مارسيل خليفة يزفّ «جدارية» محمود درويش موسيقياً

قال لـ «الشرق الأوسط»: أرهقتني وعذبتني وأذاقت جفني السهاد

مارسيل خليفة يزفّ «جدارية» محمود درويش موسيقياً
TT

مارسيل خليفة يزفّ «جدارية» محمود درويش موسيقياً

مارسيل خليفة يزفّ «جدارية» محمود درويش موسيقياً

بدأ مارسيل خليفة العمل منذ سنة ونصف السنة، على «جدارية» محمود درويش. عشق شعره وردّد أبياته منذ عام 1976، وعنه يقول، إنه «المقيم وحده في الضفة الأخرى من القلب».
تحلّ الذكرى الرابعة عشرة لرحيل محمود درويش اليوم 9 أغسطس (آب) 2008، وهي مناسبة ليكشف خليفة الذي غنّى ولحّن من شعره «أحن إلى خبز أمي»، وغيرها من الروائع، في حديث لـ«الشرق الأوسط» عن عمله الضخم من وحي «الجدارية» التي نشرها الشاعر الفلسطيني الراحل قبل أكثر من عشرين عاماً. يقول خليفة: «قد يذهب الماضي والحاضر والمستقبل، لكن (الجدارية) تخطف كل ذلك وتزّف الزمن في موكب المعنى والصور».
يعود المؤلّف الموسيقي وعازف العود اللبناني إلى البدايات، منتصف سبعينات القرن الماضي، حين قرأ موسيقياً للمرة الأولى قصائد درويش الأولى، ثمّ تحولت بعد حين إلى «نشيد وطني». ويوضح: «حين رحتُ ألوّن (الجدارية) بقلم الرصاص، بدأتُ اقترافَ الخطيئة»، مضيفاً: «أرهقتني الجدارية وعذبتني وأذاقت جفني السهاد. قرأتُها من عشرين سنة وطويتها، ثم عادت اليوم بإلحاح لم أستطع لجمه لتوقظ السؤال عن الفارق بين المدى والصدى».
لا يرفع خليفة رأسه عن المخطوطة ليشرب من الكوب «شفّة» ماء. يجلس لساعات رغم ضجيج العالم الذي يخرق الصمت «أغلقُ على الخارج الأذنين وأفتح العينين وأجرّد نفسي عن المكان. أعيد قراءة كل فقرة ثالثة ورابعة لأدرك كنه الأشياء».
قرأ في «الجدارية» اسمه: مارسيل ابن ميشال وماتيلدا من حي «العَرْبة» ببلدة عمشيت الساحلية «وقرأتُ فيها لوحة الحياة والموت، لأقود شمعة في عتمة فراغ مُجهد ولأهِب المعنى للأشياء وأقهر خوفي المدفون لئلا يضيع مني الليل وتنسدل الجفون، وحتى لا يحاصرني طويلاً فتطاردني الظنون. وحين أتعب أعود أقرأ، ثم أكتب، وهكذا دواليك».
بوفاء، يذكُر خليفة مَن فارقنا في مثل هذا اليوم: «عندما يصدح صوت درويش تطمئن إلى أنّ الزمان لا يزال حياً وحظه في البقاء أطول. صوتُه سيأتي كسحابة تعبُر، وعلى الموسيقى أن تعرف كيف تجعل السحابة غمامة، وتبعث في كثافتها الرغبة في التحوّل إلى (مطر ناعم في خريف بعيد)، كي تسقي المعنى الظامئ إلى ما يجعله معنى».
ولصوت درويش عنده مفعول السحر، ويقول: «يَفتِنُ ما فاض عن حاجة التعبير. كان لا بدّ لهذه الملحمة الشعرية الموسيقية الغنائية من هواء هو إيقاع صوت درويش، يتسلّل ليروّضه على تنظيم معنى يهيم في (الجدارية). وهي تخرج مع صوته من بطن الموت وينضج المعنى وتتقاطر الصور الموسيقية. صوتان يتبادلان الحب والجمال.. الحياة والموت».

...المزيد



مسيحيو حلب مطمئنون إلى مصيرهم بعد سقوط الأسد

شباب مسيحيون سوريون يعدون زينة عيد الميلاد بمقر جمعية خيرية في حلب (أ.ف.ب)
شباب مسيحيون سوريون يعدون زينة عيد الميلاد بمقر جمعية خيرية في حلب (أ.ف.ب)
TT

مسيحيو حلب مطمئنون إلى مصيرهم بعد سقوط الأسد

شباب مسيحيون سوريون يعدون زينة عيد الميلاد بمقر جمعية خيرية في حلب (أ.ف.ب)
شباب مسيحيون سوريون يعدون زينة عيد الميلاد بمقر جمعية خيرية في حلب (أ.ف.ب)

في باحة «دير الإخوة المريميين» في حلب، ثاني كبرى مدن سوريا، تتركّز النقاشات حول شجرة عيد الميلاد... فبعد إطاحة نظام بشار الأسد، تحاول المعارضة التي أمسكت بإدارة البلاد طمأنة الأقليات المسيحية في ظل المخاوف على مستقبلها إثر انحسار أعدادها بعد سنوات النزاع.

مساعي الطمأنة هذه أتت ثمارها، على الأقل «حتى الآن»، على ما يقول الراهب المريمي جورج سبع الذي شارك (الاثنين) في اجتماع في حلب، دُعي إليه للمرة الثانية الأساقفة وممثلو جميع الكنائس. كما استقبل المسؤولون المحليون الأئمة خلال اجتماع آخر.

ويوضح الراهب المريمي: «لقد اعتمدوا خطاباً مطمئناً للغاية، إذ قالوا لنا: استمروا في العيش بشكل طبيعي، أنتم على مشارف احتفالاتكم بعيد الميلاد، لن يتغير عليكم شيء»، و«لم يتغير شيء حتى الآن». ويشير إلى أن جميع من حاورهم خلال الاجتماع، وهم «ثلاثة عسكريين وسياسيان، كانوا من حلب»، مضيفاً: «كان أحدهم ينهي درجة الدكتوراه في الهندسة الميكانيكية هنا قبل الحرب، وقد أخبرنا أنّ لديه جاراً مسيحياً».

سوريون يحتفلون بالإطاحة بنظام بشار الأسد بعد صلاة الجمعة في حلب (أ.ف.ب)

«حياة طبيعية»

ويضيف سبع: «لذا استأنفنا حياتنا الطبيعية، مع إحياء القداديس في الصباح والمساء. عمدنا فقط إلى تقريب موعد قداس المساء ساعة واحدة، وبدأنا بوضع مغارة الميلاد وأشجار العيد. لقد تعلمتُ في ثلاثة عشر عاماً من الحرب أن أعيش كل يوم بيومه. فلننتظر ما يحمله لنا الغد».

وفي سوريا، لطالما شملت جداول العطل الرسمية السنوية أعياد رأس السنة والميلاد والفصح بالتقويمين الكاثوليكي والأرثوذكسي. ويقول سبع: «ننتظر الروزنامة الجديدة» لمعرفة وضع العطل الرسمية في البلاد بعد إسقاط الأسد.

وبعدما ناهز عدد المسيحيين في حلب 200 ألف قبل بدء الحرب في عام 2011، لم يتبق من هؤلاء في المدينة الكبيرة في شمال غرب سوريا سوى 30 ألفاً فقط، وفق ما ذكرته وكالة الصحافة الفرنسية.

ولطالما كان المسيحيون مندمجين بالكامل في مجتمعهم المحلي، ويضرب وجودهم عميقاً في تاريخ حلب، إذ يعود إلى القرن الرابع في المحافظة، إذ ثمة أكثر من 700 موقع مسجل مخصص للطائفة التي يعد أبناؤها أنفسهم «سوريين» قبل كل شيء. ويقول الأخ جورج سبع: «لا نريد أن نغادر، نريد أن نبقى على علاقة جيدة مع المسلمين، فنحن نتحدث اللغة نفسها».

وقد وعده المسؤولون الذين التقاهم بالاستمرار في «السماح بقرع أجراس» الكنائس التي تردد صداها، مساء الخميس، للإعلان عن قداس الخامسة مساء في كاتدرائية القديس فرنسيس للاتين، الذي توافد إليه حوالي 100 من أبناء الرعية.

مسيحيون يحضرون قداساً في كاتدرائية القديس فرنسيس للاتين في حلب (أ.ف.ب)

«لم نعانِ التمييز»

يؤكد الأب بهجت أن «الناس هنا لديهم حس روحي كبير، خلال كل سنوات الحرب هذه، لم يتوقفوا أبداً عن المجيء إلى الكنيسة». ويقول الكاهن تحت الشرفة الحجرية الذهبية للمبنى إنه يتفهم المخاوف التي جرى التعبير عنها حيال مصير حرية المعتقد في سوريا بعد إسقاط الأسد، خصوصاً من الخارج «لكننا على الأرض لم نعانِ التمييز».

الأب بهجت الكاهن في كاتدرائية القديس فرنسيس للاتين في حلب (أ.ف.ب)

وتوضح مارينا أيوب لدى وصولها إلى الكنيسة التي تواظب على حضور القداديس فيها: «أخبرنا الأسقف أنه مطمئن، وأن الوضع سيستمر، كما في السابق، وسنحتفل بقداديسنا وأعيادنا». في الجهة المقابلة، استرجعت الكنيسة موقعاً كان يحتله «حزب البعث» الحاكم لأكثر من ستين عاماً، وعلّقت عليه علم الفاتيكان. وخلال الاجتماع، وعد ممثلو الحكومة بعدم المساس بممتلكات الكنيسة.

ويقول مسيحي، طلب عدم الكشف عن هويته، عن السلطات الجديدة: «يكررون أنهم سيحترمون جميع الطوائف، لكنني أنتظر: سأحكم عليهم بناء على أفعالهم». وفي الوقت الحالي، تستعد جمعية المساعدة المتبادلة للأخوة المريميين لعودة 120 طفلاً مسلماً تحت رعايتها، الاثنين. وتشرح مريم عرب، الشابة الثلاثينية المسؤولة عن المشروع، التي تشارك في الأحاديث حول تعليق الزينة على شجرة الميلاد، «سنحاول قبل كل شيء الترفيه عن الفقراء والنازحين بسبب الحرب».