بمناسبة الذكرى السنوية الـ48 للحرب الإسرائيلية على مصر وسوريا والأردن، التي عرفت بـ«حرب الأيام الستة» أو «حرب يونيو (حزيران)»، أفرجت الحكومة الإسرائيلية عن وثائق جديدة، تكشف أسرارًا عن هذه الحرب وعن الأجواء التي سادت قبل أيام من اندلاعها. ومنها أن إسرائيل خشيت من قصف مصري للمفاعل النووية في ديمونة بالنقب. وأن رئيس هيئة الأركان في الجيش الإسرائيلي آنذاك، الجنرال يتسحاق رابين، خشي من حرب عربية تهدد وجود الدولة العبرية، فطلب من رئيس الحكومة، ليفي إشكول، أن يبادر إلى الهجوم. وأن وزير الدفاع (الجنرال) موشيه ديان، هدّد الأردن بقصف العاصمة الأردنية عمّان ما لم يكف الجيش الأردني عن القتال دفاعًا عن القدس.
إحدى الوثائق كشفت أن رابين اجتمع مع رئيس حكومته إشكول، وأبلغه بقلقه على وجود إسرائيل، وقال: «العرب يستعدون للحرب ومن المحتمل أن نمر بوضع عسكري نفقد من خلاله كثيرًا من الأفضليات، ومن المحتمل أن نصل إلى وضع لا أريد أن أعبّر عنه بكلمات شديدة، ولكن ستكون هناك مخاطر وجودية على بقاء دولة إسرائيل». وجرى تكرار هذه الأقوال خلال جلسة لرئاسة هيئة الأركان مع اللجنة الوزارية للشؤون الأمنية في الحكومة. ويومها ضمت اللجنة 11 وزيرًا من بينهم إشكول وديان ووزير الخارجية آبا إيبان.
ويظهر الانطباع من مضمون البروتوكولات التي أفرج عنها أرشيف الجيش الإسرائيلي عن حجم الضائقة الكبير التي بدت على القيادتين العسكرية والسياسية في إسرائيل تلك الأيام. وأوضح رابين للوزراء أنه يجب القيام بضربة استباقية وتجنب الانتظار. وبحسب أقواله، إذا فقدت إسرائيل الأفضليات الخاصة بها، فإن الحرب ستكون «طويلة وصعبة وفيها كثير من الخسائر بالأرواح».
وعلى طول الجلسة الصاخبة كان التوتر واضحًا، خصوصًا بسبب الضغوط التي مارسها ضباط مجلس هيئة الأركان العليا في الجيش الإسرائيلي على رئيس الوزراء، إشكول، حول ضرورة المبادرة في بدء الحرب.
وافتتحت الجلسة المذكورة بكلمة للجنرال أهارون ياريف، رئيس جهاز استخبارات الجيش الإسرائيلي في تلك الفترة. ووصف ياريف أن أيام الانتظار قبل الحرب هي «الفرصة الأكبر لمصر». وبحسب أقواله، فإن كل إنجاز تقوم به مصر من دون مضايقة إسرائيلية من المحتمل أن يمنح القيادة المصرية الإحساس أنه يمكن المواصلة واستغلال النجاح للمبادرة بعمليات أخرى مثل «توجيه ضربة استباقية لتدمير مفاعل ديمونة أو حتى ربما المطارات».
وأوضح ياريف أمام الوزراء أن المنظومة العسكرية في مصر قد استكملت استعداداتها للحرب، وأضاف أنه وصلت إلى مصر تعزيزات من الاتحاد السوفياتي. وشرح ياريف الأوضاع السياسية، فقال: «كلما تواصلت الأزمة، فإن التأثير على هيبة الضربة الإسرائيلية سيزداد، وكذلك الأمر بالنسبة لمصداقية الردع وموقف الغرب والولايات المتحدة في المنطقة». وتابع: «هناك عدد غير قليل من الناس في المواقع المهمة في الولايات المتحدة ممن كانوا سيرون في العملية الإسرائيلية حلاً سهلاً ومريحًا. الرئيس سوف يستاء، وسينددون بنا، ولكن إذا قمنا بالعمل بحكمة وبسرعة فهناك، بحسب تقديراتنا، احتمال بألا تكون الولايات المتحدة العقبة الأساسية أمام عملياتنا».
وتحدث رابين، الذي كان في حينه رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، بعد ياريف، فقال: «أنا أشعر أن الطوق العسكري والسياسي يلتف حول أعناقنا، ولست مؤمنًا بأن هناك من يمكنه أن يفك هذا الطوق سوانا». وأردف رابين أمام الوزراء: «بعد أن انتظرنا، بينما حدد العرب هدفهم السياسي بالعودة إلى 1948، لا يوجد لدينا أي حق في الانتظار حتى يخلق وضع يصعب الأمور علينا، وأكثر من ذلك. الهدف الأساسي لنا يجب أن يكون ضربة حاسمة لجمال عبد الناصر. هكذا يمكن أن نؤدي للتغيير في كل صورة الوضع في الشرق الأوسط».
أما قائد سلاح الجو الإسرائيلي، الجنرال مردخاي (موطي) هود، فتحدث عن استعدادات سلاح الجو، وأجرى مقارنة بين كثير من القوات، وقال إن مصر طلبت زيادة 40 طائرة من نوع ميغ 21، وأن هناك موافقة من يوغوسلافيا على ذلك. وتابع هود: «في عام 1948 نقلنا طائرات من تشيكوسلوفاكيا إلى إسرائيل وهذه المرة سيكون الأمر بالاتجاه العكسي إلى مصر». وأوضح هود أنه كلما تم تقديم موعد الضربة الإسرائيلية، فإن ذلك سيصب في مصلحة إسرائيل. وقال شارحًا: «عندها نستطيع القيام بكل مهامنا وأنا أؤمن أننا نستطيع أن نقوم بها حتى لو تم تأجيل الموعد، ولكن سيكون علينا أن نستثمر كثيرًا من الجهود والوقت والخسائر البشرية من أجل تحقيق نفس الإنجاز الذي يمكن أن نصل إليه اليوم أو غدًا».
وسأل وزير التربية والثقافة زلمان أورن حول احتمالات الخسائر بالأرواح في صفوف الجنود الإسرائيليين في حال ضرب المطارات المصرية، فرد هود قائلا: «في فيتنام، عندما كانت عملية جوية مركزة، فإن نسبة الخسائر بالأرواح هي 4 في المائة».
وخلال الاجتماع، بدا أن معظم الجنرالات في هيئة الأركان، كانوا أقل «ودية» مع الوزراء. وتشير إحدى الوثائق إلى أن الجنرالات اتهموا الوزراء بأنهم «متردّدون وخائفون»، ولذلك يمتنعون عن اتخاذ قرار بشن هجوم. وتساءل الجنرال موشيه بيليد: «ماذا ننتظر؟ ماذا جنى الجيش الإسرائيلي لكي تشككوا بقدراته؟». وحذّر قائلاً: «اللعبة دخلت إلى وضع لا يمكن مواجهته».
وأظهرت الوثائق أيضًا، أن الجنرال أريئيل (أريك) شارون بدا ساخرًا من الحكومة وموقفها، وقال: «إذا أردنا أن نبقى هنا على مدار الزمان، فإنه يجب علينا أن نشدّد على حقوقنا». وأضاف: «بسبب التردد وجرّ الوقت خسرنا عامل الردع الأساسي». (في وثائق سابقة روى بعض الجنرالات أن شارون اقترح حبس الوزراء في مقر القيادة، وشن الحرب والامتناع عن إطلاق سراحهم إلا بعد انتهاء العمليات).
وفي أعقاب الأسئلة التي طرحت بخصوص عدد الخسائر المتوقعة بالأرواح للإسرائيليين أجاب شارون: «منذ حرب التحرير (1948) لم نواجه وضعًا صعبًا وخطيرًا كهذا. ولذلك، فإن هذه الحملة ستشمل عددًا أكبر من الخسائر وعلينا أن نقوم بذلك، لأنه لا مفر من ذلك». وهنا اعترف رئيس الحكومة إشكول بأنه يخشى من عزلة إسرائيلية شديدة، وطلب مزيدًا من الوقت ليجنّد الحلفاء. وخاطب شارون قائلاً: «هناك أهمية قصوى للخروج إلى الحرب في ظل اتفاق مع الحلفاء. أنا لا أريد أن تكون إسرائيل معزولة لأجيال كثيرة».
غير أن الجنرال بيليد لم يقتنع بأقوال إشكول، وصعّب الأمر عليه، فرد قائلاً: «طلبنا توضيح ما الذي يدفعنا إلى الانتظار؟». فأجاب إشكول: «إذا لم أشرح الأمر حتى الآن، فلن أشرح مرة أخرى. علينا أن ندخل إلى أذني الرئيس الأميركي (ليندون) جونسون بألا يقول إننا خدعناه، لأننا قد نحتاج إليه». وأوضح إشكول أن النصر العسكري «لن ينهي الأمر، لأن العرب سيبقون هنا وسيكون علينا أن نحافظ على بعض الأصدقاء في العالم، من أجل بناء قوتنا العسكرية بمساعدتهم».
وفي نهاية الجلسة ألمح رابين إلى ضرورة عقد جلسة للحكومة من أجل بحث طلب الجيش بشن حرب استباقية، وسأل: «أنا أفهم أنه تعقد الآن جلسة حكومة»، إلا أن إشكول رد عليه: «لا.. لا تجري الآن جلسة حكومة، وإنما يوم الأحد».
وفي صباح يوم الأحد الرابع من يونيو عقدت الحكومة جلستها المقررة وفي اليوم التالي اندلعت الحرب التي غيّرت خارطة المنطقة.
الحرب
وتشير الوثائق إلى أن الحرب التي انطلقت في الخامس من يونيو 1967، بدأت بشن غارات إسرائيلية مباغتة ضد قواعد سلاح الجو المصري، فاجأت وأصابت 180 طائرة مقاتلة على الأقل حتى الساعة 11:05. وبحسب المحاضر، فإنه تقرّر في مداولات بحضور موشيه ديان تحاشي مهاجمة سوريا، لكن بعد ساعة هاجم الطيران السوري طبريا ومجدّو، وفي أعقاب ذلك تقرّر أن يهاجم الطيران الإسرائيلي أهدافًا في سوريا، فقصف أربعة مطارات عسكرية.
وجاء في المحاضر أيضًا أنه «جرى اشتراط احتلال الضفة بالوضع في الجنوب. وفي جميع الأحوال، تقرّر أن إمكانية احتلال الضفة كلها أفضل من اختراق مسار إلى جبل المشارف (في القدس الشرقية) فقط». وقال محضر اجتماع للجيش في اليوم الثاني للحرب، إنه «إذا كان الوصول إلى جبل المشارف سيتحقق في الصباح، فإنه ينبغي احتلال الضفة حتى (منطقة) قمم الجبال، ومنح إمكانية للمدنيين بالهروب»، أي ترحيل الفلسطينيين الخائفين من قوات الاحتلال الإسرائيلية.
وأبلغ الجنرال هود، قائد سلاح الجو، استنادًا إلى تقارير تلقاها من طياريه، بأنه يسجّل «هروبًا شاملاً» للفلسطينيين باتجاه الشرق؛ أي الأردن. وفي ساعات مساء اليوم نفسه، أبلغ الجنرال ديان قادة الجيش بضرورة التأهب لاقتحام البلدة القديمة في القدس. وفي اليوم التالي، 7 يونيو، أصدر ديان في الصباح الباكر أمرًا بإغلاق البلدة القديمة واقتحامها على ألا تقتحم القوات المسجد الأقصى وحائط البراق. ومن ثم، جرى تعيين شلومو لاهط حاكمًا عسكريًا للمدينة. وجاء في المحضر العسكري أن حشودًا فلسطينية تنزح عن الضفة باتجاه الشرق. وقبل ظهر اليوم نفسه تلقت قيادة الجيش بلاغًا من القوات بأنها احتلت الحرم القدسي الشريف، وأن القوات بالقرب من باحة البراق. ولكن القوات الأردنية أبدت مقاومة شديدة في الدفاع عن القدس، فوجّهت إسرائيل تهديدًا صريحًا ومباشرًا إلى الأردن بأنه في حال عدم توقف القصف على القدس، فإن الطيران الإسرائيلي سيقصف عمّان. لكن مقاطع من هذا المحضر فرضت عليها الرقابة العسكرية أمر حظر نشر.
وبدأ الجيش الإسرائيلي في اليوم التالي، 8 يونيو، يناقش خطط ترسيخ الاحتلال في الضفة الغربية، وتقرر أن يحكمها حكم عسكري، وأن تقسم إلى ست مناطق، وأن يكون الحكم العسكري خاضعًا لقائد الجبهة الوسطى في الجيش.
ويتبين من المحاضر أن ديان طرح عدة أفكار حول مصير الضفة، بينها تشكيل «حكومة عربية مستقلة» في قسم من أراضي الضفة، و«توحيد القدس»، وإلغاء اتفاقيات لجنة وقف إطلاق النار التي أقرت الحدود بين إسرائيل والأردن في عام 1949.
وفي مقابل ذلك، بدأ الجيش الإسرائيلي شن هجماته ضد سوريا. وفي فجر اليوم التاسع من يونيو، أبلغت قيادة الجبهة الجنوبية للجيش الإسرائيلي أن قواتها أصبحت موجودة عند ضفاف قناة السويس والبحر الأحمر، وأن قواتها أكملت احتلال سيناء كاملة، وأن «الجيش الإسرائيلي ينتقل إلى الدفاع عن الحدود المتّسعة لدولة إسرائيل في الجنوب والشرق والشمال».
وفي موازاة ذلك، يعرض في إسرائيل هذه الأيام فيلم وثائقي بعنوان «حديث المقاتلين»، يروي فيه جنود شاركوا في هذه الحرب شهاداتهم حول الأوامر التي تلقوها في الضفة الغربية. فقال بعضهم إن هذه الأوامر ذكّرتهم بما جرى لليهود إبان المحرقة النازية في ألمانيا. وجاء في إحدى الشهادات: «جرى تكليفنا بإجلاء السكان. وكنا نأخذ العربي المتجذّر في قريته ونحوّله إلى لاجئ، وببساطة نطرده من هناك، وليس واحدًا أو اثنين أو ثلاثة، إجلاء، كما يسمى هذا... وعندما ترى أن قرية بأكملها كهذه تسير كقطيع إلى المكان الذي تقودهم إليه، وليس لديك ظل مؤشر على شيء كالمقاومة، فإنك تدرك ما معنى المحرقة (الهولوكوست)».
وجاء في شهادة ثانية: «التقينا هناك بقافلة كبيرة في الطرق الترابية في الداخل وفتشناهم، ولم يكن هناك أي شيء، فسمحنا لهم بالمرور. وفي هذه الأثناء واصلنا سفرنا وعدنا. ولقد عرفنا أن جنودنا قد أوقفوا القافلة نفسها من قبل. قبل ساعة منا. وأبقوا جميع الرجال، وأرسلوا النساء والأولاد والحمير والقطيع قدمًا، وبينما كانوا يرونهم يذهبون مسافة مائة متر من هناك، ويتّجهون شرقًا، أطلقوا النار على 15 رجلاً. بكل بساطة أطلقوا النار. وعندما اقتربنا شاهدنا جنديين يمسكان (القتلى) من الأيدي والأرجل ويلقون بهم خلف جدار حجري. وهؤلاء الأشخاص الذين كانوا موجودين هناك انشغلوا بهذه المسألة مرة تلو الأخرى، كيف يمكن حدوث هذا؟ وتحدثوا مع نائب قائد اللواء، فقال ببساطة: عندما تحطّب الأشجار تتطاير شظايا».