مصر: الحماية الاجتماعية... بين «المساعدات الاستثنائية» وزيادة الأجور

تسعى لتعزيز إجراءات مواجهة الأزمة الاقتصادية العالمية

السيسي خلال اجتماعه مع عدد من الوزراء لإقرار برنامج الحماية الاجتماعية ( رئاسة الجمهورية)
السيسي خلال اجتماعه مع عدد من الوزراء لإقرار برنامج الحماية الاجتماعية ( رئاسة الجمهورية)
TT

مصر: الحماية الاجتماعية... بين «المساعدات الاستثنائية» وزيادة الأجور

السيسي خلال اجتماعه مع عدد من الوزراء لإقرار برنامج الحماية الاجتماعية ( رئاسة الجمهورية)
السيسي خلال اجتماعه مع عدد من الوزراء لإقرار برنامج الحماية الاجتماعية ( رئاسة الجمهورية)

فيما يبدو أنه اتجاه لتعزيز إجراءات وخطط مواجهة الأزمة الاقتصادية العالمية الناتجة عن تداعيات الحرب الروسية - الأوكرانية، وجائحة «كوفيد - 19»، اتخذت الحكومة المصرية مجموعة من الإجراءات لتوفير مظلة حماية اجتماعية للمواطن المصري، والتخفيف من آثار التضخم، وزيادة الأسعار على «الفقراء» و«محدودي الدخل»، تتراوح ما بين تقديم «مساعدات استثنائية، ومحاولات لزيادة الحد الأدنى للأجور».
كان آخر هذه الإجراءات مجموعة من القرارات التي أصدرها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، مساء (الثلاثاء)، والتي تتضمن «ضم مليون أسرة إلى برنامج (تكافل وكرامة)، ليتجاوز حجم المستفيدين من البرنامج 20 مليون مواطن على مستوى الجمهورية، وصرف مساعدات استثنائية لعدد 9 ملايين أسرة لمدة 6 أشهر، بتكلفة إجمالية تقدَّر بنحو مليار جنيه شهرياً، على أن تُصرف للأسر الأكثر احتياجاً، ولأصحاب المعاشات الذين يحصلون على معاش شهري أقل من 2500 جنيه (الدولار بـ18.93 جنيه)، إضافةً إلى العاملين بالجهاز الإداري للدولة الذين يحصلون على راتب أقل من 2700 جنيه شهرياً»، حسب بيان صحافي من رئاسة الجمهورية المصرية.
وتعد هذه الإجراءات «ضرورية» و«حاسمة»، حسب الدكتور مدحت نافع، الخبير الاقتصادي، الذي يوضح في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أنه «على الرغم من أن هذه الإجراءات قد تعزز الضغوط التضخمية، بزيادة المعروض النقدي في يد المواطن، فإنها موجهة إلى الفئات الأكثر احتياجاً التي عادةً ما تنفق دخلها على السلع الرئيسية التي لا غنى عنها، على عكس فئات أعلى دخلاً»، مؤكداً أن «الإجراءات الأخيرة ضرورية ومناسبة في الوقت الحالي، وإن كانت تخالف السياسات النقدية الانكماشية للحكومة المصرية مؤخراً، لكنها مهمة لتحقيق الاستقرار الاجتماعي».
وتتضمن إجراءات الحماية الاجتماعية التي أعلنتها رئاسة الجمهورية المصرية، تعزيز الأمن الغذائي للأسر الفقيرة والأمهات والأطفال، من خلال التوسع في طرح (كراتين) السلع الغذائية المدعمة بنصف التكلفة، وبواقع عدد مليوني (كرتونة) شهرياً، بحيث يتم توزيعها من خلال منافذ القوات المسلحة، إضافةً إلى قيام وزارة الأوقاف بالشراكة مع وزارة التضامن الاجتماعي بتوزيع لحوم الأضاحي على مدار العام، وخصصت الحكومة المصرية نحو 11 مليار جنيه مصري لتنفيذ هذه الإجراءات.
إجراءات الحماية الاجتماعية ليست وليدة اليوم، فمع بدء انتشار جائحة «كوفيد - 19» في مصر عام 2020، وما نتج عنها من قرارات إغلاق تسببت في تشريد عدد من العمالة، خصصت الحكومة المصرية 100 مليار جنيه مصري من الموازنة العامة، لمواجهة تداعيات الأزمة، وصرفت مساعدات استثنائية للعمالة غير المنتظمة، بقيمة 500 جنيه شهرياً، استفاد منها أكثر من مليوني شخص، حسب التقديرات الرسمية.
وتَعد الحكومة المصرية برامج الحماية الاجتماعية» بمثابة «السلاح» لتخفيف آثار الأزمة الاقتصادية العالمية على المواطن المصري، حسب ميرفت صابرين، مساعد وزيرة التضامن لبرامج الحماية الاجتماعية، التي قالت في تصريحات تلفزيونية مؤخراً، إن «حجم المساعدات التي قدمتها الحكومة المصرية خلال الـ8 سنوات الماضية، بلغ 122 مليار جنيه مصري، مع توفير قاعدة بيانات لتكافل وكرامة، وميكنة الدفع والمساعدة عن طريق كارت (ميزة)»، مشيرةً إلى أن «الدولة بدأت في إصلاح منظومة الحماية الاجتماعية منذ عام 2014، لمحاربة الجهل والفقر الصحي والفقر السكني، والفقر التعليمي، وأن فترة (كورونا) سلّطت الضوء على العمالة غير المنتظمة، التي تقدَّر بنحو 7 ملايين عامل».
وتتضمن برامج الحماية الاجتماعية إلى جانب المساعدات الاستثنائية دعماً للخبز، وبعض السلع التموينية، إضافةً إلى برامج الصحة، وصناديق التأمينات والمعاشات، ودعم الإسكان، وارتفع الإنفاق على تلك الأنشطة من الموازنة العامة للدولة ليصل إلى ما يقرب من 500 مليار جنيه في موازنة العام المالي الحالي، مقارنةً بـ15 مليار جنيه في 2000، حسب الدكتورة نيفين قباج، وزيرة التضامن الاجتماعي المصرية.
ولا تقتصر جهود الحماية الاجتماعية على الدعم النقدي، ودعم السلع للأسر الأكثر احتياجاً، وتوفير مساعدات استثنائية، بل تتضمن أيضاً مساعي لزيادة الحد الأدنى للأجور ليصل إلى 2700 جنيه، بدلاً من 2400 وفقاً لتوجيهات الرئيس المصري في يناير (كانون الثاني) الماضي، وكان الحد الأدنى للأجور عام 2019 لا يتجاوز 1200 جينه، تمت زيادته إلى 2000 عام 2020، وزاد مرة أخرى العام الماضي ليصل إلى 2400 جنيه مصري.
ويرى نافع أن «الحد الأدنى للأجور حالياً غير مناسب، خصوصاً مع تراجع قيمة الجنيه أمام الدولار، والتي من المرجح أن تتراجع بنسبة تتراوح ما بين 10 و20 في المائة خلال الفترة المقبلة»، لكنه في نفس الوقت يؤكد أن «هذه هي القيمة التي تستطيع موازنة الدولة المصرية المثقلة بالأعباء تحملها»، معرباً عن اعتقاده أن «أي فرد دخله أقل من 10 آلاف جنيه مصري يحتاج الآن للدعم، لكن الأمر مرتبط أيضاً بقدرات الدولة المالية، وهو ما تحاول تنفيذه من خلال برامج الحماية الاجتماعية للأسر الأكثر احتياجاً».
وتقدر معدلات الفقر في مصر بنحو 29.7 في المائة، خلال العام المالي 2019 - 2020، حسب البيانات الرسمية للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، بينما يصنف البنك الدولي مصر ضمن الدول ذات متوسط الدخل الأدنى، والذي يتراوح ما بين 1.086 إلى 4.255 دولار أميركي للفرد، حسب تقريره الأخير الصادر الأسبوع الماضي.



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.