تشهد «أزمة التأشيرات» بين الجزائر وفرنسا انفراجاً ملحوظاً، بعد أن وافقت الحكومة الجزائرية على إصدار تصاريح قنصلية للعشرات من مهاجريها الذين صدرت بحقهم قرارات إدارية بالطرد.
جاء ذلك بعد أن قلصت باريس منذ سبتمبر (أيلول) 2021 عدد التأشيرات الممنوحة للجزائريين بنسبة 50 في المائة، بذريعة أن حكومتهم «رفضت التعاون» بشأن ترحيل 8 آلاف مهاجر غير نظامي مقيم بفرنسا. وشملت هذه الإجراءات المغرب وتونس أيضاً.
من جانب الجزائر؛ يرى مراقبون أنه زال التوتر، الذي كان سائداً الخريف الماضي عندما هاجم وزير الداخلية الفرنسي، جيرارد دارمانان، سلطات الجزائر بحدة، قائلاً إنها «ترفض استرجاع رعاياها»، فرد عليه الرئيس عبد المجيد تبون عبر وسائل إعلام محلية بأنه «أطلق كذبة كبيرة» بخصوص عدد المهاجرين الجزائريين السريين المقيمين فوق التراب الفرنسي. وأثار قرار تقليص عدد التأشيرات غضب الجزائر، التي قررت بدورها تخفيض التعاون مع فرنسا في القضايا الأمنية؛ على رأسها محاربة الإرهاب في منطقة المغرب العربي والساحل.
ومما زاد الوضع تعقيداً، تصريحات للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في أكتوبر (تشرين الأول) من السنة نفسها، تساءل فيها عما «إذا كانت هناك أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي؟». وانتقد النظام الجزائري قائلاً إن «الرئيس تبون رهين نظام متحجر... وعالق في نظام شديد التصلب». وعلى أثر ذلك استدعت الجزائر سفيرها في باريس، احتجاجاً على هذا الموقف الذي ربطه مراقبون بقضية «رفض إصدار التصاريح القنصلية» التي تسمح بتنفيذ قرارات الإبعاد.
وقال وزير الداخلية دارمانان، أول من أمس، في مقابلة مع قناة «بي إف أم تي في» الإخبارية الفرنسية، إن «هناك تقدماً مع الجزائر والمغرب وتونس» في قضية إبعاد المهاجرين المعنيين بالترحيل، مبرزاً «تحقيق نسبة 50 في المائة إضافية من المرحلين مع دول المغرب العربي خلال السدس الأول من 2022»، ومشيراً إلى أن باريس «تفضل الدبلوماسية والحوار لحل هذه المشكلة».
وأضاف المسؤول الفرنسي موضحاً: «أظن أن الموضوع محل تعاون دبلوماسي جيد جداً، كما هو محل تبادل معلومات»، ومقراً أيضاً بأن الحكومة الفرنسية «تتحمل جزءاً من المسؤولية بخصوص الأزمة، التي أثارها المهاجرون غير النظاميين. وأعتقد أننا أخطأنا نحن أيضاً، عندما لم نستطيع تحديد الجنسيات (...) كما أن الضغط عن طريق تخفيض عدد التأشيرات ليس حلاً فعالاً».
في سياق ذلك، أكد دارمانان أن علاقات الصداقة مع هذه البلدان «كفيلة وحدها بحل المشكلة»، معلناً عن «استئناف المحادثات» مع الجزائر والمغرب وتونس، «كما فعلت زميلتي وزيرة الخارجية بشأن ملف المهاجرين المغاربيين، الذين يوجدون في وضع الإبعاد من التراب الفرنسي».
وكانت الجزائر قد أبلغت باريس استحالة تسلم العدد الكبير من رعاياها الذي تطلبه، بحجة أنها ليست متأكدة من أن جميعهم يحملون جنسيتها. كما أثارت الأجهزة الأمنية الجزائرية احتمال أن يكون من بينهم متطرفون. ويبدو أن المهادنة التي ميزت تصريحات دارمانان، مهدت لها مواقف سياسية تبادلها أعلى المسؤولين الجزائريين والفرنسيين. ففي أبريل (نيسان) الماضي هنأ تبون ماكرون بفوزه بولاية ثانية في انتخابات الرئاسة، ودعاه إلى زيارة الجزائر «من أجل بعث العلاقات»، وخاطبه بـ«فخامة الرئيس» و«صديقي العزيز».
وبمناسبة احتفال الجزائر، في 5 يوليو (تموز) بستينية استقلالها، قالت الرئاسة الفرنسية في بيان إن المناسبة «تشكل فرصة لرئيس الجمهورية لكي يرسل إلى الرئيس تبون رسالة، يعبر فيها عن تمنياته للشعب الجزائري، ويبدي أمله بمواصلة تعزيز العلاقات القوية أصلاً بين فرنسا والجزائر». ونقل البيان عن ماكرون تأكيده مجدداً في رسالة بعث بها إلى تبون «التزامه بمواصلة عملية الاعتراف بالحقيقة والمصالحة لذاكرتي الشعبين الجزائري والفرنسي». علماً بأن «جراح الذاكرة» تعدّ حجر الزاوية في كل الخلافات بين البلدين.
انفراجة في «أزمة التأشيرات» الجزائرية ـ الفرنسية
بعد عام من ملاسنة «حادة» حول الهجرة
انفراجة في «أزمة التأشيرات» الجزائرية ـ الفرنسية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة