بدأ التونسيون في الإدلاء بأصواتهم، اليوم الاثنين، في استفتاء على دستور جديد يخشى منتقدو الرئيس قيس سعيد أن يقوض الديمقراطية التي انبثقت عن ثورة 2011 من خلال منحه سلطة شبه كاملة.
ويجرى التصويت في ذكرى مرور عام على التحرك المفاجئ لسعيد ضد البرلمان المنتخب عندما أطاح بالحكومة وفرض حالة الطوارئ وبدأ الحكم بمراسيم. ولم يكن هناك سوى عدد قليل من الناس عندما فتحت صناديق الاقتراع في الساعة 0500 بتوقيت غرينتش ولكن في مركز الاقتراع الموجود في شارع مرسيليا بوسط تونس العاصمة، كان إلياس مجاهد يقف في أول الطابور، قائلا إن سعيد هو الأمل الوحيد. وقال "أنا هنا لإنقاذ تونس من الانهيار. لإنقاذها من سنوات من الفساد والفشل".
وأدلى الرئيس التونسي، مصحوبا بزوجته إشراف شبيل، بصوته في مركز اقتراع في حي النصر بالعاصمة تونس وقال في تصريحات للإعلاميين عقب ذلك، "اليوم الشعب التونسي مطالب بأن يحسم هذا الأمر وهو حرّ في التصويت". وتابع "نؤسس معا جمهورية جديدة تقوم على الحريّة الحقيقية والعدل الحقيقي والكرامة الوطنية". وأضاف "على الشعب التونسي أن يكون في الموعد والتاريخ...نحن اليوم أمام خيار تاريخي في بناء جمهورية جديدة".
واعتبر سعيّد أن الاستفتاء سيكون مرحلة مهمة و"سنبدأ تاريخا جديدا". وهاجم الرئيس التونسي معارضيه وقال إنهم "يوزعون الأموال" لكي "لا يصوت التونسيون ويعبرون عن إرادتهم"، مؤكدا "لن نترك تونس فريسة لمن يتربص بها في الداخل والخارج".
https://twitter.com/aawsat_News/status/1551543881925369857
ولم يتضح متى سيتم إعلان النتائج بعد انتهاء التصويت في الساعة 2100 بتوقيت غرينتش ولكن محللين يتوقعون التصويت بالموافقة مع إقبال منخفض بسبب عدم وجود حماس يذكر على ما يبدو للتصويت بين معظم التونسيين ومقاطعة الأحزاب الرئيسية.
وبموجب قواعد سعيد للاستفتاء ليس هناك حاجة إلى حد أدنى من المشاركة لإقرار الدستور الجديد. وتشترط هذه القواعد فقط أن يدخل حيز التنفيذ بمجرد نشر النتائج النهائية ولا تذكر ما سيحدث إذا رفضه الناخبون. وأشاد سعيد بخطواته باعتبارها أساسا لجمهورية تونسية جديدة لإعادة الثورة إلى مسارها وإنهاء سنوات من التصلب السياسي والركود الاقتصادي. ويتهمه خصومه بقيامه بانقلاب.
ولكن على الرغم من إدانة جميع الأحزاب السياسية الرئيسية ومنظمات المجتمع المدني تقريبا نهجه الأحادي الجانب لإعادة كتابة الدستور وشرعية الاستفتاء فقد فشلت في بناء جبهة موحدة. وتجلى الشقاق في الاحتجاجات ضد سعيد في الأيام الأخيرة. وشارك حزب النهضة الإسلامي، أكبر حزب في البرلمان، في احتجاج يوم السبت. ونظمت منظمات المجتمع المدني والأحزاب الصغيرة احتجاجا يوم الجمعة. ونظم حزب يؤيد الحكم المطلق الذي كان قائما قبل الثورة احتجاجات في كلا اليومين.
ولم يشارك في الاحتجاجات سوى أعداد قليلة، ولكن التجمعات التي نظمها أنصار سعيد لم تشهد أيضا سوى حضور متواضع. وما زال معظم التونسيين يركزون على الاقتصاد المتردي وارتفاع الأسعار. ولكن التراجع الاقتصادي منذ عام 2011 جعل كثيرين يشعرون بغضب من الأحزاب التي تحكم البلاد منذ الثورة وبخيبة أمل من النظام السياسي الذي يوجهونه.
وقال محمد وهو من سكان طرابلس "أنا لا أؤيد سعيد ولكني سأصوت بنعم في الاستفتاء لأن من يحتجون عليه هم السبب الرئيسي لمشاكلنا على مدى العقد الماضي". ومن بين ثلاث انتخابات برلمانية وانتخابات رئاسية جرت مرتين منذ الثورة بلغت أقل نسبة مشاركة 41 في المئة في عام 2019 للمجلس الذي حله سعيد. ويمكن أن تثير أي نسبة مشاركة أقل بكثير من هذا المعدل اليوم الاثنين المزيد من التساؤلات حول شرعية الدستور الجديد لسعيد ومشروعه لإعادة تشكيل السياسة التونسية.
https://twitter.com/aawsat_News/status/1551526424913186816
ولا تلزم نتيجة الاستفتاء الرئيس بالتراجع عن مشروع الدستور الذي لم يحدد عتبة مشاركة معينة لتمريره، فيما تمسكت أطراف معارضة بعتبة لا تقل عن 50 في المائة من الناخبين، أي مشاركة أكثر من 4.5 مليون ناخب للقبول بمشروعية شعبية للإصلاحات السياسية المنتظرة. وأشارت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات إلى أن أكثر من تسعة ملايين ناخب سيشاركون في التصويت الذي خصصت له 11614 مكتب اقتراع و4834 مركز اقتراع داخل البلاد وخارجها. ويسعى الرئيس التونسي من خلال هذا الاستفتاء إلى إظهار الدعم الشعبي لمشروعه السياسي المعتمد على بناء سلطة تنفيذية برأس واحدة وغرفتين نيابيتين (البرلمان ومجلس الجهات والأقاليم)، فيما تنتقد المعارضة، وعلى رأسها «حركة النهضة»، التوجه «نحو الحكم الفردي».
وتشارك وحدات عسكرية من مختلف الجيوش والأجهزة الأمنية، في مهمة تأمين مختلف مراحل الاستفتاء على الدستور. واتخذت وزارة الدفاع مجموعة من الإجراءات بالتنسيق مع وزارة الداخلية لتركيز تشكيلات عسكرية لدعم الوحدات الأمنية في تأمين المخازن والهيئات الفرعية للانتخابات ومراكز التجميع والتصريح بالنتائج وأكثر من 4500 مركز اقتراع.ووفق تقارير إعلامية محلية، أُعطيت الوحدات العسكرية «تعليمات بالتقيد التام بالمهمة والالتزام بالحياد وعدم التدخل في المسائل التنظيمية أو الإشكاليات التي قد تحدث داخل المراكز والتي تبقى من المهام الحصرية لممثلي الهيئة العليا المستقلة للانتخابات وقوات الأمن الداخلي».
إلى ذلك، قال رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات فاروق بو عسكر، إن نسب مشاركة التونسيين المقيمين في الخارج في التصويت كانت متدنية في اليوم الأول للاقتراع الذي بدأ السبت وينتهي اليوم. لكنه أضاف أن «نسق التصويت هو نفسه الذي تمت ملاحظته» خلال الانتخابات التشريعية في 2019. معتبراً أن «الجالية تتجه بشكل كبير في اليوم الأخير من أيام الاقتراع التي تتواصل ثلاثة أيام».