باحثون يحذرون: بيانات هائلة من تجارب السرطان «ما زالت مخفية»

باحثون يحذرون: بيانات هائلة من تجارب السرطان «ما زالت مخفية»
TT

باحثون يحذرون: بيانات هائلة من تجارب السرطان «ما زالت مخفية»

باحثون يحذرون: بيانات هائلة من تجارب السرطان «ما زالت مخفية»

لا تزال البيانات المأخوذة من أكثر من نصف تجارب السرطان التي تدعم الموافقات على الأدوية غير قابلة للوصول اليها، وفقًا لدراسة جديدة صادمة نشرت بمجلة «JAMA Oncology» قامت بمراجعة أكثر من 300 تجربة سريرية تدعم الأدوية المضادة للسرطان التي وافقت عليها هيئة تنظيم الأدوية الأميركية على مدى السنوات العشر الماضية.
ومن بين 304 تجارب سريرية برعاية الصناعة والتي قدمت بيانات عن 115 دواءً مضادًا للسرطان وافقت عليها إدارة الغذاء والدواء الأميركية (FDA) بين عامي 2011 و 2021، شارك 45 في المائة فقط بيانات على مستوى المريض علنًا، أو قالوا إنهم سيفعلون ذلك عندما استفسر الباحثون عن الوصول إلى البيانات.
ووجدت الدراسة أن أقل من عُشر التجارب التي تم الاستشهاد بها على ملصقات المنتجات لثلاثة من الأدوية المضادة للسرطان الأكثر مبيعًا أتاحت بيانات المريض الفردية.
وتعد مشاركة بيانات المريض الفردية مجهولة المصدر (في بوابات بيانات آمنة وغير محددة الهوية لحماية خصوصية المشاركين) أمرًا حيويًا للدراسات المعروفة باسم التحليلات التلوية التي تجمع البيانات من التجارب المنشورة لتقييم توازن الأدلة للعلاجات الجديدة والحالية.
وقال الصيدلي ومؤلف الدراسة الجديدة ناتانش مودي من جامعة فليندرز في تصريحات صحافية «لن تقدم شركات الأدوية هذه البيانات لشركات الأدوية الأخرى بسبب المنافسة، لذلك يجب أن يقوم بهذا العمل باحثون مستقلون... لكن لا يمكن أن يتم ذلك بدون البيانات والشفافية».
وبصرف النظر عن التحليلات الوصفية، فإن مشاركة البيانات تمكن الباحثين أيضًا من الاستفادة من البيانات الموجودة وتكرار الدراسات البحثية والتحقق من صحة النتائج المنشورة؛ وكل ذلك يساعد على تعزيز ثقة الجمهور في العلوم.
وغني عن البيان فإن المشاركة السريعة للبيانات كانت لا تقدر بثمن خلال جائحة كوفيد - 19، ما أدى إلى استجابات الصحة العامة وتسريع البحث والعلاج واللقاحات.
ووفق مودي وزملائه فانه «على الرغم من إحراز تقدم نحو تحسين شفافية (بيانات المريض الفردية) على مدى السنوات الخمس الماضية، فإن هذه النتائج تشير إلى أن جزءًا كبيرًا من تجارب الأورام المحورية التي تدعم تسجيل إدارة الغذاء والدواء للأدوية الحديثة المضادة للسرطان لا تزال غير متاحة للباحثين المؤهلين».
هذه بالتأكيد ليست المرة الأولى التي تخضع فيها إدارة الغذاء والدواء الأميركية، التي توافق على الأدوية والأجهزة الطبية الجديدة، للتدقيق، وذلك وفق ما نشر موقع «ساينس إليرت» العلمي المتخصص.
وحسب الموقع، في الآونة الأخيرة أثار قرارها المثير للجدل بالموافقة على دواء جديد لمرض ألزهايمر احتجاجًا من المهنيين الصحيين الذين زعموا أن التجارب السريرية التي تقودها الصناعة لم تثبت بعد العلاج بالأجسام المضادة؛ وهو الآن متوفر في السوق بحوالى 56000 دولار أميركي سنويًا، من شأنه إبطاء فقدان الذاكرة أو التدهور المعرفي. وقد تمت الموافقة على الدواء من خلال مسار الموافقة المعجل من إدارة الغذاء والدواء الأميركية؛ حيث إذا تم اعتبار دواء جديد مبتكر آمنًا وتعتبر الحاجة العلاجية لتحسين العلاجات لمرض معين أمرًا كبيرًا، فقد توافق الوكالة على ذلك بناءً على أدلة محدودة (على الرغم من أنه يجب على شركات الأدوية توفير المزيد من بيانات الفعالية من دراسات العالم الحقيقي بعد ذلك بوقت قصير).
وعلى الرغم من وجود العديد من الأسباب التي تجعل محققي التجارب السريرية يمنعون مشاركة البيانات من التجارب الفردية، فإن الباحثين الذين يقفون وراء هذه الدراسة الجديدة يجادلون بأن عامة الناس يتوقعون شفافية أكبر من صناعة الأدوية التي تبلغ قيمتها مليار دولار والتي تتحمل مسؤولية، إلى جانب المنظمين الدوائيين، ضمان سلامة وفعالية الأدوية الجديدة.
وفي هذا الاطار، وجدت الدراسة أن السبب الأكثر شيوعًا لعدم مشاركة رعاة الصناعة لبيانات التجربة هو أن المتابعة طويلة الأمد للمشاركين في الدراسة كانت مستمرة.
يقول الصيدلاني ومؤلف الدراسة آشلي هوبكنز من جامعة فليندرز «ان المتابعة المستمرة ضرورية بالطبع، ولكن لا ينبغي أن تعيق إصدار البيانات الرئيسية المتورطة في الإصدار العالمي للأدوية لعشرات الآلاف من الأشخاص.
ومع البيانات الموجزة فقط من التجارب، فإن التحليلات التلوية غير موثوقة بطبيعتها لأن الباحثين لا يستطيعون استجواب البيانات الأولية، والتي قد (كما فعلت في حالة الإيفرمكتين) تسمح عن غير قصد للدراسات المعيبة بالانزلاق من خلال الشقوق وتحريف نتائج تحليل البيانات.
وبناءً على دراستهم، يدعو مودي وهوبكنز وزملاؤهما إلى مزيد من الشفافية في البيانات حول التجارب المحورية «لحماية الصحة العامة وتعظيمها وضمان وصول مساهمات المشاركين في التجربة وعائلاتهم إلى إمكاناتهم الكاملة».
ويؤكد مودي «إذا لم تكن البيانات متاحة، فلا يمكن استخدامها بشكل جيد».
وفي السنوات الأخيرة، أدخلت المجلات العلمية وهيئات تمويل الأبحاث سياسات تتطلب أو تفرض مشاركة البيانات بين الباحثين؛ ففي عام 2014 التزمت جمعيات الأدوية الأميركية والأوروبية أيضًا بمشاركة بيانات التجارب مجهولة المصدر عند الطلب.
وعلى الرغم من أن بعض الباحثين قد أبلغوا عن حدوث تحول ملحوظ في نوايا الباحثين لمشاركة البيانات أثناء الوباء، يبدو أن قضايا شفافية البيانات لا تزال قائمة؛ في وقت أصبحت فيه ثقة الجمهور بالعلوم مطلوبة أكثر من أي وقت مضى.


مقالات ذات صلة

وزارة الصحة: كل مستشفيات غزة ستتوقف عن العمل خلال 48 ساعة

المشرق العربي فلسطيني يحمل طفلة صغيرة مصابة داخل مستشفى كمال عدوان في قطاع غزة (أ.ف.ب)

وزارة الصحة: كل مستشفيات غزة ستتوقف عن العمل خلال 48 ساعة

حذرت وزارة الصحة في قطاع غزة من توقف جميع مستشفيات القطاع عن العمل أو تقليص خدماتها خلال 48 ساعة بسبب نقص الوقود، إذ ترفض إسرائيل دخوله للقطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة)
صحتك سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

تعتمد الأوساط الطبية بالعموم في تحديد «مقدار وزن الجسم» على عدد الكيلوغرامات بوصفه «رقماً»

د. حسن محمد صندقجي (الرياض)
صحتك الحياة الخاملة ترفع ضغط الدم لدى الأطفال

الحياة الخاملة ترفع ضغط الدم لدى الأطفال

كشفت أحدث دراسة تناولت العوامل المؤثرة على ضغط الدم، عن الخطورة الكبيرة للحياة الخاملة الخالية من النشاط على الصحة بشكل عام، وعلى الضغط بشكل خاص.

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
صحتك الصداع النصفي: خيارات العلاج المستهدف

الصداع النصفي: خيارات العلاج المستهدف

الصداع النصفي ليس مجرد صداع عادي يعاني منه الجميع في وقتٍ ما، بل هو اضطراب عصبي معقد يمكن أن يُشعر المريض وكأن العالم قد توقف.

د. عبد الحفيظ يحيى خوجة (جدة)
صحتك استشارات طبية: المغنيسيوم والنوم... وعدم تحمّل دواء خفض الكوليسترول

استشارات طبية: المغنيسيوم والنوم... وعدم تحمّل دواء خفض الكوليسترول

ما تأثير تناول المغنيسيوم الغذائي بالعموم، أو أقراص مكملات المغنيسيوم، على النوم؟

د. حسن محمد صندقجي

تجميد الجثث أملاً في إحيائها مستقبلاً لم يعد يقتصر على الخيال العلمي

إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
TT

تجميد الجثث أملاً في إحيائها مستقبلاً لم يعد يقتصر على الخيال العلمي

إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)

قررت بيكا زيغلر البالغة 24 عاماً، تجميد جثتها في برّاد بعد وفاتها عن طريق مختبر في برلين، على أمل محدود بإعادة إحيائها مستقبلاً.

وقّعت هذه المرأة الأميركية التي تعيش وتعمل في العاصمة الألمانية، عقداً مع شركة «توموروو بايوستيتس» الناشئة المتخصصة في حفظ الموتى في درجات حرارة منخفضة جداً لإعادة إحيائهم في حال توصّل التقدم العلمي إلى ذلك يوماً ما.

وعندما تتوفى زيغلر، سيضع فريق من الأطباء جثتها في حوض من النيتروجين السائل عند حرارة 196 درجة مئوية تحت الصفر، ثم ينقلون الكبسولة إلى مركز في سويسرا.

وتقول زيغلر، وهي مديرة لقسم المنتجات في إحدى شركات التكنولوجيا في كاليفورنيا، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «بشكل عام، أحب الحياة ولدي فضول لمعرفة كيف سيبدو عالمنا في المستقبل».

ولم يعد علم حفظ الجسم بالتبريد الذي ظهر في ستينات القرن العشرين، مقتصراً على أصحاب الملايين أو الخيال العلمي كما ظهر في فيلم «ذي إمباير سترايكس باك» الذي تم فيه تجميد هان سولو، وفيلم «هايبرنيتس» حين يعود رجل تحرر من الجليد القطبي، إلى الحياة.

توفّر شركات في الولايات المتحدة هذه الخدمة أصلاً، ويُقدّر عدد الأشخاص الذي وُضعت جثثهم في التبريد الأبدي بـ500 فرد.

50 يورو شهرياً

تأسست «توموروو بايوستيتس» عام 2020 في برلين، وهي الشركة الأولى من نوعها في أوروبا.

وفي حديث إلى «وكالة الصحافة الفرنسية»، يقول إميل كيندزورا، أحد مؤسسي الشركة، إن أحد أهدافها «هو خفض التكاليف حتى يصبح تبريد الجثة في متناول الجميع».

إميل كيندزورا أحد مؤسسي «توموروو بايوستيتس» يقف داخل إحدى سيارات الإسعاف التابعة للشركة خارج مقرها في برلين (أ.ف.ب)

ولقاء مبلغ شهري قدره 50 يورو (نحو 52.70 دولار) تتقاضاه من زبائنها طيلة حياتهم، تتعهد الشركة الناشئة بتجميد جثثهم بعد وفاتهم.

يضاف إلى الـ50 يورو مبلغ مقطوع قدره 200 ألف يورو (نحو 211 ألف دولار) يُدفع بعد الوفاة - 75 ألف يورو (نحو 79 ألف دولار) لقاء تجميد الدماغ وحده - ويمكن أن يغطيه نظام تأمين على الحياة.

ويقول كيندزورا (38 سنة) المتحدر من مدينة دارمشتات في غرب ألمانيا، إنه درس الطب وتخصص في الأبحاث المتعلقة بالسرطان، قبل أن يتخلى عن هذا الاختصاص بسبب التقدم البطيء في المجال.

وتشير «توموروو بايوستيتس» إلى أنّ نحو 700 زبون متعاقد معها. وتقول إنها نفذت عمليات تبريد لأربعة أشخاص بحلول نهاية عام 2023.

ويلفت كيندزورا إلى أنّ غالبية زبائنه يتراوح عمرهم بين 30 و40 سنة، ويعملون في قطاع التكنولوجيا، والذكور أكثر من الإناث.

عندما يموت أحد الزبائن، تتعهد «توموروو بايوستيتس» بإرسال سيارة إسعاف مجهزة خصيصاً لتبريد المتوفى باستخدام الثلج والماء. يتم بعد ذلك حقن الجسم بمادة «حفظ بالتبريد» ونقله إلى المنشأة المخصصة في سويسرا.

دماغ أرنب

في عام 2016، نجح فريق من العلماء في حفظ دماغ أرنب بحال مثالية بفضل عملية تبريد. وفي مايو (أيار) من هذا العام، استخدم باحثون صينيون من جامعة فودان تقنية جديدة لتجميد أنسجة المخ البشري، تبين أنها تعمل بكامل طاقتها بعد 18 شهراً من التخزين المبرد.

لكنّ هولغر رينش، الباحث في معهد «آي إل كاي» في دريسدن (شرق ألمانيا)، يرى أنّ الآمال في إعادة شخص متجمد إلى الحياة في المستقبل القريب ضئيلة جداً.

ويقول لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «نشكّ في ذلك. أنصح شخصياً بعدم اللجوء إلى مثل هذا الإجراء».

ويتابع: «في الممارسة الطبية، إنّ الحدّ الأقصى لبنية الأنسجة التي يمكن حفظها بالتبريد هو بحجم وسمك ظفر الإبهام، والوضع لم يتغير منذ سبعينات القرن العشرين».

ويقرّ كيندزورا بعدم وجود ضمانات، ويقول: «لا نعرف ما إذا كان ذلك ممكناً أم لا. أعتقد أن هناك فرصة جيدة، لكن هل أنا متأكد؟ قطعاً لا».

بغض النظر عما يمكن أن يحدث في المستقبل، تقول زيغلر إنها متأكدة من أنها لن تندم على قرارها. وتضيف: «قد يبدو الأمر غريباً، لكن من ناحية أخرى، البديل هو أن يضعوك داخل تابوت وتأكلك الديدان».