فيما لا يزال عدد من سكان العاصمة يتجرعون مرارة فقد ذويهم ممن سقطوا قتلى خلال اشتباكات العاصمة طرابلس، مطلع الأسبوع الماضي، انشغلت الأوساط السياسية في ليبيا بالحديث حول تأثير تلك الاشتباكات على شعبية رئيس حكومة «الوحدة» المؤقتة، عبد الحميد الدبيبة، مقارنة بحظوظ غريمه فتحي باشاغا، وإمكانية حسم الصراع على السلطة.
ورأى عضو مجلس النواب الليبي، حسن الزرقاء، أن الاشتباكات التي شهدتها طرابلس ومصراتة مؤخراً برهنت بوضوح على «مدى الضعف الأمني وفقدان السيطرة التي تواجه حكومة الدبيبة، أمام تغول الميليشيات».
وأضاف الزرقاء لـ«الشرق الأوسط» أن «حالة الاستياء التي نجمت عن عجز الحكومة في منع تكرار تلك الاشتباكات بين قيادات الميليشيات دفع قطاعاً كبيراً من الليبيين للمراهنة على قدرة حكومة باشاغا، بتحجيم الميلشيات، في ظل الخبرة الأمنية التي يتمتع بها الأخير، في إدارة هذا الملف خلال توليه حقيبة الداخلية بحكومة «الوفاق الوطني» السابقة.
وكانت وزارة الصحة بحكومة «الوحدة» أعلنت سقوط 16 قتيلاً و52 جريحاً جراء الاشتباكات، بين «جهاز الردع لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة» بقيادة عبد الرؤوف كاره، وكتيبة «ثوار طرابلس» بقيادة أيوب أبو رأس.
وأرجع الزرقاء، استمرار رفض بعض قيادات الميليشيات دخول باشاغا، إلى العاصمة، «لاعتماد عدد منها على حكومة الدبيبة، في تمويله»، أو «لرفضهم التحالف القائم بينه وبين وقائد (الجيش الوطني) المشير خليفة حفتر»، لكنه نوه بحصول باشاغا، في المقابل على «دعم وتأييد شعبي في مدن بالمنطقة الغربية، من الزاوية ومصراتة، مما قد يدعم من فرصه في دخول طرابلس».
ورغم إقراره بعدم وجود تغيير بالمواقف الدولية لصالح باشاغا، على خلفية تلك الاشتباكات، يراهن المحلل السياسي أحمد أبو عرقوب، على أن «تغير موازين الصراع بالداخل الليبي لصالح باشاغا، سيدفع الدول الغربية الكبرى وفي مقدمتها الولايات المتحدة وبريطانيا لتغيير حساباتها والتعاطي مع حكومته، خاصة في ظل أزمة الطاقة العالمية».
وقال أبو عرقوب في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن «حلفاء الدبيبة الغربيين يعرفون جيداً أن بقاءه في السلطة بات مكلفاً لهم، في ضوء خسائره المتواصلة على الأرض وتحميله المسؤولية من قبل أطراف عدة، عن تكرار الاشتباكات بين الميليشيات بالعاصمة، نظراً لضخامة الأموال التي قدمتها حكومته لبعض قيادات تلك الميليشيات، في صورة رواتب ومكافآت مما أدى لتعاظم نفوذهم».
ورجح أبو عرقوب، اقتراب باشاغا، من دخول العاصمة لممارسة عمله، وذلك اعتماداً على «تمتعه بدعم قوات عسكرية قوية وفي مقدمتها ما يوجد تحت قيادة اللواء أسامة جويلي، آمر غرفة العمليات المشتركة بالمنطقة الغربية، المقال، واستمرار دعمه سياسياً من قبل البرلمان وأغلبية أعضاء المجلس الأعلى للدولة»، لافتاً إلى «تمكنه من استرجاع وزيادة شعبيته بمسقط رأسه في مصراتة على حساب الدبيبة، المنتمي للمدنية ذاتها أيضاً، وكان هو الطرف الأقوى بها لفترة قريبة».
من جانبه، لم يتردد المحلل السياسي الليبي، صلاح البكوش، في الإقرار «بتأثر شعبية الدبيبة جراء اتفاقه مع حفتر، حول تغيير مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط، وأيضاً بسبب الوضع الأمني»، إلا أنه «استبعد أن يكون ذلك قد صب لصالح باشاغا».
وسلط البكوش، الضوء على أن «أغلب تصريحات السفراء التي أعقبت الاشتباكات انحصرت في تكرار تأكيدهم على أن الحل لا يكمن في تغيير حكومات، وإنما في إجراء انتخابات تأتي بحكومة ذات شرعية، وهو ما أكد عليه المبعوث الخاص والسفير الأميركي لدى ليبيا، ريتشارد نورلاند، في سلسلة تغريدات متعددة له الأسبوع الماضي».
ولفت البكوش إلى ما وصفه بـ«اختفاء التعريف بباشاغا بكونه رئيس الوزراء المكلف والاكتفاء بذكر اسمه فقط في تغريدات السفير الأميركي، بينما استمرت الإشارة للدبيبة بالتغريدات ذاتها كرئيس لحكومة (الوحدة الوطنية)، وهو مما يعني أن باشاغا، فقد الكثير».
وقلل البكوش مما يطرحه مؤيدو باشاغا عن تزايد شعبيته في المنطقة الغربية، موضحاً: «رغم مرور ما يقرب من ستة أشهر على تعيينه، لم يستطع إظهار أي قوة عسكرية أو سياسية معتبرة له في غرب البلاد، في حين أكدت قيادات مصراتة تحديداً على أن مدينتهم لن تكون ساحة معركة لأي طرف».
أما جلال الحرشاوي، الباحث في مؤسسة «غلوبال أنيشاتيف» فتطرق بالتحليل للأثر الأمني للاشتباكات، وتحديداً إضعاف بعض الجماعات المسلحة التي تحسب قياداتها على الدبيبة أو موالية له كمجموعة أيوب أبو رأس.
وأضاف حرشاوي في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «الأخطر أن جماعة أبو راس تعرضت لهجوم على مقراتها من قبل (جهاز الردع) وهي جماعة مسلحة هامة معروفة بحيادها»، متابعاً: «إذا اختفى هذا الحياد، فقد يتم التنسيق فيما بينها وبين (كتيبة النواصي) الموالية لباشاغا، وهذا سيضعف وضع الدبيبة أكثر، كون شعبيته قد تراجعت خلال الأيام الماضية من طرابلس ومصراتة».
وأرجع حرشاوي هذا التراجع في شعبية الدبيبة «لاتخاذه عدة قرارات أدت لخلخلة التوازن لغير صالحه»، وانتهى إلى أن «عدداً من الجماعات المسلحة وخاصة بالعاصمة لم ترض عن قراره بتغيير رئيس مؤسسة النفط، مصطفى صنع الله».
«اشتباكات طرابلس» تشعل التكهنات بشأن حسم النزاع بين «الحكومتين»
سياسيون يتحدثون عن تغير موازين الصراع بالعاصمة
«اشتباكات طرابلس» تشعل التكهنات بشأن حسم النزاع بين «الحكومتين»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة