58 مادة أدبية كتبها الشاعر هادي على مدى خمسين عامًا

إحالات يومية.. شعرًا ونثرًا

غلاف «قدح من الدموع المجففة»
غلاف «قدح من الدموع المجففة»
TT

58 مادة أدبية كتبها الشاعر هادي على مدى خمسين عامًا

غلاف «قدح من الدموع المجففة»
غلاف «قدح من الدموع المجففة»

ينفرد الشاعر فاضل عبّاس هادي بتجربة إبداعية مميزة لا تقتصر على الشعر وحده وإن كان واسطة العِقد فيها، فهو يترجم ويصوِّر ويحاور ويكتب القصة والمقالة والنص المفتوح. لا شك في أنه واحد من أقطاب الجيل الستيني الذين هزّوا الثوابت، وخلخلوا القناعات القديمة.
وعلى الرغم من أنّ فاضلاً، الذي يُكنّى بفاضل الشاعر، لا يميل إلى التصنيف ورسم الحدود الفاصلة بين جنس أدبي وآخر، فإن كتابهُ الجديد «قدحٌ من الدموع المجففة إلى أوديت» الصادر عن دار الجمل 2015 قد دُمغ بكلمة «شعر» بينما يشير واقع الحال إلى تجاور أجناس أدبية متعددة بين دفّتيه.
يحتل لقب «الشاعر» مكانة خاصة عند فاضل لكنه لا يرجِّحه على لقب الناثر أو المترجم أو الصحافي أو المصور الفوتوغرافي، لأن «الإبداع يقتضي التمثّل والتأمل وإطالة النظر، كما أنه يستهدف المشاعر والأحاسيس الداخلية للإنسان وينأى بنفسه عن المجال (العقلاني) الذي يمجّ الخيال ويرفض التحليق في فضاءاته الفنتازية».
يحتوي هذا الكتاب على 58 مادة أدبية كتبها الشاعر على مدى خمسين عامًا، أي بمعدل مادة واحدة أو أزيد قليلاً في كل عام. وهذا يعني، من بين ما يعنيه، أنّ الشاعر لا يذهب إلى قصيدته، وإنما هي التي تأتي إليه بعد أن تختمر طويلاً في مخيلته الشعرية وحافظته الأمينة التي لا تفرّط بأية صورة شعرية تهبط إليه لتنطبع في أقراص ذاكرته المدمجة!
لم يُغيّر فاضل في نصوصه الشعرية إلاّ لمامًا، وإذا دفعتهُ الضرورة فإن التغيير قد يطال كلمة هنا أو أخرى هناك مُعدِّلاً ما يقتضيه المنطق اللغوي الذي يفضُّ عذرية النص في نسخته الأصلية.
تخلو هذه القصائد من الأصفاد التي تقيّد أجنحة النص الشعري الذي يبدو حرًا طليقًا ومحلقًا. وفضلاً عن هذا التحرر من الأبحر الخليلية، فإن قصائده تحتفي بالصور الغريبة التي لم نألفها من قبل في النصوص الشعرية مثل «باقة من الكرفس الاصطناعي» التي يحملها كل فرد من الملائكة أو «شربت الرمّان» وما إلى ذلك من إحالات يومية كثيرة. وعلى الرغم من البُعد الذاتي في قصيدة «قدحٌ من الدموع المجففة إلى أوديت» التي تلامس شغاف الكائن البشري، فإنها تظل مثل جوهرة مصقولة تشع وتتلألأ في وسط العِقد التي انتظمت فيه هذه القصائد البعيدة عن الصنعة والاشتغالات اليومية التي تُحيلنا إلى الأرض، وتُبعِدنا عن مصادر الوحي والإلهام.
لا بد من الإشارة إلى أهمية قصيدة «أوروبا» لأكثر من سبب، فهي موجهة إلى «الآخر» الذي تعلّق فيه بعد أن أغوته منظومة القيم الثقافية في محيطه الأوروبي، كما أن هذه القصيدة تحديدًا، وسواها من القصائد، تكشف عن الهواجس الثقافية لكاتب النص ومبدعه الذي انغمس في الثقافة الأوروبية وكرّس نفسه لها ولعل بعض الأسماء التي ترد في هذه القصيدة المبنية على أسس فنية وثقافية مثل أوغست ماكة، وفرانز مارك، وبول كلي، وديلاكروا، وجياكوميتي، وبيكيت، وبايرون، وهمنغواي، ونابوكوف.. إلخ، هؤلاء جميعًا وربما غيرهم كان فاضل الشاعر قد تعرّف إلى بعض نتاجاتهم وهو لما يزل طالبًا في المرحلة الإعدادية، ثم تعمقت معرفته بالثقافة الأوروبية حينما درس اللغة الإنجليزية وآدابها في بغداد.
إنّ كل الصور الشعرية المستوحاة من الفن التشكيلي مردّها إلى الكتب والإصدارات الإنجليزية التي قرأها الشاعر في مدينتي الناصرية وبغداد حيث تعرّف على جماعتي الجسر والفارس الأزرق الألمانيتين، إضافة إلى بعض الفنانين الفرنسيين الذين أحبّ منجزهم الفني فتسربت بعض أطيافه إلى صوره الشعرية ذات الأصول التشكيلية التعبيرية والفنتازية على حد سواء.
انتمى المؤلف إلى اليسار العراقي، لكنه وجد في دستويفسكي وتشيكوف وغوغول ضالته المنشودة فترك الحزب وانغمس في الأدب والفن. وحينما فُصل من «بغداد أوبزرفر» الإنجليزية، لأنه أثنى على موهبة فاضل العزاوي انتقل إلى وكالة الأنباء العراقية كمترجم من العربية إلى الإنجليزية. ثم أتيحت له سانحة الحظ بالسفر إلى بيروت فغادر العراق من دون أن يفكر بالعودة إلى البلد الذي أحبّه حدّ العِشق والوله.
ومنذ عام 1986 وحتى الوقت الراهن انقطع فاضل إلى التصوير الفوتوغرافي وكانت حصيلته مجموعة كبيرة من الصور وكتاب متخصص بواقع 1120 صفحة من القطع الكبير سنتوقف عنده في تغطية لاحقة.
ويكشف هذا الكتاب أيضًا عن النَفَس النقدي لفاضل. فهو يرى مثلاً في مجموعة «زقاق الفئران» لنزار عباس مجموعة قصصية جيدة، لكنها ضعيفة التركيب، لكنه ينجح في القصص التي تعتمد على المونولوج في شكله البسيط. يرى فاضل في مجموعة درويش الجديدة «محاولة رقم 7» هيمنة التكرار أكثر من الابتكار. وأنها لا تشبع عطش القارئ الأبدي للشعر الجيد، يرسم فاضل صورة مُتوقدة للمثقف نجيب المانع الذي وصفه بـ«ذلك العابر الكبير» وهي نفس العبارة التي وصف بها مالارميه الشاعر رامبو، فقد كان المانع الأكثر توقدًا وتألقًا في جيله.
ونقرأ في الكتاب أيضًا حكايات وقصصًا عن مجايلي المؤلف من الشعراء والكتاب في الوطن والمنفى، ومنهم: جان فجان دمّو، الشاعر الشريد، الذي تنقّل بين بغداد وبيروت وعمّان ليموت في سدني، كان يلهج بكتابة أكثر من رواية لم ترَ النور، من بينها «حذاء في الجبهة»، و«يوميات صعلوك في أنطاكية»، ولعل أجمل ما في هذا المقال سرعة إنجاز معاملة جان دمّو في لمح البصر، فلقد ختموا جوازه في بيروت في لحظة عابرة مثل البرق، لكن الشكوك بدأت تتسرب إلى فاضل الشاعر الذي طلب من جان أن يريه الجواز، ولقد عقدت لسانه الدهشة حينما رأى الختم الذي يقول بمغادرة لبنان خلال 24 ساعة لا غير، بينما كان جان قد دسّ الجواز في جيب بنطاله الخلفي من دون أن يكلف نفسه عناء النظر إلى هذا الختم المفصلي في حياته الملفعة بالضباب الأبدي.



الشاعر السوري أدونيس يدعو إلى «تغيير المجتمع» وعدم الاكتفاء بتغيير النظام

أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
TT

الشاعر السوري أدونيس يدعو إلى «تغيير المجتمع» وعدم الاكتفاء بتغيير النظام

أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)

دعا الشاعر السوري أدونيس من منفاه في فرنسا الأربعاء إلى "تغيير المجتمع" في بلده وعدم الاكتفاء بتغيير النظام السياسي فيه بعد سقوط الرئيس بشار الأسد.

وقال أدونيس (94 عاما) خلال مؤتمر صحافي في باريس قبيل تسلّمه جائزة أدبية "أودّ أولا أن أبدي تحفّظات: لقد غادرتُ سوريا منذ العام 1956. لذلك أنا لا أعرف سوريا إذا ما تحدّثنا بعمق". وأضاف "لقد كنت ضدّ، كنت دوما ضدّ هذا النظام" الذي سقط فجر الأحد عندما دخلت الفصائل المسلّحة المعارضة إلى دمشق بعد فرار الأسد إلى موسكو وانتهاء سنوات حكمه التي استمرت 24 عاما تخلّلتها منذ 2011 حرب أهلية طاحنة.

لكنّ أدونيس الذي يقيم قرب باريس تساءل خلال المؤتمر الصحافي عن حقيقة التغيير الذي سيحدث في سوريا الآن. وقال "أولئك الذين حلّوا محلّه (الأسد)، ماذا سيفعلون؟ المسألة ليست تغيير النظام، بل تغيير المجتمع". وأوضح أنّ التغيير المطلوب هو "تحرير المرأة. تأسيس المجتمع على الحقوق والحريات، وعلى الانفتاح، وعلى الاستقلال الداخلي".

واعتبر أدونيس أنّ "العرب - ليس العرب فحسب، لكنّني هنا أتحدّث عن العرب - لا يغيّرون المجتمع. إنّهم يغيّرون النظام والسلطة. إذا لم نغيّر المجتمع، فلن نحقّق شيئا. استبدال نظام بآخر هو مجرد أمر سطحي". وأدلى الشاعر السوري بتصريحه هذا على هامش تسلّمه جائزة عن مجمل أعماله المكتوبة باللغتين العربية والفرنسية.

ونال أدونيس جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس وتحمل اسم شاعر كتب باللغتين الكتالونية والإسبانية.