صرخ المدير الفني قائلاً: «لا؛ إنه حكم قذر!». لم يكن هذا المدير الفني يصرخ في وجهي هذه المرة، لكنه كان يصرخ في وجه أحد لاعبيه، الذي مد يده نحوي بعد المباراة ليصافحني وهو يقول: «لقد أديت عملك حكماً للمباراة بشكل جيد». وكنت قد طردت المدير الفني قبل نصف ساعة بسبب حالة الهستيريا التي كان يبدو عليها. وحتى بعد أن طردته، ظل يصرخ قائلاً: «يجب عليك العودة إلى إنجلترا! اذهب إلى أي مكان؛ ما دام بعيداً جداً من هنا! (أوه، يا صديقي، لا يمكنك أن تتخيل إلى أي مدى أود أن أكون الآن بعيداً من هنا بالفعل)».
الآن؛ وبعد أن انتهت المباراة، ظل يلعنني بلا توقف حتى اختفيت من أمامه وذهبت إلى غرفة خلع الملابس وأغلقت الباب. لقد خسر فريقه بخمسة أهداف مقابل هدف وحيد، وكان يبدو أنه يعتقد أنني السبب الرئيسي في تلك الخسارة الثقيلة. لم يكن هذا المدير الفني هو العضو الوحيد في هذا الفريق المحلي الذي يشعر بالغضب وعدم السعادة من أدائي، فقد كان هناك لاعب في هذا الفريق يميل لاستخدام يديه في التحكم في الكرة، وهو الأمر الذي - كما يعلم كثير منكم - يتعارض مع قوانين اللعبة! وعندما احتسبت أول خطأ ضده بسبب لمسه الكرة بيده خارج منطقة جزاء فريقه مباشرة، صرخ قائلاً: «لماذا لم تحتسب ركلة جزاء وينتهي الأمر؟». لقد كان اقتراحاً مثيراً للفضول بالتأكيد، لكنني تمسكت باحتساب ركلة حرة مباشرة، وهي اللعبة التي سجل منها الفريق المنافس هدفاً على أي حال.
كتاب «جحيم التحكيم» لبلندرليث
وبعد مرور 10 دقائق لمس هذا اللاعب الكرة بيده مرة أخرى، وكانت هذه المرة على الجانب الأيسر من منطقة الجزاء. واحتج على القرار بصوت عالٍ مرة أخرى، لذا أعطيته بطاقة صفراء، فصرخ قائلاً: «أنا لا أكترث بذلك!»، وبعد دقيقة واحدة، كنت أقف بجانبه بعد أن احتسبت ركلة حرة مباشرة لفريقه، لكن كان يتعين عليه أن يبتعد عني على الفور بعد أن قال لي: «أداؤك التحكيمي سيئ للغاية اليوم». وعندئذ؛ أشهرت في وجهه البطاقة الصفراء الثانية، ثم البطاقة الحمراء، ليخرج من الملعب وهو ينظر إليّ نظرة احتقار ويصفني بالمتشرد!
في هذه الأثناء، كان هناك مهاجم يبلغ من العمر 44 عاماً، لكنه، مثل كثيرين منا، لا يريد أن يعترف بأنه لم يعد قادراً على العطاء! وفي كل مرة يتفوق فيها المدافع الشاب للفريق المنافس على هذا المهاجم الطاعن في السن ويستخلص منه الكرة، يشتكي هذا المهاجم ويطالب باحتساب خطأ له. وفي النهاية، أشهرت في وجهه هو الآخر البطاقة الصفراء بسبب شكواه المستمرة. وعندما أهدر فرصة سهلة للغاية أمام المرمى، كنت أود أن أسأله عما إذا كان ذلك خطأي أيضاً، لكني تمسكت بالأخلاق العالية وأمسكت لساني! ومع ذلك، فقد كنت أستمتع بتصفيقه الساخر لي وأنا في طريقي للخروج من الملعب بعد نهاية المباراة. إنه ليس غبياً، فقد كان يعلم أنني لا أستطيع منحه البطاقة الحمراء بعد نهاية المباراة!
كان يتعين عليّ أن أكتب كل هذا في تقريري عن المباراة. ونظراً إلى أنه لم يكن هناك شيء آخر يتعين علي فعله بعدما قمت بتحكيم 3 مباريات في أقل من 24 ساعة، فقد جلست أمام شاشة الكومبيوتر لكتابة التقارير الخاصة بتلك المباريات. لم تكن مهمتي تقتصر على ذلك فقط، خصوصاً أن مسؤولي النادي لم يؤكدوا لي اسم المدير الفني؛ بل ووصل الأمر لدرجة أن أحدهم كذب علي وقال إن هذا الشخص لم يكن المدير الفني على الإطلاق وأنه مجرد «شخص ما» كان يوجه تعليمات للفريق بشكل عفوي، وأنه لا يعرف اسمه! فهل هذا صحيح؟ لقد أخبرت عدداً كبيراً من الأشخاص الذين كانوا يقفون بجانب الشواية (لم أحصل على أي طعام، رغم أن هذا هو العرف السائد بشكل عام) أن السبب في أنني اضطررت إلى تحكيم 3 مباريات في غضون 24 ساعة فقط هو أن العديد من الحكام لم يعد بإمكانهم تحمل المتاعب الناجمة عن العمل في هذه المهنة.
حكام المباريات شماعة أزلية للاعبين والمدربين على حد سواء (أ.ف.ب)
يفكر عدد كبير من الحكام في الاستقالة، ويمكنني أن أتفهم الأسباب تماماً. لقد تعرضت للصراخ والسخرية، لكنني أثناء خروجي من الملعب قلت للجميع: «أتمنى لكم جميعاً أمسية لطيفة الآن»! وبعد ظهر اليوم السابق، كنت أدير مباراة للناشئين تحت 19 عاماً. لم أشهر سوى بطاقة صفراء واحدة في تلك المباراة، وفور نهاية المباراة توجه نحوي المديران الفنيان للفريقين وقالا لي: «شكراً». هذا هو كل ما أطلبه، حتى لو كنت تعتقد حقاً أنني كنت حكماً سيئاً يتعين عليه أن يعود إلى إنجلترا.
وبعد بضعة أيام، أدرت مباراة أخرى شهدت حالة من الجدل الشديد في الدقيقة السبعين. كنا ننتظر أن يقوم الفريق المضيف بتنفيذ ركلة ركنية عندما غضب المدافعون فجأة - فريق من الشباب تحت 17 عاماً كان متأخرا في النتيجة بسبعة أهداف في مباراة دور الستة عشر في الكأس - بسبب «إهانة» تعرضوا لها من أحد لاعبي الفريق المنافس. وكانت المشكلة الوحيدة تتمثل في أنني لم أسمع هذه الإهانة، وحتى لو سمعتها، فإنني لم أكن متأكداً من هوية اللاعب الذي قالها. لذلك، قررت أن يستمر اللعب، وهو الأمر الذي جعل الفريق الضيف يشعر بأنه تعرض للظلم، وهو ما كان كافياً لإبعاد تركيزهم عن حقيقة أنهم خسروا بنتيجة ثقيلة للغاية.
وعند إطلاق صافرة النهاية، أدلى أحد اللاعبين بتعليق حول طريقة تحكيمي المباراة، لكنني تجاهلته؛ لأنني لم أكن متحمساً لإشهار بطاقة أخرى وكتابة تقرير تأديبي! جاء إليّ المدير الفني لهذا الفريق وقال لي إنه رغم أنني قدمت مباراة جيدة، فإنني بالتأكيد سمعت «الإهانة» التي وجهها لاعب الفريق المنافس للاعبيه، خصوصاً أن الجميع قد سمعها؛ بمن فيهم من كانوا يجلسون بالخارج بجوار خط التماس. لقد أخبرته بأنني لم أسمع ولم أرَ شيئاً، وبالتالي لم يكن بإمكاني أن أطلق الصافرة وأتخذ قراراً. لقد أخبرته بأن السبب في ذلك هو أنه لم يكن لدي حكام للراية يخبرونني بذلك، كما أنني أعاني من صعوبة في السمع وأرتدي جهازاً يساعدني على السمع بشكل أفضل! لقد تفهم كل ذلك، وربما كانت هذه هي المرة الوحيدة التي كانت فيها علاقتي جيدة بالمدير الفني للفريق الخاسر.
ذكرت تلك الحادثة للمدير الفني للفريق المستضيف للمباراة، فقال لي: «إنهم يبحثون دائماً عن شيء يشكون منه. ومن الأفضل أحياناً ألا تسمع شيئاً». من الممكن أن يكون هناك شيء في هذا. لقد كنت أفكر كثيراً في مباراة «العودة إلى إنجلترا» نهاية الأسبوع الماضي، وكيف كان يمكنني أن أساعد في تهدئة الأمور داخل الملعب. فعندما أخبرني اللاعب في تلك المباراة بأن أدائي التحكيمي كان سيئاً، كان بإمكاني أن أضحك وأقول له: «حسناً يا صديقي؛ عندما تكون لاعباً سيئاً تلعب في دوري سيئ، فمن الطبيعي أن يكون لديك حكم سيئ!» لكنني لم أفكر في ذلك إلا لاحقاً (رغم أنني قررت أن أستخدم هذه الطريقة في التعامل مع اللاعبين الذين يعترضون على قراراتي في وقت لاحق). وعلاوة على ذلك؛ كان بإمكاني أيضاً أن أنظر بعيداً وأتجاهله. لكن من الناحية الرسمية، فإن البطاقة الحمراء كانت هي القرار الصحيح بكل تأكيد. لكن بعيداً عن الناحية الرسمية، فلم أعد متأكداً من القرار المناسب.
لقد سلط مقال نُشر مؤخراً في مجلة «دير شبيغل» الألمانية الضوء على الإساءات التي يتعرض لها الحكام في مباريات الهواة. ففي مدينة هامبورغ وحدها، فإن أكثر من نصف الحكام الجدد يتوقفون عن العمل في هذه المهنة خلال أول عامين، لأنهم لا يستطيعون التعامل مع الضغوط، ولا يحصلون على الدعم والحماية من الجهات المسؤولة عن إدارة كرة القدم. وتساءل ويلفريد ديكيرت، رئيس لجنة حكام هامبورغ: «من الذي يريد أن يتحمل كل هذا مقابل بضعة جنيهات أثناء ممارسة هوايته؟» وأضاف: «الحكام القدامى صارمون. لم يعودوا يسمعون ذلك بعد الآن».
وفي السنوات الأخيرة، في كل من هامبورغ وفرنكفورت، وضعت لجان الحكام قواعد سلوك طُلب من جميع الأندية التوقيع عليها. تتفق جميع الأندية بالطبع على أنه يتعين على جميع لاعبيها احترام الحكام، لكن بمجرد انطلاق المباراة، فإن كل تلك الكلمات المكتوبة بشكل جميل والتي تحمل نيات حسنة بكل تأكيد حول الروح الرياضية لا يتجاوز تأثيرها تأثير «إعلان النيات» الصادر عن «لجنة الأخلاقيات» في «الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)».
باختصار؛ ومن دون الشعور بأن اللاعبين المسيئين سيتم تأديبهم بشكل صحيح، يواجه الحكام 3 خيارات: الخيار الأول: الاحتواء والتعامل مع الموقف بهدوء. الخيار الثاني: انتظار وقت طويل وتحمل عناء مقاضاة اللاعبين المسيئين من خلال النظام القانوني، بالنظر إلى أن نظام الانضباط الداخلي لكرة القدم يتراوح بين «متساهل» و«عاجز». أما الخيار الثالث؛ فيتمثل في التحلي بأكبر قدر من الهدوء، بل والبرود، للتعامل مع مثل هذه الضغوط والمواقف الصعبة. وتجب الإشارة إلى أن الخيار الأول مغرٍ، وغالباً ما يجري التفكير فيه. أما الخيار الثاني فيتطلب وقتاً طويلاً وقانوناً صارماً وشبكة دعم نادراً ما تكون متاحة من الأساس، في حين يتطلب الخيار الثالث خبرات كبيرة من الحكام، الذين لا يكادون يشعرون بأي متعة أثناء القيام بوظيفتهم. وكلما طالت مدة عملي حكماً لكرة القدم، أُجبرت في كثير من الأحيان على التصرف بصورة نمطية تقليدية حتى لا أثير أي مشكلات. ومع ذلك، فإن بعض الفرق تحصل على الحكم الذي تستحقه تماماً.
* حكم معتزل