لم تتراجع امتحانات الثانوية العامة في مصر منذ سنوات عن خلق حالة من الدراما الموازية التي يصعب تفاديها مع صباح كل يوم جديد للامتحانات، في سياق مجتمعي وتعليمي متجذر ينظر لمرحلة الثانوية العامة كمرحلة «مصيرية» وبوابة للمستقبل، مرهونة بتحقيق أحلام الالتحاق بالدراسة الجامعية.
تستخدم وفاء أمين تعبير سنة «مصيرية» وهي تتحدث لـ«الشرق الأوسط» عن تجربتها مع ابنتها ياسمين، الطالبة بالصف الثالث الثانوي التي تؤدي امتحاناتها هذه الأيام، معتبرة العام الحالي «مصيرياً» في حياة الأسرة كلها وليست ابنتها فقط، ولا تعتبر هذا الوصف مبالَغاً فيه بقدر ما هو وصف واقعي على حد تعبيرها «يتحدد على أساس مجموع تلك السنة حلم التحاق ياسمين بكلية طب الأسنان، وبالنسبة لنا كأسرة فنحن نأمل أن يُمكّنها مجموعها الكلي من الالتحاق بجامعة القاهرة أو عين شمس، فهما أجود وأقل تكلفة من التعليم الخاص، وألا نضطر إلى اختيار كلية أخرى بعيدة عن طموحاتنا وحلمنا بهذه الكلية».
وبدأت امتحانات الثانوية العامة في مصر في 20 يونيو (حزيران) الماضي، في حين بلغ عدد الطلاب بهذه المرحلة للعام الحالي نحو 708 آلاف طالب وطالبة في الشعبتين (العلمي والأدبي)، ويوشك ماراثون الثانوية العامة على الانتهاء، حيث تنتهي الامتحانات يوم 21 يوليو (تموز) الحالي، وأعلن الدكتور طارق شوقي، وزير التربية والتعليم والتعليم الفني في مصر، أنه سيتم إعلان موعد نتيجة الثانوية العامة، ونظام التظلمات وجدول امتحانات الدور الثاني، بالإضافة إلى خريطة العام الدراسي الجديد 2022-2023، قبل نهاية الأسبوع الحالي.
تقول الأم وفاء أمين، التي تقطن في حي المهندسين بمحافظة الجيزة (غرب القاهرة)، إنهم كأسرة عايشوا أجواء صاخبة وقلقة قبل بداية العام الدراسي الحالي «بدأنا في حجز الدروس الخاصة قبل بدء هذا العام الدراسي الذي يوشك على الانتهاء، والتي تتوزع بين مراكز تعليمية متفرقة متخصصة لدروس المرحلة الثانوية التي لا غنى عنها، ويستغرق التنقل بين تلك الدروس أكثر من نصف ساعات اليوم»، وتقول، إن تكلفة تلك الدروس الخاصة وحدها تصل لنحو 2000 جنيه مصري شهرياً (نحو 105 دولارات) وهي ما تصفها بـ«الميزانية الكبيرة» التي يتم اقتطاعها من مصروفات الأسرة شهرياً.
«صداع الثانوية العامة المزمن»، لا يؤثر على الجانب المادي فقط، بل يؤثر على كل تفاصيل الحياة اليومية للأسر المصرية، تقول أمين «عشنا أجواءَ أسرية أقرب لحالة الطوارئ على مدار العام، من تقليل الزيارات العائلية وزيارات الأصدقاء، وتأهيل البيت لحالة من الهدوء والتركيز».
وتواكب امتحانات الثانوية العامة في مصر تغطيات إعلامية واسعة، تترصد انطباعات الطلبة عن مستوى الامتحانات، ومشاعر أولياء الأمور القلقة وهم في انتظار الأبناء على بوابات اللجان، وتبرز بين تلك المشاهد لقطات درامية، ما بين بكاء وعويل بسبب صعوبة الامتحانات وما يواكبها من آمال تتبخر للالتحاق بالكليات المرغوبة.
ويتوقع الدكتور حسن شحاتة، الخبير التربوي وأستاذ المناهج بكلية التربية جامعة عين شمس، استمرار ضغط الثانوية العامة بهذا الشكل ما دام يُنظر للتعليم على أن غرضه الحصول على مجموع مرتفع، وليس من أجل التعلم من أجل الحياة، كما يقول في كلمته لـ«الشرق الأوسط».
ويعتبر شحاتة، أن أولياء الأمور أحد أبرز الأسباب الرئيسية في استمرار «صداع الثانوية العامة»، على حد تعبيره، «القضية هي إشكالية ثقافة مجتمع في المقام الأول، ثقافة تتبنى شعار أن التعليم للامتحانات، وليس المهم هو قياس القدرات أو التأهيل لسوق العمل؛ فالأسر المصرية اعتادت منذ عشرات السنوات أن الامتحان أمر مصيري، فيصبح الغرض من العام الدراسي للثانوية العامة هو اجترار المعلومات المحفوظة من مراكز الدروس الخصوصية بغض النظر عن الاستيعاب الحقيقي للطالب، وهو ما يفرز تفوقاً وهمياً وليس تفوقاً حقيقياً».
وترتبط امتحانات الثانوية العامة في مصر بأخبار «انتحار بعض الطلاب» بشكل شبه سنوي، حيث يقدِم بعض الطلاب على إنهاء حياتهم بسبب صعوبة بعض المواد، وعدم الإجابة بشكل جيد في الامتحانات وسط ضغوط كبيرة من الأسر.
ويرى الخبير التربوي أن تسليط الإعلام على حالة التوتر المصاحبة للثانوية العامة سبب آخر لا يمكن إغفاله في الحديث عن الثقافة الراسخة حول الثانوية العامة في مصر، قائلاً «ليس من المعقول أن يكون الامتحان في مستوى جميع الطلاب، وإلا كيف يمكن قياس التفوق وفرز مستويات الطلبة»، ويتساءل شحاتة: إلى متى سيتم التعامل مع كليات القمة كالطب والهندسة كالأصنام التي لا نريد التحرك والنظر بعيد عنها؟... داعياً إلى ضرورة تسليط الضوء على الكليات والتخصصات التكنولوجية الجديدة المطلوبة في السوق العالمية، والتخصصات والبرامج الجديدة بالجامعات الأهلية والحكومية؛ وذلك «في محاولة لتقليل الضغط على الطلبة، ومحاولة الخروج من دائرة الهلع المصاحبة للثانوية العامة التي لم تتغير منذ سنوات طويلة»، بحسب وصفه.
وقرر وزير التعليم في أبريل (نيسان) الماضي، تأجيل إلغاء التشعيب في الثانوية العامة لحين تطوير المناهج الدراسية؛ ما يعني أن جميع طلاب المرحلة الثانوية بالصفين الأول والثاني الثانوي العام لن يطبق عليهم قرار إلغاء التشعيب ويستمر اختيار الطالب شعبة علمي علوم أو رياضة حسب ميوله.
وفي المرحلة الأولى من نتيجة تنسيق الثانوية العامة، بالعام الماضي، بلغ الحد الأدنى للقبول في كليات الطب 90.7 في المائة، و90.2 في المائة للقبول في كليات طب الأسنان، و88.5 في المائة لكليات العلاج الطبيعي. و88.5 في المائة لكيات الصيدلة.
الثانوية العامة... صداع مزمن في رأس الأسرة المصرية
«بوابة المستقبل وامتحان مصيري»
الثانوية العامة... صداع مزمن في رأس الأسرة المصرية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة