الحوثيون يرسمون بالقمع ملامح كيان طائفي

يراقبون هواتف العاملين في المنظمات وينشرون المخبرين في كل مكان

عنصر من ميليشيا الحوثي يفحص رجلاً عن نقطة تفتيش في صنعاء (إ.ب.أ)
عنصر من ميليشيا الحوثي يفحص رجلاً عن نقطة تفتيش في صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يرسمون بالقمع ملامح كيان طائفي

عنصر من ميليشيا الحوثي يفحص رجلاً عن نقطة تفتيش في صنعاء (إ.ب.أ)
عنصر من ميليشيا الحوثي يفحص رجلاً عن نقطة تفتيش في صنعاء (إ.ب.أ)

«تنفست الحرية عند تجاوز خطوط التماس مع الحوثيين ودخول مناطق سيطرة الحكومة»، بهذه الكلمات يلخص قيادي بارز في حزب يمني اسمه محمد، الوضع في مناطق سيطرة ميليشيات الحوثيين، حيث تسعى بالقمع والقبضة الأمنية الشديدة إلى رسم ملامح كيان طائفي، بعدما أفرغت هذه المناطق من وسائل الإعلام المستقلة والمعارضة والدولية، وفرضت وصاية على الأحزاب السياسية، واعتقلت صحافيين ونشطاء من الجنسين.
يقضي القيادي الحزبي بعض الوقت في صنعاء، حيث كان يقيم منذ عشرات السنين، ولكنه ينتقل إلى مناطق سيطرة الحكومة الشرعية لحضور اجتماعات قيادة الحزب التي استقرت في عدن بعد استيلاء الحوثيين على صنعاء، وفرضت الوصاية على نشاط الأحزاب ومواقفها وإعلامها. ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «منذ عامين انتقل النشاط الرسمي لقيادة الحزب إلى العاصمة المؤقتة، وفي كل مرة أحضر إلى هنا أتنفس الحرية رغم كل القصور الذي يمكن تسجيله».
وبألم شديد يواصل حديثه، ويقول «هنا نفس الدولة، وأشعر بالاطمئنان، تتحدث في كل شيء من دون خوف، على عكس الوضع في صنعاء، حيث ينتشر المخبرون في وسط الموظفين في الدوائر الحكومية وفي المقاهي والمجالس، ويمكن لأبسط حديث مناهض لأداء الحوثيين أن يقودك إلى معتقل لا أحد يعرف عنه شيئاً». ويبيّن، أن «جواسيس الحوثيين نشروا حتى وسط الأحياء السكنية. فإلى جانب أن مسؤولي الأحياء والحرس المدني أصبحوا يعملون مخبرين لمراقبة السكان ولقاءاتهم، هناك مكتب خاص بجهاز المخابرات الداخلية لميليشيات الحوثي المعروف باسم (الأمن الوقائي) في كل حي يتولى تسلم المعلومات من مسؤولي الأحياء والحراس ومن الجواسيس وعناصر الميليشيات الذين يقدمون تقارير عن كل شخص وتقييم مدى ولائه».
ووفق ما يذكره هذا السياسي اليمني، فإن «المجالس المعروفة في صنعاء، والتي كانت بمثابة منتديات سياسية لمناقشة أداء الحكومات والأحزاب والإعلام، وحتى عمل المنظمات الدولية والسفارات، اختفت منذ سيطرة ميليشيات الحوثي على المدينة، حيث تم اعتقال العشرات عقب طرحهم آراء لا تتسق مع أداء الحوثيين، وعرف لاحقاً أن هناك مخبرين زُرعوا في هذه المجالس يقومون بالإبلاغ عنهم؛ ولهذا انكفأ الناس على أنفسهم وأصبحت الجلسات محصورة بالأقارب أو الأصدقاء الموثوقين».
أما عبد الرحمن، وهو كاتب وصل إلى عدن في طريقه إلى الخارج، فيصف ما يجري في مناطق سيطرة الميليشيات بأنه «مساعٍ لإقامة كيان طائفي تحكمه سلالة الحوثي بالاعتماد على القمع الشديد، وامتهان كرامة الناس». ويورد قصة إهانة أحد الباعة على يد عنصر من ميليشيات الحوثي، ويقول إن «رجلاً اشتكى رفض صاحب دكان تسلم ورقة عملة من فئة المائة ريال لأنها متهالكة جداً. فجاء العنصر الحوثي إلى الدكان وقام بوضع الورقة المتسخة في كوب من الماء وأرغم البائع على شربه حتى لا يعود مرة أخرى لرفضها».
ويشرح كيف أن ميليشيات الحوثي ملأت الطرق وشوارع المدن والبلدات بالملصقات والشعارات الطائفية، في محاولة قسرية لـ«تطييف» المجتمع اليمني المتعايش منذ مئات السنين مع تنوعه المذهبي والجغرافي. ويقول «يدركون أن الناس تكرههم وترفض مشروعهم المذهبي السلالي؛ لهذا يلجأون إلى طريقين لإخضاعهم، حيث يقومون باستقطاب الواجهات القبلية والاجتماعية للعمل معهم ومنحهم الأموال والأراضي في مقابل فرض مذهبهم وحشد المقاتلين من أبناء القبائل. وفي الاتجاه الثاني القمع الشديد من خلال تجنيد المخبرين في كل مكان وأي وشاية قادرة على أن تذهب بالمرء إلى معتقلات سرية سيقضي فيها سنين من دون أن تعرف أسرته مكانه‏». ومع ذلك، يجزم أن «لا مستقبل لبقاء هذه الميليشيات»، مدعماً قناعته بالقول، إن «أخطر ما يضر الأنظمة البوليسية هي أجهزتها الأمنية التي تعاظم من المخاطر وتختلقها إن لم توجد، وتتعامل بالريبة وتفترض في الناس التهمة ثم تملأ السجون بالمظلومين، لكن هذه الأدوات القمعية هي أول من يتخلى عن هذا النظام». ويورد كيف أن ابن شقيقته اعتقل واثنان من أصحابه كانوا يلتقطون صوراً شخصية بالهاتف المحمول في أحد شوارع المدينة، إلا أن حارس أرضية بالقرب من المكان أبلغ عنهم بأنهم يصورون مواقع حساسة فأخذهم جهاز المخابرات وتم إخفاؤهم شهرين قبل أن يعرف مكانهم.
نبيل، وهو موظف في إحدى المنظمات الإغاثية، يقول، إن «القمع والتجسس وصلا مرحلة هستيرية إلى درجة أنك لو صورت شيئاً في الشارع، فتوقع أن يظهر لك اثنان لتفتيش هاتفك لمعرفة ماذا صورت، أو أن يتم الإبلاغ عنك لعناصر المخابرات الحوثية المنتشرة في كل مكان، حيث ستؤخذ إلى معتقل لن تخرج منه». ويوضح، أن «كثيرين غيبوا في هذه المعتقلات إما نتيجة التقاط صورة أو العثور على رسالة في تطبيق (واتساب) يناهض الميليشيات، وإما أن أحدهم اختلف معك وذهب للإبلاغ بأنك تعمل لصالح الشرعية».
ويبيّن في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أن «ميلشيات الحوثي تصنف العاملين في المنظمات الدولية على أنهم جواسيس لدول خارجية؛ ولهذا فإن تحركاتهم واتصالاتهم كلها موضوعة تحت المراقبة». ويقول، إنه وزملاءه يعرفون أن هواتفهم مراقبة أيضاً؛ ولهذا يكونون حريصين عند الحديث بالهواتف أو استخدام تطبيقات التواصل الاجتماعي لأنها «قد تؤخذ كسبب لاعتقالنا»، مبيناً أن العشرات وبينهم زملاؤهم ما زالوا في السجون بحجة أنهم عملوا لفترات سابقة في سفارات غربية أو أنهم على تواصل مع الجانب الحكومي.


مقالات ذات صلة

العالم العربي مسلحون متحالفون مع الحوثيين في الضواحي الشمالية لصنعاء (رويترز)

تهديد حوثي باستمرار الهجمات ضد إسرائيل إذا لم تلتزم بالهدنة

هدّد الحوثيين، الخميس، بأنّهم سيواصلون شنّ هجمات على إسرائيل إذا لم تلتزم باتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، المفترض أن يبدأ سريانه الأحد.

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم العربي أنصار الحوثيين يرددون شعارات ويرفعون أسلحتهم خلال احتجاج مناهض للولايات المتحدة وإسرائيل في صنعاء 10 يناير 2025 (إ.ب.أ)

الحوثيون يزعمون استهداف حاملة طائرات أميركية في البحر الأحمر

أعلن الحوثيون تنفيذ عملية عسكرية مشتركة استهدفت حاملة الطائرات الأميركية «يو إس إس هاري ترومان» وقطعاً بحرية تابعة لها شمال البحر الأحمر.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية ضابط إسرائيلي يزيل جزءاً من صاروخ أطلقه الحوثيون من اليمن بعد أن أصاب منزلاً في قرية ميفو بيتار الإسرائيلية 14 يناير 2025 (أ.ب)

الحوثيون يعلنون قصف أهداف إسرائيلية بطائرات مسيّرة وصاروخ

أعلنت جماعة الحوثي اليمنية، اليوم (الثلاثاء)، تنفيذ هجومين على أهداف في تل أبيب بوسط إسرائيل وإيلات في الجنوب، في خامس هجوم خلال يومين.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم العربي الحوثيون عينوا الآلاف من أتباعهم في قطاع التربية والتعليم (إعلام محلي)

الحوثيون يحرمون آلاف الموظفين من «نصف الراتب»

 نفّذ الحوثيون «مذبحة» غير مسبوقة في حق المعلمين والموظفين العموميين بمناطق سيطرتهم واستبعدوا الآلاف من قوائم صرف نصف الراتب الذي قررت الجماعة صرفه أخيراً.

محمد ناصر (تعز)

منظمة دولية: الحوثيون يعرّضون المساعدات الإنسانية للخطر

يمني يحمل حصة المساعدات التي حصل عليها في طريقه إلى منزله (إعلام محلي)
يمني يحمل حصة المساعدات التي حصل عليها في طريقه إلى منزله (إعلام محلي)
TT

منظمة دولية: الحوثيون يعرّضون المساعدات الإنسانية للخطر

يمني يحمل حصة المساعدات التي حصل عليها في طريقه إلى منزله (إعلام محلي)
يمني يحمل حصة المساعدات التي حصل عليها في طريقه إلى منزله (إعلام محلي)

اتهمت منظمة حقوقية دولية بارزة الجماعة الحوثية بقمع المجتمع المدني، وتعريض المساعدات الإنسانية للخطر، وقالت إنهم مستمرون في احتجاز وإخفاء موظفي الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والمحلية. كما انتقدت الهجمات الإسرائيلية على موانئ الحديدة، واستهداف الحوثيين إسرائيل.

ووفق التقرير العالمي لمنظمة «هيومن رايتس ووتش» عن عام 2025، فإن الأطراف المتحاربة في اليمن، وخاصة الحوثيين، قمعت المجتمع المدني بشكل أكبر، وعرقلت تقديم المساعدات الإنسانية وعرَّضتها للخطر في عام 2024. كما احتجز الحوثيون وأخفوا تعسفياً العشرات من موظفي الأمم المتحدة والمجتمع المدني.

وقالت نيكو جعفرنيا، الباحثة في شؤون اليمن والبحرين بالمنظمة: «إن الحوثيين أظهروا نفاقاً حقيقياً، حيث قالوا إنهم يقفون مع الفلسطينيين الذين يواجهون القمع الإسرائيلي، بينما هم أنفسهم يضطهدون المجتمع المدني اليمني».

وطالبت الباحثة الحكومات والأمم المتحدة بالضغط على الجماعة للإفراج عن جميع الأفراد المعتقلين تعسفياً، وإدانة جميع الجهات الفاعلة التي تهدد المجال المدني والمساعدات الإنسانية باليمن، بما في ذلك إسرائيل.

الهجمات الإسرائيلية تهدد وصول المساعدات الإنسانية إلى اليمن لجهة استهدافها الموانئ (إكس)

ومع تأكيد المنظمة أن الهجمات الإسرائيلية على ميناء الحديدة؛ وهو نقطة دخول رئيسية للمساعدات الإنسانية، تُهدد توفير المساعدات، وقد ترقى إلى جرائم حرب، قالت إن الهجمات العشوائية التي شنها الحوثيون، والتي أصابت سفناً مدنية في البحر الأحمر وأسفرت عن مقتل مدنيين، وأصابت أهدافاً مدنية في إسرائيل، قد ترقى أيضاً إلى جرائم حرب.

اعتقالات وقيود

وفق التقرير، فإنه، ومنذ 31 مايو (أيار) 2024، اعتقل الحوثيون وأخفوا قسراً عشرات الأشخاص، بما في ذلك ما لا يقل عن 17 موظفاً في وكالات الأمم المتحدة وعدد من موظفي المنظمات غير الحكومية والسفارات الأجنبية والشركات الخاصة العاملة بالأراضي التي يسيطرون عليها.

كما أدت عرقلة الحوثيين للعمليات الإنسانية وقطع المعلومات داخل أراضيهم، إلى تفاقم تفشي الكوليرا الذي انتشر في جميع أنحاء اليمن وتسبَّب في وفاة 258 شخصاً من بين 95000 حالة مشتبه بها.

مناصرون للجماعة الحوثية خلال حشد في صنعاء دعا له زعيمهم (رويترز)

واتهمت المنظمة جميع الأطراف اليمنية المتحاربة بفرض مزيد من القيود على حرية حركة النساء، وفي كثير من الحالات طلب منهن عند السفر ضرورة مرافقة أحد الأقارب من الذكور (المحرم). وذكرت أنه وفي 19 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، استولى الحوثيون على السفينة التجارية «جالكسي ليدر»، واحتجزوا طاقمها المكون من 25 فرداً تعسفياً.

وأكد تقرير المنظمة أن الحوثيين هاجموا عدة سفن تجارية، وأطلقوا صواريخ عشوائية على إسرائيل، وهو ما يرقى إلى جرائم حرب محتملة. وقالت إنه يتعين عليهم وعلى جميع الأطراف المتحاربة الإفراج فوراً عن جميع المعتقلين تعسفياً، والتوقف عن الاحتجاز التعسفي للأشخاص.

انتقاد الضربات الإسرائيلية

وفي تقرير آخر، انتقدت المنظمة الدولية قصف الجيش الإسرائيلي ميناءيْ رأس عيسى والحديدة، بالإضافة إلى محطة توليد كهرباء حزيز في صنعاء، وكلها تقع في مناطق سيطرة الحوثيين. وهي موانئ ضرورية لنقل الغذاء وغيره من احتياجات السكان الذين يعتمدون على الاستيراد، فنحو 70 في المائة من الواردات التجارية، و80 في المائة من المساعدات الإنسانية، يمر بهذين الميناءين.

ونقلت المنظمة عن أوكي لوتسما، الممثل المقيم لـ«برنامج الأمم المتحدة الإنمائي»، القول إنها موانئ «بالغة الأهمية للأنشطة التجارية والإنسانية». في حين تصف روزماري ديكارلو، وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية وبناء السلام، هذه الموانئ بأنها «خط الحياة لملايين البشر»، وأنها يجب أن تبقى «مفتوحة وتعمل». كما أن محطة توليد كهرباء حزيز هي المحطة المركزية في صنعاء، وتؤمِّن الكهرباء لسكان المدينة.

الهجمات الإسرائيلية استهدفت أعياناً مدنية في اليمن (إكس)

وأكدت المنظمة أن الهجمات المتعمَّدة على أعيان لا غنى عنها للبقاء على قيد الحياة هي جرائم حرب، خاصة أنها ليست المرة الأولى التي تستهدف فيها إسرائيل بنى تحتية مهمة في اليمن.

فمنذ يوليو (تموز) 2024، هاجم الجيش الإسرائيلي بشكل متكرر موانئ الحديدة ورأس عيسى والصليف ومحطات توليد الكهرباء في البلاد. وقُتل ستة مدنيين على الأقل، وأُصيب 80 آخرون جراء الهجوم في 20 يوليو على ميناء الحديدة وحده. ورأت المنظمة أن هذا الهجوم يرقى، على الأرجح، إلى مستوى جريمة حرب.

وقالت «هيومن رايتس ووتش» إنه إذا كانت هجمات الحوثيين بالطائرات المُسيّرة والصواريخ على إسرائيل تستهدف مدنيين أو أعياناً مدنية بشكل متعمَّد أو عشوائي، فقد ترقى هي أيضاً إلى مستوى جرائم حرب. وقالت إنه على السلطات الإسرائيلية والحوثية أن تُنهي فوراً جميع هجماتها غير القانونية، بما فيها تلك التي تستهدف المدنيين والبنى التحتية المدنية.