مكتب للحكومة العراقية في «الهول»... و«الإدارة الذاتية» تطالبها بتسريع إجلاء مواطنيها

لاجئات عراقيات يرفضن العودة قبل معرفة مصير ذويهن في سوريا

لاجئات عراقيات أمام لجنة عراقية في مخيم الهول لتسجيل أسمائهن (الشرق الأوسط)
لاجئات عراقيات أمام لجنة عراقية في مخيم الهول لتسجيل أسمائهن (الشرق الأوسط)
TT

مكتب للحكومة العراقية في «الهول»... و«الإدارة الذاتية» تطالبها بتسريع إجلاء مواطنيها

لاجئات عراقيات أمام لجنة عراقية في مخيم الهول لتسجيل أسمائهن (الشرق الأوسط)
لاجئات عراقيات أمام لجنة عراقية في مخيم الهول لتسجيل أسمائهن (الشرق الأوسط)

كشف مصدر كردي بارز من إدارة «مخيم الهول» شرق سوريا عن أن وفداً عراقياً يضم موظفين ومسؤولين من وزارة الهجرة والمهجرين في الحكومة العراقية، افتتح مكتباً رسمياً في المخيم ويواصل تسجيل أسماء اللاجئين الراغبين في العودة إلى العراق منذ بداية الشهر الحالي، وأكد أن عدد المقرر إخراجهم في هذه الدفعة وترحيلهم إلى «مخيم الجدعة» داخل الأراضي العراقية، أكثر من 100 عائلة وهم نحو 500 فرد.
وهذه هي الدفعة الثالثة التي تقوم الحكومة العراقية عبرها بعمليات إجلاء رعاياها من «مخيم الهول»، وقد أجلت في 10 مارس (آذار) الماضي نحو 120 عائلة عراقية تتكون من 490 شخصاً، كما رحلت بغداد في شهر فبراير (شباط) الماضي قسماً من اللاجئين في حدود 114 عائلة. وكان العراق استعاد مائة عائلة خلال شهر سبتمبر (أيلول) من العام الماضي، فيما رحل في مايو (أيار) 2021 نحو 381 لاجئاً عراقياً يشكلون 95 أسرة.
عن آلية تسجيل هؤلاء العراقيين وإجراءات ترحيلهم، قال المصدر ذاته إن اللجنة تقوم بتدقيق الأسماء والتحقق من هوية المسجلين وبياناتهم الشخصية، على أن تطابقها مع البيانات والدراسات الأمنية المرسلة من الجانب العراقي قبل منحهم قرار الخروج، وأضاف: «(اللجنة) تركز عملها على تسجيل المرضى المصابين بأمراض مزمنة وكبار السن والشيوخ والأطفال اليتامى».
ويبعد «مخيم الهول» بضعة كيلومترات عن الحدود العراقية، لكنه منذ سنوات تحول إلى وعاء كبير يفيض بالغضب والأسئلة التي تبحث عن إجابات شافية، فهذا المكان الذي يؤوي 56 ألفاً؛ معظمهم من اللاجئين العراقيين، ينتظر قرارات البعثات الحكومية؛ إما بالعودة إلى بلدهم، وإما البقاء هنا لسنوات أخرى بانتظار تأشيرة خروج. هؤلاء أجبروا على مغادرة العراق بعد فرارهم من المعارك القتالية التي دارت بين أطراف عدة؛ أبرزها القوات الحكومية وميليشيات «الحشد الشعبي» التي حاربت عناصر تنظيم «داعش».
من جانبها، طالبت «الإدارة الذاتية لشمال وشرق» سوريا وفد الحكومة العراقية بتسريع آلية إعادة مواطنيها من «مخيم الهول»، فالمخيم الذي صمم في تسعينات القرن الماضي لاستقبال 20 ألف شخص فقط؛ تجاوز عدد قاطنيه قبل عامين 70 ألفاً بعد معركة الباغوز للقضاء على خلافة «داعش» العسكرية والجغرافية شرق سوريا. وهو يفتقر إلى مراكز ومؤسسات تعليمية وترفيهية، وتغيب عنه أبسط مقومات الحياة، حيث يحتاج هؤلاء اللاجئون العراقيون إلى الأمان والمأوى والغذاء والرعاية الصحية وشبكات الصرف الصحي.
يقول شيخموس أحمد، رئيس مكتب شؤون النازحين واللاجئين، لـ«الشرق الأوسط» إن وتيرة عمل اللجنة العراقية «بطيئة، ولا تتناسب مع العدد الكلي للعراقيين في المخيم»، وأوضح أن عدد العراقيين وحدهم في «مخيم الهول» يصل إلى نحو 29 ألف شخص؛ «أي أكثر من نصف قاطني المخيم البالغ عددهم 56 ألفاً»، لافتاً إلى افتتاح وزارة الهجرة والمهجرين مكتباً رسمياً «للتسهيل وتسجيل أسماء الأشخاص الراغبين في العودة إلى العراق».
وأكد أحمد أن مشكلات عدم حيازة كثير من هؤلاء العراقيين أوراقاً ثبوتية وهويات عراقية، وولادة كثير من الأطفال على الأراضي السورية، وعدم امتلاك ثبوتيات شخصية، «تحديات تواجه حكومة بغداد في إعادة هذا العدد الكبير واتخاذ قرارات مناسبة». وبحسب دراسة لإدارة المخيم، فإن أغلب اللاجئين العراقيين يريدون العودة إلى بلدهم، شريطة نقلهم تحت إشراف ومراقبة منظمات الأمم المتحدة، والجهات الدولية الإنسانية، خشية عمليات انتقامية من «الحشد الشعبي» الذي بات يسيطر على مناطق كثيرة في العراق.
ومن أمام مكتب لتسجيل الأسماء وسط حراسة أمنية مشددة، داخل مبنى إدارة مخيم الهول شرقي محافظة الحسكة السورية؛ تجمهر مئات من النساء المتشحات بالسواد مع أطفال يلعبون بالحجارة الصغيرة وقوارير المياه الفارغة في المنطقة، ويقف طابور ثانٍ ضم فتياناً أعمارهم دون سن 15 عاماً، ورجالاً أكبر سناً، لتدوين أسمائهم في قائمة الراغبين في العودة إلى العراق.
يطلب موظف بلهجته العراقية من المصطفين، إبراز إثباتاتهم الشخصية والأوراق الخاصة الممنوحة من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، للتأكد من هوية كل شخص، ومطابقة الأسماء مع القوائم التي وافقت الحكومة العراقية على إجلائها وترحيلها نحو مخيم داخل الأراضي العراقية.
في هذا المخيم المكتظ الذي يؤوي نحو 56 ألفاً، بينهم 29 ألف لاجئ عراقي، تتشابه روايات القاطنين هنا، وكيف انتهى بهم المطاف للعيش تحت رحمة خيمة وسط منطقة صحراوية تتعدى درجات الحرارة فيها هذه الأيام 45 درجة مئوية.
عنود، لاجئة عراقية تبلغ من العمر 30 سنة منحدرة من مدينة الموصل، كانت تقف على مقربة من الطوابير. عندما بدأت في رواية قصتها واستعادة تفاصيل من الذاكرة، أجهشت بالبكاء، وأوحت دموعها التي ذرفتها من تحت نقابها، بتحميل ويلات الحرب والقدر مسؤولية ما حل بعائلتها.
قالت هذه السيدة إن والدها قرر القتال إلى جانب التنظيم، وتنقلت أسرتها كثيراً داخل العراق، حتى وصلت إلى سوريا بداية 2015، العام الذي وافق فيه والدها على زواجها من مقاتل عراقي، لتبدأ فصول المأساة: «قُتل زوجي بعد أشهر من زواجنا، فتزوجت من مقاتل ثانٍ كان عراقياً أيضاً، وبعد اختفائه أو (مقتله) تزوجت من مقاتل سوري يكبرني بـ30 سنة، وقُتل هو أيضاً في معركة الباغوز في مارس (آذار) 2019. وقد أنجبت من هؤلاء الرجال 3 أطفال ولدوا داخل الأراضي السورية؛ لكن لا يمتلكون قيوداً شخصية ولا بيانات الولادة ولا تاريخ الزواج».
وعند سؤالها عما إذا كانت ستسجل اسمها للعودة إلى بلدها العراق، أشارت إلى أن أول طفلين من أبنائها من أبوين عراقيين؛ لكن الطفل الثالث من سوري، وأضافت بحيرة: «لا أعلم هل ستوافق الحكومة العراقية على عودتي مع جميع أبنائي أم ستتحفظ على الطفل الثالث»، وتابعت حديثها وعلى وجهها علامات الحزن والقهر لما خلفته هذه الحروب الدائرة في مسقط رأسها، ومقتل والدها وأزواجها الثلاثة، وهي بعمر الثلاثين: «اليوم أنا يتيمة الأب وأرملة أحمل مسؤولية تربية 3 أطفال، مصيرهم مجهول، لا أعلم بأي حال أعود لمن تبقى من أسرتي».
وتشكو لاجئات عراقيات أخريات من عدم معرفة مصير أزواجهن أو أبنائهن المحتجزين لدى «قوات سوريا الديمقراطية»، بعد أن قرروا الاستسلام في معركة الباغوز التي قضت على سيطرة التنظيم العسكرية والجغرافية شرقي سوريا، بداية 2019. ومن بين تلك النساء، عفراء، السيدة الخمسينية المتحدرة من بلدة القائم العراقية، وكانت ترتدي عباءة ونقاباً أسود، وتتحدث بصوت مرتفع، قالت: «من حقي معرفة مكان زوجي وابنَيّ الاثنين. مضت 3 أعوام وأنا أنتظر مصيرهم، أحياء أم أموات أم نقلوا للعراق».
ترفض هذه السيدة وكثيرات من قريناتها مغادرة سوريا قبل الحصول على أجوبة شافية، تقول: «لن أذهب من هنا قبل معرفة مصير أفراد عائلتي، ليفرجوا عنهم أو ليحيلوهم إلى القضاء»، وتؤيدها امرأة عراقية أخرى كانت تقف بجانبها تدعى أسماء، والتي كررت رفضها مغادرة المخيم قبل معرفة مصير زوجها المحتجز لدى «قسد» منذ 4 سنوات، ونقلت أن الأحوال المعيشية لعائلتها -وهم 7 أشخاص بينهم 4 بنات و3 أطفال صغار- قد تدهورت كثيراً، واصفة المكان بـ«دويلة معزولة»، لما يكابدن من مرارة العيش وتأمين مستلزمات الحياة. وشددت أسماء على أنها قدمت الكثير من الطلبات لزيارة زوجها أو معرفة مصيره، ولم تخفِ خشيتها من تسليمه للحكومة العراقية «لأن العراق ينفذ عقوبة الإعدام».


مقالات ذات صلة

الأمم المتحدة تحث دول جوار العراق على مساعدته في حل مشكلة نقص المياه ومخاطر الجفاف والتلوث

المشرق العربي الأمم المتحدة تحث دول جوار العراق على مساعدته في حل مشكلة نقص المياه ومخاطر الجفاف والتلوث

الأمم المتحدة تحث دول جوار العراق على مساعدته في حل مشكلة نقص المياه ومخاطر الجفاف والتلوث

حثت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة لدى العراق، جينين هينيس بلاسخارت، أمس (الخميس)، دول العالم، لا سيما تلك المجاورة للعراق، على مساعدته في حل مشكلة نقص المياه ومخاطر الجفاف والتلوث التي يواجهها. وخلال كلمة لها على هامش فعاليات «منتدى العراق» المنعقد في العاصمة العراقية بغداد، قالت بلاسخارت: «ينبغي إيجاد حل جذري لما تعانيه البيئة من تغيرات مناخية». وأضافت أنه «يتعين على الدول مساعدة العراق في إيجاد حل لتأمين حصته المائية ومعالجة النقص الحاصل في إيراداته»، مؤكدة على «ضرورة حفظ الأمن المائي للبلاد».

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي بارزاني: ملتزمون قرار عدم وجود علاقات بين العراق وإسرائيل

بارزاني: ملتزمون قرار عدم وجود علاقات بين العراق وإسرائيل

أكد رئيس إقليم كردستان العراق نيجرفان بارزاني، أمس الخميس، أن الإقليم ملتزم بقرار عدم وجود علاقات بين العراق وإسرائيل، مشيراً إلى أن العلاقات مع الحكومة المركزية في بغداد، في أفضل حالاتها، إلا أنه «يجب على بغداد حل مشكلة رواتب موظفي إقليم كردستان». وأوضح، في تصريحات بمنتدى «العراق من أجل الاستقرار والازدهار»، أمس الخميس، أن الاتفاق النفطي بين أربيل وبغداد «اتفاق جيد، ومطمئنون بأنه لا توجد عوائق سياسية في تنفيذ هذا الاتفاق، وهناك فريق فني موحد من الحكومة العراقية والإقليم لتنفيذ هذا الاتفاق».

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي رئيس الوزراء العراقي: علاقاتنا مع الدول العربية بلغت أفضل حالاتها

رئيس الوزراء العراقي: علاقاتنا مع الدول العربية بلغت أفضل حالاتها

أعلن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني أن علاقات بلاده مع الدول العربية الشقيقة «وصلت إلى أفضل حالاتها من خلال الاحترام المتبادل واحترام سيادة الدولة العراقية»، مؤكداً أن «دور العراق اليوم أصبح رياديا في المنطقة». وشدد السوداني على ضرورة أن يكون للعراق «هوية صناعية» بمشاركة القطاع الخاص، وكذلك دعا الشركات النفطية إلى الإسراع في تنفيذ عقودها الموقعة. كلام السوداني جاء خلال نشاطين منفصلين له أمس (الأربعاء) الأول تمثل بلقائه ممثلي عدد من الشركات النفطية العاملة في العراق، والثاني في كلمة ألقاها خلال انطلاق فعالية مؤتمر الاستثمار المعدني والبتروكيماوي والأسمدة والإسمنت في بغداد.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي السوداني يؤكد استعداد العراق لـ«مساندة شركائه الاقتصاديين»

السوداني يؤكد استعداد العراق لـ«مساندة شركائه الاقتصاديين»

أكد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني استعداد العراق لـ«مساندة شركائه الاقتصاديين»، داعياً الشركات النفطية الموقّعة على جولة التراخيص الخامسة مع العراق إلى «الإسراع في تنفيذ العقود الخاصة بها». جاء ذلك خلال لقاء السوداني، (الثلاثاء)، عدداً من ممثلي الشركات النفطية العالمية، واستعرض معهم مجمل التقدم الحاصل في قطاع الاستثمارات النفطية، وتطوّر الشراكة بين العراق والشركات العالمية الكبرى في هذا المجال. ووفق بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء، وجه السوداني الجهات المختصة بـ«تسهيل متطلبات عمل ملاكات الشركات، لناحية منح سمات الدخول، وتسريع التخليص الجمركي والتحاسب الضريبي»، مشدّداً على «ضرورة مراعا

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي مباحثات عراقية ـ إيطالية في مجال التعاون العسكري المشترك

مباحثات عراقية ـ إيطالية في مجال التعاون العسكري المشترك

بحث رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني مع وزير الدفاع الإيطالي غويدو كروسيتو العلاقات بين بغداد وروما في الميادين العسكرية والسياسية. وقال بيان للمكتب الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي بعد استقباله الوزير الإيطالي، أمس، إن السوداني «أشاد بدور إيطاليا في مجال مكافحة الإرهاب، والقضاء على عصابات (داعش)، من خلال التحالف الدولي، ودورها في تدريب القوات الأمنية العراقية ضمن بعثة حلف شمال الأطلسي (الناتو)». وأشار السوداني إلى «العلاقة المتميزة بين العراق وإيطاليا من خلال التعاون الثنائي في مجالات متعددة، مؤكداً رغبة العراق للعمل ضمن هذه المسارات، بما يخدم المصالح المشتركة، وأمن المنطقة والعالم». وبي

حمزة مصطفى (بغداد)

المرصد السوري: اعتقال قيادي في «داعش» بعملية مشتركة لـ«قسد» والتحالف الدولي

عناصر من تنظيم «داعش» (أرشيفية - أ.ف.ب)
عناصر من تنظيم «داعش» (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT

المرصد السوري: اعتقال قيادي في «داعش» بعملية مشتركة لـ«قسد» والتحالف الدولي

عناصر من تنظيم «داعش» (أرشيفية - أ.ف.ب)
عناصر من تنظيم «داعش» (أرشيفية - أ.ف.ب)

قال المرصد السوري لحقوق الإنسان، اليوم (الجمعة)، إن قوات مكافحة الإرهاب التابعة لـ«قوات سوريا الديمقراطية (قسد)»، اعتقلت قيادياً في تنظيم «داعش» في عملية مشتركة مع التحالف الدولي في ريف الرقة.

وأضاف المرصد أنه تم اعتقال القيادي في «داعش» في عملية أمنية بمشاركة طائرات مروحية تابعة لقوات التحالف الدولي، مشيراً إلى أنه «ترافق مع ذلك تبادل إطلاق النار بين الطرفين، استمر قرابة الساعة، على بعد نحو 14 كيلومتراً غربي الرقة».

وقال المرصد: «كما سُمع دوي انفجارات في المنطقة، وسط تحليق لطائرات مروحية بشكل مكثف في أجواء مدينتي الطبقة والرقة والطريق الواصلة بينهما، تزامناً مع عملية الإنزال».

كانت «قوات سوريا الديمقراطية»، قد أعلنت أمس أن وحدات مكافحة الإرهاب التابعة لها تنفذ عملية مشتركة مع التحالف الدولي لملاحقة خلية لتنظيم «داعش» في منطقة الرقة.


في لبنان... المدارس الرسمية تئن تحت وطأة الانهيار الاقتصادي

مدخل مدرسة رسمية مزين باللوحات الجدارية في بيروت (أ.ف.ب)
مدخل مدرسة رسمية مزين باللوحات الجدارية في بيروت (أ.ف.ب)
TT

في لبنان... المدارس الرسمية تئن تحت وطأة الانهيار الاقتصادي

مدخل مدرسة رسمية مزين باللوحات الجدارية في بيروت (أ.ف.ب)
مدخل مدرسة رسمية مزين باللوحات الجدارية في بيروت (أ.ف.ب)

تحتار رنا الحريري بماذا تجيب ابنتها آية في كل مرة تسألها عن موعد العودة إلى مقاعد الدراسة في لبنان حيث لا يزال مصير التعليم الرسمي فيه مجهولاً جراء نقص التمويل وإضرابات مستمرة للمعلمين أنتجها انهيار اقتصادي مزمن.

وتقول رنا البالغة 51 عاماً لوكالة الصحافة الفرنسية: «ملت كثيراً من البقاء في المنزل. وسألتني مراراً (متى سأعود إلى المدرسة؟)، لكنني لا أعرف بماذا أجيبها».

على غرار قطاعات عدة، يرزح القطاع التعليمي عموماً، والرسمي خصوصاً، تحت وطأة انهيار اقتصادي متمادٍ منذ 4 سنوات، أثقلته أزمات متلاحقة أنهكت المعلمين والطلاب وأهاليهم على حد سواء.

وطغت على السنوات الدراسية الماضية إضرابات متكررة لمعلمين يطالبون بتحسين رواتبهم التي باتت بعد زيادات عدة تراوح بين 150 و300 دولار تقريباً.

وجاءت الإضرابات في خضم انهيار اقتصادي، فقدت معه العملة الوطنية أكثر من 98 في المائة من قيمتها، وتآكلت القدرة الشرائية للسكان حتى بات كثر عاجزين عن توفير احتياجاتهم الأساسية.

معلمو المدارس يرفعون اللافتات خلال اعتصام أمام البرلمان اللبناني في بيروت (أ.ف.ب)

وتقول رنا، الأم لأربعة أطفال: «بقي أولادي في البيت 3 أشهر خلال العام الماضي جراء الإضرابات»، بينما تدق وزارة التربية والتعليم ناقوس الخطر جراء الحاجة الملحّة لتمويل.

تحلم رنا بأن تحمل ابنتها منة (14 عاماً) شهادة في الطب، لكنها تخشى اليوم ألا يتحقق حلمها.

وتقول: «لا أعرف ما سيكون عليه مستقبل أطفالي. نحن في حالة القلق هذه منذ 4 سنوات، لا المدرسون أخذوا حقوقهم، ولا أولادنا يدرسون كامل مناهجهم الضرورية».

وتوضح أن ما تطالب به اليوم هو «الحد الأدنى. أمنوا لنا الكتاب والمعلمة فقط، هذا مطلبنا وهذا حقنا».

أمام تدهور الوضع المعيشي وخلال فترات الإضراب الطويلة، بدأ ولدا رنا مرافقة والدهما السمكري إلى العمل لمساعدته بعدما بات عاجزاً عن استقدام عمال.

أما آية ومنة فتلازمان المنزل في حالة انتظار. وتقول الحريري: «أريدهما أن تحملا شهادة تواجهان بها الزمن (...) لكن هذا البلد قاتل للمستقبل».

«في دائرة الخطر»

بحسب مكتب لبنان لدى منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، واجه أطفال لبنان «خلال السنوات الدراسية الأربع الأخيرة، انقطاعاً في تعليمهم بعد أزمات عدة، بينها (كوفيد - 19) وانفجار مرفأ بيروت والأزمة الاقتصادية وإقفال المدارس جراء إضرابات المدرسين».

وازداد عدد العائلات التي حالت الأزمة الاقتصادية دون قدرتها على تحمل أعباء المدرسة من نقل وقرطاسية وكتب وثياب.

وتقول رنا: «لن نشتري هذا العام سوى كتب مُستعمَلة، لا بل مهترئة من كثرة استخدامها. ولن نشتري (من القرطاسية) إلا ما هو ضروري جداً ومن الأنواع الأبخس ثمناً».

وأظهر تقرير لليونيسف في يونيو (حزيران) أن 15 في المائة من العائلات توقفت عن تعليم أبنائها مقارنة مع عشرة في المائة قبل عام. كما أن عائلة من أصل 10 اضطرت لإرسال أطفالها، بينهم من هم في السادسة من العمر، إلى العمل في ظل الأوضاع المعيشية الصعبة.

ومن شأن التسرب المدرسي، وفق ما يشرح رئيس قسم التعليم في اليونيسف في لبنان عاطف رفيق، أن يعرض الأطفال خصوصاً في المجتمعات الأكثر ضعفاً للعنف في الشارع، والفتيات منهم إلى مخاطر الزواج المبكر.

وناشدت اليونيسف الحكومة اللبنانية توفير تمويل للتعليم، يضمن رواتب المعلمين والطاقم التعليمي، وزيادة الإنفاق على القطاع.

معلمة تعتصم أمام البرلمان اللبناني (أ.ف.ب)

وانضوى أكثر من 261 ألف تلميذ لبناني في التعليم الرسمي العام الماضي، يضاف إليهم نحو 153 ألف طالب سوري، وفق إحصاءات وزارة التربية.

وقال وزير التربية في حكومة تصريف الأعمال عباس الحلبي في سبتمبر (أيلول): «لا أبالغ إذا قلت إن التعليم الرسمي بات في دائرة الخطر». وأضاف: «المشكلة الطارئة اليوم هي مالية، فتأمين التمويل اللازم لانطلاق العام الدراسي يشكل بالنسبة إلينا أولوية».

وسبق لوزارة التربية أن استندت في السنوات القليلة الماضية إلى اعتمادات حكومية وتمويل من جهات مانحة بينها البنك الدولي واليونيسف، لكن الحلبي قال إن الجهات المانحة أبلغته «صراحة عدم توفر أموال لدفع حوافز أو بدلات إنتاجية للمعلمين وللعاملين في المدارس الرسمية».

«أخاف ألا يتعلموا»

أمام النقص في التمويل، سبق لوزارة التربية أن خفضت أيام الدراسة من 180 قبل الأزمة إلى 96 عام 2020 ثم نحو 60 يوماً خلال العامين الماضيين، وفق تقرير لـ«هيومن رايتس ووتش».

ويوضح الباحث حول لبنان لدى المنظمة رمزي قيس: «ما نراه أنه مع بداية كل عام دراسي، لا توجد خطة حول كيفية تأمين التمويل، وتوفيره للمعلمين، وكيف ستفتح المدارس الرسمية أبوابها».

وينبه من عواقب «كارثية» في حال دخول عام دراسي شبيه بالسنوات الماضية، محذراً من أنه «سيكون هناك جيل كامل لم يتلقَّ التعليم أو لم يتلقَّ التعليم المناسب».

وعمدت المدارس الرسمية نتيجة الإضرابات الطويلة إلى تخفيف الدروس مقارنة مع ما كانت عليه سابقاً.

وعلى وقع تراجع القدرات المالية، شهد قطاع التعليم الرسمي هجرة كبيرة من القطاع الخاص، الذي لم يعد كثر يتحملون تكاليفه.

تخشى فرح قوبر (35 عاماً) ألا تتمكن اليوم من إرسال أطفالها الثلاثة (9 و11 و12 عاماً) حتى إلى المدرسة الرسمية.

فرح قوبر تساعد أطفالها في واجباتهم المدرسية (أ.ف.ب)

وتقول: «أخاف ألا يتعلموا، التعليم أهم شيء وكل ما أريده هو تحقيق حلم أولادي»، وأحدهم يريد أن يصبح طباخاً، فيما تطمح الفتاة في أن تصبح معلمة و«أن تكون أيامهم أفضل من الأيام التي نمر بها».

وتضيف: «كل سنة تصعب الأمور أكثر. كل شيء باهظ الثمن، الأكل والشرب، والبنزين وحتى الخبز».


معابر سوريا تفجر صراعات متكررة على النفوذ

معبر جيلفاجوز (باب الهوى) بين تركيا ومحافظة إدلب... البوابة المعطَّلة حالياً لدخول مساعدات الأمم المتحدة الإنسانية
معبر جيلفاجوز (باب الهوى) بين تركيا ومحافظة إدلب... البوابة المعطَّلة حالياً لدخول مساعدات الأمم المتحدة الإنسانية
TT

معابر سوريا تفجر صراعات متكررة على النفوذ

معبر جيلفاجوز (باب الهوى) بين تركيا ومحافظة إدلب... البوابة المعطَّلة حالياً لدخول مساعدات الأمم المتحدة الإنسانية
معبر جيلفاجوز (باب الهوى) بين تركيا ومحافظة إدلب... البوابة المعطَّلة حالياً لدخول مساعدات الأمم المتحدة الإنسانية

فجرت معابر سوريا صراعات متكررة على النفوذ بعد أن لفتت محاولات «هيئة تحرير الشام» السيطرة على معبر «الحمران»، الانتباه إليها مجدداً. وتُواصل «تحرير الشام» محاولتها السيطرة على المعبر الاستراتيجي الذي يربط بين مناطق «مجلس منبج العسكري» التابع لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) في منبج ومناطق سيطرة ما يُعرف بـ«الجيش الوطني السوري» الموالي لتركيا في مدينة جرابلس بريف حلب الشرقي.

واندلعت اشتباكات بين فرقة «السلطان مراد» الموالية لتركيا، وفصيل «أحرار عولان» المتحالف مع «تحرير الشام»، على محاور عدة في شمال وشرق حلب، بعد اشتباكات مماثلة بين «تحرير الشام» ومجموعة «الكتلة الكبرى» بقيادة محمد رمي، المعروف بـ«أبو حيدر مسكنة» القيادي ضمن الفيلق الثاني بـ«الجيش الوطني السوري» الموالي لتركيا، الذي يسيطر على معبر «الحمران».

ويعد معبر «الحمران»» شرياناً رئيسياً للتجارة بين مناطق «قسد» ومناطق سيطرة المعارضة، وتدخل من خلاله أيضاً مواد غذائية وكهربائية وآليات وغيرها، فضلاً عن كونه الطريق الرئيسية لمرور قوافل النفط القادمة من شمال شرقي سوريا إلى مناطق سيطرة المعارضة، ويربط بين قرية الحمران الواقعة تحت سيطرة «الجيش الوطني» وقرية أم جلود، أول قرية ضمن مناطق سيطرة «قسد».


«قسد» تنفذ ملاحقة مشتركة مع التحالف لخلية داعشية في الرقة

مقاتل من «قسد» إلى جانب مركبة مدرعة أميركية في بلدة الصبحة بريف دير الزور الشرقي (أ.ب)
مقاتل من «قسد» إلى جانب مركبة مدرعة أميركية في بلدة الصبحة بريف دير الزور الشرقي (أ.ب)
TT

«قسد» تنفذ ملاحقة مشتركة مع التحالف لخلية داعشية في الرقة

مقاتل من «قسد» إلى جانب مركبة مدرعة أميركية في بلدة الصبحة بريف دير الزور الشرقي (أ.ب)
مقاتل من «قسد» إلى جانب مركبة مدرعة أميركية في بلدة الصبحة بريف دير الزور الشرقي (أ.ب)

قالت قوات سوريا الديمقراطية، أمس الخميس، إن وحدات مكافحة الإرهاب التابعة لها تنفذ عملية مشتركة مع التحالف الدولي لملاحقة خلية لتنظيم داعش في سوريا.

وأوضح فرهاد شامي مدير المركز الإعلامي لقوات سوريا الديمقراطية في حسابه على منصة إكس (تويتر سابقا) أن هناك "عملية إنزال جوية مشتركة" لملاحقة خلية لداعش في منطقة الرقة. وأضاف أن أصوات التحليق المكثف لطائرات الهليكوبتر في الطبقة والرقة والطريق الواصل بين المدينتين وأصوات الإنفجارات هي في إطار العملية المشتركة.


إسرائيل: لا نريد التصعيد في غزة

فلسطينيون يحرقون الإطارات خلال اشتباكات سابقة مع جنود إسرائيليين قرب السياج الحدودي بين إسرائيل وغزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يحرقون الإطارات خلال اشتباكات سابقة مع جنود إسرائيليين قرب السياج الحدودي بين إسرائيل وغزة (أ.ف.ب)
TT

إسرائيل: لا نريد التصعيد في غزة

فلسطينيون يحرقون الإطارات خلال اشتباكات سابقة مع جنود إسرائيليين قرب السياج الحدودي بين إسرائيل وغزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يحرقون الإطارات خلال اشتباكات سابقة مع جنود إسرائيليين قرب السياج الحدودي بين إسرائيل وغزة (أ.ف.ب)

فيما أكد مبعوث الأمم المتحدة للشرق الأوسط، تور وينسلاند، على وجود جهود دولية لتفادي التدهور الأمني، وجه وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، رسالة علنية تضاف إلى الرسائل السرية إلى حركة «حماس»، قائلاً إن حكومته «لا تريد التصعيد ولا تطمح للقتال مع قطاع غزة»، مضيفاً أن ما تقوم به قواته العسكرية من قصف هو في إطار الدفاع. وقال: «إذا تعرض مواطنون إسرائيليون أو جنود الجيش الإسرائيلي للأذى، نرد بقوة ولا ينتظرن أحد منا أن نقف مكتوفي الأيدي».

وقال غالانت، الذي كان يتحدث خلال مراسم إحياء الذكرى السنوية الخمسين لحرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973، إنه يريد تذكير «العناصر الإرهابية في غزة، بعلاقات القوة الحقيقية بين الجيش الإسرائيلي وبين (حماس) وشركائها. فنحن لا نريد التصعيد ولا نطمح للقتال، ولكن إذا وصلنا إلى وضع يجب فيه أن نعمل، فإن عملية الدرع والسهم (العملية الحربية ضد غزة قبل أربعة شهور)، ستكون النموذج الذي ينبغي عليهم ألا يبعدوه عن عيونهم للدلالة على عظم قوتنا العسكرية والاستخبارية». وأضاف: «إذا تعرض مواطنون إسرائيليون أو جنود في الجيش الإسرائيلي للأذى، فلن نتردد في استخدام القوة الكاملة المتاحة لنا، لضمان سلامة المواطنين، واستعادة الهدوء للقطاع».

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في اجتماع حكومي سابق (أ.ف.ب)

اجتماع تشاوري

وكان غالانت قد شارك في اجتماع تشاوري لدى رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، يوم الأربعاء، بمشاركة رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، هرتسي هليفي، ورئيس جهاز المخابرات العامة (الشاباك)، رونين بار، ورئيس مجلس الأمن القومي، تساحي هنغبي، ومجموعة ضباط آخرين، حول السيناريوهات المتوقعة لتطور الاحتجاجات في غزة.

وكشفت المخابرات أن الرسائل الآتية من غزة تقول إن حركة «حماس» «غير معنية بالتصعيد»، وإن «المظاهرات التي سمحت بها (حماس) على الحدود مع إسرائيل موجهة لعناوين أخرى في العالم». وأعربت عن اعتقادها بأن وضع إسرائيل عنوانا لهذه المظاهرات وما يرافقها من بالونات حارقة ما هو بمثابة استخدام جانبي لإسرائيل في احتجاج على تدهور الوضع الاقتصادي في القطاع.

لكن رئيس المخابرات، بار، قال إن «تصاعد الاحتجاجات يزيد من احتمال ارتكاب خطأ من شأنه أن يؤدي إلى جولة تصعيدية قد تكون عنيفة». وشدد مسؤولو الأجهزة الأمنية على ضرورة «الاستعداد لتصعيد محتمل». لكنهم نصحوا بأن تساهم إسرائيل في تهدئة الأوضاع. ولذلك تقرر فتح معبر بيت حانون (إيريز) أمام عمال قطاع غزة ليعودوا إلى أشغالهم في الورش الإسرائيلية، ويبلغ عددهم نحو 17500 عامل، يمكن أن يرفع بالتدريج إلى 20 ألفاً.

عمال فلسطينيون يدخلون معبر «إيريز الذي أعيد فتحه مع إسرائيل يوم الخميس (رويترز)

الفئات المستضعفة

من جانبه، قال مبعوث الأمم المتحدة للشرق الأوسط، تور وينسلاند، على منصة «إكس» (تويتر سابقا)، يوم الخميس، إن «الأمم المتحدة تتحدث مع جميع المعنيين وتعمل معهم لتحسين حياة الناس في غزة، لا سيما الفئات المستضعفة». وأضاف، بعد يوم من اجتماعه مع مسؤولي حركة «حماس» في غزة، أن «الوضع صعب داخل القطاع ويتعين علينا أن نتجنب صراعا مسلحا آخر ستكون له عواقب وخيمة على الجميع. سكان غزة عانوا بما يكفي ويستحقون أكثر من عودة الهدوء».

ونقلت وكالة «رويترز» عن دبلوماسي إقليمي قوله إن «مصر كثفت جهودها أيضا لمنع الانزلاق إلى حرب أخرى، وإن وسطاء دوليين يكثفون جهودهم لمنع اندلاع جولة تصعيد جديدة تشمل مواجهات مسلحة بين الجيش الإسرائيلي وفصائل المقاومة الفلسطينية».

وتصاعدت وتيرة الأحداث التي تشهدها الحدود الشرقية لقطاع غزة مع إسرائيل، منذ 12 يوما، بعدما تزايدت حدة المظاهرات التي تنظمها بشكل يومي وحدات «الشباب الثائر»، وهي مجموعات شبابية محسوبة على الفصائل الفلسطينية.


المجتمع العربي يطالب بإسقاط حكومة نتنياهو

جنود إسرائيليون يقومون بدورية بالقرب من نابلس في الضفة الغربية (رويترز)
جنود إسرائيليون يقومون بدورية بالقرب من نابلس في الضفة الغربية (رويترز)
TT

المجتمع العربي يطالب بإسقاط حكومة نتنياهو

جنود إسرائيليون يقومون بدورية بالقرب من نابلس في الضفة الغربية (رويترز)
جنود إسرائيليون يقومون بدورية بالقرب من نابلس في الضفة الغربية (رويترز)

في أعقاب قيام ثلاثة مسلحين ملثمين بتصفية خمسة أفراد من عائلة واحدة في بلدة بسمة طبعون، تصدر عشرات المواطنين لوزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، وطردوه من البلدة، متهمين وزارته وشرطته بالمسؤولية عن المذبحة. فيما طالب النائب منصور عباس، رئيس القائمة العربية الموحدة للحركة الإسلامية، بإقالة حكومة بنيامين نتنياهو، قائلاً إنها تهدر دماء المواطنين العرب في إسرائيل.

وقال عباس، خلال زيارة لموقع الجريمة، يوم الخميس، إن «هذه المجزرة وصمة عار على جبين حكومات إسرائيل وحكومة إسرائيل الحالية تحديداً التي تركت لمجموعات الإجرام أن تعيث في الأرض فسادا وقامت بتفريغ البلدات العربية من وجود الشرطة وتأثيرها والفاعلية التي أحدثناها في العام الماضي، في ظل الحكومة السابقة».

وأضاف: «نحن ندفع ثمن تغيير الوضع السياسي لأن جزءا من أبناء مجتمعنا اختاروا طريق الإجرام والعصابات المنظمة يقتلون الأبرياء من أبناء العائلات ويستهدفون بعضهم بعضا ويستهدفون الأبرياء في هذه الحالة. مسؤوليتنا إسقاط هذه الحكومة السيئة التي تركت جماعات الإجرام تعيث في الأرض فسادا، ومن جهة أخرى واجبنا أن نحمي مجتمعنا العربي، بالحراسة المدنية المحلية القانونية».

فلسطيني وسط سحابة من غاز مسيل للدموع أطلقه الأمن الإسرائيلي خلال مظاهرة سابقة ضد المستوطنات في قرية قريوت قرب نابلس (أ.ب)

يوم دامٍ

وكان المجتمع العربي قد شهد يوما داميا، الأربعاء، إذ قام في الصباح ملثمان مسلحان باعتراض سيارة التاجر عاطف أبو كليب وإطلاق الرصاص عليه في شارع رئيسي في حيفا. وبعد خمس ساعات حضر إلى بسمة طبعون، ثلاثة ملثمين مسلحين واقتحموا بيتا وقتلوا خمسة أشخاص فيه، وهم الفتى وليد دلايكة (14 عاما)، وشقيقه محمد (17 عاما)، وابن عمهما محمد حسن دلايكة (25 عاما)، ووالدته زينب (49 عاما)، وقريب العائلة ربيع دلايكة (22 عاما). وأصاب صاحب البيت، حسن دلايكة (50 عاما) بجروح بليغة.

وقال الناطق بلسان الشرطة الإسرائيلية، ايلي ليفي، إن الشرطة تحقق في الاتجاهات كافة. لكن قائد شرطة الساحل اللواء داني ليفي، أعرب عن تقديرات بأن عمليتي القتل متشابكتان، وأن القتل في الصباح جاء رداً انتقامياً على مقتل شخص في حيفا الأسبوع الماضي، وأن المجزرة في بسمة طبعون جاءت ثأرا على قتل أبو كليب في الصباح.

إلا أن الأهالي والقادة السياسيين للمجتمع العربي، الذين اجتمعوا على الفور في بسمة طبعون، رفضوا تفسيرات الشرطة «التي تبحث عن حلول سهلة ترمي بها المسؤولية عن أكتافها». وقالوا: «إننا لا نتهرب من مسؤوليتنا كمجتمع عن الجرائم، ولكننا نقول إنه لولا اطمئنان القتلة بأن الشرطة مهملة وعاجزة عن اللحاق بهم، لما أقدموا على جريمتهم. وليس عندنا شك في أن الشرطة، ومن ورائها الحكومة، لا تقوم بالحد الأدنى من الواجب لمكافحة الجريمة».

فلسطينيون يرتدون أقنعة يربطون بالونات حارقة قبل إطلاقها إلى الأراضي الإسرائيلية 24 سبتمبر (إ.ب.أ)

تصفية الجريمة

وقال رئيس لجنة المتابعة العربية، محمد بركة، إن «السلطات الإسرائيلية تصل إلى أي مكان حتى تصطاد خصومها ونحن لا نصدق أنها تعجز عن الوصول إلى المجرمين الذين يغرقون مجتمعنا بالدماء. فلو أرادت، بإمكانها تصفية الجريمة».

من جهته، حضر المفتش العام للشرطة، كوبي شبتاي، إلى مكان الجريمة وأعلن أنه أوعز بإحضار كافة الوسائل التكنولوجية المتوفرة في الشرطة والقوات بما فيها من وحدة «لاهاف 433» ووحدات قطرية أخرى إلى المكان، وأنه وهو في طريقه إلى بلدة بسمة طبعون توجه إلى المستشارة القضائية للحكومة، غالي بهاراف ميارا، وبشكل استثنائي للسماح للشرطة باستخدام برنامج التجسس «بيغاسوس» من أجل التحقيق في ملابسات هذه المجزرة. وأكد أن المستشارة سمحت له بذلك. وقالت مصادر في الشرطة إن «منع استخدام هذه الوسائل ألحق ضرراً كبيراً بمقدرة الشرطة على الوصول إلى منفذي الجرائم المختلفة».

احتجاجات من قوات الاحتياط الإسرائيلية أمام سكن نتنياهو ضد خطته لتعديل هيئة القضاء في 28 سبتمبر 2023 (إ.ب.أ)

تعزية هرتسوغ

يذكر أن رئيس الدولة، يتسحاق هرتسوغ، اتصل برئيس المجلس المحلي في بسمة طبعون، رائد زبيدات، معزيا بضحايا المجزرة. فطالبه زبيدات بمضاعفة جهوده من أجل أن تكف الشرطة عن تقاعسها وتبدأ العمل الجاد لوقف العنف والجريمة. وأفادت جمعية أبناء إبراهيم بأنه بهذه الجريمة يرتفع عدد ضحايا الجريمة والعنف في المجتمع العربي إلى 184 ضحية، من بينهم 5 ضحايا من الضفة الغربية وشاب يهودي، قتلوا بجرائم في بلداتنا العربية.

هذا ولا تزال الصدمة والذهول يخيمان على أهالي القرية في الجليل، ويكاد الأهل لا يصدقون ولا يستوعبون حجم المصيبة التي حلت بقريتهم. وقال أحد شهود العيان في مكان الجريمة في بلدة بسمة طبعون إن «المشهد لا يُصدّق. رأيت جثثا ملقاة على الأرض. بعضهم شبان. تهافت الناس على المكان، سمعت أصوات صراخ... منظر لا يستوعبه العقل».

وقال الشيخ عبد الكريم حجاجرة، إمام المسجد، إنه «لا بد أن نتعاضد ونتكاتف حتى نتخلص من هذه الآفة في مجتمعنا العربي. وصلنا إلى وضع صعب، هيبة رجال الدين والإصلاح قلت كثيرا ونأمل أن يتم العمل على إصلاحها».


معابر سوريا تُفجر صراعات متكررة على النفوذ... ما خريطتها؟

معابر سوريا تُفجر صراعات متكررة على النفوذ... ما خريطتها؟
TT

معابر سوريا تُفجر صراعات متكررة على النفوذ... ما خريطتها؟

معابر سوريا تُفجر صراعات متكررة على النفوذ... ما خريطتها؟

تُفجر معابر سوريا صراعات متكررة على النفوذ بعد أن لفتت محاولات «تحرير الشام» السيطرة على «الحمران» الانتباه إليها مجدداً... فما خريطتها؟​ تواصل «هيئة تحرير الشام» محاولتها السيطرة على معبر «الحمران» الاستراتيجي الذي يربط بين مناطق «مجلس منبج العسكري» التابع لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) في منبج ومناطق سيطرة ما يُعرف بـ«الجيش الوطني السوري» الموالي لتركيا في مدينة جرابلس بريف حلب الشرقي.

واندلعت اشتباكات بين فرقة «السلطان مراد» الموالية لتركيا، وفصيل «أحرار عولان» المتحالف مع هيئة تحرير الشام، على محاور عدة في شمال وشرق حلب، بعد اشتباكات مماثلة بين الثاني ومجموعة «الكتلة الكبرى» بقيادة محمد رمي، المعروف بـ«أبو حيدر مسكنة» القيادي ضمن الفيلق الثاني بـ«الجيش الوطني السوري» الموالي لتركيا، الذي يسيطر على معبر «الحمران».

ويعد معبر «الحمران»» شرياناً رئيسياً للتجارة بين مناطق «قسد» ومناطق سيطرة المعارضة، وتدخل من خلاله أيضاً مواد غذائية وكهربائيات وآليات وغيرها، فضلاً عن كونه الطريق الرئيسية لمرور قوافل النفط القادمة من شمال شرقي سوريا إلى مناطق سيطرة المعارضة، ويربط بين قرية الحمران الواقعة تحت سيطرة «الجيش الوطني» وقرية أم جلود، أول قرية ضمن مناطق سيطرة «قسد».

عائدات ضخمة

ويدرّ المعبر عائدات ضخمة من مرور قوافل النفط، تقدَّر بملايين الدولارات. وأعلنت وزارة الدفاع في «الحكومة السورية المؤقتة»، في 7 مارس (آذار) الماضي، أنها تسلمت إدارة وتشغيل معبر «الحمران» بعد 5 أشهر من التنازع عليه، لكنَّ ذلك لم يمنع حصول «تحرير الشام» على إيرادات، خصوصاً مع وجود أذرع لها في المعبر، تقول بعض التقديرات إنها تصل إلى 100 ألف دولار يومياً.

وكان فصيل «أحرار الشام - القطاع الشرقي» (أحرار عولان) يسيطر على المعبر إلا أنه شهد انقساماً في صفوفه، وبات قسمٌ منه تابعاً لـ«تحرير الشام» وآخر أكبر تابعاً لـ«الجيش الوطني» الموالي لتركيا. وسعت «تحرير الشام» للسيطرة على المعبر من خلال هجوم شنته في 14 سبتمبر (أيلول) الحالي، وقطعت القوات التركية الطرق المؤدية لمناطق الاشتباكات بين «أحرار الشام» وفصائل الجيش الوطني، التي قامت برفع سواتر ترابية وإغلاق الطرق الفرعية الواصلة بين بعض مدن وبلدات منطقة «درع الفرات» الخاضعة لسيطرة القوات التركية والفصائل، في الجهة الغربية. وقُتل خلال الاشتباكات 3 عناصر من الجيش الوطني.

معبر «باب السلامة» هو المعبر الثاني حالياً لإيصال المساعدات الإنسانية عبر تركيا بعد توقف نقلها عبر «باب الهوى»

خريطة السيطرة

وتثير محاولة تحرير السيطرة على معبر «الحمران» التساؤلات حول أهمية المعابر الداخلية بين مناطق السيطرة المختلفة في شمال سوريا، وكذلك المعابر الحدودية.

ولكونها أداة رئيسية للاقتصاد، تتسبب المعابر في صراعات متكررة بين الفصائل بسبب العائدات الضخمة التي تدرّها.

ويتوزع الشمال السوري بين منطقتين مختلفتين من حيث السيطرة، لكلٍّ منها معابرها المعتمدة مع الجانب التركي.

تدير «هيئة تحرير الشام» وحكومة الإنقاذ التابعة لها معبر «باب الهوى»، أما الحكومة السورية المؤقتة فتسيطر على 6 معابر تشرف عليها فصائل «الجيش الوطني».

و«باب الهوى» هو المعبر التجاري الوحيد مع تركيا، وهو أيضاً المعبر المعتمَد من الأمم المتحدة لإدخال المساعدات إلى شمال غربي سوريا عبر تركيا. وسيطرت فصائل الجبهة الإسلامية، وأبرزها حركة «أحرار الشام» و«جيش الإسلام» و«صقور الشام» على المعبر. وحسب بعض التقديرات، يدرّ المعبر نحو 10 ملايين دولار شهرياً.

وتوجد 6 معابر أخرى مع تركيا، بخلاف «باب الهوى»، في محافظة إدلب، شمال غربي سوريا، هي: أطمة، وخربة الجوز، وحارم، ودركوش، لكنها مغلقة، أو متاحة فقط لعمليات الإجلاء الطبي وتسليم المساعدات الإنسانية، إضافةً إلى معبرين تستخدمهما القوات التركية في عملياتها وإرسال التعزيزات العسكرية، أحدهما معبر كفر لوسين.

معابر الجيش الوطني

ويتحكم الجيش الوطني السوري، الموالي لتركيا في 6 معابر حدودية مع تركيا، تقع في مناطق «درع الفرات» و«غضن الزيتون» و«نبع السلام»، هي: جرابلس، والراعي، وباب السلامة، والحمام، ورأس العين، وتل أبيض. وتدير معبر جرابلس هيئة «ثائرون للتحرير» بعد أن طُرد تنظيم «داعش» من جرابلس شمال حلب، في عملية «درع الفرات» في أغسطس (آب) 2016.

ويدير الفيلق الثالث بالجيش الوطني السوري معبر «باب السلامة» الواقع على الحدود التركية - السورية، على بُعد نحو 5 كيلومترات شمال مدينة أعزاز بمنطقة «درع الفرات». وتدير هيئة «ثائرون للتحرير» أيضاً معبر «الراعي» في منطقة درع الفرات في حلب، كما تدير فرقة الحمزة معبر «رأس العين»، أما معبر «تل أبيض»، ضمن منطقة «نبع السلام» الخاضعة لسيطرة تركيا والجيش الوطني في شمال شرقي سوريا فيديره الفيلق الثالث، ومعبر «الحمام» تديره حركة «التحرير والبناء»، لكن «هيئة تحرير الشام» سيطرت عليه مؤخراً.

وتعود السيطرة على المعابر الخاضعة لإشراف الجيش الوطني للحكومة السورية المؤقتة التي لا تملك أي سيطرة على المعابر الداخلية مع مناطق سيطرة الحكومة السورية و«قسد».

وحسب الحكومة المؤقتة، تخضع المعابر الحدودية الستة لإشراف مدير واحد، وتوضع الرسوم الجمركية المتحصلة منها في حساب الحكومة المؤقتة بأحد البنوك التركية بعد خصم المصاريف التشغيلية للمعابر ورواتب الموظفين.

ويذهب 50 في المائة من حصيلة الرسوم إلى الجيش الوطني، و25 في المائة إلى المجالس المحلية في درع الفرات ونبع السلام في حلب، و15 في المائة للحكومة المؤقتة و10 في المائة لأهالي ضحايا المعارك.

معبر تشوبان باي (الراعي) يُستخدم حالياً لنقل المساعدات إلى شمال غربي سوريا بواسطة الأمم المتحدة

معابر بين المعارضة والحكومة

ترتبط مناطق سيطرة المعارضة في إدلب وريف حلب الشمالي مع مناطق سيطرة الحكومة السورية بثلاثة معابر هي: «ميزناز - معارة النعسان» في إدلب، وهو مغلق، لكن يُسمح من خلاله بإدخال المساعدات التي ترسلها الأمم المتحدة من مستودعاتها الموجودة في مناطق سيطرة حكومة دمشق. أما المعبر الثاني، فهو «ترنبة - سراقب» في ريف إدلب الجنوبي الشرقي، وتسيطر عليه «هيئة تحرير الشام». وفي ريف حلب الشرقي، هناك معبر «أبو الزندين» الواقع في شرق مدينة الباب، وهو معبر تجاريّ وإنسانيّ يَفصل مناطق سيطرة الجيش الوطني عن مناطق سيطرة حكومة دمشق.

وترتبط مناطق سيطرة «قسد» بعدد من المعابر الشرعية وغير الشرعية تخضع لسيطرة فصائل «الجيش الوطني السوري»، ومن أهمها «عون الدادت» الذي يربط مناطق سيطرة الجانبين في حلب، ويقع بالقرب من جرابلس ويعدّ المعبر الرسمي لتدفق السلع والأفراد، ويفصل بين مدينة جرابلس الخاضعة لسيطرة القوات التركية والجيش الوطني، ومدينة منبج الواقعة تحت سيطرة «قسد».

وتدخل من هذا المعبر المحروقات والمواد الغذائية والإلكترونيات وغيرها من السلع المهمة للطرفين. وهناك معابر تهريب أقل أهمية، مثل «أم جلود». ومناطق «قسد» مهمة بالنسبة للمعارضة الموالية لتركيا، لجهة نقل البضائع من وإلى مناطق سيطرة دمشق، وأيضاً لحركة التجارة مع العراق، كما تعد مورداً مهما لـ«قسد»، لجهة رسوم عبور الأفراد والسلع والسيارات.

وفي أغلب الأحيان تستخدم المعابر بين مناطق «قسد» والمعارضة معابرَ وسيطة لتحرك السلع والأفراد من مناطق النظام إلى مناطق المعارضة أو العكس مروراً بمناطق «قسد».

معابر التهريب

ورغم تأكيد الفصائل الموالية لتركيا والحكومة المؤقتة عدم السماح بوجود معابر للتهريب، فإنها لا تستطيع منعها، بل إن الكثيرين من قادة الفصائل التي يصل عددها إلى 40 فصيلاً في شمال سوريا، متورطون في أعمال التهريب وجني العائدات من المعابر التي تدار لهذه الأعمال، حيث تضبط القوات التركية المعابر الرسمية لكنها لا تستطيع السيطرة على هذه المعابر التي تذهب عائداتها إلى المنتفعين منها خارج الرقابة.

وتنتشر معابر من هذا النوع على خطوط التماس مع القوات السورية و«قسد»، ويتنوع ما يمر خلالها، من مناطق سيطرة الحكومة السورية إلى مناطق المعارضة، بين تهريب الأشخاص سواء بين المناطق أو إلى تركيا، والسلع الأساسية التي يحدث بها نقص بين منطقة وأخرى، إضافةً إلى النفط والوقود والإلكترونيات، وصولاً إلى السيارات الأوروبية.

معابر المساعدات

فشل مجلس الأمن الدولي في 9 يوليو (تموز) الماضي، في تجديد آلية المساعدات الأممية إلى سوريا بسبب استخدام روسيا حق الفيتو، ليتوقف دخول المساعدات من معبر «باب الهوى» الحدوديّ مع تركيا، في حين استمر الاستثناء الخاص بدخول المساعدات عبر معبري «باب السلامة» و«الراعي» مع تركيا حتى 13 أغسطس (آب) الماضي، قبل تمديده 3 أشهر حتى 13 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

كانت الحكومة السورية قد وافقت على دخول مساعدات أممية عبر هذين المعبرين بعد 10 أيام من الزلزال المدمِّر الذي ضرب جنوب تركيا وشمال غربي سوريا في 6 فبراير (شباط) الماضي. وفي 8 أغسطس (آب) أعلنت الأمم المتحدة أن دمشق وافقت على تمديد دخول المساعدات عبر معبرَي «باب السلامة» و«الراعي» 3 أشهر حتى 13 نوفمبر، وبذلك أصبح دخول المساعدات عبر جميع المعابر مرهوناً بموافقة الحكومة السورية.

وقالت منظمة الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) إن «الأمم المتحدة تجاهلت مطالب السوريين ومناشداتهم، وسمحت لنظام بشار الأسد بالتحكم في الملف الإنساني والمساعدات عبر الحدود إلى شمال غربي سوريا، رغم وجود مستند قانوني يمكّنها من إدخال المساعدات دون موافقة الدولة المعنية أو مجلس الأمن».

كانت الأمم المتحدة قد اعتمدت عام 2014 آلية لتوزيع المساعدات التي تقدّمها جهات ومنظمات دولية للسوريين في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام عبر 4 معابر، تشرف المنظمة الدولية على عملية توزيع المساعدات التي تدخل من خلالها عبر مكتبها لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا). وهذه المعابر هي: باب الهوى، وباب السلامة عبر تركيا، ونقطة الرمثا عبر الأردن، ونقطة اليعربية عبر العراق.

معبر جيلفاجوز (باب الهوى) بين تركيا ومحافظة إدلب... البوابة المعطَّلة حالياً لدخول مساعدات الأمم المتحدة الإنسانية

إحباط الجهود الدولية

لكنّ روسيا والصين أحبطتا الجهود الدولية لإدخال المساعدات من خلال هذه المعابر في أوقات متتابعة، إذ استخدمتا حق النقض في مجلس الأمن، ضد مشروع قرار تمديد التفويض الدولي للأمم المتحدة بإدخال المساعدات إلى سوريا من دون إذن الحكومة السورية عبر معبر «باب السلامة»، آخِر المعابر التي ظلت مفتوحة إلى جانب معبر «باب الهوى». وبقي «باب الهوى» الوحيد المفتوح قبل الزلزال، لكنه أُغلق اعتباراً من 10 يوليو (تموز) الماضي بسبب الفشل في اتخاذ قرار باستمرار تدفق المساعدات الأممية من خلاله.

كما يرتبط الشمال السوري مع تركيا بمعابر أخرى، مثل الحمام، الذي افتتحته تركيا في نوفمبر (تشرين الثاني) 2018 بعد انتزاعها السيطرة على منطقة «عفرين» من سيطرة «قسد»، ومعبر «الراعي» الذي افتتحته الحكومة السورية المؤقتة المدعومة من تركيا في ديسمبر (كانون الأول) 2017 أمام المدنيين وحركة التجارة، بعد أسابيع من تسلمها إدارة معبر «باب السلامة» من فصائل المعارضة.

وهذان المعبران لم يُستخدما في عمليات الأمم المتحدة الإنسانية عبر الحدود منذ عام 2020، عندما استخدمت كل من روسيا والصين حق الفيتو ضد مساعي الأمم المتحدة الرامية إلى إبقاء المعبرين مفتوحين لتوصيل المعونات الإنسانية.

وقالت منظمة «هيومن رايتس ووتش»، في تقرير سابق، إن الحكومة السورية وضعت إطاراً سياسياً وقانونياً يسمح لها باستغلال المساعدات الإنسانية وتمويل إعادة الإعمار لخدمة مصالحها، ومعاقبة من تنظر إليهم على أنهم معارضون، وإفادة الموالين. وأكدت التلاعب بتوزيع المساعدات الإنسانية بطريقة تصبّ في مصلحة حكومة دمشق مباشرةً، وليس إيصالها إلى السوريين المحتاجين.

وتدفع موسكو ودمشق باتجاه دخول المساعدات «عبر الخطوط»، أي من مناطق سيطرة الحكومة السورية إلى مناطق سيطرة المعارضة شمال غربي سوريا، بالسعي لافتتاح المعابر بين المنطقتين وفق الاقتراح الذي كانت قد تقدمت به روسيا بفتح معابر في مناطق سراقب وميزنار شرق إدلب، ومعبر أبو الزندين شمال حلب.


«كهرباء لبنان» تلوّح بقطع التيار عن الإدارات العامة

مؤسسة كهرباء لبنان تهدد الوزارات بقطع التيار عنها (الوكالة الوطنية)
مؤسسة كهرباء لبنان تهدد الوزارات بقطع التيار عنها (الوكالة الوطنية)
TT

«كهرباء لبنان» تلوّح بقطع التيار عن الإدارات العامة

مؤسسة كهرباء لبنان تهدد الوزارات بقطع التيار عنها (الوكالة الوطنية)
مؤسسة كهرباء لبنان تهدد الوزارات بقطع التيار عنها (الوكالة الوطنية)

وجّهت مؤسسة كهرباء لبنان إنذاراً إلى كل الوزارات والإدارات العامة، دعتها فيه إلى «تسديد المستحقات المتوجبة في ذمتها نتيجة استخدام الكهرباء، نقداً بالليرة اللبنانية وليس بموجب حوالات مصرفية». وأعطت المؤسسة الإدارات المذكورة مهلة أقصاها 24 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، تحت طائلة قطع التيار عن الوزارات والإدارات التي تتخلّف عن سداد مستحقاتها.

وأكد مصدر في «كهرباء لبنان» أن «الإنذار نهائي ولا رجعة عنه، باعتبار أن الجباية باتت أولوية لاستمرار المؤسسة بتوفير الكهرباء».

وأكدت المؤسسة في بيان أصدرته أنه «لا يسع كهرباء لبنان بيع الطاقة الكهربائية (باعتبارها سلعة) ولو إلى أشخاص القطاع العام، دون أن تقبض ثمنها، مهما كانت أهمية هذه السلعة للمصلحة العامة ولتقديم الخدمات إلى المواطنين، وذلك حفاظاً على توازنها المالي، وإصرارا منها على إنجاح خطة الطوارئ الوطنية لتأمين التيار الكهربائي للمواطنين والإدارات والمؤسسات التي تسدد فواتيرها بانتظام».

واستندت في قرارها إلى «البيانات السابقة والاجتماع الذي انعقد في 25 سبتمبر (أيلول) الحالي (الاثنين الماضي) في وزارة المال مع وزيري المال (يوسف خليل) والطاقة والمياه (وليد فياض)، والذي تمت خلاله إثارة موضوع تسديد فواتير استهلاك الكهرباء من قبل الإدارات العامة والمؤسسات العامة وضمناً مصالح المياه لصالح مؤسسة كهرباء لبنان، وبناءً على تعميم رئيس مجلس الوزراء (نجيب ميقاتي) الصادر بهذا الشأن في الثامن من فبراير (شباط) الماضي، وبناءً على توصية جانب اللجنة الوزارية المكلفة تقييم خطة الطوارئ الوطنية لقطاع الكهرباء، وتطبيقاً للقوانين والأنظمة المرعية الإجراء».

تحذير أخير

ودعت للمرة الأخيرة، جميع الإدارات العامة والمؤسسات العامة ومصالح المياه وسواها من أشخاص القطاع العام كافة، في مختلف المناطق اللبنانية، إلى «وجوب الالتزام بتسديد فواتير استهلاكهم للكهرباء إلى مؤسسة كهرباء لبنان، وذلك نقداً Fresh بالليرة اللبنانية، وليس بموجب حوالات صفرية في حساب المؤسسة المفتوح لدى مصرف لبنان المركزي، سواء المتأخرات من هذه الفواتير، أو فواتير الإصدارات الجديدة». وطالبت مؤسسة كهرباء لبنان هذه الإدارات بـ«تسوية أوضاعها وإلا سوف تضطر مرغمةً، وفقاً للقوانين والأنظمة المرعية الإجراء إلى قطع التيار الكهربائي عن المتخلفين عن السداد من بينها، اعتباراً من يوم الثلاثاء الواقع فيه 24 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل ضمناً».

وقف التعدي

تحذير المؤسسات الرسمية يترافق مع خطّة توقف التعدي على الشبكة وتتعامل أي جهة تمتنع عن دفع متوجباتها، وأكد مصدر في شركة الكهرباء لـ«الشرق الأوسط»، أن «الإنذار نهائي ولا عودة عنه، لتستمر المؤسسة في توفير الطاقة للبنانيين». وشدد على أنه «لم يعد مسموحاً أن يدفع المواطن تكاليف إضافية عن الإدارات العامة، وأن تواصل الإدارات مراكمة الفواتير والإسراف في إهدار الطاقة»، كاشفاً أن المؤسسة «اتخذت قراراً بتفعيل الجبايات ومكافحة التعديات على الشبكة والسرقات، وهذا يسري على مخيمات الفلسطينيين والسوريين، باعتبار أن تفعيل الجباية سيؤدي حتماً إلى زيادة ساعات التغذية بالتيار الكهربائي».

صحوة متأخرة

ويشكّل هذا الإنذار صحوة متأخرة لـ«كهرباء لبنان»، خصوصاً أن ثمة تراكمات على مؤسسات الدولة متراكمة منذ سنوات طويلة، وتقدر بمئات مليارات الليرات، وهي فقدت قيمتها مع انهيار سعر الليرة اللبنانية، وأشار رئيس لجنة الأشغال العامة والطاقة والمياه النائب سجيع عطية، إلى أن «المؤسسات العامة والبلديات باتت ملزمة أن تسدد فواتير الكهرباء حسب تسعيرة الدولار، بدءاً من الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) 2022 أسوة بالمكلّف اللبناني». وأكد لـ«الشرق الأوسط»، أن «الوزارات والإدارات العامة والبلديات والمؤسسات العسكرية والأمنية ومصلحة المياه، تستهلك 20 بالمائة من قيمة الفاتورة العامة للكهرباء». وقال: «الكلفة الشهرية للتغذية بالتيار الكهربائي تبلغ 60 مليون دولار شهرياً، بما فيها ثمن الفيول وكلفة الصيانة والتأهيل وشبكات النقل، ما يعني أن فاتورة مؤسسات الدولة تصل إلى 12 مليون دولار شهرياً». وشدد عطيّة على ضرورة «معالجة المتراكمات على مخيمات اللاجئين الفلسطينيين بعد توقّف منظمة الأونروا عن تسديد قيمة استهلاك الطاقة فيها، ومخيمات النازحين السوريين جراء امتناع مفوضية الأمم المتحدة لشؤون النازحين (UNHCR) عن دفع استهلاكهم للطاقة». وكشف عطيّة عن «قرار نهائي يقضي بقطع الكهرباء عن مخيمات الفلسطينيين والسوريين، إذا رفضت المنظمات دفع كلفتها أياً كانت تداعيات قرار كهذا، خصوصاً أن قيمتها السنوية تقدّر بـ 400 مليون دولار».

أبي خليل

وبدا لافتاً أن الوزارات لم تكن تدرج نفقات الكهرباء ضمن موازنتها السنوية، وكذلك فواتير الهاتف الثابت وخدمات الإنترنت، وأوضح وزير الطاقة الأسبق النائب الحالي سيزار أبي خليل في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أنه «عقد خلال توليه مهام وزارة الطاقة 22 مؤتمراً صحافياً، وحذّر من التداعيات السيئة لتراكم المتأخرات لدى الإدارات العامة، لكن المشكلة في أن الوزارات لم تكن تلحظ هذه الفواتير في موازناتها، وكنا نثير هذه المشكلة عند كلّ موازنة». ولفت إلى أن «المشكلة لا تقف عند إدارات الدولة فحسب، فمنظمة الأونروا تمتنع عن تسديد الفواتير (العائدة للاجئين الفلسطينيين في المخيمات) ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون النازحين ترفض بدورها تسديد الكلفة عن السوريين»، مذكراً بأنه «في عام 2017 فقط استخدم النازحون 486 ميغاواط، بكلفة 333 مليون دولار أميركي».


قتيل سوري خلال محاولة الجيش اللبناني إيقاف مهاجرين غير شرعيين

صورة نشرها الجيش اللبناني لسوريين دخلوا تهريباً إلى لبنان
صورة نشرها الجيش اللبناني لسوريين دخلوا تهريباً إلى لبنان
TT

قتيل سوري خلال محاولة الجيش اللبناني إيقاف مهاجرين غير شرعيين

صورة نشرها الجيش اللبناني لسوريين دخلوا تهريباً إلى لبنان
صورة نشرها الجيش اللبناني لسوريين دخلوا تهريباً إلى لبنان

تتوالى الحوادث المتعلقة بالنازحين السوريين وظاهرة الدخول غير الشرعي إلى لبنان وما يطلق عليها البعض «موجة النزوح الثانية»، وكان آخرها الخميس مع إعلان الجيش اللبناني عن تعرض أحد عناصره للصدم أثناء محاولة إيقاف حافلة صغيرة تُقل سوريين دخلوا خلسة إلى الأراضي اللبنانية.

وأعلنت قيادة الجيش أنه في 28 سبتمبر (أيلول) الحالي، وأثناء محاولة دورية من الجيش في منطقة القبور البيض عند الحدود الشمالية إيقاف آلية فان هيونداي تُقل سوريين دخلوا خلسة إلى الأراضي اللبنانية، أقدم سائق الآلية على صدم أحد عناصر الدورية محاولاً دهسه والفرار من المكان رغم إطلاق بقية العناصر طلقات تحذيرية في الهواء، ما اضطرهم لإطلاق النار نحو إطارات الآلية.

ولفتت القيادة إلى أنه «أسفر ذلك عن إصابة السائق وفقدانه السيطرة على الآلية واصطدامها بعمود كهربائي ومن ثم وفاته وقد نُقل إلى أحد مستشفيات المنطقة، فيما بوشر التحقيق بإشراف القضاء المختص».

وفيما لم يعلن عن عدد السوريين الذين كانوا على متن الحافلة، قالت مصادر عسكرية لـ«الشرق الأوسط» إن الجيش اللبناني قام بإعادتهم إلى الحدود ليعودوا إلى بلدهم، كما يفعل مع كل السوريين الذين يتم إحباط محاولة دخولهم بطريقة غير شرعية إلى لبنان.

وتأتي هذه الحادثة في وقت يعلن فيها الجيش بشكل يومي عن إحباط محاولة تهريب لمئات الأشخاص عند الحدود السورية، في حين ترتفع الأصوات المطالبة بإيجاد حل سريع لهذه القضية والعمل على إعادة النازحين إلى بلدهم. لكن لا يبدو أن هذا الأمر سيكون سهلا في ظل المعارضة التي يلقاها لبنان من المجتمع الدولي والتي كان آخرها اعتبار المتحدث الإقليمي باسم الخارجية الأميركية أن الظروف غير مواتية لعودة السوريين إلى بلدهم.

وفي لبنان رغم أن الحكومة كانت قد أعلنت عن إجراءات لمواجهة أزمة النزوح وقررت تشكيل وفد وزاري لزيارة سوريا لمتابعة ملف النازحين لكن لم يعلن حتى الآن عن خطوات تنفيذية في هذا الإطار، وهو ما يجعل رئيس حكومة تصريف الأعمال وعددا من المسؤولين عرضة للانتقاد من الأحزاب في لبنان. مع العلم بأنه من اللافت أن هناك شبه إجماع من قبل مختلف القوى السياسية على ضرورة حل هذه القضية بعدما باتت تشكل عبئا اجتماعيا واقتصاديا على لبنان.

وفي هذا الإطار، حذّرت النائبة غادة أيوب («القوات اللبنانية») من تحويل النزوح السوري إلى توطين، وطالبت التيار «الوطني الحر» و«حزب الله» وحلفاءهما بالتوجه إلى الدولة السورية بكلام صريح وواضح لناحية وجوب إغلاق الحدود أمام النزوح الاقتصادي الحاصل لأنه لم يعد نزوحاً إنسانياً، واصفةً ما يحدث بالاحتلال.

ودعت في حديث إذاعي إلى «وقفة شعبية رافضة لعمل المفوضية وللخطوات التي يتخذها الخارج بهدف دمج النازحين مع المجتمع اللبناني، مواكبةً للموقف الرسمي».

واتهمت أيوب الحكومة بالتلكؤ في هذا الملف، مشيرة إلى «الضياع في وجهات النظر لدى الوزراء وغياب الرؤية الواضحة»، مجددة التأكيد على أن «لبنان بلد عبور وليس بلد لجوء».

وقالت إن «(القوات) يعمل على جبهات عدة من خلال لجنة الإدارة والعدل للتصدي لمحاولات الاستفادة من أي ثغرات قانونية تسمح بإعطاء النازحين الجنسية أو أي ورقة تمكنهم من العمل في لبنان، ما يؤكد عدم اكتسابهم صفة النازح».

صورة وزعها الجيش اللبناني لموقوفين كانوا يحاولون الهرب عبر البحر إلى أوروبا

وزير العدل

وقضية النازحين كانت أيضا محور لقاءات وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال هنري الخوري في إيطاليا، حيث التقى نظيره الإيطالي كارلو نورديو وتم التباحث في كيفية تعزيز التعاون القضائي بين البلدين على كافة الصعد، بحسب بيان لوزارة العدل. ومن أبرز الملفات التي بحثها الطرفان: ملف النزوح السوري ووضع القضاء في لبنان إذ أبلغ خوري نظيره موقف الحكومة اللبنانية من ملف النازحين كاشفاً أنهم «يزحفون إلى لبنان بأعداد كبيرة وهم بذلك لم يعودوا لاجئين بل صاروا نازحين اقتصاديين». وحذر من أن «الأمر سينعكس سلبا على أوروبا لأنها الهدف الحقيقي والمبطن للنازحين السوريين أما لبنان فهو محطة بالنسبة لهم».

كذلك، كشف الخوري لنظيره عن «حدة وخطورة الاكتظاظ في السجون اللبنانية الذي يسببه زحف النازحين وتجاوزاتهم التي ترفع نسبة الجريمة وعدد المساجين»، لافتاً إلى أن «البنية التحتية للسجون في لبنان لا تتحمل الاكتظاظ الناتج عن ارتفاع عدد المساجين».


العراق: الفصائل تعود بحذر إلى الأنبار بعد تراجع النشاط الأميركي

عناصر من «الحشد الشعبي» ينتشرون على الشريط الحدودي غرب الأنبار (تلغرام)
عناصر من «الحشد الشعبي» ينتشرون على الشريط الحدودي غرب الأنبار (تلغرام)
TT

العراق: الفصائل تعود بحذر إلى الأنبار بعد تراجع النشاط الأميركي

عناصر من «الحشد الشعبي» ينتشرون على الشريط الحدودي غرب الأنبار (تلغرام)
عناصر من «الحشد الشعبي» ينتشرون على الشريط الحدودي غرب الأنبار (تلغرام)

قالت مصادر ميدانية في الأنبار إن الفصائل المسلَّحة المُوالية لإيران عادت إلى مواقعها السابقة في المحافظة، بعد أسابيع من التخفي والتمويه، جراء الحركات الغامضة للقوات الأميركية، الشهر الماضي، قرب الحدود العراقية السورية.

ووفق مصدر أمني، فإن «نشاط الفصائل يعود بشكل حذِر، وأن عودة العناصر المسلَّحة تجري بشكل تدريجي؛ بهدف التأكد من أن الوضع آمن في المنطقة من جهة القوات الأميركية».

ونقل المصدر عن قيادات محلية في فصيلين مسلَّحين بارزين، لـ«الشرق الأوسط»، أن «الفصائل لن تعود بكامل طاقتها إلى المواقع القديمة في الأنبار؛ لأن المعلومات الاستخبارية التي بحوزتنا تفيد بأن الأميركيين ما زالوا يُحضّرون لشيء ما».

ووفق التقديرات الاستخبارية، فإن «الأميركيين راقبوا، خلال الفترة الماضية، رد فعل الفصائل على تحركاتهم، من أجل تقييم الوضع، ومن ثم خفّضوا من وتيرة نشاطهم».

صورة نشرتها قناة الحشد الشعبي من بداية عملية أمنية على الشريط الحدودي غرب الأنبار (تلغرام)

وأضاف المصدر أن «حركة الأميركيين في قاعدة عين الأسد هادئة جداً، مقارنة بما كان الوضع عليه قبل أسابيع من الآن».

وقال مسؤول حكومي في بغداد إن المعلومات الرسمية التي تصل من الأميركيين إلى المؤسسات العسكرية والاستخبارية تفيد بأنهم لا يعملون إلا على مهمة واحدة؛ وهي محاربة بقايا تنظيم «داعش»، لكن أوساط الفصائل تقول إن «الأمر لم ينتهِ بعد، ثمة شيء سيحدث غرب العراق».

وكان رئيس الوزراء محمد شياع السوداني قد أكد، الأسبوع الماضي، من نيويورك، أن العراق ليس بحاجة إلى قوات أجنبية، وأن القوات العراقية قادرة بمفردها على محاربة الإرهاب.

ووفق مؤشرات ميدانية، فإن الفصائل المسلَّحة عادت إلى انتشارها القديم، من عمق الأنبار على طول نهر الفرات، وصولاً إلى الحدود العراقية السورية، في المنطقة المتاخمة لقرية البوكمال السورية.

وأشارت المصادر إلى أنه من المستبعد أن تغادر تلك الفصائل المنطقة الغربية للعراق، وأنها تخطط للبقاء إلى أمد طويل، كما أن القرار «الفصائلي» على المدى المنظور هو ضمان الانتشار بين مدن الأنبار، خلال فترة انتخابات مجالس المحافظات.

وقال ضابط كبير في الحشد الشعبي بالأنبار، لـ«الشرق الأوسط»، إنه «لا وجود لأي تحرك عسكري في هذه المناطق خارج السياق الأمني المعمول به، وفقاً لخطة قيادة العمليات»، لكن المصدر أكد أن تلك الفصائل تعمل دون تنسيق مع أية جهة.

وقال السوداني، في يونيو (حزيران) الماضي، إن «الحشد الشعبي يمتلك كامل الشرعية المستندة للدستور، ويخضع لإشراف القائد العام للقوات المسلَّحة».

لكن يبدو أن قادة الفصائل يطبّقون خطة من شقين، تتضمن عمل مسلّحيها تحت مظلة الحشد وتحت إمرته، بينما تحتفظ بمسلَّحين آخرين يعملون في معسكرات بدائية لا تخضع لأية سلطة، تسهل عليهم التحرك والتمويه والاختفاء.

صورة نشرتها قناة الحشد الشعبي من انتشار عناصره على الشريط الحدودي غرب الأنبار (تلغرام)

وبالتزامن، أعلن الحشد الشعبي في الأنبار أنه نفّذ عملية واسعة تستهدف مناطق الصحراء الغربية في الأنبار، والشريط الحدودي العراقي السوري، بعد ورود معلومات استخبارية دقيقة تفيد بوجود تحركات لخلايا داعش في المناطق غير المأهولة.

وقال قائد عمليات الأنبار للحشد، قاسم مصلح، إن العملية شملت وادي الكعرة، والوليد، والرطبة، وعكاشات، وهي المناطق التي شهدت تراجعاً في حركة الفصائل، خلال الأسابيع الماضية.