هجوم إلكتروني يخترق المعطيات الشخصية لـ4 ملايين موظف فيدرالي.. وواشنطن تشتبه ببكين

الصين تنتقد وتعتبر الاتهام غير مسؤول ولا يستند إلى أساس علمي

هجوم إلكتروني يخترق المعطيات الشخصية لـ4 ملايين موظف فيدرالي.. وواشنطن تشتبه ببكين
TT

هجوم إلكتروني يخترق المعطيات الشخصية لـ4 ملايين موظف فيدرالي.. وواشنطن تشتبه ببكين

هجوم إلكتروني يخترق المعطيات الشخصية لـ4 ملايين موظف فيدرالي.. وواشنطن تشتبه ببكين

أعلنت الحكومة الأميركية أمس الخميس، أنها كشفت عن عمليات قرصنة معلوماتية طاولت المعطيات الشخصية لأربعة ملايين موظف فيدرالي على الأقل، في هجوم إلكتروني ضخم يشتبه بأن مصدره الصين.
ورصد مكتب إدارة شؤون الموظفين هذا «التوغل الإلكتروني» في أبريل (نيسان) 2015، وهو هيئة تتولى إدارة شؤون موظفي الحكومة وتُصدر كل سنة مئات آلاف التصاريح الأمنية الحساسة والتحقيقات حول أشخاص مطروحين لوظائف في الإدارة.
وحسبما علمت صحيفة «واشنطن بوست» من مسؤولين أميركيين طلبوا عدم كشف أسمائهم، فإن قراصنة معلوماتيين صينيين خططوا لهذه القرصنة في ديسمبر (كانون الأول)، وهي ثاني عملية قرصنة كبرى لهذه الوكالة تنفذها الصين.
إلا أن بكين انتقدت توجيه أصابع الاتهام إليها في هذه القضية، وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية هونغ لي اليوم، إن «عدم إجراء تحقيق معمق واستخدام كلمات مثل +محتمل+ (لوصف مسؤولية الصين)، أمر غير مسؤول ولا يستند إلى أساس علمي». مؤكّدًا أن الصين «معارضة لأي شكل من أشكال الجريمة الإلكترونية».
كما رفضت سفارة الصين في الولايات المتحدة هذه الاتهامات، وأعلن المتحدث باسمها تشو هايكان أن «استخلاص استنتاجات متسرعة وإطلاق اتهامات تبنى على افتراضات، أمر غير مسؤول وغير مفيد» مؤكدًا أن «التشريعات الصينية تحظر الجريمة الإلكترونية بكل أشكالها والصين بذلت جهودا كبرى لمحاربة الجريمة الإلكترونية».
وكان مكتب إدارة شؤون الموظفين قد أعلن في بيان، أن القرصنة شملت المعطيات الشخصية لنحو أربعة ملايين موظف في الإدارة حاليين وسابقين، مشيرًا إلى أنهم سسيبلغون اعتبارا من 8 يونيو (حزيران). غير أن البيان لم يستبعد أن يظهر ضحايا آخرون في سياق التحقيق، عارضًا التعويض عليهم بمستوى مليون دولار في حال كانوا ضحية «احتيال وسرقة هوية».
واستخدمت هذه الوكالة في الأشهر الأخيرة، أدوات معلوماتية جديدة أتاحت لها رصد هذا الهجوم بعد أربعة أشهر على إطلاقه، وقد نفذ في وقت كانت الوكالة تدرس إجراءات أمنية جديدة طُبّقت فيما بعد.
ولم يتضح هدف القراصنة في الوقت الحاضر ما بين سرقة هويات وتجسس كما لم يتضح ما إذا كانت القرصنة طاولت الرئيس باراك أوباما أو مسؤولين كبار في الإدارة الأميركية أو في وكالات الاستخبارات.
ويتولى مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) وإدارة الأمن القومي التحقيق، وأعلن الـ(إف بي آي) في بيان أنه «سيواصل التحقيق ومحاسبة الذين يشكلون خطرًا في الفضاء الإلكتروني».
من جهتها أكدت مديرة مكتب إدارة شؤون الموظفين كاثرين أرشوليتا أن «حماية بيانات موظفينا الفيدراليين من حوادث إلكترونية تخريبية هي أولى أولوياتنا»، مشيرة إلى الالتزام بـ«مسؤوليتنا في ضمان أمن المعلومات المخزنة في أنظمتنا».
كما دعا المكتب جميع الذين شملتهم عملية القرصنة إلى توخي «الحذر» في إدارة حساباتهم المصرفية والتعامل مع بياناتهم الشخصية.
يذكر أن عمليات القرصنة تزايدت في الأشهر الأخيرة بالولايات المتحدة، واستهدفت بمعظمها الأنظمة المعلوماتية لمجموعات كبرى على الإنترنت، مثل شركة «تارغت» للتوزيع وشركة «أنتيم» للتأمين الصحي ومجموعة «سوني بيكتشرز إنترتينمنت» لإنتاج الأفلام.
وفي العام الماضي تسلل قراصنة صينيون إلى الشبكة المعلوماتية لمكتب إدارة شؤون الموظفين وشركتين تتعاملان معه، مستهدفين بصورة خاصة ملفات طلبات تصاريح أمنية سرية لعشرات آلاف الموظفين.
ورُصد الهجوم في مارس (آذار) 2014 فجُمّد على الفور، ونسبه مسؤول أميركي كبير إلى الصين.
كما استهدف قراصنة العام الماضي عناوين بريد إلكتروني في البيت الأبيض ووزارة الخارجية بما في ذلك بريد باراك أوباما نفسه، وفق ما أقر به أخيرا مسؤولون أميركيون، في هجوم نسب إلى روسيا، حسب صحيفة «نيويورك تايمز».
وكان مكتب محاسبة الحكومة الذي يراقب ويحقق في عمل الإدارة قد أشار في أبريل (نيسان)، إلى «نقاط الضعف في نهج الحكومة الأميركية من أجل حماية الأنظمة المعلوماتية الفيدرالية».
وقال مدير الاستخبارات الوطنية جيمس كلابر في فبراير (شباط) إن التجسس الصيني على شركات أميركية «لا يزال يطرح مشكلة كبيرة»، مذكرا بأن بكين وموسكو تملكان أنظمة «متطورة جدا» لشن هذه الهجمات. وأشار بشكل صريح إلى الصين في هجوم معلوماتي آخر جرى في أغسطس (آب) 2014، واستهدف مستشفيات تديرها شركة «كوميونيتي هيلث سيستمز»، التي تمثل 200 مؤسسة صحية، وقد سُرقت البيانات الشخصية للمرضى.
وحذر كلابر بصورة عامة بأن الولايات المتحدة لا تواجه خطر التعرض لهجوم ضخم، بل الخطر يأتي من تضاعف الهجمات «الضعيفة إلى المتوسطة المدى».
وتزامن الإعلان عن الهجوم مع كشف صحيفة «نيويورك تايمز» استنادا إلى وثائق للمستشار السابق في وكالة الأمن القومي إدوارد سنودن، أن إدارة أوباما أعطت الوكالة صلاحيات موسعة لمراقبة الاتصالات على الإنترنت من أجل رصد أي قراصنة معلوماتيين يعملون لحساب حكومات أجنبية.
ودافع مكتب مدير الاستخبارات الوطنية أمس، عن موقفه مذكرا بأن التهديد الإلكتروني للولايات المتحدة يزداد «بوتيرته ومداه وتطوره وخطورته».



رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية
TT

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

هل عادت رياح اليسار تهب من جديد على أميركا اللاتينية بعد موجة الانتصارات الأخيرة التي حصدتها القوى والأحزاب التقدمية في الانتخابات العامة والرئاسية؟
من المكسيك إلى الأرجنتين، ومن تشيلي إلى هندوراس والبيرو، ومؤخراً كولومبيا، خمسة من أقوى الاقتصادات في أميركا اللاتينية أصبحت بيد هذه الأحزاب، فيما تتجه كل الأنظار إلى البرازيل حيث ترجح الاستطلاعات الأولى فوز الرئيس الأسبق لولا دي سيلفا في انتخابات الرئاسة المقبلة، وإقفال الدائرة اليسارية في هذه المنطقة التي تتعاقب عليها منذ عقود شتى أنظمة الاستبداد العسكري والمدني، التي شهدت أبشع الديكتاتوريات اليسارية واليمينية.
بعض هذه الدول عاد إلى حكم اليسار، مثل الأرجنتين وهندوراس وبوليفيا، بعد أن جنح إلى الاعتدال، ودول أخرى لم تكن تتصور أنها ستقع يوماً في قبضة القوى التقدمية، مثل تشيلي وكولومبيا، فيما دول مثل المكسيك وبيرو ترفع لواء اليسار لكن اقتصادها يحتكم إلى أرسخ القواعد الليبرالية.
هذه الموجة تعيد إلى الأذهان تلك التي شهدتها المنطقة مطلع هذا القرن مع صعود هوغو تشافيز في فنزويلا، وتحت الظل الأبدي الوارف لفيديل كاسترو، فيما أطلق عليه يومها «اشتراكية القرن الحادي والعشرين». ومن المفارقة أن الدوافع التي كانت وراء ظهور هذه الموجة، نجدها غالباً في تمايزها عن تلك الموجة السابقة التي كان لارتفاع أسعار المواد الأولية والصادرات النفطية الدور الأساسي في صمودها. فيما محرك التغيير اليوم يتغذى من تدهور الوضع الاجتماعي الذي فجر احتجاجات عام 2019 وتفاقم مع ظهور جائحة «كوفيد». يضاف إلى ذلك أن تطرف القوى اليمينية، كما حصل في الأرجنتين وكولومبيا وتشيلي وبيرو، أضفى على الأحزاب اليسارية هالة من الاعتدال ساعدت على استقطاب قوى الوسط وتطمين المراكز الاقتصادية.
ومن أوجه التباين الأخرى بين الموجتين، أنه لم يعد أي من زعماء الموجة الأولى تقريباً على قيد الحياة، وأن القيادات الجديدة تتميز ببراغماتية ساعدت على توسيع دائرة التحالفات الانتخابية نحو قوى الوسط والاعتدال كما حصل مؤخراً في تشيلي وكولومبيا.
حتى لولا في البرازيل بحث عن حليفه الانتخابي في وسط المشهد السياسي واختار كمرشح لمنصب نائب الرئيس جيرالدو آلكمين، أحد زعماء اليمين المعتدل، الذي سبق أن هزمه في انتخابات عام 2006.
ولى زمن زعماء اليسار التاريخيين مثل الأخوين كاسترو في كوبا، وتشافيز في فنزويلا، وإيفو موراليس في بوليفيا، الذين اعتنقوا أصفى المبادئ الاشتراكية وحاولوا تطويعها مع مقتضيات الظروف المحلية، وجاء عهد قيادات جديدة تحرص على احترام الإطار الدستوري للأنظمة الديمقراطية، وتمتنع عن تجديد الولاية، وتلتزم الدفاع عن حقوق الإنسان والحفاظ على البيئة.
لكن مع ذلك لا يستقيم الحديث عن كيان واحد مشترك تنضوي تحته كل القوى التقدمية الحاكمة حالياً في أميركا اللاتينية، إذ إن أوجه التباين بين طروحاتها الاقتصادية والاجتماعية تزيد عن القواسم المشتركة بينها، الأمر الذي يدفع إلى التساؤل حول طبيعة العلاقات التي ستقيمها هذه القوى التقدمية مع محيطها، وأيضاً مع بقية دول العالم.
وتشير الدلائل الأولى إلى ظهور توتر يتنامى بين رؤية القوى التقدمية الواقعية والمتعددة الأطراف للعلاقات الدولية، والمنظور الجيوستراتيجي للمحور البوليفاري. ومن المرجح أن يشتد في حال فوز لولا في البرازيل، نظراً لتمايز نهجه الدبلوماسي عن خط كوبا وفنزويلا، في الحكم كما في المعارضة.
ويلاحظ أن جميع القوى اليسارية الحاكمة اليوم في أميركا اللاتينية، وخلافاً لتلك التي حكمت خلال الموجة السابقة، تعتمد أسلوباً دفاعياً يهدف إلى صون، أو إحداث، تغييرات معتدلة من موقع السلطة وليس من خلال التعبئة الاجتماعية التي كانت أسلوب الأنظمة اليسارية السابقة، أو البوليفارية التي ما زالت إلى اليوم في الحكم. ولا شك في أن من الأسباب الرئيسية التي تدفع إلى اعتماد هذا الأسلوب الدفاعي، أن القوى اليسارية والتقدمية الحاكمة غير قادرة على ممارسة الهيمنة السياسية والآيديولوجية في بلدانها، وهي تواجه صعوبات كبيرة في تنفيذ برامج تغييرية، أو حتى في الحفاظ على تماسكها الداخلي.
ويتبدى من التحركات والمواقف الأولى التي اتخذتها هذه الحكومات من بعض الأزمات والملفات الإقليمية الشائكة، أن العلاقات مع كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا ستكون مصدراً دائماً للتوتر. ومن الأمثلة على ذلك أن الرئيس الكولومبي الجديد غوستافو بيترو، ونظيره التشيلي، اللذين كانا لأشهر قليلة خلت يؤيدان النظام الفنزويلي، اضطرا مؤخراً لإدانة انتهاكات حقوق الإنسان التي يمارسها نظام نيكولاس مادورو، علماً بأن ملايين الفنزويليين لجأوا في السنوات الأخيرة إلى كولومبيا وتشيلي.
وفي انتظار نتائج الانتخابات البرازيلية المقبلة، وبعد تراجع أسهم المكسيكي مانويل لوبيز لوبرادور والتشيلي بوريتش لقيادة الجبهة التقدمية الجديدة في أميركا اللاتينية، برزت مؤخراً صورة الرئيس الكولومبي المنتخب الذي يتولى مهامه الأحد المقبل، والذي كان وضع برنامجه الانتخابي حول محاور رئيسية ثلاثة تمهد لهذا الدور، وهي: الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية وتغير المناخ، والدور المركزي لمنطقة الكاريبي والسكان المتحدرين من أصول أفريقية، والميثاق الإقليمي الجديد الذي لا يقوم على التسليم بريادة الولايات المتحدة في المنطقة لكن يعترف بدورها الأساسي فيها.