أمضت عالمة الجليد النمساوية فيشر نائبة مدير معهد البحوث الجبلية متعدد التخصصات في الأكاديمية النمساوية للعلوم، أكثر من 20 عامًا في مسح جامتال وأربعة أنهار جليدية أخرى في جبال الألب عبر أعلى قمم النمسا بحثًا عن أقدم مناطق الجليد. لكن فيشر تخشى أن تضيع البيانات العلمية الثمينة بشكل لا رجعة فيه حيث يذوب الثلج والجليد بشكل أسرع من أي وقت مضى، وتقول «لم أكن أتخيل أنه سيذوب بشكل كبير هذا الصيف ... أرشيفنا يذوب».
وبالنسبة للعلماء الذين يتطلعون إلى إعادة بناء مناخ الأرض في الماضي البعيد، فإن مثل هذه التكوينات الجليدية هي كبسولة زمنية فريدة تمتد إلى آلاف السنين؛ إذ تحتوي الأنهار الجليدية على كنز لا يقدر بثمن من البيانات، حيث يغلف الجليد الأغصان والأوراق التي يمكن الآن أن تكون مؤرخة بالكربون، كما توضح فيشر.
واستنادًا إلى عمر هذه المادة والعمق الذي وجدت فيه، يمكن للعلماء أن يستنتجوا متى تكوّن الجليد خلال الفترات الباردة، أو عندما تسببت الظروف الأكثر دفئًا في ذوبانه. لكن الأنهار الجليدية الآن تذوب بسرعة بما في ذلك تلك الموجودة بوادي جامتال النائي والضيق (وهو ليس بعيدًا عن المكان الذي وجد فيه السائحون مومياء أوتزي رجل الجليد المحفوظة بشكل مذهل والتي يبلغ عمرها 5300 عام في تسعينيات القرن الماضي).
فقد ارتفعت درجات الحرارة في أعلى جبال أوروبا بنحو درجتين مئويتين في السنوات الـ 120 الماضية (ما يقرب من ضعف المتوسط العالمي وفقًا للجنة الدولية لحماية جبال الألب - CIPRA). ومنذ ذلك الحين، أصبح ما يقرب من 4000 نهر جليدي في جبال الألب واحدة من أقوى علامات الاحتباس الحراري، وفق ما ينقل موقع «phys.org» العلمي المتخصص.
وتوضح فيشر أن نهر جامتال الجليدي يفقد حوالى متر واحد (ثلاثة أقدام) من سطحه سنويًا، لكنه فقد بالفعل أكثر من متر هذا العام. وهي تحذر من بقائه شهرين على الأقل في الصيف... حيث يتعرض النهر الجليدي بالكامل للشمس.
وعادةً ما يحمي الثلج معظم الجليد من الشمس حتى سبتمبر(أيلول)، لكن الثلج الصغير الذي سقط في الشتاء الماضي كان قد ذاب بالفعل بحلول أوائل يوليو(تموز).
وتبين فيشر «هذا العام فظيع مقارنة بمتوسط الستة آلاف عام الماضية... إذا استمر هكذا فبغضون خمس سنوات لن يكون هناك نهر جامتال الجليدي بعد الآن».
وبحلول نهاية الصيف، تخشى فيشر أن يكون عمق حوالى سبعة أمتار قد ذاب عن السطح أو حوالى 300 عام من «أرشيف» المناخ «نحن بحاجة إلى البيانات التي تحتفظ بها الأنهار الجليدية لفهم مناخ الماضي، ولإنشاء نماذج لما ينتظرنا في المستقبل»، حسب قولها.
وقامت فيشر وفريقها بالتنقيب في كل من نهر جامتال والأنهار الجليدية الأخرى المجاورة لاستخراج البيانات وأخذ عينات من الجليد يصل عمقها إلى 14 مترًا.
ومع ارتفاع درجات الحرارة وتصبح الأنهار الجليدية غير مستقرة، يضطرون إلى اتخاذ احتياطات أمان إضافية؛ فقد توفي 11 شخصًا في انهيار جليدي بجبال الدولوميت الإيطالية بيوليو(تموز) في اليوم التالي لارتفاع درجات الحرارة هناك لمستويات قياسية جديدة.
وفي جالتور، وهي أقرب قرية إلى جامتال ويبلغ عدد سكانها 870 شخصًا يعتمدون في الغالب على السياحة، يقدم نادي جبال الألب «وداعًا نهر جليدي!» جولة في الوادي الذي كان مليئًا بالجليد في يوم من الأيام لزيادة الوعي بآثار تغير المناخ؛ حيث انحسر الجليد.
وتؤكد سارة ماتيل (34 عاما) رئيسة نادي جبال الألب «إذا ذهب النهر الجليدي في غضون خمس سنوات، فهذا أمر مؤسف، لأنه جزء من المناظر الطبيعية... ولكن بعد ذلك ستكون هناك أيضًا مسارات جديدة، وربما يكون هناك ارتفاع أسهل فوق الجبال مقارنة بالجليد. سيكون الأمر كله مسألة تكيف».
من جانبهم، يشعر السكان المحليون الآخرون مثل جوتليب لورينز (60 عاما)، الذي كان جده الأكبر أول مدير لكابينة جامتال التي يبلغ ارتفاعها 2165 مترًا والتي تم إنشاؤها كملاذ لمتسلقي الجبال، بالحزن، حيث يقول «قلبي ينزف عندما أفكر بمدى روعة وقوة النهر الجليدي وما هو عليه الآن كومة صغيرة بائسة».
عالمة نمساوية تحذر من الذوبان السريع للأنهار الجليدية
عالمة نمساوية تحذر من الذوبان السريع للأنهار الجليدية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة