أوروبا تتفق على ميثاق مشترك لخفض استهلاك الطاقة ومواجهة «ابتزاز» بوتين

المجر تخرج عن الإجماع... ورئيس وزرائها ينوي زيادة واردات بلاده من الغاز الروسي

رئيسة المفوضية الأوروبية اورسولا فون دير لاين (د.ب.أ)
رئيسة المفوضية الأوروبية اورسولا فون دير لاين (د.ب.أ)
TT

أوروبا تتفق على ميثاق مشترك لخفض استهلاك الطاقة ومواجهة «ابتزاز» بوتين

رئيسة المفوضية الأوروبية اورسولا فون دير لاين (د.ب.أ)
رئيسة المفوضية الأوروبية اورسولا فون دير لاين (د.ب.أ)

رغم موجة الحر غير المسبوقة التي تجتاح أوروبا منذ أسابيع، ترتجف العواصم الأوروبية أمام احتمالات البرد القارس الموعود في الشتاء المقبل إذا صحّت التوقعات وأقدمت موسكو على قطع إمدادات الغاز التي تنخفض تدريجياً منذ أسابيع بعد قطعها كلياً عن بعض البلدان التي ترى موسكو أنها ذهبت بعيداً في مواقفها من الحرب في أوكرانيا. ودفع هذا المشهد الذي يزيد مخاوف الاتحاد الأوروبي من أزمة طاقة عميقة في الأشهر المقبلة، الدول الأعضاء إلى الاتفاق أمس على ميثاق مشترك لخفض الاستهلاك ومواجهة «ابتزاز» الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كما وصفته رئيسة المفوضية الأوروبية اورسولا فون دير لاين، في ختام اجتماع وزراء الطاقة الذين توصلوا، بعد ثلاثة أيام من المفاوضات الحسّاسة بالنسبة للسياسات الوطنية، إلى وضع خطة تتعهد الحكومات بموجبها بخفض استهلاك الغاز بنسبة 15 في المائة، مع بعض الاستثناءات التي تراعي الوضع الخاص لكل من الدول الأعضاء.
وقال وزير الطاقة التشيكي جوزيف سيكيلا، الذي تتولّى بلاده الرئاسة الدورية للاتحاد حتى نهاية السنة، إن الاتفاق يشكّل خطوة حاسمة تضع حدّاً للتهديدات الروسية المتكررة بوقف إمدادات الغاز، وإن أهميته تكمن في توافق جميع الدول الأعضاء حوله والتعهد بتنفيذه.
رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان (رويترز)
وحدها المجر خرجت عن الإجماع الأوروبي كما كان متوقعاً بعد أن أعلن رئيس وزرائها فيكتور أوربان قبل أيام أن بلاده تنوي زيادة وارداتها من الغاز الروسي، ووصف العقوبات الاقتصادية المفروضة على موسكو بأنها ستعود بالوبال على الاقتصادات الأوروبية. ولا يقتصر الاتفاق على خفض الاستهلاك لمواجهة التهديدات الروسية، بل يطلب من الدول الأعضاء رفع مخزونها الاحتياطي من الغاز إلى 80 في المائة قبل حلول نهاية هذه السنة.
ويُذكر أن دولاً كثيرة، مثل إسبانيا والبرتغال وبولندا وآيرلندا وبلجيكا، كانت قد رفضت صيغة الاقتراح الأول الذي قدمته المفوضية، لكنها عادت عن موقفها بعد الاستثناءات التي أُدخلت على الاتفاق، خصوصاً بعد القرار الأخير الذي اتخذته موسكو بخفض الإمدادات عن طريق خط «نوردستريم». وتشمل هذه الاستثناءات الدول التي لا تملك شبكة واسعة للربط من الدول الأخرى، أو التي يعتمد قاعها الصناعي بنسبة أقل على الغاز الروسي. ويلحظ الاتفاق خفض الاستهلاك إلى نصف الرقم المستهدف في البلدان التي تستخدم منشآتها لضخ الغاز إلى البلدان الأخرى.
وقالت فون دير لاين، إن هذا الاتفاق هو خطوة غير مسبوقة على صعيد التضامن الأوروبي، لا سيما أن الدول الصناعية الكبرى التي تعتمد بنسبة عالية على الغاز الروسي، تعهدت بتنفيذه وإجراء الإصلاحات اللازمة لخفض هذا الاعتماد بأسرع وقت ممكن تمهيداً للاستغناء عنه نهائياً. ونوّهت رئيسة المفوضية بموقف الدول التي تعتمد بنسبة ضئيلة على الغاز الروسي، خصوصاً تلك التي لا تستورد الغاز من روسيا، لكنها تعهدت بخفض استهلاكها، فيما وصفته بأنه «عربون غير مسبوق على التضامن الأوروبي يلزمنا جميعاً العمل على تصويب أخطاء الماضي» في إشارة واضحة إلى ألمانيا التي يعتمد قطاعها الصناعي على الغاز الروسي بنسبة عالية جداً، والتي امتنعت طوال سنوات عن إجراء أي إصلاحات هيكلية لمعالجة هذا الوضع.
محطة لتوليد الطاقة بحرق الفحم الحجري في غريفنبرويخ بغرب ألمانيا (إ.ب.أ)
وكان التعديل الأساسي على الاقتراح الأول الذي قدمته المفوضية، والذي مهّد للتوافق حول الخطة، التراجع عن إلزامية التوفير والاكتفاء بتعهد الدول الأعضاء بلوغ النسبة المستهدفة طوعاً. ومن شأن هذا التعديل أن يصبح قرار إعلان حالة الطوارئ في قطاع الطاقة خاضعاً للتصويت في المجلس، بعد أن كان من صلاحيات المفوضية في الاقتراح الأول. وتقضي حالة الطوارئ، التي يرجّح خبراء المفوضية حدوثها قبل نهاية هذه السنة، بأن تصبح نسبة التوفير إلزامية، وأن تكون الدول الأعضاء التي تملك احتياطيات كبيرة، ملزمة أيضاً مساعدة الدول المحتاجة.
وتجدر الإشارة إلى أن روسيا كانت، قبل بداية الحرب في أوكرانيا، تزوّد بلدان الاتحاد الأوروبي بما يزيد على 40 في المائة من الغاز الذي تحتاج إليه، لكن بعد سلسلة العقوبات التي فرضها الأوروبيون على موسكو تراجعت هذه النسبة إلى نحو 28 في المائة حالياً. وكانت شركة «غازبروم» الروسية قد أعلنت أواخر الأسبوع الفائت أن تدفق الغاز إلى البلدان الأوروبية عبر أنبوب «نوردستريم 1» سينخفض إلى 20 في المائة من قدرته الحالية لأسباب «الصيانة».
ويُذكر أن إحدى عشرة دولة أوروبية تواجه حالياً انخفاضاً في إمدادات الغاز الروسي الذي، في حال انقطاعه بشكل نهائي وكامل عن بلدان الاتحاد، من شأنه أن يؤدي إلى خفض الناتج المحلي الإجمالي الأوروبي بنسبة 1.5 إلى 2 في المائة.
وإزاء هذا المشهد القاتم الذي يهدد بتداعيات اقتصادية واجتماعية واسعة في بلدان الاتحاد خلال الأشهر المقبلة، لا سيما أن نسبة الأوروبيين الذين يعارضون الاستمرار في سياسة العقوبات ضد موسكو إلى ارتفاع منذ فترة في معظم بلدان الاتحاد، بدأت الحكومات الأوروبية بتنظيم حملات للتوعية والتحفيز على خفض استهلاك الطاقة في فصل الصيف، استعداداً لقطع الإمدادات الروسية في الشتاء المقبل. وتجدر الإشارة أن أكثر البلدان الأوروبية تعرضاً لتداعيات قطع هذه الإمدادات هي دول البلطيق وبلدان أوروبا الشرقية والوسطى، إضافةً إلى إيطاليا التي تعتمد بنسبة 35 في المائة على صادرات الغاز الروسي لسد احتياجاتها.


