روسيا وأوكرانيا وقعتا اتفاقية الممر الآمن للحبوب والمنتجات الزراعية بالبحر الأسود

برعاية من الأمم المتحدة ووساطة تركية

توقيع اتفاقية الحبوب في إسطنبول أمس بحضور الأمين العام للأمم المتحدة والرئيس التركي (رويترز) (إ.ب.أ)
توقيع اتفاقية الحبوب في إسطنبول أمس بحضور الأمين العام للأمم المتحدة والرئيس التركي (رويترز) (إ.ب.أ)
TT

روسيا وأوكرانيا وقعتا اتفاقية الممر الآمن للحبوب والمنتجات الزراعية بالبحر الأسود

توقيع اتفاقية الحبوب في إسطنبول أمس بحضور الأمين العام للأمم المتحدة والرئيس التركي (رويترز) (إ.ب.أ)
توقيع اتفاقية الحبوب في إسطنبول أمس بحضور الأمين العام للأمم المتحدة والرئيس التركي (رويترز) (إ.ب.أ)

وقعت روسيا وأوكرانيا وتركيا والأمم المتحدة في إسطنبول اتفاقية تتعلق بفتح ممر آمن في البحر الأسود لتصدير الحبوب والمنتجات الزراعية والأسمدة من روسيا وأوكرانيا إلى مختلف أنحاء العالم. ووقع وزيرا الدفاع الروسي سيرغي شويغو والتركي خلوصي أكار والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، في مراسم أقيمت بقصر دولمه بهشه في إسطنبول الجمعة، مذكرة حول توريد المنتجات الزراعية والأسمدة الروسية للأسواق العالمية.
كما وقع وزير الدفاع التركي خلوصي أكار ووزير البنية التحتية في أوكرانيا ألكسندر كوبراكوف، والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الجزء الخاص بأوكرانيا من الاتفاقية، وهو عبارة عن مذكرة تتعلق بتصدير الحبوب الأوكرانية. وحضر التوقيع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.
وتقضي الاتفاقية بفتح ممر في البحر الأسود لخروج الحبوب من 3 موانئ في أوكرانيا هي أوديسا وخيرسون وماريوبول، وإقامة مركز تنسيق مشترك بين الأطراف الأربعة في إسطنبول يتولى مراقبة وتفتيش السفن القادمة إلى الموانئ الأوكرانية للتأكد من عدم حملها أسلحة ومعدات عسكرية. وفي كلمة قبل توقيع الاتفاقية، قال غوتيريش إننا «نشهد اليوم بارقة أمل انبعثت من البحر الأسود لإنهاء أزمة الغذاء... اتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية سيكون له تأثير كبير على فقراء العالم... لا حل لأزمة الغذاء دون السماح باستئناف تصدير الحبوب والأسمدة من روسيا وأوكرانيا». وأضاف: «الاتفاقية جاءت نتيجة عمل شاق منذ أشهر، وتشكل بداية لطريق طويل أيضاً، نؤسس مركزاً مشتركاً لمتابعة استئناف تصدير الحبوب الأوكرانية عبر 3 موانئ بالبحر الأسود، ونشكر تركيا على جهودها من أجل الوصول إلى اتفاق بشأن تصدير الحبوب الأوكرانية». وأكد غوتيريش تعهد الأمم المتحدة بالعمل على إنجاح قضية تصدير الحبوب الأوكراني، مطالباً روسيا وأوكرانيا بالالتزام باتفاقية استئناف الصادرات.
من جانبه، قال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إنه سيكون هناك مركز مقره إسطنبول للإشراف على تنفيذ اتفاقية تصدير الحبوب، مشيراً إلى أنها ستنعكس على حل أزمة الغذاء في أنحاء العالم من أفريقيا إلى أميركا ومن آسيا إلى أوروبا. وعبر عن شكره للرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأوكراني فولوديمير زيلينسكي لدعمهما تسهيل إيصال الحبوب إلى مختلف بقاع العالم. وجاء توقيع الاتفاقية بعد جهود مطولة بذلتها الأمم المتحدة بالتنسيق مع تركيا وروسيا وأوكرانيا والغرب، توجت بعقد اجتماع عسكري رباعي استضافته إسطنبول في 13 يوليو (تموز) الحالي، بمشاركة مسؤولين وخبراء عسكريين من تركيا وروسيا وأوكرانيا والأمم المتحدة، لمناقشة إنشاء ممر آمن لنقل الحبوب العالقة في الموانئ الأوكرانية.
وكتب ميخائيل بودولاك، مستشار رئيس مكتب الرئيس الأوكراني، على «تويتر» عقب توقيع الاتفاقية، أنه «كجزء من الوثائق الخاصة برفع القيود المفروضة على توريد المنتجات الروسية ومساعدة روسيا في تصدير الحبوب الأوكرانية، سيتم إجراء جميع عمليات التفتيش على السفن، بواسطة فرق مشتركة في المياه التركية، إذا لزم الأمر».
وعقب الاجتماع الرباعي السابق، أعلن وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، أن المجتمعين اتفقوا على إنشاء مركز تنسيق في ولاية إسطنبول لمراقبة حركة سفن الشحن التي ستخرج من الموانئ الأوكرانية أو تخرج منها للتأكد من عدم حملها أسلحة أو مخالفتها للاتفاقية يضم ممثلين عن الأطراف الأربعة المعنية.
وبحسب ما رشح عن بنود الاتفاقية، فإنها تسمح بإخراج القمح الأوكراني العالق بسبب الحرب، عبر البحر الأسود وإزالة الألغام حول موانئ أوكرانيا وتخفيف القيود المفروضة على نقل الحبوب والأسمدة الروسية.
وسبق أن أعلنت أوكرانيا أن هناك أكثر من 22 مليون طن من الحبوب محملة على 84 سفينة تنتظر في ميناء أوديسا، ومن أجل خروج هذه السفن يجب إزالة الألغام المتبقية التي زرعت من أجل منع السفن الحربية الروسية من الوصول إلى موانئ أوكرانيا.
وتتضمن الاتفاقية إنشاء ممر الحبوب بمشاركة تركيا وروسيا وأوكرانيا والأمم المتحدة، وإنشاء مركز تنسيق في إسطنبول، وإزالة الألغام المزروعة في البحر الأسود، وخصوصاً في ميناء أوديسا الأوكراني... ومن خلال هذا المركز سيتم تنسيق مسار وتأمين السفن من أجل نقل الحبوب من أوكرانيا وروسيا إلى الأسواق العالمية.
وقالت مصادر دبلوماسية لـ«الشرق الأوسط» إن الضمانات الأمنية التي طالبت بها أوكرانيا من روسيا حتى تتمكن السفن من مغادرة المناطق التي زرعت بالألغام دون مشاكل بعد إزالتها وعدم تعرضها لهجمات روسية، وكذلك عدم استغلال روسيا إزالة الألغام في دخول الموانئ الأوكرانية بسفنها الحربية، كانت أهم ركائز التفاوض على فتح الممر الآمن للحبوب في البحر الأسود. ولفتت إلى أن روسيا أعطت، منذ منتصف يونيو (حزيران)، رسالة مفادها أنها تستطيع تقديم الضمانات اللازمة للاتفاق من خلال سحب قواتها البحرية من الموانئ الأوكرانية وجزيرة الأفعى الأوكرانية في البحر الأسود، وفي المقابل طالبت موسكو بأن تشمل الاتفاقية ليس فقط الحبوب الأوكرانية ولكن أيضاً الحبوب والمنتجات والأسمدة الروسية.
ومن أجل تحقيق المطلب الروسي، كان لا بد من إقناع العالم الغربي، وخصوصاً الولايات المتحدة، التي فرضت عقوبات على روسيا، ولذلك فإن الأمم المتحدة شددت عند بدء اضطلاعها بمهمة فتح الممر الآمن للحبوب في البحر الأسود، على أنه يجب إدراج روسيا في الخطة من أجل منع نشوء أزمة غذاء عالمية، وقد نجحت جهودها في النهاية.
وأفادت تقارير بأن روسيا ستنفذ وقف إطلاق النار ولن تعرض سلامة السفن للخطر. كما أن أوكرانيا طالبت بعدم دخول السفن الروسية إلى مياهها الإقليمية بأي شكل من الأشكال.
أما بالنسبة لمراقبة سلامة وتشغيل الشحنات من خلال مركز التنسيق الذي سيتم إنشاؤه في إسطنبول، فستكون روسيا مسؤولة عن مهمة المراقبة بشكل مشترك مع الأطراف الثلاثة الأخرى. وطالبت أوكرانيا بأن يتم ذلك تحت إشراف الأمم المتحدة. وينتظر أن يتم الكشف عن الوضع النهائي عندما يتم الإعلان عن الاتفاقية في شكلها النهائي.
وتتضمن الاتفاقية بنداً ينص على أنه سيتم فحص شحنات السفن التي تستخدم الممر الآمن في النقاط التي ستنشئها تركيا بمشاركة روسيا. وتريد روسيا من وراء هذا الإجراء التأكد من أن سفن الشحن القادمة إلى أوكرانيا لا تحمل أسلحة وإمدادات عسكرية. وستلعب البحرية التركية دوراً تيسيرياً، فقط، فيما يتعلق بالمعاملات بين الطرفين.
وأعلنت واشنطن أنها ترحب بالإعلان عن الاتفاقية، من حيث المبدأ، قائلة إن ما يهمهما الآن هو السماح للحبوب الأوكرانية بالوصول إلى الأسواق العالمية. وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية نيد برايس، ليل الخميس - الجمعة، إن الولايات المتحدة ترحب بهذا الاتفاق مع أنه «ما كان ينبغي لنا أن نكون في هذا الوضع أساساً»، مُديناً «استخدام موسكو المواد الغذائية كسلاح».


مقالات ذات صلة

بريطانيا: تحالف دولي سيرسل 30 ألف مسيّرة لأوكرانيا

أوروبا جندي أوكراني يقود مركبة أرضية مسيرة إلكترونياً خلال معرض للمعدات العسكرية والأسلحة (رويترز)

بريطانيا: تحالف دولي سيرسل 30 ألف مسيّرة لأوكرانيا

أعلنت وزارة الدفاع البريطانية، الخميس، أن تحالفاً دولياً تقوده بريطانيا ولاتفيا لإمداد أوكرانيا بمسيّرات سيرسل 30 ألف مسيّرة جديدة إلى كييف.

«الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا رجال الإطفاء يعملون في موقع مبنى إداري تضرر جراء الغارات الجوية والصاروخية الروسية في زابوريجيا (رويترز) play-circle 00:36

13 قتيلاً بضربة روسية على زابوريجيا الأوكرانية

قُتل 13 شخصاً اليوم (الأربعاء) في ضربة روسية على مدينة زابوريجيا الأوكرانية، وفق ما أعلن حاكم المنطقة، في حصيلة تعد من الأعلى منذ أسابيع لضربة جوية واحدة.

«الشرق الأوسط» (كييف)
الخليج الأمير محمد بن سلمان والرئيس فولوديمير زيلينسكي (الخارجية السعودية)

محمد بن سلمان وزيلينسكي يبحثان جهود حل الأزمة الأوكرانية - الروسية

بحث ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، جهود حل الأزمة الأوكرانية - الروسية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية- رويترز)

ترمب عن الـ«ناتو»: يدفعون أقل مما ينبغي لكي تحميهم الولايات المتحدة

حضّ ترمب أعضاء حلف «الناتو» على زيادة إنفاقهم الدفاعي إلى 5 % من إجمالي ناتجهم المحلي، مقابل «حماية الولايات المتحدة».

«الشرق الأوسط» (مارالاغو (الولايات المتحدة))
أوروبا رجال إنقاذ في موقع مبنى سكني ضربته غارة جوية روسية على أوكرانيا بمنطقة سومي 4 يناير 2025 (رويترز)

روسيا: وجّهنا ضربات مكثفة للقوات الأوكرانية في منطقة كورسك

قالت وزارة الدفاع الروسية إن قواتها وجّهت ضربات مكثفة لوحدات أوكرانية في منطقة كورسك غرب روسيا، وأفاد الجيش الأوكراني بتصعيد القتال خلال اﻟ24 ساعة الماضية.

«الشرق الأوسط» (موسكو - كييف)

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