بدءاً من الإصرار على ركوب أسرع حصان فقط عندما كانت طفلة صغيرة، ووصولاً إلى التسابق حول حلبات سباق الجائزة الكبرى في العالم، دائماً ما كانت آبي بولينغ تبحث عن السرعة. وتعد سباقات «فورمولا 1» هي الهدف الأساسي لهذه اللاعبة الشابة الموهوبة التي لديها عزيمة لا تلين، والتي نشأت وهي من أشد المعجبين بلويس هاميلتون، بطل العالم سبع مرات، ولديها قناعة تامة بأنها قادرة على المشاركة في منافسات الفئة الأولى، التي وصفها هاميلتون ذات يوم بأنها تقتصر على «نادي المليارديرات من الأولاد». ويبدو أن التغيير قادم، وأن بولينغ ستكون هي من تقود هذا التغيير.
والآن، وفي أول موسم كامل لها في سلسلة سباقات «دبليو»، التي تقتصر على النساء، نجحت بولينغ في أن تترك انطباعاً حقيقياً. فهذه السلسلة، التي تغطي جميع تكاليف سائقيها، أعادت إحياء حلم هذه اللاعبة الشابة البالغة من العمر 19 عاماً بالوصول إلى «فورمولا 1». بعد انضمامها إلى فريق ألبين لـ«فورمولا 1» كتابعة لبرنامج السائقين الشباب. وتأتي بولينغ في المركز الثاني في البطولة بعد البريطانية جيمي تشادويك، التي سبق لها الفوز بآخر بطولتين لسلسلة سباقات «دبليو». وستقام الجولة الرابعة لهذا الموسم يوم السبت على حلبة بول ريكارد قبل سباق جائزة فرنسا الكبرى يوم الأحد.
وتساءلت تشادويك، سائقة فريق ويليامز والقوة المهيمنة في سلسلة سباقات «دبليو»، مؤخراً عما إذا كانت النساء ستكون قادرات من الناحية البدنية على الوفاء بمتطلبات سباقات «فورمولا 1»، التي لم تشارك فيها أي سيدة في سباق الجائزة الكبرى منذ أن شاركت ليلا لومباردي في سباق النمسا في عام 1976. لكن بولينغ ليس لديها مثل هذه الشكوك.
وتقول: «هذا رأي جيمي، لكن رأيي هو أنه مع برنامج ألبين، فإننا نعتقد بالتأكيد أن المرأة يمكن أن تكون لائقة بما يكفي للمنافسة في سباقات على تلك المستويات. أعتقد أنه من الممكن أن تشارك سيدة في سباقات (فورمولا 1) في السنوات الخمس المقبلة. أود أن أكون على طبيعتي، لكن بغض النظر عن ذلك، فهذا يُظهر الاتجاه الذي تسير فيه رياضة سباقات السيارات ومدى إيجابية ذلك بالنسبة للسيدات في الوقت الحالي».
تتمتع بولينغ بموهبة كبيرة، لكن من حسن حظها أن سلسلة سباقات دبليو تلعب دوراً فعالاً، كما فعلت مع العديد من سائقيها، في منحها الفرصة لمواصلة مسيرتها والسعي لتحقيق حلمها بالوصول إلى «فورمولا 1». إنه حلم تسعى إلى تحقيقه منذ أن أصرت على الذهاب مع والدها متسابق الدراجات، آندي، إلى المسارات في جميع أنحاء البلاد.
تقول بولينغ بحماس شديد: «عندما كنت أذهب لركوب الخيل مع أمي وأختي، كنت دائماً أركب أسرع حصان. كان حصاناً صغيراً يُدعى كوكو، وكنت أسير حول الحلبة بأسرع ما يمكن. كنت بحاجة للسرعة في وقت مبكر جداً».
وخلال الموسم الحالي، حققت تشادويك أربعة انتصارات متتالية في السباقات الأربعة الافتتاحية، لكن بولينغ تضغط بشدة لملاحقتها. ورغم وصولها إلى منصة التتويج مرتين في السباقين الأخيرين، فإنها تتأخر بفارق 47 نقطة، لكن من اللافت للنظر أنها تتميز بالنشاط الشديد والشراسة في العمل، ولا تشعر بالرهبة أو الخوف من السائقين الأكثر خبرة.
لقد تركت بصمة كبيرة في فترة زمنية قصيرة. لقد أجبرها نقص التمويل في الموسم الماضي على الانسحاب من سباق «بريتش إف فور»، وهي اللحظة التي اعتقدت أنها ستنهي مسيرتها المهنية التي وصفتها بأنها «مفجعة»، لكن مثل هذه الأمور تكون مألوفة للغاية بالنسبة للسائقين في الفئات الصغيرة. لكن سلسلة سباقات دبليو كانت بمثابة شريان حياة بالنسبة لها، وشاركت في أربعة سباقات، بما في ذلك احتلالها للمركز الثاني في سباقي أوستن وتكساس.
لقد جذبت بولينغ بهذه المستويات الرائعة أنظار فريق ألبين، الذي ضمها في مارس (آذار) من هذا العام. وتعهد الفريق بالالتزام بالتنوع بين الجنسين. ويهدف هذا الفريق، من خلال برنامج مخصص في هذا الصدد كانت بولينغ جزءاً منه، لمساعدة السيدات على المشاركة في سباقات «فورمولا 1»، وجلب المزيد من النساء للمشاركة في سباقات السيارات، بهدف أن تشكل النساء 30 في المائة من المتسابقين في غضون خمس سنوات.
