بوتين وإردوغان يبحثان الأسبوع المقبل التعاون العسكري وإمدادات الحبوب الأوكرانية

موسكو تحذر من انهيار الاتفاق ما لم تُرفع العقبات أمام الصادرات الروسية

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب إردوغان خلال اجتماعهما في طهران 19 يوليو الحالي (إ.ب.أ)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب إردوغان خلال اجتماعهما في طهران 19 يوليو الحالي (إ.ب.أ)
TT

بوتين وإردوغان يبحثان الأسبوع المقبل التعاون العسكري وإمدادات الحبوب الأوكرانية

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب إردوغان خلال اجتماعهما في طهران 19 يوليو الحالي (إ.ب.أ)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب إردوغان خلال اجتماعهما في طهران 19 يوليو الحالي (إ.ب.أ)

بعد مرور أقل من عشرة أيام على اللقاء الذي جمع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع نظيره التركي رجب طيب إردوغان في طهران، أعلن الكرملين الأربعاء عن ترتيب قمة جديدة تعقد الأسبوع المقبل في منتجع سوتشي مقر الإقامة الصيفي للرئيس الروسي.
وشكل الإعلان عن القمة الثنائية مفاجأة للأوساط السياسية والمراقبين، كونها لم تكن مدرجة على جدول أعمال بوتين سابقاً. ولم يكشف الجانب الروسي تفاصيل عن الأسباب التي دعت إلى ترتيب لقاء عاجل بعد مرور وقت قصير على محادثات الرئيسين في العاصمة الإيرانية. لكن بدا أن الجانب التركي هو من بادر بطلب عقد هذا اللقاء لمواصلة بحث الملفات التي لم ينجح الطرفان في التوصل إلى تفاهمات بشأنها في اللقاء الأخير.
وأفاد بيان أصدره الكرملين أن لقاء الزعيمين المحدد في 5 أغسطس (آب) سوف يشهد تبادلاً لوجهات النظر حول ملفين أساسيين، أولهما عمل مركز التنسيق الأمني المشترك الذي تم الاتفاق على تأسيسه في إسطنبول للإشراف على تسهيل نقل صادرات الحبوب من الموانئ الأوكرانية. والثاني قضايا التعاون العسكري التقني بين روسيا وتركيا.
وأوضح الناطق الرئاسي الروسي ديمتري بيسكوف، أن النقاشات بشأن عمل مركز التنسيق المشترك سوف تركز على مدى توافق عمل المركز مع الاتفاقيات المبرمة بين روسيا وأوكرانيا في حضور تركيا وهيئة الأمم المتحدة بشأن صادرات الحبوب.
أعلنت البحرية الأوكرانية الأربعاء أن الموانئ الأوكرانية الثلاثة المخصصة لتصدير الحبوب «استأنفت عملها»، رغم أنه لا يزال يتعين بذل الجهود لضمان سلامة القوافل. وقالت البحرية الأوكرانية على تطبيق «تلغرام»: «في إطار توقيع اتفاق حول فتح الموانئ الأوكرانية لتصدير الحبوب، استأنفت موانئ أوديسا وتشورنومورسك ويوجني (بيفديني) العمل».
وقال نائب وزير الخارجية الروسي آندريه رودينكو أمس الأربعاء إن اتفاقاً بوساطة تركية يسمح باستئناف صادرات الحبوب الأوكرانية من موانئ على البحر الأسود قد ينهار إذا لم تتم إزالة العقبات أمام الصادرات الزراعية الروسية على الفور. ونقلت وكالة إنترفاكس للأنباء عن رودينكو قوله إن شحنات الحبوب من أوكرانيا ستبدأ قريباً، وعبر عن أمله في أن يستمر الاتفاق.
وفي هذا الملف برز خلال اليومين الأخيرين تطور مهم، إذ كررت موسكو توجيه تحذيرات إلى الأمم المتحدة بضرورة تسريع الالتزام بالضمانات التي حصلت عليها في إطار «صفقة الحبوب»، والتي تقضي بربط تسهيل الصادرات الأوكرانية برفع القيود غير المباشرة المفروضة على صادرات الحبوب والأسمدة من روسيا. ومعلوم أن العقوبات الغربية لا تشمل المواد الغذائية والأسمدة لكن القيود المفروضة على حركة السفن والموانئ الروسية تعرقل تصدير الحبوب الروسية حتى الآن. ولمح الكرملين في وقت سابق إلى أن عدم تنفيذ هذا المطلب سوف يعرقل تنفيذ الصفقة المبرمة في إسطنبول.
في الملف الثاني المطروح على طاولة الرئيسين أفاد بيسكوف أن بوتين وإردوغان يناقشان موضوع التعاون العسكري التقني. ويعد هذا الملف حساساً للبلدين على خلفية الاعتراضات الأميركية القوية على توسيع التعاون العسكري بين موسكو وأنقرة. واللافت أن معطيات رددتها دوائر قريبة من الكرملين أخيراً، أشارت إلى أن ملف الإنتاج المشترك لطائرات «بيرقدار» التركية من دون طيار قد يكون مطروحاً على أجندة الحوار الروسي التركي.
وتجنب بيسكوف إعطاء توضيح حول هذا الموضوع، لكنه زاد أن «التعاون العسكري التقني بين البلدين مدرج باستمرار على جدول الأعمال، وحقيقة أن تفاعلنا يتطور في هذا القطاع الحساس يشير إلى أن النطاق الكامل لعلاقاتنا بشكل عام على مستوى رفيع للغاية»، مؤكداً على أن «الاتصالات الأخيرة بين الزعيمين، شملت موضوع التعاون العسكري التقني بأبعاده المختلفة».
وفي حال تم الاتفاق بين موسكو وتركيا على إنتاج مشترك لـ«بيرقدار» سوف يشكل التطور حدثاً لافتاً على خلفية أن هذه الطائرات المسيرة لعبت دوراً نشطاً في الحرب الأوكرانية واستخدمتها كييف بكثافة لضرب مواقع الانفصاليين والجيش الروسي. وكانت موسكو أعربت أكثر من مرة عن استيائها بسبب مواصلة تركيا بيع هذه الطائرات إلى أوكرانيا، لكن الجانب التركي رد بأن أنقرة «تنفذ اتفاقات مبرمة مع الحكومة الأوكرانية».
الموضوع الثالث، الذي قد يكون مطروحاً على الطاولة خلال القمة المقبلة، لكنه غاب عن حديث الناطق الرئاسي الروسي، هو مصير العملية العسكرية التركية في مناطق شمال شرقي سوريا. وكانت موسكو وطهران أعربتا عن معارضة واضحة ومباشرة للعملية العسكرية خلال اللقاء الثلاثي في طهران، وشكل ذلك نكسة لتحركات إردوغان الذي أعلن تصميمه على مواصلة تنفيذ الخطوات التي تعزز الأمن التركي في المناطق الحدودية. وأعلن مسؤولون في تركيا أن أنقرة «لا تستأذن أي طرف لتعزيز أمنها القومي»، وعكست هذه العبارة درجة استياء الرئيس التركي من نتائج لقاء طهران على هذا الصعيد، مما دفع محللين في موسكو إلى ترجيح أن يكون هذا الملف بين الأسباب الأساسية التي دفعت إلى المبادرة لترتيب هذه القمة بشكل عاجل.


مقالات ذات صلة

ضابط روسي هارب: كنا على استعداد لتنفيذ ضربة نووية في بداية الحرب

أوروبا جانب من التجارب الروسية على إطلاق صواريخ لمحاكاة رد نووي (أرشيفية - أ.ف.ب)

ضابط روسي هارب: كنا على استعداد لتنفيذ ضربة نووية في بداية الحرب

قال ضابط روسي هارب إنه في اليوم الذي تم فيه شن الغزو في فبراير 2022 كانت قاعدة الأسلحة النووية التي كان يخدم فيها «في حالة تأهب قتالي كامل».

«الشرق الأوسط» (موسكو)
العالم نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)

كيف كسرت الحرب في أوكرانيا المحرّمات النووية؟

عبر جعل التهديد النووي عادياً، وإعلانه اعتزامه تحويل القنبلة النووية إلى سلاح قابل للاستخدام، نجح بوتين في خلق بيئة مواتية لانتشار أسلحة نووية حول العالم.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب يتحدث خلال لقاء تلفزيوني (رويترز)

لمن سينصت ترمب... روبيو أم ماسك؟

قال موقع «بولتيكو» إن كبار المسؤولين الأوروبيين المجتمعين في هاليفاكس للأمن الدولي قلقون بشأن الأشخاص في الدائرة المقربة من الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا خبراء أوكرانيون يتفقدون الأضرار في موقع الهجوم الصاروخي الذي ضرب وسط خاركيف شمال شرقي أوكرانيا في 25 نوفمبر 2024 وسط الغزو الروسي للبلاد (إ.ب.أ) play-circle 01:26

روسيا تعلن إسقاط 8 «صواريخ باليستية» أطلقتها أوكرانيا

قالت موسكو إن دفاعاتها الجوية أسقطت 8 صواريخ باليستية أطلقتها أوكرانيا وسط تصاعد التوتر مع استخدام كييف صواريخ بعيدة المدى زودها بها الغرب ضد روسيا.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا مدنيون أوكرانيون يرتدون زياً عسكرياً خلال تدريبات عسكرية نظمها الجيش الأوكراني في كييف (أ.ف.ب)

القوات الروسية تعتقل رجلاً بريطانياً يقاتل مع أوكرانيا في كورسك

قال مصدر أمني لوكالة الإعلام الروسية إن القوات الروسية ألقت القبض على بريطاني يقاتل مع الجيش الأوكراني في منطقة كورسك.

«الشرق الأوسط» (موسكو)

لماذا يثير الحلف النووي الروسي - الصيني المحتمل مخاوف أميركا وحلفائها؟

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
TT

لماذا يثير الحلف النووي الروسي - الصيني المحتمل مخاوف أميركا وحلفائها؟

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)

يمثل الصعود العسكري للصين، وبخاصة برنامج تحديث ترسانتها النووية، هاجساً قوياً لدى دوائر صناعة القرار والتحليل السياسي والاستراتيجي في الولايات المتحدة، خصوصاً في ظل التقارب المزداد بين بكين، وموسكو التي تلوح بمواجهة عسكرية مباشرة مع الغرب على خلفية الحرب التي تخوضها حالياً في أوكرانيا.

وفي تحليل نشرته مجلة «ناشونال إنتريست» الأميركية، يتناول ستيفن سيمبالا أستاذ العلوم السياسية في جامعة براندواين العامة بولاية بنسلفانيا الأميركية، ولورانس كورب ضابط البحرية السابق والباحث في شؤون الأمن القومي في كثير من مراكز الأبحاث والجامعات الأميركية، مخاطر التحالف المحتمل للصين وروسيا على الولايات المتحدة وحلفائها.

ويرى الخبراء أن تنفيذ الصين لبرنامجها الطموح لتحديث الأسلحة النووية من شأنه أن يؤدي إلى ظهور عالم يضم 3 قوى نووية عظمى بحلول منتصف ثلاثينات القرن الحالي؛ وهي الولايات المتحدة وروسيا والصين. في الوقت نفسه، تعزز القوة النووية الصينية المحتملة حجج المعسكر الداعي إلى تحديث الترسانة النووية الأميركية بأكملها.

وأشار أحدث تقرير للجنة الكونغرس المعنية بتقييم الوضع الاستراتيجي للولايات المتحدة والصادر في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، إلى ضرورة تغيير استراتيجية الردع الأميركية للتعامل مع بيئة التهديدات النووية خلال الفترة من 2027 إلى 2035. وبحسب اللجنة، فإن النظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة والقيم التي يستند إليها يواجه خطر نظام الحكم المستبد في الصين وروسيا. كما أن خطر نشوب صراع عسكري بين الولايات المتحدة وكل من الصين وروسيا يزداد، وينطوي على احتمال نشوب حرب نووية.

ولمواجهة هذه التحديات الأمنية، أوصت اللجنة الأميركية ببرنامج طموح لتحديث الترسانة النووية والتقليدية الأميركية، مع قدرات فضائية أكثر مرونة للقيام بعمليات عسكرية دفاعية وهجومية، وتوسيع قاعدة الصناعات العسكرية الأميركية وتحسين البنية التحتية النووية. علاوة على ذلك، تحتاج الولايات المتحدة إلى تأمين تفوقها التكنولوجي، وبخاصة في التقنيات العسكرية والأمنية الجديدة مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية وتحليل البيانات الكبيرة، وفقاً لما ذكرته وكالة الأنباء الألمانية.

ولم يقترح تقرير اللجنة أرقاماً دقيقة للأسلحة التي تحتاجها الولايات المتحدة ولا أنواعها، لمواجهة صعود الصين قوة نووية منافسة وتحديث الترسانة النووية الروسية. ورغم ذلك، فإن التكلفة المرتبطة بتحديث القوة النووية الأميركية وبنيتها التحتية، بما في ذلك القيادة النووية وأنظمة الاتصالات والسيطرة والدعم السيبراني والفضائي وأنظمة إطلاق الأسلحة النووية وتحسين الدفاع الجوي والصاروخي للولايات المتحدة، يمكن أن تسبب مشكلات كبيرة في الميزانية العامة للولايات المتحدة.

في الوقت نفسه، فالأمر الأكثر أهمية هو قضية الاستراتيجية الأميركية والفهم الأميركي للاستراتيجية العسكرية الصينية والروسية والعكس أيضاً، بما في ذلك الردع النووي أو احتمالات استخدامه الذي يظهر في الخلفية بصورة مثيرة للقلق.

في الوقت نفسه، يرى كل من سيمبالا صاحب كثير من الكتب والمقالات حول قضايا الأمن الدولي، وكورب الذي عمل مساعداً لوزير الدفاع في عهد الرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان، أنه من المهم تحديد مدى تنسيق التخطيط العسكري الاستراتيجي الروسي والصيني فيما يتعلق بالردع النووي والبدء باستخدام الأسلحة النووية أو القيام بالضربة الأولى. وقد أظهر الرئيسان الصيني شي جينبينغ والروسي فلاديمير بوتين، تقارباً واضحاً خلال السنوات الأخيرة، في حين تجري الدولتان تدريبات عسكرية مشتركة بصورة منتظمة. ومع ذلك فهذا لا يعني بالضرورة أن هناك شفافية كاملة بين موسكو وبكين بشأن قواتهما النووية أو خططهما الحربية. فالقيادة الروسية والصينية تتفقان على رفض ما تعدّانه هيمنة أميركية، لكن تأثير هذا الرفض المشترك على مستقبل التخطيط العسكري لهما ما زال غامضاً.

ويمكن أن يوفر الحد من التسلح منتدى لزيادة التشاور بين الصين وروسيا، بالإضافة إلى توقعاتهما بشأن الولايات المتحدة. على سبيل المثال، حتى لو زادت الصين ترسانتها النووية الاستراتيجية إلى 1500 رأس حربي موجودة على 700 أو أقل من منصات الإطلاق العابرة للقارات، سيظل الجيش الصيني ضمن حدود معاهدة «ستارت» الدولية للتسلح النووي التي تلتزم بها الولايات المتحدة وروسيا حالياً. في الوقت نفسه، يتشكك البعض في مدى استعداد الصين للمشاركة في محادثات الحد من الأسلحة الاستراتيجية، حيث كانت هذه المحادثات تجري في الماضي بين الولايات المتحدة وروسيا فقط. ولكي تنضم الصين إلى هذه المحادثات عليها القبول بدرجة معينة من الشفافية التي لم تسمح بها من قبل بشأن ترسانتها النووية.

وحاول الخبيران الاستراتيجيان سيمبالا وكورب في تحليلهما وضع معايير تشكيل نظام عالمي ذي 3 قوى عظمى نووية، من خلال وضع تصور مستقبلي لنشر القوات النووية الاستراتيجية الأميركية والروسية والصينية، مع نشر كل منها أسلحتها النووية عبر مجموعة متنوعة من منصات الإطلاق البرية والبحرية والجوية. ويظهر التباين الحتمي بين الدول الثلاث بسبب الاختلاف الشديد بين الإعدادات الجيوستراتيجية والأجندات السياسة للقوى الثلاث. كما أن خطط تحديث القوة النووية للدول الثلاث ما زالت رهن الإعداد. لكن من المؤكد أن الولايات المتحدة وروسيا ستواصلان خططهما لتحديث صواريخهما الباليستية العابرة للقارات والصواريخ الباليستية التي تطلق من الغواصات والقاذفات الثقيلة بأجيال أحدث من منصات الإطلاق في كل فئة، في حين يظل الغموض يحيط بخطط الصين للتحديث.

ورغم أن الولايات المتحدة تمتلك ترسانة نووية تتفوق بشدة على ترسانتي روسيا والصين، فإن هذا التفوق يتآكل بشدة عند جمع الترسانتين الروسية والصينية معاً. فالولايات المتحدة تمتلك حالياً 3708 رؤوس نووية استراتيجية، في حين تمتلك روسيا 2822 رأساً، والصين 440 رأساً. علاوة على ذلك، فالدول الثلاث تقوم بتحديث ترساناتها النووية، في حين يمكن أن يصل حجم ترسانة الأسلحة النووية الاستراتيجية الصينية إلى 1000 سلاح بحلول 2030.

ولكن السؤال الأكثر إلحاحاً هو: إلى أي مدى ستفقد الولايات المتحدة تفوقها إذا واجهت هجوماً مشتركاً محتملاً من جانب روسيا والصين مقارنة بتفوقها في حال التعامل مع كل دولة منهما على حدة؟ ولا توجد إجابة فورية واضحة عن هذا السؤال، ولكنه يثير قضايا سياسية واستراتيجية مهمة.

على سبيل المثال، ما الذي يدفع الصين للانضمام إلى الضربة النووية الروسية الأولى ضد الولايات المتحدة وحلفائها في حلف شمال الأطلسي (ناتو)؟ ولا بد أن نتخيل سيناريو متطرفاً، حيث تتحول الأزمات المتزامنة في أوروبا وآسيا إلى أزمات حادة، فتتحول الحرب الروسية - الأوكرانية إلى مواجهة بين روسيا وحلف «الناتو»، في الوقت الذي تتحرك فيه الصين للاستيلاء على تايوان، مع تصدي الولايات المتحدة لمثل هذه المحاولة.

وحتى في هذه الحالة المتطرفة، لا شك أن الصين تفضل تسوية الأمور مع تايوان بشروطها الخاصة وباستخدام القوات التقليدية. كما أنها لن تستفيد من الاشتراك في حرب بوتين النووية مع «الناتو». بل على العكس من ذلك، أشارت الصين حتى الآن بوضوح تام إلى روسيا بأن القيادة الصينية تعارض أي استخدام نووي أولاً في أوكرانيا أو ضد حلف شمال الأطلسي. والواقع أن العلاقات الاقتصادية الصينية مع الولايات المتحدة وأوروبا واسعة النطاق.

وليس لدى الصين أي خطة لتحويل الاقتصادات الغربية إلى أنقاض. فضلاً عن ذلك، فإن الرد النووي للولايات المتحدة و«الناتو» على الضربة الروسية الأولى يمكن أن يشكل مخاطر فورية على سلامة وأمن الصين.

وإذا كان مخططو الاستراتيجية الأميركية يستبعدون اشتراك روسيا والصين في توجيه ضربة نووية أولى إلى الولايات المتحدة، فإن حجم القوة المشتركة للدولتين قد يوفر قدراً من القوة التفاوضية في مواجهة حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة.

وربما تدعم الصين وروسيا صورة كل منهما للأخرى بوصفها دولة نووية آمنة في مواجهة الضغوط الأميركية أو حلفائها لصالح تايوان أو أوكرانيا. ولكن إذا كان الأمر كذلك، فمن المرجح أن توفر «الفجوة» بين أعداد الأسلحة النووية غير الاستراتيجية أو التكتيكية التي تحتفظ بها روسيا والصين والموجودة في المسرح المباشر للعمليات العسكرية، مقارنة بتلك المتاحة للولايات المتحدة أو حلف شمال الأطلسي، عنصر ردع ضد أي تصعيد تقليدي من جانب الولايات المتحدة ضد أي من الدولتين.

أخيراً، يضيف ظهور الصين قوة نووية عظمى تعقيداً إلى التحدي المتمثل في إدارة الاستقرار الاستراتيجي النووي. ومع ذلك، فإن هذا لا يمنع تطوير سياسات واستراتيجيات إبداعية لتحقيق استقرار الردع، والحد من الأسلحة النووية، ودعم نظام منع الانتشار، وتجنب الحرب النووية. ولا يمكن فهم الردع النووي للصين بمعزل عن تحديث قوتها التقليدية ورغبتها في التصدي للنظام الدولي القائم على القواعد التي تفضلها الولايات المتحدة وحلفاؤها في آسيا. في الوقت نفسه، فإن التحالف العسكري والأمني بين الصين وروسيا مؤقت، وليس وجودياً. فالتوافق بين الأهداف العالمية لكل من الصين وروسيا ليس كاملاً، لكن هذا التحالف يظل تهديداً خطيراً للهيمنة الأميركية والغربية على النظام العالمي.