بوتين يتدارك أخطار «حصان طروادة» في الساحة الإعلامية

تقليص حصة الشريك الأجنبي في الإعلام الروسي.. ومواجهة التكتلات الإعلامية الغربية

إلينا كابايفا رئيس مجلس «الوكالة الوطنية للإعلام» في روسيا
إلينا كابايفا رئيس مجلس «الوكالة الوطنية للإعلام» في روسيا
TT

بوتين يتدارك أخطار «حصان طروادة» في الساحة الإعلامية

إلينا كابايفا رئيس مجلس «الوكالة الوطنية للإعلام» في روسيا
إلينا كابايفا رئيس مجلس «الوكالة الوطنية للإعلام» في روسيا

خريطة الإعلام الروسي وما صدر من تشريعات تحدد حصة الشريك الأجنبي في المطبوعات وقنوات الإعلام في روسيا، تفسر ما يجري من سباق محموم ومنافسة ضارية حول تملك «الوكالة الوطنية للإعلام» لأهم أجهزة الإعلام الروسية وأكثرها انتشارًا. فما هي «الوكالة الوطنية للإعلام»؟ وما هو دور الكرملين في تحديد توجهاتها وتعيين القائمين عليها؟ وماذا يعني ما صدر من تشريعات عن مجلس الدوما بشأن تقليص حصة الشريك الأجنبي؟
بداية، نقول إن الوكالة الوطنية للإعلام تأسست في عام 2008 بهدف تقرير الكثير من المهام، ومنها الحفاظ على التراث الثقافي وتنوير وتعليم الشباب والتنسيق الإعلامي الفعّال بين السلطة والمجتمع وأوساط رجال الأعمال.
وتملك هذه «الوكالة الإعلامية» عددا من أكبر وأضخم المؤسسات الإعلامية الروسية، ومنها «القناة الأولى» (التلفزيون الروسي في موسكو بنسبة 25 في المائة، و«الخامسة» (أكبر القنوات التلفزيونية في سان بطرسبورغ بنسبة 72.4 في المائة)، و«رين تي في REN TV بنسبة 68 في المائة» (المعارضة)، وإذاعة «آر سي إن RCN»، «جهاز الخدمات الإخبارية الروسية بنسبة 100 في المائة»، و«لايف نيوز تي في - LIFE NEWS TV»، وصحيفة «أزفيستيا» بنسبة 73.2 في المائة، وصحيفة «مترو» في سان بطرسبورغ، و«نيوز ميديا - NEWS MEDIA - بنسبة 49.99 في المائة»، وغيرها من المطبوعات والإذاعات المحلية. ومن اللافت أن الكثيرين من أهم مؤسسي هذا الصرح الإعلامي الضخم محسوبون على الرئيس فلاديمير بوتين لما تربطه بهم من علاقات صداقة وعمل قديمة. ويكفي أن نشير إلى أسماء بعضهم ومنهم أكبر رموز هذه المؤسسة جينادي تيمتشينكو المياردير الروسي المولود لأب ينتمي إلى المؤسسة العسكرية السوفياتية وقضى بعض سنوات عمره في ألمانيا الاتحادية، فيما تلقى تعليمه الجامعي في المعهد العسكري للميكانيكا في ليننغراد، والمدرج حاليا ضمن قوائم الحظر التي أقرتها واشنطن والاتحاد الأوروبي ضد روسيا بسبب الأزمة الأوكرانية.
أما المدير العام لهذه المؤسسة الإعلامية فهو ألكسندر أوردجونيكيدزه رجل الأعمال المعروف الذي سبق وشغل عددا من المواقع القيادية في مؤسسات الطاقة والتعدين، وحتى تحول إلى النشاط الإعلامي من موقعه كمدير عام لقناة «رين تي في»، أما رئيس مجلس مديري المؤسسة فهي إلينا كابايفا بطلة الجمباز الأوليمبية التي استقالت في العام الماضي من مجلس الدوما، للتفرغ لهذا المنصب الجديد، ما ألهب الأجواء وكان مصدرا للكثير من الإشاعات.
وقد أثار الإعلان عن تأسيس هذا الصرح الإعلامي الضخم في حينه الكثير من اللغط الذي ارتبط بما قيل حول رغبة الكرملين في أن يكون بديلا لـ«الإمبراطوريات الإعلامية» التي كان شكلها اللوبي اليهودي في تسعينات القرن الماضي إبان سنوات حكم الرئيس الأسبق بوريس يلتسين وتملكها في حينه مليارديرات ذلك الزمان ومنهم فلاديمير جوسينسكي أول رئيس للمؤتمر اليهودي الروسي وبوريس بيريزوفسكي، وآخرون.
على أن ما سبق وشهدته الساحة الإعلامية من فوضى وارتباك في المفاهيم والتوجهات الإعلامية، وأسفر عمليا عن تراجع لدور الدولة ومكانتها، يمكن أن يكون وراء فكرة تشكيل «الوكالة الوطنية للإعلام»، برعاية غير مباشرة من جانب الكرملين. وفي هذا الإطار كانت التشريعات التي أقرها مجلس الدوما في نهاية العام الماضي حول تقليص حصة الشريك الأجنبي في المؤسسات الإعلامية الروسية حتى 20 في المائة، بهدف الحد من النفوذ والهيمنة الغربية في الساحة الداخلية الروسية والسيطرة على «تحركات الطابور الخامس» ومحاولات تنفيذ الخطط التي كانت ولا تزال تضمرها واشنطن في إطار ما يسمى «الثورات الملونة»، و«حرب المعلومات» في بلدان الفضاء السوفياتي السابق. ويقضي القانون الصادر بهذا الشأن بحظر تملك المستثمرين الأجانب والهيئات والمؤسسات الدولية لأكثر من 20 في المائة من أسهم الشركات والمؤسسات الإعلامية الوطنية الروسية. وأعلن مجلس الدوما عن أن القانون سوف يسري اعتبارا من يناير (كانون الثاني) 2016.
وقد كشفت تداعيات الأزمة الأوكرانية واشتعال الحرب الإعلامية التي اندلعت في أعقاب هذه الأزمة، عن حاجة روسيا إلى سياسة إعلامية جديدة تراعي المتغيرات التي تموج بها المنطقة في ظل تصاعد الضغوط الغربية ومحاولات الإدارة الأميركية استخدام منظمات المجتمع المدني، والصحف والقنوات الإعلامية ذات التوجهات المعارضة كـ«حصان طروادة» لتفجير المجتمع من الداخل. ولذا كان من الطبيعي أن يثير ما اتخذته وتتخذه موسكو من قوانين وإجراءات لضبط ساحاتها الإعلامية، حفيظة الدوائر الغربية التي عادت إلى مخططاتها التي سبق وأعلنت عنها في مطلع القرن الحالي من خلال «صناديقها» مثل «صندوق سورس»، وممثليها في بلدان الفضاء السوفياتي السابق.
ونذكر بهذا الصدد بعض الرموز الإعلامية التي ترفع لواء المعارضة في روسيا ومنها إذاعة «صدى موسكو»، وقناة «دوجد» التي تبث برامجها عبر «يوتيوب» وشبكات «الإنترنت» وغيرها في روسيا وأوكرانيا، ودول الجوار القريب وكذلك في إسرائيل، إلى جانب صحيفة «نوفايا جازيتا» (الصحيفة المستقلة) المعارضة، و«فيدومستي» التي كانت تصدر عن المؤسسة الإخبارية الأميركية التي تصدر عنها صحيفة «وول ستريت جورنال»، ومؤسسة «إف تي» البريطانية التي تصدر «فاينانشيال تايمز».
ونتوقف عند قناة «دوجد» (المطر) التي تبث برامجها على مدى الأربع والعشرين ساعة والتابعة للمؤسسة الإعلامية التي تحمل الاسم نفسه، لنشير إلى أن هذه القناة ومنذ انطلاقتها الأولى في أبريل (نيسان) 2010 في موسكو «قناة إخبارية» ناطقة بالروسية اتخذت توجها انتقاديا للسلطات في الكرملين، مؤيدا لكل توجهات المعارضة، وبوقا دعائيا لفصائلها وأنشطتها في الداخل والخارج. ومن اللافت أن هذه القناة حققت أيضا أكبر قدر من الانتشار بعد زيارة الرئيس السابق ديمتري ميدفيديف لها في عام 2011، وهو الذي عُرف عنه «المرونة المفرطة» مع فصائل المعارضة التي حرص طويلا على مغازلتها، بتخصيصه الكثير من وقته للأحاديث الصحافية معها وغيرها من القنوات والصحف الناطقة باسمها مثل صحيفة «نوفايا غازيتا»، فضلاً عن وقوفه وراء إصدار مجلس الدوما للقوانين التي اعتبروها في حينه «تنازلاً أمام المعارضة» بعد مظاهرات «ساحة بولوتنايا» في نهاية عام 2011 قبل رحيله عن الكرملين.
ونذكر أن هذه القناة أثارت الكثير من الجدل حول ما طرحته من أفكار لإجراء استطلاع للرأي حول مدى جدوى «عدم استسلام ليننغراد» أمام هجوم جحافل الفاشية خلال الحرب العالمية الثانية وصمودها لمدة تقترب من الألف يوم. وقد تسبب ذلك في ضجة هائلة أعقبتها مقاطعة «شبكات الكابل» في روسيا لنقل برامج القناة، ودفعت النيابة العامة لروسيا الاتحادية إلى رفع الدعوى ضدها للتحقيق في مدى مشروعية مناقشة مثل هذه الموضوعات. وكانت «دوجد» طرحت في الذكرى السبعين لفك حصار ليننغراد، تساؤلاتها حول مدى صحة قرار القيادة السوفياتية وإصرارها على عدم تسليم المدينة التي كانت تحمل اسم لينين زعيم ثورة أكتوبر (تشرين الأول) والذي اعتبرته سببا في هلاك ما يزيد على المليون نسمة لقي معظمهم حتفه بسبب الجوع. ورغم اعتذار القناة عن فكرتها، وسرعة إصدار قرارها حول التراجع عن استمرار قياس الرأي العام حول هذا الشأن، فإن الهجوم ضدها ظل كاسحا، بسبب ما وصفه الكثيرون بتجاوزها اللاأخلاقي تجاه ذكرى وآلام الملايين من أبناء الشعب السوفياتي، وتجاهلا لبطولاته وصموده الأسطوري ضد جحافل النازية الهتلرية إبان سنوات الحرب العالمية، وحتى عاد الرئيس فلاديمير بوتين و«رأف» بحالها، ورفع يده عن ملاحقتها، لتعود إلى سابق عهدها من الجدل ومناوأة السلطة في إطار ما سبق وأُنيط بها من مهام.. وهو ما يمكن تناوله بالمزيد من التفاصيل في تقرير لاحق.



تساؤلات بشأن دور التلفزيون في «استعادة الثقة» بالأخبار

شعار «غوغل» (رويترز)
شعار «غوغل» (رويترز)
TT

تساؤلات بشأن دور التلفزيون في «استعادة الثقة» بالأخبار

شعار «غوغل» (رويترز)
شعار «غوغل» (رويترز)

أثارت نتائج دراسة حديثة تساؤلات عدة بشأن دور التلفزيون في استعادة الثقة بالأخبار، وبينما أكد خبراء وجود تراجع للثقة في الإعلام بشكل عام، فإنهم اختلفوا حول الأسباب.

الدراسة، التي نشرها معهد «نيمان لاب» المتخصص في دراسات الإعلام مطلع الشهر الحالي، أشارت إلى أن «الثقة في الأخبار انخفضت بشكل أكبر في البلدان التي انخفضت فيها متابعة الأخبار التلفزيونية، وكذلك في البلدان التي يتجه فيها مزيد من الناس إلى وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على الأخبار».

لم تتمكَّن الدراسة، التي حلَّلت بيانات في 46 دولة، من تحديد السبب الرئيس في «تراجع الثقة»... وهل كان العزوف عن التلفزيون تحديداً أم الاتجاه إلى منصات التواصل الاجتماعي؟ إلا أنها ذكرت أن «الرابط بين استخدام وسائل الإعلام والثقة واضح، لكن من الصعب استخدام البيانات لتحديد التغييرات التي تحدث أولاً، وهل يؤدي انخفاض الثقة إلى دفع الناس إلى تغيير طريقة استخدامهم لوسائل الإعلام، أم أن تغيير عادات استخدام ومتابعة وسائل الإعلام يؤدي إلى انخفاض الثقة».

ومن ثم، رجّحت الدراسة أن يكون سبب تراجع الثقة «مزيجاً من الاثنين معاً: العزوف عن التلفزيون، والاعتماد على منصات التواصل الاجتماعي».

مهران كيالي، الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا» في دولة الإمارات العربية المتحدة، يتفق جزئياً مع نتائج الدراسة، إذ أوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «التلفزيون أصبح في ذيل مصادر الأخبار؛ بسبب طول عملية إنتاج الأخبار وتدقيقها، مقارنة بسرعة مواقع التواصل الاجتماعي وقدرتها على الوصول إلى شرائح متعددة من المتابعين».

وأضاف أن «عدد المحطات التلفزيونية، مهما ازداد، لا يستطيع منافسة الأعداد الهائلة التي تقوم بصناعة ونشر الأخبار في الفضاء الرقمي، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي». إلا أنه شدَّد في الوقت نفسه على أن «الصدقية هي العامل الأساسي الذي يبقي القنوات التلفزيونية على قيد الحياة».

كيالي أعرب عن اعتقاده بأن السبب الرئيس في تراجع الثقة يرجع إلى «زيادة الاعتماد على السوشيال ميديا بشكل أكبر من تراجع متابعة التلفزيون». وقال إن ذلك يرجع لأسباب عدة من بينها «غياب الموثوقية والصدقية عن غالبية الناشرين على السوشيال ميديا الذين يسعون إلى زيادة المتابعين والتفاعل من دون التركيز على التدقيق». وأردف: «كثير من المحطات التلفزيونية أصبحت تأتي بأخبارها عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، فتقع بدورها في فخ الصدقية والموثوقية، ناهيك عن صعوبة الوصول إلى التلفزيون وإيجاد الوقت لمشاهدته في الوقت الحالي مقارنة بمواقع التواصل التي باتت في متناول كل إنسان».

وحمَّل كيالي، الهيئات التنظيمية للإعلام مسؤولية استعادة الثقة، قائلاً إن «دور الهيئات هو متابعة ورصد كل الجهات الإعلامية وتنظيمها ضمن قوانين وأطر محددة... وثمة ضرورة لأن تُغيِّر وسائل الإعلام من طريقة عملها وخططها بما يتناسب مع الواقع الحالي».

بالتوازي، أشارت دراسات عدة إلى تراجع الثقة بالإعلام، وقال معهد «رويترز لدراسات الصحافة»، التابع لجامعة أكسفورد البريطانية في أحد تقاريره، إن «معدلات الثقة في الأخبار تراجعت خلال العقود الأخيرة في أجزاء متعددة من العالم». وعلّق خالد البرماوي، الصحافي المصري المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، من جهته بأن نتائج الدراسة «غير مفاجئة»، لكنه في الوقت نفسه أشار إلى السؤال «الشائك»، وهو: هل كان عزوف الجمهور عن التلفزيون، السبب في تراجع الصدقية، أم أن تراجع صدقية الإعلام التلفزيوني دفع الجمهور إلى منصات التواصل الاجتماعي؟

البرماوي رأى في لقاء مع «الشرق الأوسط» أن «تخلّي التلفزيون عن كثير من المعايير المهنية ومعاناته من أزمات اقتصادية، دفعا الجمهور للابتعاد عنه؛ بحثاً عن مصادر بديلة، ووجد الجمهور ضالته في منصات التواصل الاجتماعي». وتابع أن «تراجع الثقة في الإعلام أصبح إشكاليةً واضحةً منذ مدة، وإحدى الأزمات التي تواجه الإعلام... لا سيما مع انتشار الأخبار الزائفة والمضلّلة على منصات التواصل الاجتماعي».