وتشعر بولينغ بحماس كبير تجاه هذا الأمر، لكن تشادويك أثارت نقطة صحيحة تماماً، فسلسلتا فورمولا 3 وفورمولا 2. اللتان تعدان المغذي الرئيسي لسباقات «فورمولا 1»، وحتى «فورمولا 1» نفسه، تتطلب جهداً بدنياً هائلاً، وهو الأمر الذي يتضح من خلال التدريبات القاسية التي يخضع لها المشاركون في سباقات «فورمولا 1». تتفهم بولينغ، التي قادت إحدى سيارات فريق ألبين في «فورمولا 1» 2012، هذا الأمر تماماً وتدرك مدى صعوبة المهمة من حيث المتطلبات البدنية. لقد انتقلت للعيش بالقرب من مقر الفريق في إنستون، وتشعر بسعادة غامرة للمشاركة في التدريبات الشاقة.
تقول بولينغ: «أنا أعشق التحديات. لا يجب أن أكون الوحيدة التي تفعل ذلك، والرجال يتدربون بكل قوة أيضاً لقيادة تلك السيارات. سيكون الأمر صعباً بالتأكيد خلال السنوات القليلة المقبلة، وسأضطر إلى تطوير وتحسين نفسي بشكل أكبر من أي وقت مضى، وربما أكثر من أي شخص آخر يفعل ذلك، لكنني لا أعتقد أن الوصول إلى (فورمولا 1) أمر مستحيل».
وتضيف: «قد تستمر مسيرتي الصغيرة لفترات أطول لأنني أقوم بتطوير تلك القوة البدنية، لكن إذا استغرق الأمر بضع سنوات إضافية، فلا يزال ذلك ممكناً. أنا شخص صغير جداً، لكن منذ أن بدأت برنامجي مع فريق ألبين رأيت مكاسب هائلة وأظهرت النتائج ذلك».
ويتبع فريق ألبين نهجاً صارماً في برنامجه الذي يتضمن فحصاً علمياً لما قد يمنع النساء من المضي قدماً في السنوات الأخيرة. وتتمثل إحدى المشكلات الواضحة بالفعل في العبء المالي للتقدم في هذه السباقات، وهي القضية التي أثارها هاملتون.
وتتذكر بولينغ إعجابها الشديد ببطل العالم سبع مرات عندما كانت صغيرة، وتقول عن ذلك: «في ذلك الوقت كنت أحبه أكثر من غيره، لأنه أسطورة حية. كنت أعتقد أن لويس كان مذهلاً، وكنت أتابعه كثيراً».
ومع ذلك، ومع مرور الوقت، أصبحت بولينغ، مثل العديد من الآخرين، تدرك أيضاً مدى أهمية هاميلتون في تسليط الضوء على المشكلات التي تعاني منها هذه الرياضة، والتي كان من بينها تأكيده على أن تلك السباقات أصبحت بعيدة المنال عن الجميع، باستثناء نادي الأولاد المليارديرات. تقول بولينغ عن ذلك: «أصبحت رياضة السيارات الآن أكثر تكلفة بكثير. أنا أتفق معه تماماً، فالأمر أصبح سخيفاً».
وعندما اتضح أن الحصان كوكو ليس سريعاً بما يكفي، اتجهت بولينغ إلى سباقات السيارات بشغف عندما كانت في الثامنة من عمرها، وبدأت تشارك في سباق واحد في عطلة نهاية كل أسبوع تقريباً. واصلت بولينغ هذا الأمر حتى تمكنت من الفوز ببطولتين وطنيتين في عامي 2017 و2018، قبل الانتقال للمشاركة في سباقات «فورمولا 4».
ومن بين نجمات سلسلة سباقات دبليو أيضاً أليس باول، التي تتولى تدريب بولينغ، والتي تشيد بها كثيراً. ولم يتأثر طموح بولينغ بهيمنة تشادويك على كل السباقات هذا الموسم. تقول بولينغ عن ذلك: «لا يمكنني أن أقول إنني لا أستطيع الفوز بالبطولة. أعلم أن جيمي في حالة جيدة حقاً في الوقت الحالي، لكن ما زلت أعتقد أنني قادرة على الفوز بالبطولة طالما أواصل تقديم أداء جيد. أريد أن أهزمها، والجميع لديه رغبة في أن يصل إلى القمة».
من المؤكد أن هذا الإصرار الكبير من جانب بولينغ يبث الثقة في نفوس اللاعبات الصغيرات. ومع ذلك، فبالنسبة إلى فتاة صغيرة جداً ولا تزال أنظارها تتجه نحو المشاركة في سباقات «فورمولا 1»، فمن المعبر للغاية أن رؤيتها، كما هو الحال مع هاملتون، تتجاوز مجرد قمرة القيادة، وترى الصورة الأكبر ككل من أجل تغيير هذه الرياضة التي باتت تلعب فيها دوراً حيوياً.
تقول بولينغ: «ما يهم حقاً هو الرؤية بالنسبة للأجيال الشابة. وحتى لو لم أتمكن أنا من المشاركة في سباقات (فورمولا 1)، فقد تتمكن فتاة أخرى تشاهد الآن سلسلة سباقات دبليو من تحقيق ذلك، لأن ذلك سيحمسها لأن تصبح سائقة سباقات».