بعد إعلان «الهيئة العليا للانتخابات» التونسية عن النتائج الأولية التفصيلية للاستفتاء على مشروع الدستور الجديد، وتأكيدها أن نسبة 60.94 في المائة من المشاركين في الاقتراع صوتوا بـ«نعم» لصالحه، باتت الساحة السياسية التونسية تترقب الخطوة المقبلة التي سيتخذها الرئيس قيس سعيد لإرساء «الجمهورية الثالثة»، وتهيئة الظروف المناسبة لتعديل القانون الانتخابي لإجراء الانتخابات البرلمانية، فيما تستعد المعارضة للتشكيك في نتائج الاستفتاء، والتأكيد على ضعف المشاركة بحجة تسجيل غياب لأكثر من ثلثي الناخبين، ومن ثم الطعن في المسار الانتخابي برمته، خصوصاً بعد أن أصدرت هيئة الانتخابات، أمس، بلاغاً توضيحياً حول تسرب «خطأ مادي» في الإحصاءات المعلنة بشأن نتائج فرز الأصوات، رغم أنها لم تكن مؤثرة على النتائج المصرح بها. لكن المعارضة ستتخذ من هذا «الخطأ» ركيزة لاتهام الهيئة بـ«التلاعب بالنتائج»، وفق مراقبين.
ويأتي هذا الترقب بعد أن قال الرئيس التونسي قيس سعيد أمس إنه سيصدر حزمة جديدة من المراسيم، التي تخص تنظيم الانتخابات البرلمانية، ونواب الغرفة الثانية للبرلمان بجانب وضع محكمة دستورية.
وقالت الرئاسة في بيان لها إن الرئيس شدد على ضرورة إعداد مرسوم يتعلق بالانتخابات، لانتخاب أعضاء مجلس نواب الشعب (البرلمان) القادم، ثم لانتخاب أعضاء المجلس الوطني للجهات والأقاليم (الغرفة الثانية)، الذي يقتضي نظاماً انتخابياً خاصاً. كما سيصدر مشروع قانون خاص بالمحكمة الدستورية وفق الدستور الجديد.
وسيتكون مجلسها من تسعة أعضاء يمثلون القضاة الأكبر سناً في الاختصاصات المعنية.
وقال محمد التليلي المنصري، المتحدث باسم «الهيئة العليا للانتخابات»، إنه «بإمكان المشككين في المسار الانتخابي للاستفتاء ونتائجه التوجه للقضاء، بحسب ما يضمنه لهم القانون». وأضاف، في مؤتمر صحافي عقده إثر الإعلان عن النتائج، أن هيئة الانتخابات «قامت بدراسة جميع الشكايات والمخالفات، من خلال تقارير من الهيئات الفرعية، ومن أعوان الرقابة، وتقرير (الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري - الهايكا)، وتقرير لجنة الرصد التابعة لهيئة الانتخابات المركزية، لتتوصل الهيئة إلى أن مجموع هذه المخالفات لم يؤثر تأثيراً جوهرياً في نتائج الاستفتاء»، وفق تقديره.
وأضاف المنصري أن مجموع المخالفات بلغ 26 مخالفة؛ منها 10 مخالفات ارتكبها مشاركون في حملة الاستفتاء، و16 مخالفة ارتكبها غير المشاركين في هذا الاستحقاق، وأهمها استعمال علم الجمهورية وشعارها والمال السياسي.
من جهته؛ أوضح عماد الغابري، المتحدث باسم المحكمة الإدارية التونسية، أن الفترة القانونية التي حددها القانون لقبول مطالب الطعن في النتائج الأولية للاستفتاء محددة في 3 أيام تبدأ منذ إعلان النتائج، وفي حال لم يتم تقديم أي طعن تصبح النتيجة نهائية. لكن في حال ورود طعون على المحكمة الإدارية، فإن الفترة الإجمالية للنظر فيها تصل إلى 30 يوماً، وهو ما يعني أن الإعلان عن النتائج النهائية الخاصة باستفتاء 25 يوليو (تموز) 2022 سيكون نهاية شهر أغسطس (آب) المقبل. أما بخصوص الأطراف التي يحق لها قانوناً الطعن في نتائج الاستفتاء، فهي فقط الجهات التي شاركت في الاستفتاء، بحسب الغابري، وهو ما يعني أن الأطراف السياسية والحقوقية والاجتماعية التي قاطعت الاستفتاء، وفي مقدمتها «حركة النهضة» وعدد من الأحزاب اليسارية، لن يحق لها الطعن في النتائج.
وتوالت ردود الفعل على نتائج الاستفتاء على الدستور الجديد داخلياً وخارجياً، حيث أكد الاتحاد الأوروبي أنه تابع النتائج المؤقتة للاستفتاء الدستوري، وقال إن الإجماع الواسع بين القوى السياسية المختلفة «ضروري لنجاح العملية التي تحافظ على المكاسب الديمقراطية، وهي ضرورية لجميع الإصلاحات السياسية والاقتصادية الرئيسية التي ستجريها تونس».
ودعا الاتحاد الأوروبي السلطات إلى «الحفاظ» على الحريات الأساسية في بيان نشره باسم الأعضاء الـ27 وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، مشيراً إلى أن استفتاء 25 يوليو سجل «نسبة مشاركة ضعيفة»، ومؤكداً أن «شرعية واستدامة هذه الإصلاحات رهن بذلك».
كما أوضحت الدول الـ27 أن انتخاب البرلمان في ديسمبر (كانون الأول) المقبل «سيشكل حجر الزاوية لعودة البلاد إلى العمل المنتظم للمؤسسات، مع الاحترام الكامل للمبادئ الديمقراطية، لا سيما الفصل بين السلطات، وترسيخ دولة القانون والتعددية، فضلاً عن احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية»، مشددة على أن «حرية التعبير وحرية الصحافة، وحرية التظاهر... والحريات الأساسية الأخرى، هي القيم الأساسية للدول الديمقراطية، ويتمسك بها الاتحاد الأوروبي بشكل خاص، ويجب الحفاظ عليها».
من جانبه، قال النائب الألماني عضو لجنة العلاقات الخارجية في «البوندستاغ»، توبياس باشيرله، إنه ستجري إعادة تقييم التعاون مع تونس بعد الاستفتاء على الدستور الجديد الذي قاطعته المعارضة.
وقال النائب عن حزب «الخضر»، الشريك في الائتلاف الحكومي، في تصريحات لـ«القسم العربي» من «إذاعة صوت ألمانيا الدولية (دويتشه فيله)»، إن الرئيس سعيد «يسعى لترسيخ نظام رئاسي... يتعارض تماماً مع الدستور التقدمي» لعام 2014، واصفاً الدستور الجديد الذي يمنح صلاحيات واسعة للرئيس بـ«غير الشرعي».
وكانت الولايات المتحدة الأميركية قد أعربت، أول من أمس، عن مخاوفها من أن يضر الدستور التونسي الجديد بحقوق الإنسان والحريات الأساسية، مشيرة إلى نسبة المشاركة الضعيفة في الاستفتاء. وقال الناطق باسم وزارة الخارجية، نيد برايس، للصحافيين، إن الولايات المتحدة تعرب عن «مخاوف من أن يتضمن الدستور الجديد ضوابط وتوازنات ضعيفة، قد تقوض حماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية»، مشدداً على ضرورة احترام الفصل بين السلطات، وأن يكون قانون الانتخابات شاملاً وشفافاً.
التونسيون يترقبون خطوة سعيّد المقبلة... والاتحاد الأوروبي يطالبه بـ«حوار وطني شامل»
المعارضة تشكك في نتائج الاستفتاء وتسعى للطعن في المسار الانتخابي برمته
التونسيون يترقبون خطوة سعيّد المقبلة... والاتحاد الأوروبي يطالبه بـ«حوار وطني شامل»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة