«الحراك الجنوبي» يطالب بتمثيله طرفاً ثالثاً في «جنيف»

زعماء القبائل لا يعولون كثيرًا على المشاورات.. ومعاناة اليمنيين مستمرة

يمنيون على متن سيارة «بيك آب» قرب صنعاء أمس ودفعت أزمة شح الوقود إلى ارتفاع أسعار سيارات الأجرة (رويترز)
يمنيون على متن سيارة «بيك آب» قرب صنعاء أمس ودفعت أزمة شح الوقود إلى ارتفاع أسعار سيارات الأجرة (رويترز)
TT

«الحراك الجنوبي» يطالب بتمثيله طرفاً ثالثاً في «جنيف»

يمنيون على متن سيارة «بيك آب» قرب صنعاء أمس ودفعت أزمة شح الوقود إلى ارتفاع أسعار سيارات الأجرة (رويترز)
يمنيون على متن سيارة «بيك آب» قرب صنعاء أمس ودفعت أزمة شح الوقود إلى ارتفاع أسعار سيارات الأجرة (رويترز)

يتواصل النقاش اليمني حول اللقاء التشاوري الذي ستستضيفه جنيف الأسبوع المقبل بشأن الأوضاع القائمة في اليمن. وفي الوقت الذي قالت مصادر قبلية يمنية بارزة إنها لا تعول على جهود الأمم المتحدة في هذا الجانب، وانتقد الحراك الجنوبي عدم تمثيله في مشاورات جنيف بالأشخاص المعنيين، في حين تتواصل معاناة اليمنيين جراء الحرب.
وتستحوذ مشاورات جنيف المقررة في 14 من الشهر الحالي بين الحكومة اليمنية الشرعية من جهة والمتمردين الحوثيين وحزب الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح من جهة أخرى، على اهتمام قطاع واسع من اليمنيين، في الوقت الراهن، في حين ترى بعض القوى أن هذه المشاورات لن تكون مجدية في ظل عدم تنفيذ الحوثيين لقرارات مجلس الأمن الدولي.
وفي سياق المواقف المتباينة بشأن مشاورات جنيف، قال الشيخ علوي الباشا بن زبع، عضو مؤتمر الرياض لإنقاذ اليمن، إن «المقاومة الشعبية لا تعلق آمالا تذكر على جهود الأمم المتحدة، خاصة التصالحية منها». وأضاف لـ«لشرق الأوسط» أن «تجربة جهود جمال بنعمر كانت تجربة فاشلة وجرت على اليمن كارثة الاستيلاء على الدولة ومقدرات الجيش اليمني وما تلاها من حرب شاملة، وهذه كارثة لا يمكن تعويض خسائرها وانعكاساتها على اليمن في 50 سنة قادمة»، مؤكدا أن «الذين يتحدثون عن الصمود وأن اليمن الذي لا ينكسر، هؤلاء هواة ولا يدركون حجم الكارثة وأنهم يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين والتاريخ لن يرحمهم والأجيال القادمة لن تسامحهم على فكرة الانقلاب من أساسها والتي أدخلت اليمن إلى الجحيم». ويرى بن زبع أنه «مع كل هذا من الناحية السياسية وكرأي شخصي، لا أجد مشكلة في انعقاد نقاش جنيف إذا كان مبنيا على أسس ومنطلقات واضحة وأهمها مرجعية المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني وقرارات مجلس الأمن الدولي وإعلان الرياض، والأهم في كل هذا هو ضمانات تنفيذ قرار مجلس الأمن الخاص بسحب الميليشيات والإفراج عن الدولة المختطفة وهذا هو مربط الفرس».
وحول أفق النتائج المتوقعة من مشاورات جنيف، قال الباشا، وهو أحد زعماء قبائل محافظة مأرب اليمنية، إنه لا يرى أفقا في جنيف و«أنا لا أجد استحالة في أي مخارج للأزمة لأن العالم معني بالأزمة اليمنية وليس أمامهم حل آخر إلا أن ينقذوا اليمن، كما أن الشعب اليمني، أولا وأخيرا، معني قبل أي أحد بصناعة مخارج للأزمة لأن البلد تضيع منا ونحن نتقاتل والبعض منا يتفرج مستسلما للقدر فلا بد من مخارج ولكن مخارج لا تشرعن للانقلاب ولا تسلم اليمن للتدخل الإيراني فهو مرفوض جملة وتفصيلاً». وأردف أن «إيران دمرت العراق وسوريا وفي طريقها لتدمير لبنان واليمن، إيران دولة تقاتل العالم في كل مكان باسم الصمود والمقاومة وفي بلادهم يفاوضون الدنيا كلها ويقدمون أكبر التنازلات لكسب ود أميركا حتى أنهم يزايدون بمحاربة من يسموهم الدواعش وهم أكبر دولة راعية للمنظمات المتطرفة الشيعي منها والسني على حد سواء، هؤلاء يضحكون على العالم وعلى حلفائهم في المنطقة وهم أفاكون وباعة كلام»، حسب تعبيره.
من جهته، انتقد الحراك الجنوبي ما وصفه بالاستبعاد الكامل من مشاورات جنيف. وقال فؤاد راشد، أمين سر المجلس الأعلى للحراك الجنوبي إن «الحراك استبعد عمليا من مشاورات جنيف التي ستضم ما يعرف بالحكومة الشرعية واللجنة الثورية للتباحث بشأن السلطة في اليمن ونسب التحاصص الحكومي القادم وتقسيم الثروة فيما بينها». وأبدى راشد، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» استعداد الحراك «المشاركة في هذه المشاورات كطرف ثالث أصيل فيما يجري من أحداث في اليمن وصاحب كلمة سيسمعها الآخرون اليوم أو غدا ورقم صعب بعد تشكل مقاومته المسلحة البطلة لا يمكن تجاوزه محذرا من استغفال المجتمع الدولي من خلال تزوير تمثيل الحراك بأي شكل من الأشكال الباهتة». وأبدى أمين سر الحراك الجنوبي استغرابه من أن تتحول قضية الجنوب التي كانت تحتل جدول أعمال موفنبيك كقضية جوهرية وأساسية إلى قضية ثانوية تحمل في أثواب غير ثوبها إلى جنيف عبر جنوبيين لا يعون المسؤولية ولا يتقون الله في أنفسهم وفي وطنهم المحتل، حسب تعبيره. وقال راشد إن «الحراك الجنوبي في 2011 غيره اليوم في 2015، وأنه أصبح قائما على الأرض بقوة ويستحيل لي ذراعه». وأشار إلى أن مشاورات مكثفة تجري على أرض الميدان بين فصائل الحراك وقيادات المقاومة الجنوبية بالداخل لتوحيد الجهود والوصول إلى صيغ مشتركة للعمل الموحد تفضي إلى قيادة جنوبية واحدة. ودعا راشد القيادات التاريخية إلى الرأفة بوطنهم وأنفسهم والحفاظ على ما تبقى من تاريخهم النضالي وهم في آخر العمر ووقف تدخلاتهم المعيقة لوحدة الصف الجنوبي.
في موضوع آخر، نفى القيادي في الحراك الجنوبي ما يتردد عن حوار يجري في الكواليس بين الحراك ومن وصفهم بـ«الغزاة الجدد وتتار العصر الحديث، ميلشيات الحوثيين وميلشيات علي صالح». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الحراك يقاتلهم دفاعا عن الوطن والعرض ولا يمكن فتح أي حوار معهم إلا عبر فوهات البنادق حتى يخرجوا من أراضينا»، وإن «المقاومة الجنوبية ومعها كل القوى الجنوبية المختلفة تحقق انتصارات باهرة بسواعد الجنوبيين رغم الإمكانات المالية الشحيحة والمعدات العسكرية البسيطة». ودعا فؤاد راشد المملكة العربية السعودية إلى فتح حوار مباشر مع الحراك الجنوبي عبر قواه ومكوناته الوطنية الحية بصورة مباشرة بعيدا عن وساطة من لا يملك من الأمر شيئا وذلك اختصارا للوقت وللمصلحة العامة.
في هذه الأثناء، لم تعلن، حتى اللحظة، قائمة نهائية للمشاركين في مشاورات جنيف، في الوقت الذي تتزايد معاناة اليمنيين جراء الحرب وارتفاع أسعار المواد الغذائية وانعدام المشتقات النفطية والاتجار بما توفر منها من قبل الميليشيات الحوثية في السوق السوداء، إضافة إلى الانقطاع المتواصل للتيار الكهربائي. ويأمل اليمنيون، مع قرب قدوم شهر رمضان المبارك، في التوصل لهدنة إنسانية توقف الحرب، غير أن الكثير من الأوساط اليمنية تعبر صراحة من مخاوفها من استغلال الميليشيات الحوثية والقوات الموالية للمخلوع علي صالح في المزيد من التوسع في المحافظات وتعزيز مواقعها في جبهات القتال التي تواجه فيها مقاومة شرسة.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم