شكوك حول مضغ الفراعنة لنباتات «مخدرة»

أثارها باحث إسباني... ومؤرخان مصريان يطلبان الدليل

الباحث الإسباني أثناء فحص عينات من مقبرة منتومحات (TT34) (صفحة البعثة الإسبانية في الأقصر على فيسبوك)
الباحث الإسباني أثناء فحص عينات من مقبرة منتومحات (TT34) (صفحة البعثة الإسبانية في الأقصر على فيسبوك)
TT

شكوك حول مضغ الفراعنة لنباتات «مخدرة»

الباحث الإسباني أثناء فحص عينات من مقبرة منتومحات (TT34) (صفحة البعثة الإسبانية في الأقصر على فيسبوك)
الباحث الإسباني أثناء فحص عينات من مقبرة منتومحات (TT34) (صفحة البعثة الإسبانية في الأقصر على فيسبوك)

أثار باحث إسباني شكوكاً حول مضغ المصري القديم للنباتات المخدرة، وذلك في إطار رصده لازدواجية الشكل الجنسي في عينات من جماجم مصرية قديمة تم اكتشافها في مقبرة منتومحات (TT34) بمنطقة العساسيف بالأقصر (جنوب مصر).
وازدواج الشكل الجنسي، هو الاختلاف المنهجي في الشكل بين أفراد ينتمون لنفس النوع، لكنهم من جنس مختلف، وكان من أبرز ما رصده الباحث جيسوس هيرين لوبيز، من كلية الأحياء بجامعة كانتوبلانكو بالعاصمة الإسبانية مدريد، في تلك الدراسة، التي أجريت على عينات تمثل جماجم 43 أنثى و41 ذكراً، أن شكل وجه الرجال كان واسعاً جداً، مع اختلافات واضحة مع النساء في القوس الوجني أو عظم الخد، وهو عظم يمتد من الأمام الجنبي لجمجمة الإنسان حتى فتحة الأذن.
ويلعب القوس الوجني دوراً مهماً في نظام المضغ، وتعجب لوبيز من أن تكون هناك اختلافات بين الرجال والنساء، واستبعد في دراسته المنشورة في العدد الأخير من دورية «العلوم الأنثروبولوجية»، أن يكون الأمر له علاقة بالتغذية لاشتراكهم في تناول الطعام نفسه، لكنه قال في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط»: «عليك أن تبحث عن أنشطة أخرى لا تتعلق بالضرورة بالطعام، ولكنها تتعلق بجهاز المضغ، وقد يكون مضغ القات أو التنبول (نبتة تسبب نوعاً من الإدمان، لها خصائص تشبه التبغ)، وربما قد يكون السبب هو استخدام الفم كـ(يد ثالثة) في بعض الأعمال».

وبينما رصد لوبيز اختلافات في «القوس الوجني»، رصد أيضاً الكثير من الهشاشة في «اللُقم القذالية»، وهو المكان الذي يتصل فيه الرأس مع العمود الفقري، وكانت هذه الحالة المرضية منتشرة، حتى في الجماجم التي لم تتقدم في السن، ورصد وجودها في كلا الجنسين، وإن كانت بدرجة أكبر عند النساء، وهو ما قد يفسر أن الرجال والنساء استخدموا رؤوسهم في العمل.
ويقول لوبيز: «تظهر لنا صور في مصر القديمة لنساء يحملن حمولات ثقيلة على رؤوسهن، ونرى هذا أيضاً اليوم في العديد من البلدان حيث تحمل النساء الأحمال على رؤوسهن، ويبذلن جهداً كبيراً ويحافظن على توازنهن، مما يسمح بأيديهن أن تكون حرة لتلبية الاحتياجات الأخرى، وحقيقة أننا لاحظنا ذلك أيضاً في جماجم الذكور تقودنا إلى الاعتقاد بأن الرجال حملوا أيضاً حمولات على رؤوسهم، رغم أنها لا تظهر بشكل متكرر في الصور المصرية القديمة».
ويضيف: «لا يمكننا التمييز بين نوع أو آخر من الأحمال، لكننا لاحظنا أنها ستكون أحمالاً ثقيلة».
وأضاف أنه «بفضل دراسات علم الأمراض القديمة، يمكننا معرفة أشكال العدوى، وطرق الهجرة، والعلاجات التي تمت تجربتها في العصور القديمة، والأهم من ذلك، يمكننا مراقبة تطور الأمراض».
ومن جانبه، يبدي الكاتب في علم المصريات بسام الشماع، تحفظاً على التفسير الذي ذهب إليه لوبيز، والمتعلق بمضغ المواد المخدرة، وقال في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط»: «أوافق على تفسيره للهشاشة بـ(اللُقم القذالية) لأن لدينا صوراً وإن كانت قليلة، تظهر استخدام الرجال رؤوسهم في حمل بعض الأشياء مثل النساء، وكنت أفضل في تفسيره المتعلق بالاختلافات في (القوس الوجني) الاكتفاء بإثارة احتمالية أن يكون السبب له علاقة باستخدام الفم كيد ثالثة».

وأضاف: «لدينا أدلة واضحة من الصور التي توجد على جدران المعابد لاستخدام المصري القديم فمه كيد ثالثة، سواء في صناعة السيور الخاصة بالنعال، أو في النفخ أثناء العمل بمهنة الحدادة، فكان الأولى بالباحث أن يكتفي بهذا التفسير الذي يوجد دليل يدعمه».
ومتفقاً مع الرأي السابق، يقول الطبيب والكاتب في علم المصريات، وسيم السيسي، أن المصري القديم لم يعرف عنه تناول المواد المخدرة على سبيل الإدمان، لكنه استخدمها كأعراض علاجية، فمثلاً كان يستخدم لبن ثمرة نبات «أبو النوم»، وهو الأفيون، كمهدئ للأطفال، من أجل مساعدتهم على النوم، كما عرف أيضاً، استخدام نبتة الأفيون والحشيش والصفصاف، والبذر خلة، كونها مسكنة للألم، وتحسن الحالة النفسية.
ورفض السيسي في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، مجرد التلميح بإدمان المصري القديم للمخدرات، دون أن تكون هناك أدلة واضحة تدعم هذا الكلام، مشيراً إلى أنه عندما يتحدث عن استخدام بعض المواد المخدرة في العلاج، فلدية دلائل من البرديات المصرية القديمة تدعم ذلك، ولكن إثارة شبهة مضغ المواد المخدرة كإدمان، دون دليل، فهذا غير مقبول، لا سيما أن العينة التي أجريت عليها الدراسة ليست بالكبيرة، حتى نطلق مثل هذه الأحكام».
ولفت السيسي إلى «أن فكرة الإدمان في مصر القديمة، كانت غير مقبولة، بدليل ما ورد في البرديات التي كانت تنصح المصري القديم بـعدم الإكثار من شرب الخمر، حتى لا يكون مثل المجداف المكسور».



«الجميلات النائمات»... معرض قاهري يعيد تشكيل الجسد بصرياً

مدارس فنية متنوعة تداخلت في لوحات المعرض (الشرق الأوسط)
مدارس فنية متنوعة تداخلت في لوحات المعرض (الشرق الأوسط)
TT

«الجميلات النائمات»... معرض قاهري يعيد تشكيل الجسد بصرياً

مدارس فنية متنوعة تداخلت في لوحات المعرض (الشرق الأوسط)
مدارس فنية متنوعة تداخلت في لوحات المعرض (الشرق الأوسط)

يطمح الفنان المصري هشام نوّار إلى إعادة تشكيل الجسد بصرياً عبر معرضه «الجميلات النائمات» متشبعاً بالعديد من الثيمات الأيقونية في الفن والأدب والتاريخ الإنساني، خصوصاً في التعامل مع الجسد الأنثوي، بما يحمله من دلالات متعددة وجماليات عابرة للزمان ومحيّدة للمكان.

يذكر أن المعرض، الذي يستضيفه «غاليري ضي» بالزمالك (وسط القاهرة) حتى 5 ديسمبر (كانون الأول) المقبل، يضم ما يزيد على 50 لوحة تتنوع خاماتها بين استخدام الألوان الزيتية على القماش بمساحات كبيرة، وبين الرسم بالألوان في مساحات أقل.

ويعدّ الجسد بمفهومه الجمالي والفني هو محور المعرض، والجسد الأنثوي تحديداً هو الأكثر حضوراً، بينما تبقى الوضعية الرئيسية التي اختارها الفنان، وهي فكرة «تمثال الكتلة» المصري القديم، وتوظيفه على هيئة فتاة نائمة هي الأكثر تعبيراً عن الفكرة التي يسعى لتقديمها، واضعاً ثيمتي الجمال، ممثلاً في الجسد الأنثوي، والنوم ممثلاً في وضعية واحدة تجسد المرأة، وهي نائمة في وضع أشبه بالجلوس، في إطار مشبع بالدلالات.

اللونان الأصفر والأحمر كانا لافتين في معظم الأعمال (الشرق الأوسط)

وعن المعرض، يقول هشام نوار: «الفكرة تستلهم تمثال الكتلة المصري القديم، فمعظم الشخصيات التي رسمتها تعود لهذا التمثال الذي ظهر في الدولة المصرية القديمة الوسطى، واستمر مع الدولة الحديثة، ويمثل شخصاً جالساً يضع يديه على ركبته، وكأنه يرتدي عباءة تخبئ تفاصيل جسده، فلا يظهر منه سوى انحناءات خفيفة، ويكون من الأمام مسطحاً وعليه كتابات، وكان يصنع للمتوفى، ويكتب عليه صلوات وأدعية للمتوفى».

ويضيف نوار لـ«الشرق الأوسط»: «تم عمل هذا التمثال لمهندس الدير البحري في الدولة الحديثة، الذي كان مسؤولاً عن تربية وتثقيف ابنة حتشبسوت، فيظهر في هيئة تمثال الكتلة، فيما تظهر رأس البنت من طرف عباءته، ومحمود مختار هو أول من اكتشف جماليات تمثال الكتلة، وعمل منها نحو 3 تماثيل شهيرة، هي (كاتمة الأسرار) و(الحزن) و(القيلولة)».

حلول جمالية بالخطوط والألوان (الشرق الأوسط)

وقد أهدى الفنان معرضه للكاتب الياباني الشهير ياسوناري كاواباتا (1899 - 1972) الحائز على نوبل عام 1968، صاحب رواية «منزل الجميلات النائمات» التي تحكي عن عجوز يقضي الليل بجوار فتاة جميلة نائمة بشرط ألا يلمسها، كما أهداه أيضاً للمثال المصري محمود مختار (1891 – 1934) تقديراً لتعامله مع فكرة «تمثال الكتلة».

وحول انتماء أعماله لمدرسة فنية بعينها، يقول: «لا يشغلني التصنيف، ما يشغلني معالجة خطوط الجسد البشري، كيف أجد في كل مرة حلاً مختلفاً للوضع نفسه، فكل لوحة بالنسبة لي تمثل الحالة الخاصة بها».

الفنان هشام نوار في معرضه «الجميلات النائمات» (الشرق الأوسط)

ويشير نوّار إلى أنه لم يتوقع أن يرسم كل هذه اللوحات، وتابع: «الفكرة وراء الجميلات النائمات الممنوع لمسهن، لكن تظل المتعة في الرؤية والحلم الذي يمكن أن يحلمه الشخص، حتى إن ماركيز قال إنه كان يتمنى أن يكتب هذه الرواية».

«يؤثر التلوين والتظليل على الكتلة، ويجعلها رغم ثباتها الظاهر في حال من الطفو وكأنها تسبح في فضاء حر، هنا تبرز ألوان الأرض الحارة التي احتفى بها الفنان، وتطغى درجات الأصفر والأحمر على درجات الأخضر والأزرق الباردة»، وفق الكاتبة المصرية مي التلمساني في تصديرها للمعرض.

أفكار متنوعة قدّمها الفنان خلال معرض «الجميلات النائمات» (الشرق الأوسط)

وتعدّ مي أن هذا المعرض «يكشف أهمية مقاومة الموت من خلال صحوة الوعي، ومقاومة الذكورية القاتلة من خلال الحفاوة بالجسد الأنثوي، ومقاومة الاستسهال البصري من خلال التعمق الفكري والفلسفي؛ ليثبت قدرة الفن الصادق على تجاوز الحدود».

وقدّم الفنان هشام نوّار 12 معرضاً خاصاً في مصر وإيطاليا، كما شارك في العديد من المعارض الجماعية، وعمل في ترميم الآثار بمنطقة الأهرامات عام 1988، كما شارك مع الفنان آدم حنين في ترميم تمثال «أبو الهول».