أُبرم اتفاق يسمح بتصدير الحبوب من أوكرانيا من دون عوائق عبر ما يسمى الممر الآمن في البحر الأسود. وإذا أمكن تنفيذ هذا الاتفاق، فإن 20 إلى 25 مليون طن من الحبوب الأوكرانية لن تتعفن في الصوامع، وسيجري شحنها إلى وجهاتها.
جرت مراسم التوقيع في إسطنبول مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش رفقة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان كمُضيف ومُيسر للاتفاق. وحضر الاجتماع ممثلون عن أوكرانيا (وزير البنية التحتية)، وروسيا (وزير الدفاع)، وتركيا (وزير الدفاع).
ملاحظتان حول مراسم التوقيع: فقد وقع الروس والأوكرانيون نصوصاً مختلفة (مع الأمم المتحدة وتركيا) وليس مع بعضهما مباشرة. وهناك اتفاقان منفصلان ولكنهما مكملان.
لم يُعقد مؤتمر صحافي بعد مراسم التوقيع. وكانت الرسالة أن هذا ترتيب استثنائي للتغلب على الأزمة الغذائية، وهي قضية إنسانية. إلى جانب ذلك، لا يريد الجانبان التحدث مع بعضهما البعض، والحرب بينهما مستمرة.
ووفق هذا الترتيب، الذي يكون سارياً لفترة أولية مدتها ثلاثة أشهر (ويُمدد تلقائياً ما لم يكن هناك اعتراض من أي من الجانبين)؛ سوف تتم إقامة «مركز التنسيق المشترك»، ولجنة مشتركة مسؤولة عن التنفيذ في إسطنبول.
وستكون موانئ «أوديسا»، و«تشورنوكورسك»، و«بيفدينيي» الأوكرانية هي المعنية بعمليات تحميل الحبوب. كما سيكون هناك ممر آمن واحد (من أجل تفادي تعقيد الأمور).
ستضطلع أوكرانيا بمسؤولية توجيه سفن الحبوب عبر الألغام التي زرعتها خارج الموانئ ضد الروس. (لن تكون هناك عملية لإزالة الألغام البحرية).
كما ستمتنع روسيا عن مباشرة أي أعمال عسكرية في المنطقة أثناء تحرك السفن. وستكون هناك آلية للتفتيش يتم بموجبها تفتيش السفن الخارجة (من الموانئ الأوكرانية) والسفن العائدة إليها، مقابل أي احتمال لشحنات أخرى غير الحبوب. (كانت هذه إحدى الشواغل الروسية الرئيسية من أن السفن قد تجلب الأسلحة في طريق العودة). وستكون روسيا قادرة على تصدير الأسمدة.
يدخل الاتفاق المذكور حيز التنفيذ الفعلي في أقرب وقت ممكن، على أمل أن يتم ذلك في غضون أسبوعين. كما يتعين الانتهاء من الإجراءات التشغيلية في صورتها النهائية أولاً.
اجتمعت وفود على المستوى التقني من أوكرانيا وروسيا وتركيا والأمم المتحدة مرات عدة، وتمكنت من التوصل إلى الترتيبات المذكورة. لا بد أنها كانت ممارسات عسيرة للغاية. وأعتقد أن أي مشاكل متبقية قد عولجت في طهران قبل 3 أيام على أعلى مستوى، عندما اجتمع الرئيسان إردوغان وبوتين. لكن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو ما إذا كان الاتفاق على الممر الآمن جزءاً من حزمة تشمل ربما القضايا المتعلقة بسوريا، والعقوبات ضد روسيا، وصادرات الغاز.
جاء اتفاق إسطنبول في وقت وُجهت فيه الاتهامات لتركيا بقصف وقتل المدنيين في زاخو (في محافظة دهوك ضمن الحدود الإدارية لإقليم كردستان العراق) بتاريخ 20 يوليو (تموز) الجاري. وأصدرت وزارة الخارجية التركية بياناً رفضت فيه الاتهامات، واتهمت منظمة «حزب العمال الكردستاني» الإرهابية بشن الهجمات. وأعربت تركيا عن استعدادها لاتخاذ الخطوات اللازمة للبحث عن حقيقة الأمر، ودعت الحكومة العراقية إلى إجراء تحقيق مشترك. ووجه رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي رسالة ذات نبرة قاسية إلى تركيا. كما أدان نيجيرفان بارزاني رئيس الإقليم الهجوم، بيد أنه لم يلق باللائمة على تركيا.
بالرجوع إلى إسطنبول، وبالأمس، حتى الأنباء الواردة التي تفيد بإمكانية توقيع الاتفاق، أسفرت عن انخفاض أسعار القمح بنسبة 2 في المائة. لا بد لحكومات البلدان النامية والبلدان المتأخرة - التي تحتاج للحبوب لإطعام سكانها - أن تكون أكثر أملاً في المستقبل بعد توقيع الاتفاق.
تجدر الإشارة إلى أنه برغم توقيع الاتفاق، فإن جميع البلدان المعنية والمتضررة، بطريقة أو بأخرى، جراء الحرب في أوكرانيا، تواصل العمل على إيجاد بدائل من قبيل تحسين بعض المعابر الحدودية، والطرق، والسكك الحديدية، والموانئ في مولدوفا ورومانيا.
تكمن المشكلة الرئيسية الأخرى التي تسببت فيها الحرب الأوكرانية في أمن الطاقة. تستخدم روسيا موارد الغاز الطبيعي للرد انتقاماً من العقوبات. وتحصل أوروبا على نحو 40 في المائة من الغاز من روسيا، كما أن ألمانيا تعد المستورد الرئيسي للغاز الروسي في القارة. وقبل 10 أيام، أوقفت روسيا عمليات نقل الغاز عبر خط الأنابيب (نورد ستريم 1) إثر أعمال الصيانة. أما الآن، فقد عاد خط الأنابيب إلى العمل مرة أخرى وإنما بدرجة أقل. إن الشتاء قادم، والاتحاد الأوروبي يحاول جاهداً تنويع مصادر الغاز لديه. وقد دعا مسؤولو الاتحاد الأوروبي البلدان الأوروبية إلى وقف استخدام الغاز بنسبة معينة.
برغم الاتفاق الذي أُبرم في إسطنبول، يبدو أننا لا نزال في خضم الحرب المستمرة في أوكرانيا.
مع كل العقوبات والقيود، تواجه روسيا استنزاف الموارد، لكن يبدو أنها لا تزال قادرة على الحفاظ على سير الأمور لفترة من الوقت.
لا تزال أوكرانيا عاقدة العزم على القتال في مواجهة العدوان الروسي، ولا تنوي التخلي عن أراضيها. فالهجمات المضادة مستمرة، والأسلحة الواردة من الغرب لا تزال تصل إلى أوكرانيا.
ماذا عن الرأي العام؟
ينتهي الأمر بالاعتراض على السياسات الحكومية في روسيا عادة عند طرف هراوات الشرطة ثم الزج في السجون. ومن جهة أخرى، برغم أن هراوات الشرطة من الممكن أن تلعب دوراً مهماً، فإن الرأي العام الغربي لديه نظرة في الأمور، ويمكن أن يؤثر على سياسات حكوماتهم. وكما قال دبلوماسي تركي سابق يعرف روسيا حق المعرفة: إن الروس، باستثناء أولئك الذين يعيشون في موسكو وسان بطرسبرغ وربما بعض المدن الأخرى، يعيشون حياتهم الطبيعية وكأنهم تحت نير العقوبات. لذا لست متأكداً مما إذا كانوا يدركون حتى أنهم يخضعون للعقوبات بسبب غزو أوكرانيا.
يُعتبر اتفاق إسطنبول بمثابة نجاح دبلوماسي مطلوب بشدة لدى تركيا، التي هي الآن في وضع يسمح لها بالزعم أن الحفاظ على العلاقات مع روسيا قد ساعد في بلوغ هذه النتيجة.
كما يُعد اتفاق الحبوب أول اتفاق يجلس فيه المفاوضون الأوكرانيون والروس حول نفس الطاولة منذ بداية الحرب. فإذا أمكن إبرام هذا الاتفاق، فلم لا يُبرم اتفاق آخر؟
لكن يتعين علينا أن نأخذ في اعتبارنا أن القضايا الإقليمية، وغيرها من القضايا الأخرى، ربما تكون أكثر تعقيداً من قضية الحبوب.
إن التوقيع على اتفاق «ممر الحبوب الآمن» إنجاز كبير، لكنه ليس النهاية. فالجانبان لا يثقان في بعضهما البعض، كما أن مجريات الحرب الدائرة تلعب دوراً مهماً. وتخشى كل من أوكرانيا وروسيا أن يستخدم الجانب الآخر هذا الترتيب لخدمة أغراض عسكرية أخرى. وما ينبغي أن نراه هو تنفيذ هذا الترتيب.
وختاماً، فإن ما تحقق في إسطنبول مهم، غير أنه غير صلب بالمرة.
«صفقة الحبوب»: الآمال والتوقعات
«صفقة الحبوب»: الآمال والتوقعات
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة