لا شكّ في أن ردّ الصين الساخط على زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي إلى تايوان، ألهب المشاعر القومية لدى بعض رواد الإنترنت الصينيين، غير أن الآراء في الشارع أكثر تبايناً، حسبما تورده وكالة «الصحافة الفرنسية» في تقرير لها من بكين.
وفي أعقاب تلك الزيارة الأرفع مستوى منذ 25 عاماً، أطلقت الصين أوسع مناورات عسكرية في تاريخها في محيط تايوان، وعلّقت عدّة مناقشات وشراكات ثنائية مع الولايات المتحدة، لا سيما في مجال التغيّر المناخي والدفاع.
لكن، كيف ينظر الشارع الصيني إلى هذه التطوّرات؟
من الصعب تكوين فكرة شاملة في هذا الصدد، إذ إن كلّ نقاش عام غالباً ما يتمّ وأده برقابة صارمة، تمارسها السلطات الصينية على الإنترنت، حاذفة المنشورات الأكثر سلبية بشأن السياسة الحكومية.
ومع ذلك -بحسب الخبراء- تحظى فكرة ضمّ تايوان بتأييد عارم في أوساط الصينيين الذين لن يقبلوا باستقلال الجزيرة. وعلى الإنترنت، أطلق المستخدمون الأكثر تشدّداً دعوات إلى الحرب. لكن صينيين استطلعت «الصحافة الفرنسية» آراءهم في الشارع كانوا أكثر رزانة في تعليقاتهم، آملين خصوصاً أن يهدأ الوضع.
وقال جاو الذي لم يرغب في الكشف عن شهرته: «لست قلقاً جدّاً؛ لأنني أعرف أنها (أي الحرب) لن تقع... ومخطئ هو من سيبادر إلى استخدام القوّة في المقام الأوّل».
وتعتبر الحكومة الصينية تايوان التي لجأ إليها قوميون صينيون في أعقاب تولّي الحزب الشيوعي ونظام ماو تسي تونغ زمام السلطة في الصين سنة 1949، جزءاً لا يتجزّأ من أراضيها التي تسعى إلى توحيدها، بالقوّة إن لزم الأمر، وهو موقف يتبناه السواد الأعظم من الصينيين. وصرّح جاو البالغ 29 عاماً: «كثيرون من الصينيين يأملون ضمّ تايوان. هي أفكار تُزرع في نفوسنا منذ الصغر، وتعدّ صائبة على الصعيد السياسي»؛ لكن «نادراً ما تُناقش هذه المسألة بعمق؛ لأن الإنترنت لا يتيح استعراض مروحة واسعة من الآراء والمحادثات الفعلية؛ فغالباً ما تنفجر شجارات».
بالنسبة إلى الرئيس شي جينبينغ، أتت زيارة بيلوسي في أسوأ توقيت، وفق ديفيد ساكس الباحث في مجموعة بحثية أميركية؛ إذ يعكف شي على تقديم صورة لصين تتمتع بالقوة والاستقرار إلى مواطنيه قبل الدورة العشرين من مؤتمر الحزب الشيوعي، الذي من المرتقب أن يمنحه ولاية رئاسية ثالثة. وقال ساكس إن «شي استشعر على الأرجح أنه من الضروري أن يتحرّك خشية أن يبدو في موقف ضعيف أو كأنه لا يتحكّم في زمام العلاقة بين الصين والولايات المتحدة، وهي أهمّ علاقة لبلده».
وقد تكون هذه المناورات العسكرية -بفضل اتساع نطاقها ورفعة مستواها- مصدر اعتزاز للصينيين؛ لكنها لا تؤدي إلى دعم المواقف الحكومية دعماً أعمى. وقال جاو: «الناس يحدوهم شعور بالعِزة؛ ولكن خصوصاً حيال قوّة الصين العسكرية».
وكشفت شابة تدعى غوو، في السابعة والعشرين من العمر، هي أيضاً من سكان العاصمة بكين: «لا أظنّ أن هذا الوضع سيجعلنا ننظر نظرة مختلفة إلى زعمائنا. فهؤلاء ليسوا بحاجة إلى دعم شعبي، إذ إنهم لا يُنتخبون» باقتراع عام.
وتلقى العقوبات التجارية ضدّ تايوان والمناورات العسكرية «استحساناً» لدى الصينيين، على حدّ قول جوسلين تشي، الدبلوماسية الأسترالية السابقة التي باتت تحاضر في جامعة سيدني. لكنها تأتي في وقت تشهد فيه الصين ظروفاً اقتصادية صعبة، بفعل سنتين ونصف سنة من القيود الصحية الصارمة المفروضة بفعل جائحة «كوفيد-19». وقد تبرّم الصينيون من إجراءات العزل المتتالية وإغلاق الحدود، بحسب الدبلوماسية السابقة.
وتصدر انتقادات أيضاً عن هؤلاء المدفوعين بحسّهم القومي الذين يعتبرون أن الصين لم توجه ضربة كافية إزاء تايوان، وفق ديفيد ساكس الذي توقّع أن تستمرّ السلطات الصينية «في تكييف ردّها والرفع من مستواه، إن اقتضى الأمر ذلك». وصرّح: «لا أظنّ أن التطوّرات ستؤثر على وضع شي خلال المؤتمر المقبل، إلا إذا خرجت الأمور عن السيطرة بالكامل».
غير أن هذه المستجدّات تثير القلق لدى آخرين. وقال لوو الذي يقطن كانتون في الجنوب، إن «بعض معارفي كانوا يعتبرون أنه من الممكن أن تكون عملية إعادة التوحيد سلمية؛ لأنها مسألة خاصة بنا وبتايوان»؛ لكن «مع دخول الولايات المتحدة على الخطّ، يرى البعض المسألة راهناً وكأنها معركة ضدّ الولايات المتحدة».
الشارع الصيني أكثر تروياً من الحكومة الساخطة في الأزمة مع تايوان
الشارع الصيني أكثر تروياً من الحكومة الساخطة في الأزمة مع تايوان
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة