فرنسا تنضم إلى قائمة الدول التي تقاوم خدمة سيارات الأجرة «أوبر»

من نيويورك إلى نيودلهي.. الشركة تعمل عبر تطبيق الهاتف وتواجه تهديدات

في كل سوق دخلته خدمة «أوبر» للسيارات الأجرة، التي تعتمد على تطبيقات الهاتف، كان هناك دوما شكل من أشكال المقاومة لها ({نيويورك تايمز})
في كل سوق دخلته خدمة «أوبر» للسيارات الأجرة، التي تعتمد على تطبيقات الهاتف، كان هناك دوما شكل من أشكال المقاومة لها ({نيويورك تايمز})
TT

فرنسا تنضم إلى قائمة الدول التي تقاوم خدمة سيارات الأجرة «أوبر»

في كل سوق دخلته خدمة «أوبر» للسيارات الأجرة، التي تعتمد على تطبيقات الهاتف، كان هناك دوما شكل من أشكال المقاومة لها ({نيويورك تايمز})
في كل سوق دخلته خدمة «أوبر» للسيارات الأجرة، التي تعتمد على تطبيقات الهاتف، كان هناك دوما شكل من أشكال المقاومة لها ({نيويورك تايمز})

كان ذلك في منتصف ليلة سبت عاصفة خلال شهر أبريل (نيسان) حين بدأت ثلاث سيارات في تهدئة سرعتها إلى أن توقفت في شارع ري دي ريفولي بالقرب من الواجهة المزخرفة لفندق «هوتيل دي فيل» التي تعود إلى القرن التاسع عشر. وانفتحت الأبواب ودخل ستة من ضباط الشرطة، الذين يعملون في فرقة خاصة لتطبيق القانون في باريس تعرف باسم «بور»، وهم يرتدون زيا مدنيا والمسدسات معلقة بأحزمة على خصورهم. وكانوا يتحركون بصمت، بينما قائدهم تيري بوجول، يصدر أوامره بالتقدم في ذلك المساء. وقال بوجول، وهو رجل نحيف عيناه تتابعان حركة المرور: «سنبدأ الليلة بكامب إليزيه، ثم سنتوجه إلى كافة الأماكن المعتادة. كونوا منتبهين ومتيقظين، فهم في كل مكان».
عاد أفراد فرقة «بور» إلى سياراتهم وتوجهوا نحو «بليس دي لا كونكورد» قبل التوجه يمينا نحو كامب إليزيه. ومع مرور السيارات بالشارع، مرت سيارة «ماسيراتي» بجوار بوجول، لكنه تجاهلها، فقد كان يركز تمامًا على هدفه، وهو سيارة «رينو كليو» سوداء في شارع جورج الخامس. وكانت هناك علامات تشير إلى وجودها، مثل هاتف «آي فون» على لوحة المؤشرات، وشخص يجلس في المقعد الخلفي. بعد مراقبة استمرت لبضع لحظات، أطلق بوجول صافرة التنبيه.
واقترب من السيارة وهو يلف شارة الشرطة البرتقالية حول ذراعه، ومعه اثنان من أفراد الفرقة، وسأل السائق البالغ من العمر 29 عاما الفرنسي من أصل هاييتي ويدعى جان ميزير: «ماذا تفعل في هذه السيارة؟» فأجاب الرجل: «أنا أقود لصالح شركة أوبر بوب». وسأله أحد أفراد الفرقة يتحدث بلكنة مدينة تولوز يدعى ستيفان: «هل تعرف أن هذا غير قانوني؟». الجدير بالذكر أن أكثر أفراد الفرقة طلبوا عدم ذكر أسمائهم كاملة. وأجاب ميزير بالنفي. وطلب ستيفان من الراكب النزول من السيارة وجلس في المقعد الخلفي وسأل ميزير: «متى أشار إليه الراكب بالتوقف. ومتى بدأت الرحلة؟ ومنذ متى يعمل سائقا؟».
في كل سوق دخلته خدمة «أوبر» للسيارات الأجرة، التي تعتمد على تطبيقات الهاتف، كان هناك دوما شكل من أشكال المقاومة لها. وكان هذا واضحا بشكل خاص في أوروبا خلال العام الماضي بعد بدء «أوبر بوب»، وهي نسخة رخيصة الثمن من الخدمة مقارنة بـ«أوبر إكس» في الولايات المتحدة، عملها. وخدمة «أوبر» هي خدمة توصيل بسيارات سوداء متطورة تعمل عن طريق تطبيقات الهواتف. مع ذلك «أوبر بوب» مختلفة، فهي تمكن السائقين الذين لا يحملون تصريح قيادة بالعمل كسائقين بشكل غير منتظم.
في نظر «أوبر»، الأمر مجرد سوق للعمالة يمثل همزة وصل بين الذين يريدون كسب رزقهم والأشخاص الراغبين في دفع مال مقابل توصيلهم. مع ذلك ترى فرنسا، التي يبلغ عدد ساعات العمل بها 35 ساعة أسبوعيا، ومن أكثر الأنظمة الحريصة على التنظيم في أوروبا، من منظور مختلف. وتمثل «أوبر بوب»، بعدم اهتمامها بالتنظيم ودعمها لاقتصاد العمل بشكل غير منتظم، كل ما هو غير فرنسي. وأقر البرلمان في نهاية العام الماضي قانونا يقضي بعدم قانونية هذه الخدمة. وتطعن «أوبر» حاليا على دستورية بعض جوانب القانون، مما يضع «أوبر بوب» في وضع قانوني معلق. وأخبرت «أوبر» سائقيها بالاستمرار في العمل، وهو ما دفع فرقة «بور» إلى ملاحقتهم. ومع تحرك بوجول، بدأ ميزير يشرح لستيفان أنه بدأ يتعامل مع «أوبر بوب» منذ وقت قريب، حيث كان يدرس ليصبح مهندس شبكات، وللإنفاق على نفسه، بدأ يعمل سائقا في وقت فراغه. وأخبرني بينما كان ستيفان يملأ بيانات بعض الأوراق: «لقد فعلت كل شيء طلبته مني شركة أوبر. لقد مررت بمعاناة من أجل تسجيل عملي الخاص. ولدي تصريح قيادة، ولدي تأمين. ويريدون منعي فقط لأني أحاول جني بعض المال». وأعطى بوجول ميزير استدعاء ليحضر إلى مركز الشرطة الأسبوع التالي من أجل الإجابة عن المزيد من الأسئلة.
وبينما كنا نقود، أخبرني بوجول بأنه كان من المفترض منع السائقين، الذين يعملون لحساب «أوبر بوب»، من العمل بعد القبض عليهم. مع ذلك كان يعتقد أن ميزير، مثل كثيرين، سوف يستمر في العمل بدعم من ماكينة الدفاع القوية لـ«أوبر». وقال بوجول: «سوف تدفع الغرامة المالية التي دفعها. إنهم يدفعون كل الغرامات؛ إنهم يعملون بهذه الطريقة». وضغط على فكه وأخذ يحملق في صف من كشافات السيارات القادمة وقال: «إن استراتيجية أوبر هي (امنعني إذا كان في مقدورك ذلك)».
ومنذ سبعة أعوام، في ليلة من ليالي الشتاء الباردة في باريس، لم يتمكن اثنان من أصحاب المشروعات الرائدة هما ترافيس كالانيك، وغاريت كامب، من العثور على سيارة أجرة، رغم المحاولة بجد. وكانا في إحدى البلدات لحضور مؤتمر «ليويب» الفني، ودفعتهما تلك التجربة إلى الحديث عن مدى سوء خدمة سيارات الأجرة عندما عادا إلى سان فرانسيسكو. وخطرت ببالهما فكرة بسيطة: ماذا لو يمكن للمرء الحصول على خدمة توصيل في أي وقت وأينما كان فقط من خلال الضغط على زر على الهاتف؟ وبدأ الاثنان تجربة التطبيق الذي ابتكراه في نيويورك بعد عام من ذلك التاريخ. وفي الصيف، قدما إلى سان فرانسيسكو «أوبر كاب». وبدأ التمويل وبدأت معه التحديات القانونية؛ فقد أصدرت سلطات سان فرانسيسكو أمرا بإيقاف الخدمة اعتراضا على استخدام كلمة «سيارة أجرة» كجزء من اسم الشركة. مع ذلك لم يستسلم كالانيك، الذي أصبح الرئيس التنفيذي، ونشر «أوبر» في جميع أنحاء الولايات المتحدة، وكانت النتيجة أوامر إيقاف ومنع في كل مكان تذهب فيه «أوبر». ورغم كل ذلك، تعمل شركة «أوبر» حاليا في 58 دولة، ويقدر رأسمالها بـ50 مليار دولار.
وعندما توسعت شركة «أوبر» في أوروبا، قرر كالانيك بدء الخدمة في فرنسا أولا، لكن رأت الدولة ما يطلق عليه مدير موارد بشرية وصف «لائق ثقافيا». وتعرف فرنسا بالتحفظ على العمال، والصناعات الاستراتيجية، ومجموعة متنوعة من المهن التي تتضمن منافسة غير عادلة. بطبيعة الحال لا يمكن التعامل مع تغيير مشهد العمل على هذا النحو الشامل بشكل إيجابي في فرنسا كما هو الحال في سيليكون فالي.
ويعد التحايل على القانون في سوق العمل أمرا له أهمية كبرى بالنسبة إلى فرقة «بور» التي تأسست عام 1938 من أجل مراقبة مجال سيارات الأجرة، والحد من زيادة عدد سائقي السيارات الأجرة الذين يعملون بلا تصريح. ويعود اسم الفرقة إلى حقبة هروب «الروس البيض» المناهضين للشيوعية إلى فرنسا أثناء الثورة البلشفية عام 1917 وعملهم كسائقي عربات أجرة في باريس. وعندما كانت الشرطة تقترب، كانوا يصيحون «بورررر» من أجل تحذير رفاقهم؛ ومن هنا جاءت تسمية الفرقة بهذا الاسم.
حتى وقت قريب لم تكن هناك أي منافسة بالنسبة إلى سيارات الأجرة الفرنسية، حيث تحدد الدولة بشكل صارم وحازم عدد السيارات المتوفرة وهو عدد قليل. ورغم منح الحكومة ميداليات لسائقي السيارات مجانا، أدت الندرة إلى ارتفاع ثمن الخدمة في الأسواق الثانوية. وبلغ سعر السوق في باريس نحو 200 ألف يورو أو 219 ألف دولار اليوم. ويوجد بالمدينة 17.720 سيارة أجرة فقط، وهذا العدد أكثر ببضعة آلاف عنه قبل غزو النازيين. مع ذلك كل محاولة من قبل الحكومة لزيادة عدد أسطول السيارات، تُقابل بالغضب من جانب سائقي سيارات الأجرة إلى حد يدفعهم إلى تنظيم إضراب يقوم بتعطيل المرور بسياراتهم الأجرة في شوارع العاصمة.
وأقرت الحكومة العام الماضي تشريعًا يعرف باسم قانون «ثيفينود»، الذي يتطلب أن يحمل كافة السائقين تصريح قيادة، ويمنع خدمات تأجير السيارات من استخدام برامج لتحديد المواقع لمعرفة أماكن سياراتهم. وكان ينظر إلى هذا القانون باعتباره هجوما على «أوبر بوب». وفي الوقت الذي تنظر فيه المحاكم الفرنسية في مدى صحة القانون، أعربت الدولة الفرنسية عن أمنياتها ورغباتها بوضوح.
وصرح وزير الداخلية، الذي يشرف على سيارات الأجرة لفترة طويلة، بزيادة عدد فرقة «بور» من 64 إلى 80 خلال شهر يناير (كانون الثاني) بعد سن قانون «ثيفينود» ومكن الفرقة من عمل دوريات لمطاردة سائقي «أوبر بوب»، وغيرهم من السائقين الذين يعملون بشكل غير قانوني على مدار اليوم. وتمكنت الفرقة من تنفيذ 28 عملية ضبط فقط خلال العام الماضي، أما العام الحالي، فقد ألقت الفرقة القبض على مئات السائقين بالفعل.
ورغم كفاءة الفرقة، لا يمكنها السيطرة على متطلبات السوق. وتعهد كل راكب في سيارة تابعة لخدمة «أوبر بوب» تم اعتراض طريقها تلك الليلة بأن يستمر في استخدام الخدمة حتى بعد خطابات الوعظ والإرشاد الصارمة التي ألقاها أفراد فرقة «بور».
وأقرّ صيدلي يبلغ من العمر 25 عاما يدعى فلورنت بهذا الأمر، على الأقل حين تكون فرقة «بور» بعيدة. وقال وهو يحاول العثور على سيارة أجرة عادية لتوصله إلى منزله: «لا أصدق إلا أوبر فحسب». وأضاف قائلا: «إنه نظام رائع غير حياة العملاء، وعالم السيارات الأجرة في فرنسا. وسعر أوبر بوب أقل. ومن المحال أن أتوقف عن استخدام تلك الخدمة».
* خدمة «نيويورك تايمز»



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».