مقالات ذات صلة

الاتحاد الأوروبي يحذّر موسكو من استغلال الهجوم المفترض على الكرملين

العالم الاتحاد الأوروبي يحذّر موسكو من استغلال الهجوم المفترض على الكرملين

الاتحاد الأوروبي يحذّر موسكو من استغلال الهجوم المفترض على الكرملين

حذّر مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل روسيا، اليوم الخميس، من استغلال الهجوم المفترض على الكرملين الذي اتهمت موسكو كييف بشنّه، لتكثيف هجماتها في أوكرانيا. وقال بوريل خلال اجتماع لوزراء من دول الاتحاد مكلفين شؤون التنمي«ندعو روسيا الى عدم استخدام هذا الهجوم المفترض ذريعة لمواصلة التصعيد» في الحرب التي بدأتها مطلع العام 2022. وأشار الى أن «هذا الأمر يثير قلقنا... لأنه يمكن استخدامه لتبرير تعبئة مزيد من الجنود و(شنّ) مزيد من الهجمات ضد أوكرانيا». وأضاف «رأيت صورا واستمعت الى الرئيس (الأوكراني فولوديمير) زيلينسكي.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
العالم الاتحاد الأوروبي يخطّط لإنتاج مليون قذيفة سنوياً وأوكرانيا تستنزف الذخيرة

الاتحاد الأوروبي يخطّط لإنتاج مليون قذيفة سنوياً وأوكرانيا تستنزف الذخيرة

سيطرح الاتحاد الأوروبي خطة لتعزيز قدرته الإنتاجية للذخائر المدفعية إلى مليون قذيفة سنوياً، في الوقت الذي يندفع فيه إلى تسليح أوكرانيا وإعادة ملء مخزوناته. وبعد عقد من انخفاض الاستثمار، تُكافح الصناعة الدفاعية في أوروبا للتكيّف مع زيادة الطلب، التي نتجت من الحرب الروسية على أوكرانيا الموالية للغرب. وتقترح خطّة المفوضية الأوروبية، التي سيتم الكشف عنها (الأربعاء)، استخدام 500 مليون يورو من ميزانية الاتحاد الأوروبي لتعزيز إنتاج الذخيرة في التكتّل. وقال مفوّض الاتحاد الأوروبي للسوق الداخلية، تييري بريتون: «عندما يتعلّق الأمر بالدفاع، يجب أن تتحوّل صناعتنا الآن إلى وضع اقتصاد الحرب». وأضاف: «أنا واث

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
شؤون إقليمية الاتحاد الأوروبي يطالب طهران بإلغاء عقوبة الإعدام بحق مواطن ألماني - إيراني

الاتحاد الأوروبي يطالب طهران بإلغاء عقوبة الإعدام بحق مواطن ألماني - إيراني

قال الاتحاد الأوروبي إنه «يدين بشدة» قرار القضاء الإيراني فرض عقوبة الإعدام بحق المواطن الألماني - الإيراني السجين جمشيد شارمهد، وفقاً لوكالة «الأنباء الألمانية». وأيدت المحكمة العليا الإيرانية يوم الأربعاء حكم الإعدام الصادر بحق شارمهد.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
الاقتصاد الاتحاد الأوروبي يمدد لمدة عام تعليق الرسوم الجمركية على الواردات الأوكرانية

الاتحاد الأوروبي يمدد لمدة عام تعليق الرسوم الجمركية على الواردات الأوكرانية

أعطت حكومات الدول الـ27 موافقتها اليوم (الجمعة)، على تجديد تعليق جميع الرسوم الجمركية على المنتجات الأوكرانية الصادرة إلى الاتحاد الأوروبي لمدة عام، حسبما أعلنت الرئاسة السويدية لمجلس الاتحاد الأوروبي. كان الاتحاد الأوروبي قد قرر في مايو (أيار) 2022، تعليق جميع الرسوم الجمركية على الواردات الأوكرانية إلى الاتحاد الأوروبي لمدة عام، لدعم النشاط الاقتصادي للبلاد في مواجهة الغزو الروسي. وتبنى سفراء الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي في بروكسل قرار تمديد هذا الإعفاء «بالإجماع».

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
العالم الكرملين يهدّد بمصادرة أصول مزيد من الشركات الأجنبية في روسيا

الكرملين يهدّد بمصادرة أصول مزيد من الشركات الأجنبية في روسيا

حذّر الكرملين اليوم (الأربعاء)، من أن روسيا قد توسّع قائمة الشركات الأجنبية المستهدفة بمصادرة مؤقتة لأصولها في روسيا، غداة توقيع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لمرسوم وافق فيه على الاستيلاء على مجموعتَي «فورتوم» و«يونيبر». وحسب وكالة الصحافة الفرنسية، قال الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف لصحافيين: «إذا لزم الأمر، قد توسّع قائمة الشركات. الهدف من المرسوم هو إنشاء صندوق تعويضات للتطبيق المحتمل لإجراءات انتقامية ضد المصادرة غير القانونية للأصول الروسية في الخارج».

«الشرق الأوسط» (موسكو)

اتهام لرجل عرض علم «حزب الله» خلال مظاهرة مؤيدة لفلسطين

عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)
عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)
TT

اتهام لرجل عرض علم «حزب الله» خلال مظاهرة مؤيدة لفلسطين

عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)
عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)

وجهت الشرطة الفيدرالية الأسترالية اتهاماً لرجل يبلغ من العمر 36 عاماً بعرض رمز منظمة مصنفة «إرهابية» علناً، وذلك خلال مظاهرة في منطقة الأعمال المركزية بمدينة ملبورن في سبتمبر (أيلول) الماضي.

الرجل، المقيم في منطقة فيرنتري غولي، سيمثل أمام محكمة ملبورن الابتدائية في 6 مارس (آذار) المقبل؛ حيث يواجه عقوبة قد تصل إلى 12 شهراً من السجن إذا ثبتت إدانته، وفقاً لصحيفة «الغارديان».

جاءت المظاهرة ضمن فعاليات يوم وطني للعمل من أجل قطاع غزة، الذي نظمته شبكة الدعوة الفلسطينية الأسترالية في 29 سبتمبر الماضي، وشهد تنظيم مسيرات مماثلة في مختلف أنحاء البلاد احتجاجاً على التصعيد المتزايد للعنف في الشرق الأوسط.

وأطلقت الشرطة الفيدرالية الأسترالية بولاية فيكتوريا عملية تحقيق تحت اسم «أردفارنا»، عقب احتجاج ملبورن؛ حيث تلقت 9 شكاوى تتعلق بعرض رموز محظورة خلال المظاهرة.

ووفقاً للشرطة، تم التحقيق مع 13 شخصاً آخرين، مع توقع توجيه اتهامات إضافية قريباً. وصرح نيك ريد، قائد مكافحة الإرهاب، بأن أكثر من 1100 ساعة قُضيت في التحقيق، شملت مراجعة أدلة من كاميرات المراقبة وكاميرات الشرطة المحمولة، إضافة إلى مصادرة هواتف محمولة وقطعة ملابس تحتوي على رمز المنظمة المحظورة.

تأتي هذه الإجراءات بعد قرار الحكومة الفيدرالية الأسترالية في ديسمبر (كانون الأول) 2021 بتصنيف «حزب الله» منظمة إرهابية، ومع التشريعات الفيدرالية الجديدة التي دخلت حيز التنفيذ في يناير (كانون الثاني) 2024، التي تحظر عرض رموز النازيين وبعض المنظمات.

وقالت نائبة مفوض الأمن القومي، كريسي باريت، إن الادعاء يحتاج إلى إثبات أن الرمز المعروض مرتبط بمنظمة إرهابية وأنه قد يحرض على العنف أو الترهيب.

المظاهرة، التي استمرت في معظمها سلمية، جاءت بعد إعلان مقتل قائد «حزب الله» حسن نصر الله في غارة جوية إسرائيلية، وهو ما اعتبره العديد تصعيداً كبيراً في الصراع المستمر في الشرق الأوسط.

وفي وقت لاحق، نُظمت مظاهرات أخرى في سيدني وملبورن وبريزبين، وسط تحذيرات للمتظاهرين بعدم عرض رموز محظورة.