«الحوار الوطني» المصري يحدد أولوياته المجتمعية

سلماوي يدعو لجلسات «شعبية» حتى لا ينغلق «المجلس» على نفسه

مجلس أمناء الحوار الوطني المصري خلال الاجتماع (الصفحة الرسمية للحوار الوطني على «فيسبوك»)
مجلس أمناء الحوار الوطني المصري خلال الاجتماع (الصفحة الرسمية للحوار الوطني على «فيسبوك»)
TT

«الحوار الوطني» المصري يحدد أولوياته المجتمعية

مجلس أمناء الحوار الوطني المصري خلال الاجتماع (الصفحة الرسمية للحوار الوطني على «فيسبوك»)
مجلس أمناء الحوار الوطني المصري خلال الاجتماع (الصفحة الرسمية للحوار الوطني على «فيسبوك»)

يواصل مجلس أمناء الحوار الوطني المصري اجتماعاته في محاولة لـ«تحديد أولويات المرحلة المقبلة»، ووضع «رؤى وحلول» لمشكلات المجتمع المصري، ضمن ثلاثة محاور: (السياسي، والمجتمعي، والاقتصادي)، وسط مطالبات بتوسيع نطاق الحوار، وعقد جلسات استماع شعبية حتى «لا ينغلق مجلس الأمناء على نفسه».
وانتهى مجلس أمناء الحوار الوطني، عقب اجتماعه الثالث (السبت)، من «تصنيف أولويات العمل في المحور المجتمعي، بعد مناقشات موسعة نظراً للتداخل الكبير بين طبيعة القضايا المجتمعية والقضايا الاقتصادية وانعكاس كل منها على الآخر»، حيث «تم التوافق على خمس قضايا رئيسية في المحور المجتمعي هي: التعليم، والصحة، والقضية السكانية، وقضايا الأسرة والتماسك المجتمعي، والثقافة والهوية الوطنية»، وفقاً لبيان صحافي صادر عن أمانة الحوار الوطني.
وأكد الصحافي عماد الدين حسين، عضو مجلس الشيوخ المصري وعضو مجلس أمناء الحوار الوطني، أن «الحوار ما زال في المرحلة الإجرائية، حيث يتم تحديد القضايا الفرعية في كل محور، ومن المنتظر أن يستمر النقاش الإجرائي طوال شهر أغسطس (آب) الجاري، لتحديد تفاصيل عمل كل لجنة، وكيفية إجراء المناقشات، ومن سيتحدث في كل فرع»، مشدداً في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» على «أهمية الانتهاء من الجانب الإجرائي لتسهيل عمل الحوار فيما بعد».
بدوره قال الكاتب محمد سلماوي، عضو مجلس أمناء الحوار الوطني، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «الدعوة التي أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسي كانت لإجراء حوار سياسي حول أولويات المرحلة المقبلة، وبالتالي حاول مجلس الأمناء تحديد القضايا الملحة، حتى تتم مناقشتها بتعمق، لأنه لا يمكن مناقشة كل القضايا مرة واحدة، ولو حدث ذلك ستكون مناقشة سطحية لا تعطي الفرصة للوصول إلى حل جذري للمشكلات».

كان الرئيس المصري، قد أطلق، نهاية أبريل (نيسان) الماضي، دعوة لحوار سياسي حول «أولويات العمل الوطني في المرحلة الراهنة»، واتفق مجلس أمناء الحوار الوطني على «استبعاد جماعات العنف»، في إشارة إلى تنظيم «الإخوان»، الذي تصنفه مصر «إرهابياً».
ويقول سلماوي إنه «اقترح على مجلس أمناء الحوار ثلاثة مقترحات، أولها أن تكون المرجعية الرئيسية للحوار هي دستور عام 2014، الذي ينص على أن مصر دولة مدنية»، لافتاً إلى أن «هذا المقترح، والذي تم الأخذ به من مجلس أمناء الحوار، يقطع الطريق على من يطرح تساؤلات بشأن مشاركة طرف معين من عدمه، فكل من لا يؤمن بالدستور والدولة المدنية ليس له مكان في الحوار».
أما المقترح الثاني، فيتعلق بـ«القوى الناعمة والثقافة، بوصفها محدداً رئيسياً لفكر المجتمع، وطريقة حل مشكلاته»، حسب سلماوي، الذي أشار إلى أنه «بناءً على ذلك تم إقرار الثقافة والهوية الوطنية كأولوية أساسية في المحور الاجتماعي للحوار».
ومنذ بداية جلسات الحوار الوطني المصري، في 5 يوليو (تموز) 2022، حدد مجلس الأمناء قضايا المحور السياسي، والتي تضمنت إنشاء 3 لجان فرعية وهي: مباشرة الحقوق السياسية والتمثيل النيابي والأحزاب السياسية، والمحليات، وحقوق الإنسان والحريات العامة، إضافة إلى تحديد أولويات المحور المجتمعي، ومن المقرر أن يعقد مجلس الأمناء جلسة أخرى يوم الأربعاء المقبل، لتحديد قضايا المحور الاقتصادي.
وتوسيعاً لنطاق الحوار، وحتى «لا ينغلق مجلس الأمناء على نفسه»، جاء المقترح الثالث من سلماوي، ويقول: «اقترحت عقد جلسات استماع للمواطنين، حتى لا ينغلق مجلس الأمناء على نفسه»، مؤكداً «ضرورة أن ينفتح المجلس على المجتمع، ويستمع لرؤى الشعب حول ما يؤرقه من قضايا، ليختبر مصداقيته، ومدى توافق أفكاره ورؤاه مع الرؤى الشعبية».
ويضيف سلماوي أن «مجلس الأمناء أعطى لكل لجنة من لجان الحوار الوطني الحق في دعوة من تراه من الخبراء، لبلورة الحلول حول القضايا المختلفة، وهو أمر جيد وانفتاح على المجتمع، لكن يبقى الاستماع للمكون الشعبي مهماً»، مقترحاً تنفيذ ذلك عبر «عقد جلسات شعبية مفتوحة، يطرح فيها المواطنون أفكارهم، ويعمل المجلس على فرزها وضبطها وفقاً لأجندة الحوار، إضافةً إلى عقد لقاءات مفتوحة مع النقابات توزَّع على ثلاثة محاور، تشمل أولاً: النقابات الفنية، ومن بينها (الأطباء) و(المهندسين)، وثانياً: نقابات العمال والتجاريين والحرفيين، وثالثاً: نقابات الرأي مثل اتحاد الكتاب، ونقابات الممثلين، والسينمائيين، والصحافيين، والمحامين»، مشيراً إلى أن «هذه النقابات منتخبة ورأيها يمثل رأي قاعدة عريضة من الشعب».

لكن حسين يرى أن «الحوار فتح الباب لجميع الفئات لإرسال أفكارها، ومقترحاتها، ويمكن لكن فئة عقد الندوات الشعبية التي تريد، لكن مناقشة صلب القضايا يظل في يد الخبراء، والتوسع في المناقشات ربما يطغى على دور وسلطة مجلس النواب».
وكان ضياء رشوان، المنسق العام للحوار الوطني المصري، قد أكد في تصريحات تلفزيونية، مساء الخميس، أن «الباب مفتوح للجميع للمشاركة في جلسات الحوار الوطني»، وأنه «لا توجد خطوط حمراء في الحوار الوطني»، مشيراً إلى أن «كل مشروع قرار أو رؤية أو رأي مدعم بوثائق ومعلومات سيتم رفعه للرئيس المصري، الذي سيشارك في المراحل النهائية من الحوار».
وحول شكل مخرجات الحوار الوطني، قال سلماوي إن «من مزايا الحوار أنه لم يتم تحديد شكل لمخرجاته، وبالتالي فالمساحة مفتوحة للنقاش، والخروج بحلول أياً كان شكلها»، مشيراً إلى أن «الرئيس حرص على استقلالية الحوار، فلم يُصدر قراراً جمهورياً بتعيين مجلس أمنائه، واكتفى بمباركة الحوار، واعداً بحضور جلساته الأخيرة، وتقديم مخرجات الحوار إلى الجهة التشريعية الرسمية للنظر في إمكانية إصدار قوانين تترجم مخرجات الحوار».
ويعدّ العفو عن «سجناء الرأي» أحد المطالب الرئيسية على أجندة الحوار الوطني المصري، الذي جاءت الدعوة له متزامنة، مع إعادة تشكيل لجنة العفو الرئاسي للنظر في أوضاع المسجونين، وفي هذا السياق، «ثمّن» أعضاء مجلس أمناء الحوار الوطني، قرارات الرئيس المصري الأخيرة بالعفو الرئاسي عن باقي العقوبة بالنسبة لبعض المحكوم عليهم، معربين عن تطلعهم إلى «مواصلة النظر في إصدار مزيد من قرارات العفو خلال المرحلة المقبلة» وفقاً للبيان الصحافي.
وأصدر الرئيس المصري عشية الجلسة الثالثة من الحوار الوطني، قراراً بالعفو عن 7 مسجونين، ليصبح عدد المفرج عنهم منذ تشكيل لجنة العفو الرئاسي، وحتى الآن «700 سجين»، حسب تصريحات المنسق العام للحوار الوطني.
وأشاد المحامي نجاد البرعي، بقرارات العفو الرئاسي، وقال البرعي الذي تحدث لـ«الشرق الأوسط» بصفته الشخصية وليس بصفته عضواً في مجلس أمناء الحوار الوطني، إنه «من الجيد أن يستخدم الرئيس سلطته الدستورية للعفو عن مسجونين، هذه شجاعة من جانبه»، مشيراً إلى أنه «تظل هناك مشكلة المحبوسين احتياطياً، وهم تحت سلطة النائب العام»، مطالباً «النائب العام المصري باستخدام سلطته في المادة 134 من قانون الإجراءات الجنائية وتقييم موقف المحبوسين احتياطياً لمدد تجاوزت بالنسبة للبعض منهم عامين والإفراج عمّن لا يوجد دليل إدانة بحقهم، وإحالة من تتوافر بشأنه أدلة للمحكمة».



أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
TT

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)

قرب ركام مبنى ما زال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم إلى شقة خُلعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق، إضافة إلى الأبنية والمنازل.

في اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقّد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة.

لم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة نجدة. تقول ربّة المنزل دنيا نجدة (33 عاماً)، وهي أم لطفلين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما تقف على شرفتها المطلة على دمار واسع: «لم نتوقّع دماراً إلى هذا الحدّ. رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايراً وصعباً».

وغطّى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، في حين تناثرت قطع من إطارات النوافذ الحديدية في كل مكان. وتضيف دنيا نجدة: «عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان، وبالكاد استطعنا معاينة المنزل».

على الشرفة ذاتها، يقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاماً)، ويقول: «نشكو من انقطاع المياه والكهرباء... حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات».

ويقول الرجل، الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب: «صور ولبنان لا يستحقان ما حصل... لكن الله سيعوضنا، وستعود المدينة أفضل مما كانت عليه».

وتعرّضت صور خلال الشهرين الماضيين لضربات عدّة؛ دمّرت أو ألحقت أضراراً بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية، وقطعت أوصال المدينة.

وأنذرت إسرائيل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، مراراً سكان أحياء بأكملها بإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها، الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفاً.

لن يحصل بنقرة

خلال جولة في المدينة؛ حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسة، يحصي رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها، حسن دبوق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أكثر من 50 مبنى، مؤلفة من 3 إلى 12 طابقاً دُمّرت كلياً جراء الغارات الإسرائيلية»، غير تضرّر عشرات الأبنية في محيطها، بنسبة تصل إلى 60 في المائة. ويضيف: «يمكن القول إنه يكاد لم يبقَ أي منزل بمنأى عن الضرر».

وشهدت شوارع المدينة زحمة سير مع عودة المئات من السكان إلى أحيائهم، في حين أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة.

ويوضح دبوق: «يتفقّد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرّضت لضربات إسرائيلية قاسية».

ويقول إن الأولوية اليوم «للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة، وتأمين سُبل الحياة للمواطنين»، مقرّاً بأن ذلك «لن يحصل بنقرة، ويحتاج إلى تعاون» بين المؤسسات المعنية.

ويضيف: «من المهم أيضاً إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكّن الناس من العودة».

واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها، ومقتل موظفيْن، وانقطاع المياه عن 30 ألف مشترك في المدينة ومحيطها، وفق ما قال رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.

ودمّرت الغارة مضخّات المياه وشبكة الأنابيب المتفرّعة منها، وفق ما شاهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، في إطار جولة نظمها «حزب الله» للصحافيين في عدد من أحياء المدينة.

وتحتاج إعادة بنائها إلى فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وفق بركات، الذي قال إن العمل جارٍ لتوفير خيار مؤقت يزوّد السكان العائدين بالمياه.

ويقول بركات: «لا صواريخ هنا، ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية استهدفها العدوان الإسرائيلي».

قهر ومسكّنات

بحزن شديد، يعاين أنس مدللي (40 عاماً)، الخيّاط السوري المُقيم في صور منذ 10 سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة.

ويقول بأسى: «بكيت من القهر... منذ يوم أمس، وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر إلى ألعاب أولادي والدمار وأبكي».

وغابت الزحمة، الخميس، عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة، الذي كان يعجّ بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين، وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم إلى البحر لتوفير قوتهم.

بين هؤلاء مهدي إسطنبولي (37 عاماً)، الذي يروي أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ أن حظر الجيش اللبناني في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حركة القوارب في المنطقة البحرية جنوب لبنان.

ويقول: «لم يسمح الجيش لنا بعد بالخروج إلى البحر حفاظاً على سلامتنا» باعتبار المنطقة «حدودية» مع إسرائيل.

ويقول إسطنبولي: «نراقب الوضع... وننتظر»، مضيفاً: «نحن خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية» بعد توقف الحرب.

ويقول أب لأربعة أطفال: «أحياناً وأنا أجلس عند البحر، أسمع صوت الموج وأجفل... يتهيّأ لي أن الطيران يقصف. نعاني من الصدمة».