كتلة من الموسيقى والطاقة الإيجابية تلمسها في كل مرة تلتقي فيها الموسيقي اللبناني روجيه سعد. هو المعروف باسم الـ«دي جي رودج». ينقلك بموسيقاه الحماسية إلى عالم من الفرح والأحلام لتتفاعل معها لاشعورياً. ذاعت شهرته لتصل إلى الغرب بعد أن وسم هذه المهنة بالتميز، هو صاحب أفكار جديدة ومتطورة بحيث لا يتعب من ممارسة البحث المضني كي يولّد مقاطع موسيقية لا تشبه غيرها. استعان به نجوم من الغرب والشرق ليقف إلى جانبهم على خشبة المسرح. أضفى على أجواء حفلاتهم لمسات موسيقية يحتاجون إليها للتغيير.
روجيه سعد المعروف باسم الـ«دي جي رودج» (حسابه على «إنستغرام»)
تميزه لم يأتِ عن عبث لأن الموسيقى تسكنه، حتى إنها «أنقذتني من مشكلات كثيرة وخلّصتني في طفولتي من مصاعب عدة. إنها شغفي ومنها استمد القوة».
بُعيد انفجار بيروت، ورغم الآثار السلبية التي تركها عليه هذا الحادث الأليم، تجاوزها رودج على طريقته. يقول في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «كانت فترة أليمة جداً، ولكنني تمسكت بالأمل وبمدينتي بيروت التي تعني لي الكثير. قدمت أغنية (اسمها بيروت) (elle s’appelle Beirut) مع الشاب خالد وأحدثنا الفرق معاً».
يوم الانفجار، دخل استوديو التسجيل الخاص به وكان مدمراً، واختار منزل خطيبته المصاب أيضاً ليصور فيه كليب الأغنية. «أنهينا هذه الأغنية في ظرف 8 أيام، وقدمناها إلى اللبنانيين كي لا يفقدوا الأمل. كانت فترة صعبة للغاية، ومرة أخرى أنقذتني الموسيقى».
ينام رودج ويستفيق مع الموسيقى التي تلازمه كيفما تحرك، وأحياناً تولد ألحانه وهو يقود سيارته. يتابع: «ليس هناك من قاعدة واحدة لتبرع في هذا المجال، بل مجموعة مشاعر تؤلف أسلوباً. لا أؤمن بتقليد الآخر والزيف، بل بالحقيقة والجهد في العمل. والشغف هو المسؤول الأول والأخير عن أي نجاح نحققه، وإلا تحولنا إلى أشخاص عاديين».
قصته مع الموسيقى طويلة، فهو عندما اعترف لوالديه بأنه ينوي ممارستها مهنة، اعترضوا بدايةً، لا سيما أن أخيه تخصص في الطب وشقيقته بالهندسة المعمارية. «جاء وقع الخبر عليهم كالصاعقة. ففي تلك الحقبة كان الـ(دي جي) بمثابة وصمة عار على العائلات المحافظة. كما كانت هذه المهنة منتشرة في الغرب وعندها نجومها. أما عربياً، فكانت تشق طريقها بصعوبة».
الموسيقى في نظره لغة توحّد الناس وتنشر الفرح
وكي يحقق حلمه وبدبلوماسية، فتح روجيه سعد إذاعة شبابية في التسعينات أطلق عليها اسم «ميكس إف إم». 10 سنوات مرت، ليستطيع بعدها إيصال موهبته إلى الناس وجعلهم يستوعبون مهمة الـ«دي جي»: «أشكر الناس الذين شجعوني وتذوقوا موسيقاي فأوصلوني إلى ما أنا عليه اليوم، وشاركوا في رسم إطار معترف به للـ(دي جي) في لبنان والعالم العربي. اليوم لعبة الموسيقى تحولت إلى مهنة يعتاش منها كثيرون، ومن يعشقها وحده يستطيع التميز».
هذه المهنة لا ترتكز على قواعد معينة بل هي لعبة موسيقية، وعلى صاحبها إتقان عملية الدمج (ميكسينغ). «مهمة الـ(دي جي) إعطاء الأغاني التي يلعبها أبعاداً مختلفة، فيلدها من جديد على طريقته ويطبعها بأسلوبه». لا تتوقف مهمة روجيه سعد عند الـ«ميكس»، لأنه ملحن وموزع، ألّف عشرات الأغنيات والمقاطع الموسيقية. تلجأ إليه شخصيات معروفة ومن الطراز الرفيع ممن تهوى الموسيقى ليعطيها دروساً خاصة. فهل يفكر بإطلاق مدرسة أو مشروع يصب في هذا الإطار؟ يرد في سياق حديثه: «أحب اكتشاف المواهب الموسيقية والعمل على تطويرها. وفي الإذاعة التي افتتحتها مرّنت الكثير من هؤلاء. وهناك مشروع أحضّر له، ليكون بمثابة أكاديمية تستوعب هذه المواهب في أقسام مختلفة لا تنحصر بالـ(دي جي) فقط. ولكن وقتي الضيق وانشغالي الدائم أخّرا الفكرة».
تطول لائحة الأغاني التي أعاد رودج تنسيقها الموسيقي (remix)، فتصدرت الـ«ترندات» في لبنان والعالم العربي. وكما أغنية «من أول دقيقة» لإليسا وسعد لمجرد أخيراً، كذلك استطاع أن يغلف أخرى كـ«الغزالة رايقة» و«ثلاث دقات»، وبروحه الموسيقية الذي عُرف بها، لتنبض بحالة فنية مختلفة. طالت عملية الـ«ريمكس» أغنيات أجنبية كـ«بيلا تشاو» و«ريفوليوشن». أما مؤلفاته الموسيقية فذاع صيتها في المشرق العربي، لتحقق نجاحات واسعة كـ«بيروت» و«نيفر نيو أباوت لوف»، و«مايك مي فيل» وغيرها. وتعد حفلاته الموسيقية من الأكثر استقطاباً لأجيال الشباب والكبار معاً، لما تحتويه من أغنيات وموسيقى تُرضي جميع الأذواق وتشعل الحماس في النفوس.
تجذب مهنة الـ«دي جي» اليوم، العشرات من الجيل الجديد الذين يحاولون التمثل برودج. فهو بالنسبة لهم الأستاذ والمعلم الذي من خلاله يتعرفون إلى أصول المهنة. فبماذا يتوجه لهم؟ «ليس هناك من قواعد خاصة للـ(دي جي)، فهو فنان بحد ذاته، تماماً كالرسام والمغني والنحات وراقص الباليه. عليه أن يملك خلفية موسيقية غنية، ويملك بالتالي حساً موسيقياً سليماً. هناك من يدخل هذا المجال من باب الشغف وغيره حباً بالشهرة والمال. لذا لا يمكن التعميم، فلكل فنان هدفه. ولكن ما أشدد عليه هو التمتع بالأخلاق الحميدة، فهي عنصر أساسي لضمان النجاح بأي مهنة، ولا سيما في الموسيقى».
لا يحبذ رودج فكرة انتهاء صلاحية الـ«دي جي»، صحيح أنها راودته في الماضي، ولكنه ما لبث أن اقتنع بالعكس، «ما دام يتمتع بلياقة بدنية تخوله التحرك على المسرح بنشاط وحيوية متفاعلاً مع الموسيقى فلا خوف عليه. وبالتالي عليه مواكبة التطور والبحث الدائم عن التجديد. في رأيي لا عمر محدداً يرسم نهاية صلاحية الـ(دي جي) والموسيقي، أو الفنان بشكل عام، ما دام قادراً على العطاء فلا شيء يمكنه أن يعيق ممارسته مهنته».
لم تقتصر شهرة رودج على تعاونه مع الفنانين العرب كعمرو دياب، وروبي، وإليسا، بل تجاوز المحيطات ليتعاون مع جاستن بيبر، وشاكيرا، وبريان أدامز، وجنيفر لوبيز، وغيرهم. اختاروه كي يفتتح حفلاتهم في مصر ودبي. فالـ«دي جي» اليوم، بات ضرورة على المسرح إلى جانب المغني، كي يكمل مشهدية موسيقية يرغب فيها الناس والفنان نفسه.
ويعلق: «الـ(دي جي) والفنان يكمل أحدهما الآخر بشكل جميل ومثير معاً، فيولدان على الخشبة حالة فنية غير مستهلكة وبعيدة عن الروتين. في المستقبل القريب، سأقف إلى جانب فنانين ونجوم من الغرب. أحلامي كبيرة، ومن يعرفني عن كثب يعلم تماماً أني أتحدى نفسي بشكل دائم وإلا لما حققت النجاح. نعم أملك طموحات أكبر وأتطلع إلى نجوم كبار في هذه المهنة، ولكن الأهم هو الابتكار. فأنا لا أقلد أحداً، وحبي للموسيقى هو محركي الأول والأخير».
وعن الموسيقى بشكل عام يقول: «إنها لغة توحّد الناس على اختلاف مشاربهم وأطيافهم، تلامس الروح وتشفيها من جروحها من ناحية، وتسهم في تكبير حجم الفرح عند سامعها من ناحية ثانية».
رودج الذي يطل اليوم على محبيه مع الموسيقي ميشال فاضل في حفل «كولوراتورا» على الواجهة البحرية في بيروت، يخطط لمشروع ضخم مع المنتج الفني العالمي اللبناني الأصل سال (وسيم صليبي). وسيرتكز هذا العمل على الدمج بين الموسيقى الشرقية والغربية. «للموسيقى العربية ميلودي ونغمة عاطفية لا نجدها في غيرها. وفي رأيي، هناك مستقبل واعد ينتظر الموسيقى العربية. والأهم هو أن نملك المحتوى الجيد لإبراز أهميتها، فنسهم في دمج الثقافات بمشهدية فنية واحدة».