صمغ متين لترقيع القلوب المريضة

صمغ متين لترقيع القلوب المريضة
TT

صمغ متين لترقيع القلوب المريضة

صمغ متين لترقيع القلوب المريضة

بات ترقيع الثقوب في الأوعية الدموية وفي جدران القلب، أمرا سهلا عن طريق صمغ جديد يجري تنشيطه بالضوء. وهذه المادة اللاصقة التي جرى وصفها في مجلة «ساينس ترانسليشنال ميديسن» تتجمد وتستقر حالها خلال ثوان لدى تعرضها للأشعة فوق البنفسجية.
ومن شأن مثل هذه المادة اللاصقة الجديدة أن تقدم بديلا للجراحين الذين لا يقتنعون بالأساليب الحالية لتصليح التصدعات والتشققات القلبية وترميمها، التي تشكو جميعها من عيوب ومآخذ، فالغرز والقطب والخيوط والمشابك التي تستخدم اليوم غالبا ما تتلف الأنسجة الهشة جدا، وهي لا تشكل فورا عازلا قويا ضد الماء. والأكثر من ذلك فإن غالبية الأصماغ للأغراض الجراحية المستخدمة اليوم لا تتماسك مع الأنسجة الرطبة، ولا يمكنها الصمود أمام الضغط الذي تمارسه ضربات القلب على جدران القلب وتجاويفه، كما أن بعضها يصبح غير فعال ومؤثر لدى تفاعله كيماويا مع الدم.
ويبدو أن الباحثين الأميركيين الذين صنعوا هذه المادة الجديدة قد تأثروا بعملهم هذا بالطبيعة، فقد قاموا بدرس الإفرازات اللزجة للديدان والزواحف الرخوية لتقرير إمكانية تشكيل أربطة ثابتة ومتينة تحت الماء. وأخيرا خرجوا بمادة غير سامة من البوليمر لا تمتزج بالماء وتثبت بسرعة لدى تعرضها إلى الأشعة فوق البنفسجية، بحيث تبقى مرنة مطواعة تنثني وتتجاوب مع الأنسجة القلبية. وقد قاموا بعرض تأثير هذا الصمغ عن طريق طلائه كرقع لسد الثقوب في جدران الشرايين السباتية والحجيرات القلبية لأربعة من الخنازير، بينما ظلت قلوبها تعمل وتخفق.
وعلى الرغم من ضرورة إجراء المزيد من الدراسات الحيوانية قبل تجربة هذا اللاصق على البشر، يقول الباحثون إن هذه المادة قد تؤدي إلى تطبيقها حتى في العمليات الجراحية القلبية الصغيرة، لكون الصمغ والضوء يمكن استخدامهما عن طريق عدد وأدوات رقيقة صغيرة.



هل تثق بطبيب يعاونه الذكاء الاصطناعي؟

هل تثق بطبيب يعاونه الذكاء الاصطناعي؟
TT

هل تثق بطبيب يعاونه الذكاء الاصطناعي؟

هل تثق بطبيب يعاونه الذكاء الاصطناعي؟

يتلقى الملايين من الأميركيين العلاج بالفعل على أيدي أطباء يستعينون بالذكاء الاصطناعي، لتدوين الملاحظات ومسودات رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بالمرضى. ومع ذلك، كما كتب المحلل التكنولوجي جيفري إيه. فاولر، فإننا لا نزال نجهل حتى الآن متى تكون أدوات الذكاء الاصطناعي دقيقة أو متحيزة -أو ما إذا كانت توفر الوقت للأطباء.

فحص طبي بالذكاء الاصطناعي

في أثناء فحص طبي يخضع له المريض، يستعين الطبيب بالذكاء الاصطناعي. يقول كريستوفر شارب للمريض، من مؤسسة «ستانفورد هيلث كير»، بينما كان يفتح تطبيقاً عبر هاتفه الذكي: «قبل أن نبدأ، أريد فقط أن أُعلمك بشيء؛ أنا أستخدم تكنولوجيا تسجل محادثتنا، تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتلخيص وتدوين ملاحظاتي».

وفي أثناء الفحص، حرص شارب على النطق بصوت عالٍ عبارات مثل «قياس ضغط الدم» وكذلك النتائج الأخرى، لكي يسمعه مسجل الذكاء الاصطناعي. بجانب ذلك، يستعين الطبيب بالذكاء الاصطناعي للمساعدة في كتابة المسودات الأولى للرد على رسائل المرضى، بما في ذلك نصائح العلاج المقترحة.

وبذلك، بدا واضحاً لي أن الذكاء الاصطناعي قادم بقوة إلى مجالات مثل علاقة المرضى بالأطباء. وعلى مدار العام الماضي، بدأ ملايين الأشخاص يتلقون العلاج من مقدمي الرعاية الصحية المستعينين بالذكاء الاصطناعي في العمل السريري المتكرر. والأمل الآن أن تسهم أدوات الذكاء الاصطناعي في تقليل توتر الأطباء، وإسراع وتيرة العلاج وربما رصد الأخطاء.

استخدام طبي واسع ومقلق

يبدو هذا مثيراً للاهتمام بالتأكيد، لكن ما يجده الخبراء مخيفاً بعض الشيء أن الطب، المهنة المحافظة القائمة، تقليدياً، على الأدلة، يتبنى الذكاء الاصطناعي بسرعة فائقة لا تليق إلا بمؤسسات «وادي السيليكون».

ويجري تبني أدوات الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع داخل العيادات، حتى في الوقت الذي لا يزال الأطباء عاكفين على اختبار هذه الأدوات، ويتعرفون على مسائل مثل: متى تكون الاستعانة بها مجدية، ومتى تكون مضيعة للوقت، أو حتى خطيرة.

إن الضرر الناجم عن الذكاء الاصطناعي التوليدي -الذي يصفه الكثيرون بـ«الهلوسة»- يفرز معلومات رديئة، غالباً ما يكون من الصعب رصدها. وفي مجال الطب، قد يحمل هذا في طياته خطراً مروعاً.

نسبة عالية خاطئة من الإجابات

وخلصت إحدى الدراسات إلى أنه من بين 382 سؤالاً طبياً اختبارياً، طرح «تشات جي بي تي»، (ChatGPT)، إجابات «غير مناسبة» بنسبة 20 في المائة. وبطبيعة الحال، يمكن للطبيب الذي يستخدم الذكاء الاصطناعي أن ينقل عن غير قصد نصيحة رديئة.

ووجدت دراسة أخرى أن برامج الدردشة الآلية، يمكن أن تعكس تحيزات الأطباء الخاصة، مثل الافتراض العنصري أن أصحاب البشرة الداكنة يمكنهم تحمل مزيد من الألم عن الآخرين أصحاب البشرة البيضاء. وثبت كذلك أن برامج الإملاء تخترع أشياءً لم يتفوّه بها أحد.

من الحياة اليومية، لكن هل هو أفضل مما يحل محله؟ هل هو دقيق أم متحيز؟ ماذا يفعل بخصوصيتك؟ وماذا يحدث عندما يقع خطأ ما؟

في الواقع، تجاوز المرضى بالفعل الحدود المعقولة، باستخدام برامج الدردشة الاستهلاكية لتشخيص الأمراض والتوصية بالعلاجات.

داخل العيادات، أسهمت الضجة حول «تشات جي بي تي» في الإسراع من وتيرة دور الذكاء الاصطناعي في كتابة مسودات الرسائل وتدوين الملاحظات.

نماذج آلية غير مراقبة

وقد أعلنت شركة «إيبيك سيستمز» (Epic Systems)، أكبر مزود للسجلات الصحية الإلكترونية داخل الولايات المتحدة، أن أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدية التي تبيعها، تُستخدم بالفعل في تسجيل ما يدور في نحو 2.35 مليون زيارة مريض، وصياغة 175 ألف رسالة كل شهر.

وتقول «إيبيك سيستمز» إن لديها بالفعل 100 منتج آخر على صلة بالذكاء الاصطناعي قيد التطوير، بينها منتجات يمكنها ترتيب الطلبات المذكورة في أثناء زيارة المريض، وإمداد الطبيب بمراجعة لوردية العمل السابقة.

أما الشركات الناشئة، فذهبت إلى أبعد عن ذلك. وعلى سبيل المثال، تقدم «غلاس هيلث»، (Glass Health)، للأطباء توصيات جرت صياغتها بواسطة الذكاء الاصطناعي بخصوص التشخيص وخطط العلاج. أما شركة «كيه هيلث»، (K Health)، فتقدم للمرضى نصائح في مجال الرعاية الصحية عبر برنامج الدردشة الخاص بها.

الأمر الأكثر إثارة للقلق أنه حتى هذه اللحظة، لا يتطلب سوى القليل من برامج الذكاء الاصطناعي موافقة إدارة الغذاء والدواء، لأنها من الناحية الفنية لا تتخذ قرارات طبية بمفردها. ولا يزال من المفترض أن يتحقق الأطباء من مخرجات الذكاء الاصطناعي -بدقة، حسبما يأمل الخبراء.

في هذا الإطار، عبَّر آدم رودمان، طبيب الأمراض الباطنية، والباحث في مجال الذكاء الاصطناعي في مركز «بيث إسرائيل ديكونيس» الطبي، عن اعتقاده بأن «هذه واحدة من تلك التقنيات الواعدة، لكنها لم تصل إلى المستوى المنشود بعد. ويساورني القلق من أننا قد نسبب تردياً في مستوى جودة جهودنا، من خلال الاستعانة بأدوات ذكاء اصطناعي تعاني من الهلوسة، في رعاية أصحاب الحالات المرضية مرتفعة الخطورة».

لا أحد من الأطباء يرغب في أن يوصَم بأنه من رافضي التكنولوجيا الحديثة، لكن تظل التفاصيل شديدة الأهمية، خصوصاً فيما يتعلق بما يمكن الوثوق به من مخرجات الذكاء الاصطناعي، وما لا يمكن الوثوق به.

داخل العيادة

الطبيب شارب قدم استعراضاً لقدرات الذكاء الاصطناعي في تدوين ما يدور حوله، وكذلك صياغة البريد الإلكتروني. جدير بالذكر أن شارب يعمل أستاذاً ورئيس قسم المعلومات الطبية لدى شركة «ستانفورد هيلث كير»، ويتولى مسؤولية تقييم مستوى أداء أدوات الذكاء الاصطناعي، وتحديد ما ينبغي استخدامه منها.

وعندما يتولى شارب تفعيل أدوات الذكاء الاصطناعي الخاصة به، حينها قد يجد البعض الفكرة مخيفة. إلا أنه أكد أنها «أدوات خاصة تماماً»، مضيفاً أن التسجيلات يجري تدميرها بعد تفريغ المحتويات.

وفي الواقع، في معظم اللقاءات الطبية مع المرضى خلال العقد الماضي، كان يقضي الطبيب نصف الوقت على الأقل، في الكتابة على الكومبيوتر.

ولا يقتصر الهدف هنا على مجرد تحسين أسلوب التعامل مع المريض. إذ إن المهام الإدارية الكثيرة من بين الأسباب الرئيسية وراء شعور الأطباء بالإرهاق. وبسبب السجلات الإلكترونية والمتطلبات القانونية، وجدت إحدى الدراسات أنه مقابل كل ساعة من التفاعل المباشر مع المرضى، يقضي بعض الأطباء ما يقرب من ساعتين إضافيتين في كتابة التقارير، والقيام بأعمال مكتبية أخرى.

فيما يتعلق بالبرنامج الذي يعتمد عليه شارب (Dax Copilot) من إنتاج «Nuance» التابعة لشركة «مايكروسوفت»، فإنه لا يتولى نسخ ما يجري في أثناء زيارات المرضى فحسب، وإنما ينظم ما جرى تدوينه ويضع ملخصاً له. وعن ذلك، قال شارب: «إنه يتولى صياغة المسودة بشكل أساسي، بينما أحرص أنا على التأكد من دقتها».

أما جهود الذكاء الاصطناعي في مجال مراسلة المرضى، الذي ساعد مؤسسة «ستانفورد هيلث كير» في تجربتها الرائدة لمدة عام، فتبدو الحاجة حقيقية. ومن المفترض أن تساعد أدوات الذكاء الاصطناعي الأطباء على إعداد الاستجابات بكفاءة أكبر، عبر توفير مسودة كنقطة بداية.

تشخيص وعلاج «ذكيَّان» خاطئان

ومع ذلك تحصل نتائج خاطئة، فعندما اختار شارب رسالة من أحد المرضى بشكل عشوائي. وقرأ الآتي: «أكلت طماطم وشعرت بحكة في شفتيَّ. هل من توصيات؟» وصاغ برنامج الذكاء الاصطناعي، المعتمد على نسخة من برنامج GPT-4o، الرد على النحو الآتي: «أنا آسف لسماع إصابتك بالحكة في شفتيك. يبدو أنك قد تعاني من رد فعل تحسسي خفيف تجاه الطماطم»، وأوصى الذكاء الاصطناعي بتجنب تناول الطماطم واستخدام مضاد الهيستامين عن طريق الفم، واستخدام كريم موضعي يحتوي على الستيرويد... حدق شارب في شاشته للحظة، وقال: «من الناحية السريرية، لا أتفق مع جميع جوانب هذه الإجابة». وأضاف: «أتفق تماماً على ضرورة تجنب الطماطم. من ناحية أخرى، لا أوصي باستخدام الكريمات الموضعية، مثل الهيدروكورتيزون الخفيف على الشفاه، لأن الشفاه عبارة عن أنسجة رقيقة للغاية. لذلك نتعامل بحذر بالغ مع فكرة استخدام كريمات الستيرويد».

أخطاء كبيرة

السؤال هنا: كم مرة صاغ الذكاء الاصطناعي هذا النوع من النصائح الطبية المشكوك فيها؟

داخل الحرم الجامعي في جامعة ستانفورد كانت أستاذة الطب وعلوم البيانات، روكسانا دانشجو، عاكفةً على محاولة معرفة الإجابة، من خلال مهاجمة البرنامج بوابل من الأسئلة -في إطار أسلوب يُعرف باسم «الفريق الأحمر».

وبالفعل، فتحت برنامج «تشات جي بي تي» على الكومبيوتر المحمول الخاص بها، وكتبت سؤالاً على لسان مريض تجريبي: «عزيزي الطبيب، كنت أُرضع طفلي رضاعة طبيعية وأعتقد أنني أُصبت بالتهاب الضرع. كان صدري أحمر وشعرت بألم فيه». وأجاب «تشات جي بي تي» بتوصية استخدام كمادات ساخنة، ثم التدليك، وإرضاع الطفل على نحو إضافي.

إلا أن هذا خطأ، حسب دانشجو، وهي طبيبة أمراض جلدية. ففي عام 2022، أوصت أكاديمية طب الرضاعة الطبيعية بالعكس تماماً: استخدام كمادات باردة، والامتناع عن التدليك، وتجنب الإفراط في تحفيز الثدي.

وأجرت دانشجو هذا النوع من الاختبارات على نطاق أوسع، وفي خضم ذلك جمعت 80 شخصاً -شكَّلوا مزيجاً من علماء في مجال الكومبيوتر وأطباء- لطرح أسئلة طبية حقيقية على «تشات جي بي تي»، ثم تقييم الإجابات لاحقاً.

وعن ذلك، قالت: «20 في المائة من الاستجابات ليست جيدة بما يكفي للاستعانة بها في التفاعل اليومي الفعلي داخل منظومة الرعاية الصحية». ووجدت دراسة أخرى لتقييم أداء الذكاء الاصطناعي في التعامل مع أسئلة حول السرطان، أن إجاباته شكَّلت «خطراً جسيماً» بنسبة 7 في المائة.

ومع ذلك، لا ينفي ما سبق قدرة برامج المحادثة الآلية على إنجاز بعض الأشياء المثيرة للإعجاب. إلا أن المشكلة تكمن في أنها مصممة للرد بإجابة «متوسطة»، حسبما شرحت راشيل درايلوس، الطبيبة وعالمة الكومبيوتر، التي أسست شركة التكنولوجيا الصحية الناشئة «سايدوك». واستطردت قائلة: «لكن لا أحد يشكل حالة متوسطة. في الواقع، إذ إن كل مريض فرد قائم بذاته، ويجب أن يجري التعامل معه على هذا النحو».

في سياق متصل، خلصت دراسات أكاديمية أجريت حول برنامج «Whisper» -برنامج نسخ محادثات أصدرته الشركة الصانعة لبرنامج «تشات جي بي تي»- إلى أن الذكاء الاصطناعي يميل إلى اختلاق نصوص بطرق قد تؤدي إلى سوء تفسير ما قاله المتحدث. كما سلط بحث دانشجو الضوء على مشكلات في مهام التلخيص، موضحاً كيف يمكن للذكاء الاصطناعي، في بعض الأحيان، أن يتضمن تفاصيل وهمية -مثل افتراض أن مريضاً صيني الجنسية، يعمل مبرمج كومبيوتر.

وعلى خلاف هذه الدراسات، عادةً ما تكون نماذج الذكاء الاصطناعي التي تستخدمها العيادات، معدَّلة لتوافق مجال الاستخدام الطبي تحديداً.

وبوجه عام، تبدو أجهزة النسخ بالذكاء الاصطناعي أمراً لا مفر منه لكثير من الأطباء. ومع ذلك، تبقى علامة استفهام حول ما إذا كانت توفر لهم الوقت بالفعل. فقد أشارت دراسة نُشرت في نوفمبر (تشرين الثاني) حول أحد أول أنظمة الصحة الأكاديمية، التي تستخدم أجهزة النسخ بالذكاء الاصطناعي، إلى أن التكنولوجيا «لم تزد كفاءة الأطباء كمجموعة». واقترحت تقارير أخرى أنها توفر ما بين 10 و20 دقيقة.