تحظى مقاطعة سوفولك الإنجليزية بسمعة كبيرة كمكان هادئ وخلاب، وإن كان الهدوء هو الصفة الغالبة على ريفها. ويُعبر السكان المحليون عن شعورهم بالفخر عن طريق التواضع الشديد. وبناءً على ذلك، يبدأ كتيب رابطة مشجعي إيبسويتش تاون لعام 1962 – 1963، الموسم التالي لفوز الفريق بلقب الدوري الإنجليزي، والذي يعد لقب الدوري الوحيد في تاريخ النادي، بتقديم «أعلى درجات المديح والتهنئة لجميع لاعبينا، ولمجلس الإدارة، وما إلى ذلك»، قبل الانتقال مباشرة إلى الدور المهم المتمثل في تذكير الأعضاء بحقهم في التأمين ضد الحوادث.
وبعد مرور ستين عاماً على الفوز بهذا اللقب في موسم 1961 – 1962، من الغريب ألا يكون لهذا الإنجاز الاستثنائي مكانة بارزة في كتب التاريخ، خصوصاً أن إيبسويتش تاون كان قد فاز بلقب الدوري في هذا الموسم بعد صعوده لأول مرة في تاريخه إلى دوري الدرجة الأولى (الدوري الإنجليزي الممتاز حالياً) - وهو شيء لم يتحقق من قبل، ولم يتحقق منذ ذلك الحين - بعد 24 عاماً فقط من انضمام النادي للعب في دوريات المحترفين في إنجلترا. هل تتذكرون عندما صعد ويغان إلى الدوري الإنجليزي الممتاز عام 2005؟ تخيلوا لو فاز النادي بلقب الدوري فور صعوده! هذا بالضبط هو ما فعله إيبسويتش تاون قبل ستة عقود.
في عام 1955، استقال سكوت دنكان، المدير الفني الذي تولى قيادة إيبسويتش تاون لفترة طويلة، من منصبه، وكان من تولى القيادة خلفاً له هو النجم السابق لنادي توتنهام والمنتخب الإنجليزي ألف رامزي، الذي كان يبلغ من العمر 35 عاماً فقط آنذاك. وكتب رامزي إلى مؤيديه فور تعيينه يقول: «آمل بصدق أن تكون فترة عملنا معاً سعيدة وناجحة». لكن ربما لم يكن رامزي نفسه يتخيل حجم الإنجاز الذي سيحققه.
انضم رامزي إلى إيبسويتش تاون بعد أن هبط النادي للتو مرة أخرى إلى دوري الدرجة الثالثة الجنوبي بعد أن لعب لفترة وجيزة في دوري الدرجة الثانية. وفي غضون موسمين، نجح رامزي في إعادة النادي إلى دوري الدرجة الثانية وتقديم ثلاثة مواسم قوية في هذه المسابقة قبل أن يتفوق الفريق على شيفيلد يونايتد وليفربول ويفوز بلقب البطولة في عام 1961 ويتأهل للعب في دوري الدرجة الأولى، الذي كان أعلى مستوى في كرة القدم الإنجليزية، للمرة الأولى في تاريخ النادي.
وبعد ذلك، أصبح رامزي يقود فريقاً غير مرشح للفوز باللقب في دوري الدرجة الأولى، لكنه بدأ في إظهار شكل جديد من أشكال الابتكار الذي قاده فيما بعد، وقاد المنتخب الإنجليزي، للفوز بكأس العالم عام 1966. وفي إيبسويتش تاون، كان رامزي من أوائل المديرين الفنيين البريطانيين الذين تعاملوا مع لعبة كرة القدم من منظور تكتيكي حقيقي؛ حيث كان يعمل على إيجاد أفضل السبل لاستغلال إمكانات وقدرات لاعبيه في خلق مشكلات للخصم.
بدأ إيبسويتش تاون الموسم بشكل بطيء، لكن مستواه تطور بشكل كبير للغاية في نهاية أغسطس (آب)، عندما فاز بستة أهداف مقابل هدفين على ضيفه بيرنلي، الذي كان عملاق كرة القدم الإنجليزية في ذلك الوقت. وبدأ إيبسويتش تاون يحقق الانتصار تلو الآخر. وفاز إيبسويتش تاون ذهاباً وإياباً على توتنهام، الذي كان قد فاز بالثنائية المحلية في الموسم السابق وكان من المتوقع أن يحتفظ بلقب الدوري بسهولة. وكان المشجعون البالغ عددهم 28.778 الذين شاهدوا أول تلك الانتصارات على ملعب «بورتمان رود» في أكتوبر (تشرين الأول) ضعف متوسط عدد الجماهير في موسم رامزي الأول في النادي بالكامل. وسجل تعداد عام 1961 أن عدد سكان إيبسويتش بلغ 113 ألف نسمة فقط، لذا فإن مركزية نادي كرة القدم في هذه المدينة الجذابة والمتواضعة قد ترسخت بشدة، وظلت ثابتة منذ ذلك الحين.
وتم تسجيل معظم أهداف الفريق عن طريق راي كروفورد وتيد فيليبس. وكان كروفورد واحداً من لاعبين اثنين فقط في هذا الفريق نالا شرف تمثيل المنتخب الإنجليزي الأول؛ حيث لعب مباراتين بقميص منتخب الأسود الثلاثة وسجل هدفاً. أما فيليبس فقد اشتهر بقوته الهائلة في التسديد من مسافات بعيدة. لكن الفضل الأول في هذا الإنجاز كان يعود إلى ذكاء رامزي في النواحي الخططية والتكتيكية. كان جيمي ليدبيتر، وهو شخصية رشيقة وذكية، يلعب ظاهرياً في مركز الجناح الأيسر، لكن كان يُطلب منه العودة للخلف وتمرير الكرات الأمامية إلى كروفورد وفيليبس، وهو شيء لم يكن له مثيل من قبل في تلك الأوقات التي كان يتمركز فيها كل لاعب في مركزه الأصلي بشكل صارم، وهو ما كان يتسبب في مشكلات غير مسبوقة للمنافسين. وبعد أربع سنوات، فعل رامزي الشيء نفسه مع آلان بول ومارتن بيترز في ويمبلي.
كان ليدبيتر، الذي يلعب على الأطراف ولا يتميز بالسرعة العالية، يحظى بشعبية طاغية بين الجماهير وزملائه في الفريق. وقال كروفورد عن ليدبيتر في وقت لاحق: «لم يكن يركض بشكل سريع، لكنه كان يتحرك بشكل رائع، وهو ما كان يخلق الكثير من المشكلات للفريق المنافس». كان ليدبيتر واحداً من أول خمسة لاعبين يفوزون بلقب الدوري في ثلاثة أقسام مع نفس النادي، وكان من بينهم أيضاً روي بيلي، الذي لعب ابنه غاري لاحقاً لمانشستر يونايتد. اعتمد رامزي على 16 لاعباً فقط في مباريات الدوري طوال الموسم. وشارك دوغ موران والقائد آندي نيلسون في جميع مباريات الفريق في الدوري والكأس والبالغ عددها 52 مباراة. كان نيلسون جزءاً من خط دفاع قوي ضم إلى جانبه بيلي باكستر، الذي استمر مع النادي حتى عام 1971، والذي انتهت فترة وجوده الطويلة في النادي بعد دخوله في اشتباك بالأيدي في غرفة خلع الملابس مع بوبي روبسون.
ظل إيبسويتش تاون يصعد في جدول ترتيب الدوري بشكل ثابت ومتواصل، ففي نهاية شهر سبتمبر (أيلول) كان الفريق يحتل المركز السادس، ثم صعد إلى المركز الرابع بنهاية أكتوبر ثم الثاني بنهاية نوفمبر (تشرين الثاني). وبحلول نهاية شهر مارس (آذار)، وصل إيبسويتش تاون إلى قمة جدول الترتيب بفارق نقطتين عن بيرنلي، لكن لم يكن يتبقى له سوى ست مباريات فقط، في حين كان يتبقى لبيرنلي 10 مباريات. ومع ذلك، تعثر بيرنلي في المباريات المتبقية في نهاية الموسم، وحسم إيبسويتش تاون اللقب في الجولة الأخيرة عندما فاز على أستون فيلا، في الوقت الذي اكتفى فيه بيرنلي بالتعادل مع الهابط تشيلسي.
لقد كتب إيبسويتش تاون اسمه بأحرف من نور في تاريخ كرة القدم، لكن الاحتفالات بهذا الإنجاز التاريخي لم تكن صاخبة. وجاءت الملاحظات اليومية لرابطة مشجعي النادي عن تلك المباراة الأخيرة من الموسم تقول: «بعد المباراة قاد آندي نيلسون فريقه في مسيرة مظفرة حول الملعب انضم إليها مئات المشجعين». ووصل رئيس النادي، جون كوبولد، إلى غرفة خلع الملابس حاملاً الشمبانيا، وبعد ذلك عاد اللاعبون ببساطة إلى منازلهم. وحتى موكب الاحتفال بالحافلة المكشوفة والاستقبال الجماهيري تم تأجيله لمدة أسبوعين؛ حيث كان يتعين على اللاعبين ركوب قارب من هارويتش للبدء في جولتهم الأوروبية بعد نهاية الموسم، وكان ذلك بعد يومين فقط من الفوز باللقب.
لكن هذا الفريق الرائع لإيبسويتش تاون انهار تقريباً بنفس السرعة التي بُني بها. ففي غضون عامين، غادر رامزي إلى إنجلترا وعاد إيبسويتش تاون إلى دوري الدرجة الثانية. لكن، بالنظر إلى الوراء، يمكن القول إن الإنجاز الذي حققه رامزي مع إيبسويتش تاون ربما كان أبرز إنجازاته على الإطلاق، بل ومن الصعب للغاية تحقيق مثل هذا الإنجاز مرة أخرى.
بعد 60 عاماً... إنجاز رامزي مع إيبسويتش تاون قد لا يتكرر أبداً
المدرب التاريخي منح سكان «سوفولك» شعوراً بالفخر قبل أن يفوز بكأس العالم مع إنجلترا
بعد 60 عاماً... إنجاز رامزي مع إيبسويتش تاون قد لا يتكرر أبداً
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة