«شيطنة» رؤساء أميركا تقليد ... وأزمة «الموضوعية» تعمّق الانقسام

«أحداث 6 يناير» وشعبية بايدن نموذجان عن دوره

أحداث 6 يناير واقتحام الكابيتول
أحداث 6 يناير واقتحام الكابيتول
TT

«شيطنة» رؤساء أميركا تقليد ... وأزمة «الموضوعية» تعمّق الانقسام

أحداث 6 يناير واقتحام الكابيتول
أحداث 6 يناير واقتحام الكابيتول

يصعب على المراقب «غير المنحاز» -كما يحاول الإعلام الأميركي تصوير نفسه والدور الذي يلعبه في تغطية أخبار «واشنطن»- ألّا يضيع في تحديد الموقف الحقيقي لأهداف وسائل الإعلام من وراء تغطيتها لأهم الأحداث السياسية والاجتماعية الكبرى التي تواجهها الولايات المتحدة.
هذا «الضياع»، لا يعود إلى نقص في المتابعة، بقدر ما يعكس اختلاف وجهات النظر في الموقف من وسائل الإعلام نفسها، في ظل اختلاط الآيديولوجيا بالكيدية السياسية والإثارة وإرضاء الجمهور. وهو يعكس أيضاً حجم الانقسام الداخلي الذي وصلت إليه البلاد، مع «الهجمة» غير المسبوقة على المكاسب السياسية والاجتماعية التي حققتها الولايات المتحدة في تاريخها الحديث. وتأتي هذه الهجمة راهناً في ظل الحملة التي يقودها المحافظون، مستندين إلى انهيار «التوازن» في بنية المحكمة الأميركية العليا التي أطاحت -وتواصل العمل على «مراجعة»- العديد من التشريعات والقوانين الليبرالية، من الحق في الإجهاض إلى حمل السلاح، مروراً بحقوق التصويت والمهاجرين ومجتمع «الميم» (المثليون والمتحولون جنسياً) وغيرها.

«شيطنة» الرؤساء تقليد

وفي حين تُتهَم وسائل الإعلام بأنها وقفت ولا تزال وراء الحملات الكثيفة لـ«شيطنة» الرؤساء الأميركيين، جمهوريين وديمقراطيين، تتهم أيضاً بأن تغطيتها «المتوازنة» مسؤولة بالقدر نفسه، عن فشل إقناع الجمهور بخطورة بعض الممارسات التي يعتقد البعض أنها «تهدد الديمقراطية وقيمها في الولايات المتحدة، بالفعل».
منذ تشكيل لجنة التحقيق النيابية في الهجوم على مبنى «الكابيتول» في 6 يناير (كانون الثاني) 2021، ورغم كل «الدلائل» و«الحقائق» التي وضعتها في تصرف الجمهور التي أوضحت أن الرئيس السابق دونالد ترمب «استغل وطنية مؤيديه من خلال مواصلة التأكيد بشكل خاطئ على فوزه في انتخابات 2020»، على حد قول النائبة الجمهورية ليز تشيني، عضو اللجنة، فشلت اللجنة -حتى الآن- في تغيير موقف قاعدته الشعبية الملتفة حوله.


نشرة إخبارية على «فوكس نيوز»

بل إن ترمب العائد إلى «واشنطن» في ظل توقعات قوية بأنه قد يعلن قريباً ترشحه مجدداً في انتخابات 2024، يواصل استغلال حنكته في التعامل مع الإعلام الذي لم يتوانَ بدوره عن «تضخيم» موقفه الأبوي المتعاطف مع صهره جاريد كوشنر الذي «اختار» الإعلان عن إصابته بالسرطان في كتابه الذي يستعد لنشره قبيل إعلان ترمب ترشحه، وقبل انتخابات التجديد النصفية في الخريف المقبل. وحقاً، فإن ترمب لا يزال يراهن على ثبات قاعدته الداعمة له، رغم كل ما جرى في 6 يناير.
ومع أن الرئيس السابق خسر أكثر من 60 قضية نظرتها محاكم الولايات والمحاكم الفيدرالية، حول ادعاءاته بأن الانتخابات «سُرقت منه»، وتأكيدات «صديقه» ويليام بار، وزير العدل في إدارته، أن الوزارة لم تجد أي دليل على وجود تزوير واسع النطاق يمكن أن يغير نتيجة الانتخابات، ما زال الملايين من مناصري ترمب يعتقدون أن ادعاءاته صحيحة. ولعل في طليعة الأسباب -ببساطة- أنهم فقدوا الثقة في الإعلام.

تراجع الثقة بالإعلام

من جهة ثانية، في مقارنة لاستطلاعات رأي عن موقف الأميركيين من إعلامهم، كان معهد «غالوب» قد أجراها عام 1977، قد أظهر أن 72 في المائة من الأميركيين كانت لديهم «ثقة كبيرة» أو «ثقة معقولة» بوسائل الإعلام الإخبارية. غير أن الوضع اليوم مختلف، إذ وجد استطلاع جديد للمعهد أن 16 في المائة فقط من البالغين لديهم «ثقة كبيرة» في الصحف، و11 في المائة فقط يثقون بمحطات التلفزيون. ويمتد هذا الانهيار في الثقة عبر خطوط الانقسام الآيديولوجي، وتحديداً لدى اليمين، إذ قال 5 في المائة فقط من الجمهوريين إنهم يثقون بالصحف، مقابل 35 في المائة من الديمقراطيين، في حين يثق 8 في المائة فقط من الجمهوريين بمحطات التلفزيون، مقابل 20 في المائة من الديمقراطيين.

أحد مقدمي نشرات الأخبار على «سي إن إن»

انهيار ثقة الأميركيين هذا يرده البعض إلى حد كبير (بجانب رواج «نظريات المؤامرة»)، إلى الإدراك المتزايد بأن وسائل الإعلام باتت أكثر انحيازاً، وكذلك اقتناعهم بأنها لا تقيم وزناً لما يؤمنون به. وفي المقابل، على الرغم من أن استطلاعاً جديداً أجراه معهد «بيو»، أظهر أن 76 في المائة من الأميركيين، يعتقدون أن على وسائل الإعلام أن «تسعى جاهدة لتوفير تغطية متوازنة لتحقيقات اللجنة النيابية في أحداث 6 يناير»، فإن غالبية 55 في المائة من الصحافيين لا يوافقون على ذلك.
لا؛ بل ثمة مَن يتهم وسائل الإعلام الرئيسة بأنها لعبت دوراً مؤثراً في تراجع الدعم للرؤساء الأميركيين، كما يحصل اليوم مع الرئيس جو بايدن، منذ توليه منصبه، حين كان 55 في المائة من الأميركيين راضين عن أدائه، مقابل أقل من 39 في المائة اليوم. ويرى هؤلاء أن نقطة التحول في تراجع بايدن، كانت الانسحاب الفوضوي من أفغانستان في أغسطس (آب) الماضي، حين تحوّل هذا الحدث إلى الشيء الوحيد الذي يستحق المتابعة في العالم. واندفعت وسائل الإعلام الأميركية كلها من دون استثناء، في توجيه «النقد للرئيس» من دون الالتفات إلى أجندته السياسية الداخلية والخارجية التي يرى البعض أن مبدأ «الدفاع عن الديمقراطية» يستحق إعطاء الرجل حقه في هذا المجال. ويذهب البعض إلى حد القول إن وسائل الإعلام خفّفت التغطية «السياسية» من أجل التركيز على الحدث الأفغاني لسببين: الأول، أنه قدم للصحافيين قصة مهمة مؤذية لبايدن. والثاني تأمين مزيد من التغطية السلبية لأداء الرئيس الذي يعاني منذ مدة من تراجع شعبيته.

الموضوعية تعمّق الانقسام

من نافل القول، إن تحيّز وسائل الإعلام جزء لا يتجزأ من «تقاليدها» في انتقاد من «يجلس» في سدة السلطة، سواءً كان جمهورياً أو ديمقراطياً. ومع أن وسائل الإعلام ومنافذها الإخبارية لا تنسق تقاريرها، فهي -بلا شك- تتأثر ويراقب بعضها بعضاً، ناهيك عن دور وسائل التواصل الاجتماعي التي تحوّلت إلى منصات «لاذعة» في تقريع السياسيين ومهاجمتهم.
وهنا يقول بعض المنتقدين، إن الصحافيين يميلون إلى اعتبار أنفسهم رقباء على السياسيين، وهو ما يعني متابعة الرؤساء دائماً بصورة متشككة. ومن ثم، عندما يهيمن حزب بعينه على السلطة في واشنطن، فغالباً ما تتحول وسائل الإعلام إلى مدقق ملحاح في أداء زعيم هذا الحزب.
وهكذا تلقَّى الرؤساء -على الأقل- من بيل كلينتون، عبر جورج بوش «الابن»، وباراك أوباما، ودونالد ترمب، إلى جو بايدن، تغطية سلبية للغاية، حين كان حزبهم يسيطر أيضاً على الكونغرس. وأمام إعلام يبحث على الدوام عن أي شيء سلبي، من الصعب على أي رئيس إظهار كفاءته معه.
بناءً عليه، يتعرض اليوم الدوران «الإيجابي والسلبي على حد سواء»، لوسائل الإعلام التي تدّعي «الحياد» وتحاول توفير تغطية «متوازنة» لأخبار الحزبين، للنقد بسبب تغطياتها القاسية جداً للرؤساء، كما حصل مع ترمب، ويحصل اليوم مع بايدن.
بل، ويرى البعض أن هذا السلوك قد يكون من أبرز الأسباب التي أفقدت الأميركيين ثقتهم بإعلامهم «المحتار» بين أن يكون منحازاً أو مستقلاً أو محرّضاً، مدفوعاً بسلطة المال التي تموّله، بدلاً من حرصه على تقييم ما إذا كان السياسيون والأحزاب يعملون على حلول موثوقة.
واستطراداً، يقول المنتقدون إنه بدلاً من التركيز على التغطية السياسية وتسليط الضوء على طيف واسع من المشكلات الداخلية التي تعانيها أميركا، تحوّل ادعاء الإعلام لـ«الموضوعية» -وتحديداً، التزامه التغطية «المتساوية» لكلا الحزبين، وإظهاره أن الطرفين سيئان بالتساوي- إلى سبب لتعميق الانقسامات الآيديولوجية التي تحولت عاملاً مهماً في فقدان الثقة بصدقيته.


مقالات ذات صلة

«بي بي سي» تعتزم تسريح 500 موظف

أوروبا صورة لشعار «بي بي سي» (فليكر)

«بي بي سي» تعتزم تسريح 500 موظف

تعتزم هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» تسريح 500 موظف بحلول نهاية مارس 2026 بعدما خفّضت عدد موظفيها بنسبة 10 % خلال السنوات الخمس الماضية

«الشرق الأوسط» (لندن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي جو بايدن يتحدث في المؤتمر الوطني رقم 115 لـ NAACP في لاس فيغاس بنيفادا (رويترز)

بايدن: أميركا تعمل بلا كلل للإفراج عن غيرشكوفيتش

أكد الرئيس الأميركي جو بايدن أن الولايات المتحدة تعمل «بلا كلل» لضمان الإفراج عن الصحافي الأميركي إيفان غيرشكوفيتش.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ مراسل صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية إيفان غيرشكوفيتش في صورة غير مؤرخة (رويترز)

الحكم على الصحافي الأميركي غيرشكوفيتش بالسجن 16 عاماً في روسيا

أدانت محكمة يكاترينبورغ الروسية في الأورال الصحافي الأميركي إيفان غيرشكوفيتش، اليوم (الجمعة)، بتهمة «التجسس» وحكمت عليه بالسجن 16 عاماً.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
إعلام التوجه الاستراتيجي يجسّد إرادة جماعية واضحة لحماية المصالح الرقمية العربية (واس)

اجتماع عربي في الرياض يبحث التعامل مع الإعلام العالمي

ناقش فريق التفاوض العربي الخطة التنفيذية للتفاوض مع شركات الإعلام الدولية وفق إطار زمني، وصياغة التوجه الاستراتيجي للتعامل معها.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
أوروبا عناصر من الشرطة البريطانية أمام بوابة في «دوانينغ ستريت» (إ.ب.أ)

السجن مدى الحياة لرجل خطط لخطف مذيعة بريطانية لاغتصابها

قضت محكمة بريطانية بالسجن مدى الحياة على رجل أدين بمحاولة اختطاف مذيعة تلفزيونية بريطانية شهيرة واغتصابها وقتلها.

«الشرق الأوسط» (لندن)

عرض برنامج «عقول مظلمة» على منصة «نتفليكس»

عرض برنامج «عقول مظلمة» على منصة «نتفليكس»
TT

عرض برنامج «عقول مظلمة» على منصة «نتفليكس»

عرض برنامج «عقول مظلمة» على منصة «نتفليكس»

بعد النجاح الذي حققه على قناة «الشرق ديسكفري»، يعُرض برنامج «عقول مظلمة»، أول برنامج تلفزيوني عن الجريمة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من إنتاج «SRMG Studios» للمرة الأولى على منصة «نتفليكس».

ويعد «عقول مظلمة» أول برنامج تلفزيوني عن الجريمة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من أعمال «الشرق ديسكفري» الأصلية يتم تقديمه للجمهور العربي، حيث تستكشف هذه السلسلة الوثائقية المشوّقة قصص أبرز القتلة المتسلسلين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتجمع بين الصحافة الاستقصائية والسّرد الواقعي لقصص حقيقية هزّت المجتمع.

برنامج «عقول مظلمة» هو الإنتاج الأول لـ«SRMG Studios»، قسم الإنتاج في «SRMG»، الذي يهدف إلى إنتاج محتوى أصلي للجمهور العربي وتلبية احتياجات الصناعة من خلال الاستفادة من الشراكات الدولية لـ«SRMG»، والعمل مع المواهب الإقليمية، لإنتاج عديد من المشروعات الكبرى، التي هي قيد التنفيذ حالياً.

ويقدم البرنامج منظوراً فريداً لم يسبق طرحه في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث يسلط الضوء على جوانب إجرامية عاشتها بعض المجتمعات، وتمّ تجاهلها على نطاق واسع، بالإضافة إلى أنه يُلقي نظرة متعمّقة على الجوانب التي لم تناقش على نطاق واسع، كما يُبحر في أساليب ودوافع هذه الجرائم عبر تحليل دقيق لسلوكيات القتلة المتسلسلين مبني على لقاءات مع اختصاصيين، وخبراء جنائيين، وقانونيين، وأطباء.

ويعرض «عقول مظلمة» قصصاً من تونس والأردن والعراق والمغرب ولبنان ومصر، وتشمل: نصير دمرجي، والإخوة تانيليان، ولؤي التقي، وسفّاح الجيزة، وبلال وسوزان، وسفّاح مديونة.

وتهدف «الشرق ديسكفري» من خلال «عقول مظلمة»، وهو البرنامج الفريد من نوعه ضمن الأعمال الأصلية للقناة، إلى تقديم محتوى تثقيفي وترفيهي عربي مجاني لم يسبق له مثيل في المنطقة، حيث تسعى من خلاله إلى تقديم القصص غير المسبوقة في قالب مشوّق ورصين يواكب الطلب المتزايد على الإنتاجات العربية عالية الجودة.

تقدّم «الشرق ديسكفري» عدداً واسعاً من البرامج المجّانية الحصرية من مكتبة «وارنر براذرز ديسكفري»، بالإضافة إلى برامج الإنتاج الأصلي والإنتاج المشترك مع «وارنر براذرز ديسكفري»، و«HBO».