القاهرة و«هيومان رايتس ووتش».. اشتباك لا ينتهي

المنظمة تتهم النظام بالقمع.. والخارجية تدينها بمساندة الإرهاب

القاهرة و«هيومان رايتس ووتش».. اشتباك لا ينتهي
TT

القاهرة و«هيومان رايتس ووتش».. اشتباك لا ينتهي

القاهرة و«هيومان رايتس ووتش».. اشتباك لا ينتهي

منذ أحداث 30 يونيو (حزيران) عام 2013، والتي شهدت عزل الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي من حكم البلاد استجابة لثورة شعبية ضد سياسات وتحكم جماعة الإخوان في مفاصل الدولة، تتصاعد الاشتباكات والتراشقات بين أجهزة الحكومة المصرية ومنظمات حقوقية دولية، على رأسها «هيومان رايتس ووتش».
وبينما تزعم المنظمات الدولية أن الإدارة المصرية الجديدة تقوم بقمع المعارضين ومحاكمتهم بطرق غير عادلة، تؤكد القاهرة أن القضاء المصري مستقل، وأن محاسبة المواطنين تجري وفقا للقوانين، مشددة على أن العنف والإرهاب ليس من قبيل المعارضة المقبولة في أي قانون دولي.
واليوم، شهدت الأروقة الدبلوماسية والمنصات الإخبارية أحدث فصول المناوشات، حين أصدرت منظمة «هيومان رايتس ووتش» تقريرا تقول فيه إن فترة السنة التي مضت على تولي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي المنصب شهدت انتهاكات لحقوق الإنسان وتصاعدا في العنف من الجماعات المسلحة والحكومة، داعية الدول الغربية لـ«الكف عن التغاضي عن انتهاكات الحكومة المصرية، والتي تشمل اعتقالات جماعية ومحاكمات عسكرية للمدنيين وأحكام إعدام جماعية».
وزادت المنظمة في بيانها أن الإدارة المصرية «تتصرف وكأن مصر تحتاج في سبيل استعادة الاستقرار لجرعة من القمع الذي لم تشهد له مثيلا منذ عقود.. وما يزيد الطين بلة أن الحكومات الغربية التي تغاضت عن حقوق الإنسان في علاقاتها مع مصر في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك تبدو مستعدة لتكرار الخطأ نفسه».
لكن الخارجية المصرية سارعت بالتنديد ببيان «هيومان رايتس ووتش»، دافعة بأن تقريرها «مسيس، ويفتقر إلى أبسط قواعد الدقة والموضوعية»، ومتهمة المنظمة صراحة وربما للمرة الأولى بأنها «تساند العمليات والممارسات الإرهابية، وتدعم كذلك مرتكبي أعمال العنف والترويع».
وقال مصدر رسمي مسؤول لـ«الشرق الأوسط» إن «المنظمة في كل تقاريرها تعتمد على مصادر أحادية الجانب.. ولم تتطرق ولو لمرة واحدة إلى سؤال الأطراف التي تتهمها بالقمع (الحكومة) عن حيثيات أفعالها، هل يعقل أن يكون ذلك تقريرا محايدا؟ هل يعقل أن تقول منظمة ما مثلا إن (داعش) مظلوم لأن عناصره يقولون ذلك من دون الرجوع إلى شهادات الآخرين؟ لا توجد أي موضوعية لكي نناقشها، والاستمرار على هذا النهج يشي بأغراض خبيثة للمنظمة».
من جانبه، قال المتحدث الرسمي للخارجية المصرية، السفير بدر عبد العاطي، إن «هذا الأمر ليس بمستغرب أن يصدر عن منظمة ليست لديها مصداقية سواء بالنسبة للرأي العام المصري أو لدى العديد من دول العالم؛ بسبب ما دأبت عليه المنظمة من ترويج للأكاذيب ومعلومات مغلوطة وليس لها أساس من الصحة ولا تمت للواقع بصلة، استنادا إلى مصادر معلومات غير موثقة وغير دقيقة».
كما أكد عبد العاطي أن «التقارير غير الموضوعية التي دأبت المنظمة على إصدارها عن مصر منذ ثورة الثلاثين من يونيو تؤكد بجلاء أن هذه المنظمة تستهدف بشكل مباشر النيل من الشعب المصري وإرادته لتحقيق تطلعاته، وأنه كلما تقدمت مصر وحققت إنجازات سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي تقوم المنظمة بدورها بترويج الأكاذيب لتستهدف استقرار البلاد والتشكيك في إرادة الشعب المصري، وذلك من خلال إصدارها لتقارير وبيانات مسيسة، وقيادة حملة ممنهجة ضد مصر؛ مما يشير إلى أنها تعمل وفق أجندة تتناقض مع مصالح الشعب المصري».
وذكر المتحدث أنه «يتضح من ثنايا التقرير أن هذه المنظمة التي تدعي باطلا دفاعها واحترامها لحقوق الإنسان باعتبارهما الهدف الأساسي من عملها، إنما تساند العمليات والممارسات الإرهابية وتدعم كذلك مرتكبي أعمال العنف والترويع، خاصة في ضوء صمت هذه المنظمة المريب إزاء العمليات الإرهابية التي تستهدف المدنيين العزل الأبرياء ورجال الجيش والشرطة والقضاء».



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.