجاتها وتقوساتها فرصة لا تعوض.



الأقمشة تبرز لاعباً أساسياً في أزياء المساء والسهرة هذا الموسم

الممثلة الأميركية أوبري بلازا في جاكيت توكسيدو وقبعة من المخمل تتدلى منها ستارة من التول (دولتشي أند غابانا)
الممثلة الأميركية أوبري بلازا في جاكيت توكسيدو وقبعة من المخمل تتدلى منها ستارة من التول (دولتشي أند غابانا)
TT

الأقمشة تبرز لاعباً أساسياً في أزياء المساء والسهرة هذا الموسم

الممثلة الأميركية أوبري بلازا في جاكيت توكسيدو وقبعة من المخمل تتدلى منها ستارة من التول (دولتشي أند غابانا)
الممثلة الأميركية أوبري بلازا في جاكيت توكسيدو وقبعة من المخمل تتدلى منها ستارة من التول (دولتشي أند غابانا)

في عالم الموضة هناك حقائق ثابتة، واحدة منها أن حلول عام جديد يتطلب أزياء تعكس الأمنيات والآمال وتحتضن الجديد، وهذا يعني التخلص من أي شيء قديم لم يعد له مكان في حياتك أو في خزانتك، واستبدال كل ما يعكس الرغبة في التغيير به، وترقب ما هو آتٍ بإيجابية وتفاؤل.

جولة سريعة في أسواق الموضة والمحال الكبيرة تؤكد أن المسألة ليست تجارية فحسب. هي أيضاً متنفس لامرأة تأمل أن تطوي صفحة عام لم يكن على هواها.

اقترح المصمم رامي علي لربيع وصيف 2025 قطعاً متنوعة كان فيها التول أساسياً (رامي علي)

بالنسبة للبعض الآخر، فإن هذه المناسبة فرصتهن للتخفف من بعض القيود وتبني أسلوب مختلف عما تعودن عليه. المتحفظة التي تخاف من لفت الانتباه –مثلاً- يمكن أن تُدخِل بعض الترتر وأحجار الكريستال أو الألوان المتوهجة على أزيائها أو إكسسواراتها، بينما تستكشف الجريئة جانبها الهادئ، حتى تخلق توازناً يشمل مظهرها الخارجي وحياتها في الوقت ذاته.

كل شيء جائز ومقبول. المهم بالنسبة لخبراء الموضة أن تختار قطعاً تتعدى المناسبة نفسها. ففي وقت يعاني فيه كثير من الناس من وطأة الغلاء المعيشي، فإن الأزياء التي تميل إلى الجرأة والحداثة اللافتة لا تدوم لأكثر من موسم. إن لم تُصب بالملل، يصعب تكرارها إلا إذا كانت صاحبتها تتقن فنون التنسيق. من هذا المنظور، يُفضَّل الاستثمار في تصاميم عصرية من دون مبالغات، حتى يبقى ثمنها فيها.

مع أن المخمل لا يحتاج إلى إضافات فإن إيلي صعب تفنن في تطريزه لخريف وشتاء 2024 (إيلي صعب)

المصممون وبيوت الأزياء يبدأون بمغازلتها بكل البهارات المغرية، منذ بداية شهر أكتوبر (تشرين الأول) تقريباً، تمهيداً لشهري نوفمبر (تشرين الثاني) وديسمبر (كانون الأول). فهم يعرفون أن قابليتها للتسوق تزيد في هذا التوقيت. ما يشفع لهم في سخائهم المبالغ فيه أحياناً، من ناحية الإغراق في كل ما يبرُق، أن اقتراحاتهم متنوعة وكثيرة، تتباين بين الفساتين المنسدلة أو الهندسية وبين القطع المنفصلة التي يمكن تنسيقها حسب الذوق الخاص، بما فيها التايورات المفصلة بسترات مستوحاة من التوكسيدو أو كنزات صوفية مطرزة.

بالنسبة للألوان، فإن الأسود يبقى سيد الألوان مهما تغيرت المواسم والفصول، يليه الأحمر العنابي، أحد أهم الألوان هذا الموسم، إضافة إلى ألوان المعادن، مثل الذهبي أو الفضي.

المخمل كان قوياً في عرض إيلي صعب لخريف وشتاء 2024... قدمه في فساتين وكابات للرجل والمرأة (إيلي صعب)

ضمن هذه الخلطة المثيرة من الألوان والتصاميم، تبرز الأقمشة عنصراً أساسياً. فكما الفصول والمناسبات تتغير، كذلك الأقمشة التي تتباين بين الصوف والجلد اللذين دخلا مناسبات السهرة والمساء، بعد أن خضعا لتقنيات متطورة جعلتهما بملمس الحرير وخفته، وبين أقمشة أخرى أكثر التصاقاً بالأفراح والاحتفالات المسائية تاريخياً، مثل التول والموسلين والحرير والمخمل والبروكار. التول والمخمل تحديداً يُسجِّلان في المواسم الأخيرة حضوراً لافتاً، سواء استُعمل كل واحد منهما وحده، أو مُزجا بعضهما ببعض. الفكرة هنا هي اللعب على السميك والشفاف، وإن أتقن المصممون فنون التمويه على شفافية التول، باستعماله في كشاكش كثيرة، أو كأرضية يطرزون عليها وروداً وفراشات.

التول:

التول كما ظهر في تشكيلة المصمم رامي علي لربيع وصيف 2025 (رامي علي)

لا يختلف اثنان على أنه من الأقمشة التي تصرخ بالأنوثة، والأكثر ارتباطاً بالأفراح والليالي الملاح. ظل طويلاً لصيقاً بفساتين الزفاف والطرحات وبأزياء راقصات الباليه، إلا أنه الآن يرتبط بكل ما هو رومانسي وأثيري.

شهد هذا القماش قوته في عروض الأزياء في عام 2018، على يد مصممين من أمثال: إيلي صعب، وجيامباتيستا فالي، وسيمون روشا، وهلم جرا، من أسماء بيوت الأزياء الكبيرة. لكن قبل هذا التاريخ، اكتسب التول شعبية لا يستهان بها في القرنين التاسع عشر والعشرين، لعدد من الأسباب مهَّدت اختراقه عالم الموضة المعاصرة، على رأسها ظهور النجمة الراحلة غرايس كيلي بفستان بتنورة مستديرة من التول، في فيلم «النافذة الخلفية» الصادر في عام 1954، شد الانتباه ونال الإعجاب. طبقاته المتعددة موَّهت على شفافيته وأخفت الكثير، وفي الوقت ذاته سلَّطت الضوء على نعومته وأنوثته.

التول حاضر دائماً في تشكيلات المصمم إيلي صعب خصوصاً في خط الـ«هوت كوتور» (إيلي صعب)

منذ ذلك الحين تفتحت عيون صناع الموضة عليه أكثر، لتزيد بعد صدور السلسلة التلفزيونية الناجحة «سيكس أند ذي سيتي» بعد ظهور «كاري برادشو»، الشخصية التي أدتها الممثلة سارة جيسيكا باركر، بتنورة بكشاكش وهي تتجول بها في شوارع نيويورك في عز النهار. كان هذا هو أول خروج مهم لها من المناسبات المسائية المهمة. كانت إطلالة مثيرة وأيقونية شجعت المصممين على إدخاله في تصاميمهم بجرأة أكبر. حتى المصمم جيامباتيستا فالي الذي يمكن وصفه بملك التول، أدخله في أزياء النهار في تشكيلته من خط الـ«هوت كوتور» لعام 2015.

إطلالة من خط الـ«كروز» لدار «ديور» استعملت فيها ماريا غراتزيا تشيوري التول كأرضية طرزتها بالورود (ديور)

ما حققه من نجاح جعل بقية المصممين يحذون حذوه، بمن فيهم ماريا غراتزيا تشيوري، مصممة دار «ديور» التي ما إن دخلت الدار بوصفها أول مصممة من الجنس اللطيف في عام 2016، حتى بدأت تنثره يميناً وشمالاً. تارة في فساتين طويلة، وتارة في تنورات شفافة. استعملته بسخاء وهي ترفع شعار النسوية وليس الأنوثة. كان هدفها استقطاب جيل الشابات. منحتهن اقتراحات مبتكرة عن كيفية تنسيقه مع قطع «سبور» ونجحت فعلاً في استقطابهن.

المخمل

إطلالة من خط الـ«كروز» لدار «ديور» اجتمع فيها المخمل والتول معاً (ديور)

كما خرج التول من عباءة الأعراس والمناسبات الكبيرة، كذلك المخمل خرج عن طوع الطبقات المخملية إلى شوارع الموضة وزبائن من كل الفئات.

منذ فترة وهو يغازل الموضة العصرية. في العام الماضي، اقترحه كثير من المصممين في قطع خطفت الأضواء من أقمشة أخرى. بملمسه الناعم وانسداله وألوانه الغنية، أصبح خير رفيق للمرأة في الأوقات التي تحتاج فيها إلى الدفء والأناقة. فهو حتى الآن أفضل ما يناسب الأمسيات الشتوية في أوروبا وأميركا، وحالياً يناسب حتى منطقة الشرق الأوسط، لما اكتسبه من مرونة وخفة. أما من الناحية الجمالية، فهو يخلق تماوجاً وانعكاسات ضوئية رائعة مع كل حركة أو خطوة.

تشرح الدكتورة كيمبرلي كريسمان كامبل، وهي مؤرخة موضة، أنه «كان واحداً من أغلى الأنسجة تاريخياً، إلى حد أن قوانين صارمة نُصَّت لمنع الطبقات الوسطى والمتدنية من استعماله في القرون الوسطى». ظل لقرون حكراً على الطبقات المخملية والأثرياء، ولم يُتخفف من هذه القوانين إلا بعد الثورة الصناعية. ورغم ذلك بقي محافظاً على إيحاءاته النخبوية حتى السبعينات من القرن الماضي. كانت هذه هي الحقبة التي شهدت انتشاره بين الهيبيز والمغنين، ومنهم تسلل إلى ثقافة الشارع.

يأتي المخمل بألوان غنية تعكس الضوء وهذه واحدة من ميزاته الكثيرة (إيلي صعب)

أما نهضته الذهبية الأخيرة فيعيدها الخبراء إلى جائحة «كورونا»، وما ولَّدته من رغبة في كل ما يمنح الراحة. في عام 2020 تفوَّق بمرونته وما يمنحه من إحساس بالفخامة والأناقة على بقية الأنسجة، وكان الأكثر استعمالاً في الأزياء المنزلية التي يمكن استعمالها أيضاً في المشاوير العادية. الآن هو بخفة الريش، وأكثر نعومة وانسدالاً بفضل التقنيات الحديثة، وهو ما جعل كثيراً من المصممين يسهبون فيه في تشكيلاتهم لخريف وشتاء 2024، مثل إيلي صعب الذي طوعه في فساتين و«كابات» فخمة طرَّز بعضها لمزيد من الفخامة.

من اقتراحات «سكاباريللي» (سكاباريللي)

أما «بالمان» وبرابال غورانغ و«موغلر» و«سكاباريللي» وغيرهم كُثر، فبرهنوا على أن تنسيق جاكيت من المخمل مع بنطلون جينز وقميص من الحرير، يضخه بحداثة وديناميكية لا مثيل لها، وبان جاكيت، أو سترة مستوحاة من التوكسيدو، مع بنطلون كلاسيكي بسيط، يمكن أن ترتقي بالإطلالة تماماً وتنقلها إلى أي مناسبة مهمة. الشرط الوحيد أن يكون بنوعية جيدة حتى لا يسقط في خانة الابتذال.