من الغناء للابتهالات... أبرز تحولات المطربين العرب

أحدثهم مؤدي مهرجان «مفيش صاحب» المصري الشهير

من الغناء للابتهالات... أبرز تحولات المطربين العرب
TT

من الغناء للابتهالات... أبرز تحولات المطربين العرب

من الغناء للابتهالات... أبرز تحولات المطربين العرب

فارس حميدة، اسم ربما لم يتردد على المسامع كثيراً لكنه صعد ليتصدر محرك البحث «غوغل» في مصر بعد قرار الاحتجاب عن الغناء والاتجاه إلى الإنشاد الديني.
حميدة أحد أبرز المشاركين في أغنية «مفيش صاحب يتصاحب» التي تنتمي لنمط «المهرجانات» الرائج في مصر، وتعود لعام 2015، وحققت انتشاراً مدوياً، إذ حظيت بنحو 153 مليون مشاهدة على «يوتيوب» فقط.
أخيراً نشر حميدة عبر حسابه الرسمي على «فيسبوك» أنشودة دينية بصوته عنوانها «العليل» وعلّق عليها «مع بداية عام هجري جديد نبدأ نحن بداية جديدة في عالم مليء بالخير والصالحين وهو عالم الدعوة إلى الله، ونسأل الله الإخلاص في العمل».
https://www.facebook.com/fares7medaa/posts/pfbid02xXbSEy7rKihR8rfibkAz52ckh99kSBd63c27gDSdpuRnvyDCjdWvDjLmgMay2yMPl
واقعة اعتزال المؤدي الشعبي أعادت إلى الأذهان قصصاً مماثلة لفنانين مصريين وآخرين في الوطن العربي.
قبل حميدة، تحديداً في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أثار المطرب الأردني أدهم نابلسي كثيراً من الجدل بعد وصفه للفن بالـ«حرام» وإعلان اعتزاله وتوجهه إلى تلاوة القرآن والإنشاد الديني.
https://twitter.com/AdhamNabulsi/status/1472948232347176960
النابلسي لم يكن الأول في هذا الاتجاه، إذ ظهرت قبله بسنوات المطربة المصرية شاهيناز، الفائزة في أحد مواسم برنامج المواهب «سمّعنا صوتك»، والتي أعلنت ارتداء الحجاب والاكتفاء بغناء المنشودات الدينية فقط، لكن سرعان ما عادت إلى الغناء الرومانسي في خطوة وصفها متابعون بالـ«الارتباك».
ومن مسار معاكس وأكثر تحولاً عاد المطرب اللبناني فضل شاكر للغناء عام 2018، وكان ذلك بعد 7 أعوام من الاحتجاب والاتجاه إلى الإنشاد الديني، بل الانضمام إلى «جماعة مسلحة» واتُّهم على أثر ذلك بـ«التحريض ضد الجيش اللبناني وحُكم عليه السجن»، غير أن عودته كانت محمومة وشهدت كثيراً من الهجوم رغم اعتذار المطرب اللبناني عن تصريحات مناهضة للفن كان قد أدلى بها خلال سنوات الاعتزال.
من جانبه يرى الناقد الموسيقي فوزي إبراهيم، أمين عام جمعية المؤلفين والملحنين والناشرين، أن الإنشاد الديني هو لون ينتمي إلى فن الغناء منذ آلاف السنوات، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «الإنشاد الديني شكل غنائي لا يمكن اعتباره ظاهرة عصرية، حتى تحول بعض المطربين لهذا النمط يأتي بمعدل طبيعي ومتوقع لا يحدّ من قيمة الغناء بأشكاله الكثيرة ولا يمكن وصفه بالظاهرة».
يُعرف الإنشاد الديني بأنه نمط غنائي يرتكز على حب الله ومدح رسوله، من أعلامه الشيخ سيد النقشبندي في مصر، ورشيد غلام في المغرب، وتوفيق المنجد في سوريا. ارتبطت الشعوب العربية بهذا الشكل في المناسبات الدينية، غير أن له عشاقه الذين يتابعونه طيلة العام وبعيداً عن الدافع المعتقدي.
يقول إيهاب يونس، المنشد الديني المصري، إن الاتجاه نحو الإنشاد الديني يتطلب من صاحبه الإلمام بقواعد اللغة العربية، فضلاً عن أنه يفضل أن يتمتع بخلفية معرفية دينية وإلمام بالقرآن الكريم، كما وضع عذوبة الصوت كأساس، حسب حديثه لهيئة الإذاعة البريطانية في إصدارها باللغة العربية، أبريل (نيسان) الماضي.
وعن تأثير الأفكار المجتمعية حول شرعية الغناء ووصف الفن بالحرام، يقول إبراهيم: «لا أرى هذا التحول فكراً منشقاً، بينما كل من يهوى الغناء له الحق في اختيار النمط الذي يناسبه ويُلائم أفكاره واتجاهاته الفكرية حتى يبدع في التعبير عنها من خلال الصوت والحس، تماماً مثل الغناء الرومانسي». ويردف: «لا يعد الإنشاد فناً دخيلاً أو إشارة تعكس الطابع المجتمعي، فقط هو لون كلاسيكي رائج ووجوده يحقق التوازن، والأمر لا يخضع للأفكار الدينية والمجتمعية فحسب بينما هو أمر يتعلق بحرية اختيار ما يقدمه الفنان، ولكل الفنون قيمتها المجتمعية».



الحناء تراث عربي مشترك بقوائم «اليونيسكو» 

الحنة ترمز إلى دورة حياة الفرد منذ ولادته وحتى وفاته (الفنان العماني سالم سلطان عامر الحجري)
الحنة ترمز إلى دورة حياة الفرد منذ ولادته وحتى وفاته (الفنان العماني سالم سلطان عامر الحجري)
TT

الحناء تراث عربي مشترك بقوائم «اليونيسكو» 

الحنة ترمز إلى دورة حياة الفرد منذ ولادته وحتى وفاته (الفنان العماني سالم سلطان عامر الحجري)
الحنة ترمز إلى دورة حياة الفرد منذ ولادته وحتى وفاته (الفنان العماني سالم سلطان عامر الحجري)

في إنجاز عربي جديد يطمح إلى صون التراث وحفظ الهوية، أعلنت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونيسكو)، الأربعاء، عن تسجيل عنصر «الحناء: الطقوس، الممارسات الجمالية والاجتماعية» ضمن قوائم التراث الثقافي غير المادي لـ«اليونيسكو» على أنه تراث مشترك بين 16 دول عربية.

ويأتي الملف التراثي نتيجة تعاون مشترك بين وزارتي الثقافة والخارجية المصريتين وسائر الدول العربية التي تعد الحناء من العناصر الثقافية الشعبية المرتبطة بمظاهر الفرح فيها، كما تمثل تقليداً رئيساً لمظاهر احتفالية في هذه المجتمعات وهي: السودان، مصر، المملكة العربية السعودية، الإمارات العربية المتحدة، العراق، الأردن، الكويت، فلسطين، تونس، الجزائر، البحرين، المغرب، موريتانيا، سلطنة عمان، اليمن، وقطر.

وتعقد اللجنة الحكومية الدولية لصون التراث الثقافي غير المادي اجتماعاً يستمر منذ الاثنين الماضي وحتى الخميس 5 ديسمبر (كانون الأول) الجاري، في أسونسيون عاصمة باراغواي، للبت في إدراج 66 عنصراً جديداً رُشحَت على أنها تقاليد مجتمعية، وفق «اليونيسكو».

وذكّرت المنظمة بأن الحنّة (أو الحناء): «نبتة يتم تجفيف أوراقها وطحنها ثم تحويلها إلى عجينة تُستخدم في دق الوشوم وتحديداً تلك التي تتلقاها المدعوات في حفلات الزفاف، وتُستعمل أيضاً لصبغ الشعر أو جلب الحظ للأطفال».

الحنة تراث ينتقل بين الأجيال (الفنان العماني سالم سلطان عامر الحجري)

وعللت «اليونيسكو» إدراج الحنّة في قائمة التراث الثقافي غير المادي بأنها «ترمز إلى دورة حياة الفرد، منذ ولادته وحتى وفاته، وهي حاضرة خلال المراحل الرئيسة من حياته، وترافق طقوس استخدام الحنّة أشكال تعبير شفهية مثل الأغنيات والحكايات».

من جهته أعرب الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة المصري، عن اعتزازه بهذا الإنجاز، مشيراً إلى أن تسجيل الحناء يُعد العنصر التاسع الذي تضيفه مصر إلى قوائم التراث الثقافي غير المادي منذ توقيعها على اتفاقية 2003، بحسب بيان للوزارة.

وأكدت الدكتورة نهلة إمام رئيسة الوفد المصري أن الحناء ليست مجرد عنصر جمالي، بل تمثل طقساً اجتماعياً عريقاً في المجتمعات العربية؛ حيث تُستخدم في الحياة اليومية والمناسبات المختلفة، كما أشارت إلى «ارتباط استخدام الحناء بتقاليد شفهية، مثل الأهازيج والأمثال الشعبية، وممارسات اجتماعية تشمل زراعتها واستخدامها في الحرف اليدوية والعلاجية».

وسلط الملف الذي قُدم لـ«اليونيسكو» بهدف توثيقها الضوء على أهمية الحناء بأنها عنصر ثقافي يعكس الروح التقليدية في المجتمعات المشاركة، وكونها رمزاً للفرح والتقاليد المرتبطة بالمناسبات الاحتفالية وفق الدكتور مصطفى جاد، خبير التراث الثقافي اللامادي بـ«اليونيسكو»، الذي قال لـ«الشرق الأوسط»: «تمثل الحناء واحدة من أهم عناصر تراثنا الشعبي، فهي مرتبطة بمعظم مفردات التراث الشعبي المصري والعربي الأخرى؛ وهي وثيقة الارتباط بالنواحي الجمالية والتزيينية، وأغاني الحناء، فضلاً عن الأمثال والمعتقدات الشعبية، والاستخدامات والممارسات الخاصة بالمعتقدات الشعبية، وتستخدم الحناء في الكثير من طقوسنا اليومية، المتعلقة بالمناسبات السعيدة مثل الزواج والأعياد بشكل عام».

الحنة تراث عربي مشترك (بكسيلز)

وأكد جاد أن التعاون العربي تجاه توثيق العناصر التراثية يعزز من إدراج هذه العناصر على قوائم «اليونيسكو» للتراث اللامادي؛ مشيراً إلى أنها ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة، وقال: «تثمن (اليونيسكو) عناصر التراث الشعبي المشتركة بين الدول، وقد سبق تسجيل عناصر النخلة، والخط العربي، والنقش على المعادن المشتركة بين مصر وعدة دول عربية؛ مما يؤكد الهوية العربية المشتركة».

وأضاف: «نحن في انتظار إعلان إدراج عنصر آخر مشترك بين مصر والسعودية على القوائم التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي بـ(اليونيسكو) اليوم أو غداً، وهو آلة السمسمية الشعبية المعروفة».

وكانت بداية الحناء في مصر القديمة ومنها انتشرت في مختلف الثقافات، خصوصاً في الهند ودول الشرق الأوسط، حتى صارت ليلة الحناء بمثابة حفل «توديع العزوبية» في هذه الثقافات، وفق عالم المصريات الدكتور حسين عبد البصير، مؤكداً لـ«الشرق الأوسط» أن «الأدلة الأثرية والتحاليل العلمية وثقت دور الحنة باعتبارها مادة أساسية ذات أهمية كبيرة في الحياة اليومية للمصريين القدماء»، وتابع: «بخلاف استخدامها في الأغراض التجميلية مثل صبغ الشعر، فقد تمت الاستعانة بها في الطقوس الجنائزية؛ إذ يعتقد استخدامها في التحنيط، كما كانت جزءاً من الممارسات الروحية لتحضير المومياوات للحياة الآخرة، فضلاً عن صبغ الأقمشة والجلود».

ارتبطت الحناء بالمناسبات والأعياد (بكسيلز)

الفنان العُماني سالم سلطان عامر الحجري واحد من المصورين العرب الذين وثقوا بعدستهم استخدام الحنة في الحياة اليومية، وسجّل حرص الجدات على توريثها للأجيال الجديدة من الفتيات الصغيرات، يقول الحجري لـ«الشرق الأوسط»: «الحنة في سلطنة عمان هي رمز للفرحة، ومن أهم استخداماتها تزيين النساء والأطفال بها في عيد الفطر، حيث عرفت النساء العربيات منذ القدم دق ورق الحناء وغربلته ونخله بقطعة من القماش وتجهيزه، مع إضافة اللومي اليابس (الليمون الجاف)، لمنحها خضاب اللون الأحمر القاتم، وذلك قبل العيد بعدة أيام، ثم يقمن بعجن الحناء المضاف له اللومي الجاف بالماء، ويتركنه لفترة من الوقت، وقبل النوم يستخدمن الحناء لتخضيب اليدين والرجلين للنساء والفتيات».