تطويرات واعدة لتحسين التواصل لدى الأطفال المصابين بالشلل الدماغي

نظام كومبيوتري يتصل بالمخ لمحاكاة التعابير والعواطف

تطويرات واعدة لتحسين التواصل لدى الأطفال المصابين بالشلل الدماغي
TT

تطويرات واعدة لتحسين التواصل لدى الأطفال المصابين بالشلل الدماغي

تطويرات واعدة لتحسين التواصل لدى الأطفال المصابين بالشلل الدماغي

يعتبر مرض الشلل الدماغي (cerebral palsy) من أشهر الأمراض العصبية التي تصيب الأطفال إما عند الولادة مباشرة، وإما لاحقا في السنوات الأولى من الطفولة قبل دخول المدرسة نتيجة لتلف في أنسجة المخ. والسبب الأكيد لحدوث هذا التلف غير معروف على وجه التحديد ويعتقد أنه في الأغلب ناتج عن أسباب جينية. ويترك المرض آثارا بالغة السوء على الأطفال المصابين به.
وعلى الرغم من انقسام المرض إلى عدة أنواع تختلف في الحدة وفى الأعراض فإن جميعها تترك آثارا عصبية معوقة للطفل عن التواصل مع الآخرين وتتسبب في فقدان الأطراف وظيفتها وعدم القدرة على الحركة، سواء للعضلات الإرادية مثل عضلات الرجلين واليدين أو العضلات اللاإرادية التي تتحكم في المثانة والتنفس على سبيل المثال. ولا يوجد علاج شافٍ من المرض حتى الآن، وفى الأغلب كان العلاج تحفظيا بطبيعة الحال لمحاولة حفظ العضلات من الضمور.

أمل جديد

وفي أحدث دراسة يمكن أن تعطي أملا جديدا لمرضى الشلل الدماغي توصل علماء من معهد الميكانيكا الحيوية بفالنسيا Biomechanics Institute of Valencia بإسبانيا إلى وسيلة يمكن أن تكون عونا لهؤلاء الأطفال. ويعنى هذا المعهد بدراسة تفاعل جسم الإنسان مع المنتجات المختلفة، سواء الطبيعية أو الصناعية، وقد تبنى المبادرة الأوروبية لتحسين مهارات التواصل للأطفال مرضى الشلل الدماغي من خلال التوصل إلى نظام كومبيوتري يتصل بالمخ ليساعدهم في التعبير عن أنفسهم بشكل أفضل، وكذلك يحسن من تفاعلهم مع البيئة المحيطة بهم.
وهناك نسبة تقترب من طفلين إلى كل 1000 طفل مصابين بالشلل الدماغي في دولة مثل إسبانيا ونحو ما يقرب من نصف مليون مصاب في الولايات المتحدة وحدها. وعلى الرغم من أن ما يقرب من 15 في المائة من الأطفال مرضى الشلل الدماغي يحتفظون بنفس نسبة الذكاء قبل إصابتهم، فإنهم غير قادرين على التحدث أو التعبير عن أنفسهم أو التواصل عن طريق الحركة، وذلك لتلف في الأعصاب، إذ إن من المعروف أن الخلايا العصبية لا يتم تجددها مثل باقي خلايا الجسم. وهذا الأمر يجعلهم في عزلة عن أقرانهم وعن البيئة التي يحيون فيها. وكنتيجة لعدم الاحتكاك والتواصل بالآخرين يتراجع نمو المخ والقدرات الإدراكية، حيث إنها لا تتطور. ومن هنا تأتي أهمية الدراسة الحديثة في خلق جسور للتواصل مع الآخرين مما يساعد بالضرورة على تطور القدرات الإدراكية لهؤلاء الأطفال بجانب التحسن النفسي المهول الذي يمكن أن يطرأ على هؤلاء الأطفال.
وقام الباحثون بتطوير نموذج لبرنامج كومبيوتري موجود بالفعل يستخدم في الاتصالات ويعطى انطباعات modes صناعية معينة مناسبة لكل حدث (مثل الوجوه الباسمة أو الغاضبة التي تزين برامج كتابة الرسائل المختلفة) ويتصل بالمخ. وشمل هذا التطوير بشكل أساسي ضرورة أن يحاكي هذا النظام الانطباعات وردود فعل الإنسان بالشكل اللائق، حيث إنه سوف يستخدم في الحياة الحقيقية بشكل طبيعي وإنساني حتى يقبل الأطفال على استخدامه. وسوف يتم استخدام هذا النظام من قبل مستخدمي نظم تشغيل الأجهزة اللوحية العاملة على نظام «أندرويد» Android tablets بحيث يكون مجانا تماما.

محاكاة التعابير

يتكون النظام الجديد من 4 وحدات مستقلة تحتوي على أحدث ما توصلت إليه أنظمة الكومبيوتر من محاكاة لردود الفعل الإنسانية التي تعتمد على الأوامر الصادرة من الخلايا العصبية. وهذا النظام التقني موجود بالكثير من اللغات التي يمكن للمستخدم تشغيله باللغة الخاصة ببلده، وأيضا يحمل الخصوصية الشخصية (بمعنى أن البرنامج مصمم بالكثير من التعبيرات والمفردات التي يمكن أن تكون مفضلة من شخص إلى آخر كل حسب شخصيته، ويمكن أيضا استخدامه للأولاد والبنات) ونظام التشغيل يعتمد على تعبيرات الوجه من خلال أجهزة استشعار sensors أو لوحة تحكم إلكترونية.
وأشار الباحثون إلى أن الطفل يحتاج بالطبع إلى تدريب على استخدام الجهاز إلا أن هذا التدريب يكون بسيطا وسرعان ما يتمكن الطفل من إجادة استخدامه، وخاصة أن استخدامه يشبه طريقة تعلم الكتابة على الكومبيوتر.
ويأمل الباحثون أن يتمكن الجهاز من خلال تطوير أجهزة الاستشعار وتوصيلها بالجلد من قياس العواطف المختلفة Measuring emotions مما يتيح للأطفال فرصة أكبر في التعبير عن ذواتهم، وخاصة أن إظهار العواطف من أهم المؤثرات في التواصل مع الآخرين ومن خلال نظام التشغيل الذي يحتوي على وصف لخمسة أنواع من العواطف إيجابي (سواء كان إيجابيا جدا أو إيجابيا فقط)، وطبيعي وسلبي (سواء كان سلبيا جدا أو سلبيا فقط). وهذه الأنماط من العواطف تشكل مجمل ما يريد الطفل التعبير عنه، سواء الفرحة وإن اختلفت شدتها أو الحزن أو الغضب أو التعاطف، وكل ذلك بشكل أقرب للطبيعي.
وأيضا يوجد بالجهاز وحدة module لقياس مستوى الصحة عند الطفل المصاب تشبه الأسورة التي يرتديها الرياضيون وتقيس النبض وسرعة ضربات القلب وعدد مرات التنفس وغيرها من العلامات الحيوية وهو ما يفيد الطفل حتى في حالة المرض العضوي ويحافظ على صحته. وأشار الباحثون إلى أن مكونات الجهاز يمكن الحصول عليها بسهولة، وأن تعميم الجهاز سوف يساعد الآلاف من المرضى بمرض الشلل الدماغي من التفاعل بشكل أفضل مع البيئة المحيطة بهم.

* استشاري طب الأطفال



فوائد ألعاب المحاكاة في تنمية مهارات الأطفال الصغار

فوائد ألعاب المحاكاة في تنمية مهارات الأطفال الصغار
TT

فوائد ألعاب المحاكاة في تنمية مهارات الأطفال الصغار

فوائد ألعاب المحاكاة في تنمية مهارات الأطفال الصغار

مع بدء العام الدراسي، سلط العلماء في جامعة فلوريدا أتلانتيك Florida Atlantic University بالولايات المتحدة، الضوء على أهمية ألعاب المحاكاة pretend play في تنمية مهارات الطفل الإبداعية والفكرية في مرحلة ما قبل الدراسة.

وألعاب المحاكاة هي التي يتظاهر فيها الأطفال بمحاكاة البيئة المحيطة بهم سواء القيام بأعمال البالغين أو تقمص شخصيات خيالية أو حتى الحيوانات.

تطور معرفي واجتماعي

وأكد العلماء دورها الكبير في التطور المعرفي والاجتماعي والعاطفي للطفل، مما ينعكس بالإيجاب على نمو الطفل العضوي والنفسي ويجعله مستعداً للدراسة الأكاديمية المنتظمة في المدرسة لاحقاً.

وأوضحت التوصيات التي نُشرت في مجلة علم الأعصاب والسلوك الحيوي Neuroscience and Biobehavioral Reviews في منتصف شهر سبتمبر (أيلول) من العام الحالي، أوضحت أن التعليم من خلال اللعب ربما يكون أكثر أهمية من التعليم الأكاديمي في هذه المرحلة العمرية، لأن مخ الطفل يكتسب المعرفة والإدراك من الثقافة المجتمعية والبيئة من خلال الملاحظة وتقليد العديد من سلوكيات البالغين وبالتالي يقوم بممارستها أثناء اللعب.

كما أوضح العلماء أن ممارسة هذه الألعاب تساعد في تطور اللغة بشكل أساسي لأنها تعتمد على التواصل مع الآخرين. وعلى سبيل المثال فإن القيام بالتظاهر بممارسة مهنة معينة مثل الصيد البحري يستلزم ضرورة الحديث مع الآخرين الذين يمثلون طاقم السفينة أو المشترين، حتى لو كان هذا الحديث يتم بشكل بدائي وغير مترابط. ولكن مع الوقت يحدث نمو في تطور اللغة بشكل كبير وتعلم مهارات لغوية مثل المجاز والاختصارات وغيرها، بجانب توفير الفرصة لممارسة وتعلم كلمات ومفاهيم جديدة. وعندما يمارس الأطفال المحاكاة فإنهم يتعلمون كيفية توصيل أفكارهم للآخرين.

تنمية شخصية الطفل

تساعد هذه الألعاب في تنمية شخصية الطفل وتحفيز الطاقة الإبداعية عنده لأنه يختلق أحداث كاملة من وحي الخيال يتخللها التعامل مع تحديات معينة والتغلب عليها، بجانب نمو الجانب الاجتماعي لأن هذه الألعاب في الأغلب تحتاج إلى عدة أفراد أو على الأقل فرد آخر، مما يجعلها بمثابة فصول تعليمية متكاملة تنمي الشخصية، وتجعل الطفل قادراً على التعامل مع معطيات معينة وإيجاد حلول لها بمساعدة الآخرين، ما ينعكس بالإيجاب على شخصيته ومستواه الدراسي أيضاً فيما بعد.

وقال العلماء إن انتشار التعليم النظامي في مرحلة ما قبل المدرسة في العقود الأخيرة في العديد من البلدان المتقدمة لم ينعكس بالإيجاب على التلاميذ (كما كان متوقعاً) لأن هذا التعليم النظامي يركز على المعلومات المباشرة direct instruction التي يتم نسيانها بعد فترة معينة مثل المواد الدراسية الأخرى. وهي طريقة مصممة للأطفال الأكبر عمراً، ولكن في هذه المرحلة المبكرة من الطفولة يتعلم الطفل بشكل غير مباشر من البيئة المحيطة به. وأهم عامل في هذه البيئة هو اللعبlearning through play، لذلك فإن هذه الألعاب على بساطتها تتفوق على الكتب والفيديوهات التعليمية.

تطور المخ

تساهم هذه الألعاب في تطور المخ عن طريق إدراك الفكر الرمزي، بمعنى القدرة على فهم أن شيئاً ما يمكن أن يرمز إلى شيء آخر. على سبيل المثال يمكن أن يتظاهر الطفل بأن العصا تمثل سيفاً ما يطور القدرة التخيلية للطفل ويجعله يدرك الفرق بين الحقيقي والمتخيل حيث لا توجد حدود أو قواعد ثابتة للعبة (بعكس الألعاب النظامية مثل الكرة).

وهذا ما يساعد الأطفال على استكشاف أفكار جديدة وتجربة أدوار مختلفة واستخدام إبداعهم في إيجاد حلول للمشاكل المختلفة بجانب أن هذا النوع من الألعاب يعلم الأطفال الاستقلالية وتولي أدوار القيادة ومواجهة تحديات جديدة في كل مرة مما يعزز الثقة بالنفس واحترام الذات وكل هذا ينعكس بالإيجاب على نفسية الطفل.

وجدت بعض الدراسات التي تم إجراؤها على التأثيرات طويلة المدى للتعليم المباشر على الأطفال في سن ما قبل المدرسة من خلفيات اجتماعية منخفضة الدخل، أن الأطفال استفادوا بالفعل من التعليم المباشر في البداية إلا أن هذه الفوائد تضاءلت بمرور الوقت وتفوق الأطفال في مجموعة المراقبة (الذين لم يتلقوا تعليماً نظامياً) على أولئك الذين خضعوا لبرنامج التعليم المباشر. ومع الوقت اتسعت هذه الفجوة تماماً لصالح الأطفال العاديين.

الألعاب على بساطتها تتفوق على الكتب والفيديوهات التعليمية

لعب الصغار أهم من الدراسة

ونتيجة لهذه الدراسات قام الباحثون بالتركيز على اللعب أكثر من الدراسة الأكاديمية في هذه الفئة العمرية، خاصة الأطفال الذين يعانون من مشكلات في التعلم مثل صعوبة القراءة وصعوبة التعامل مع الأرقام.

وحذر الباحثون من تقليص فترات اللعب الحر في المدارس سواء للأطفال في مرحلة الحضانة أو في السنوات الأولى من الدراسة في البلدان المتقدمة حتى لو كان البديل هو اللعب الموجه من قبل البالغين بدلاً منها. واللعب الموجه هو اللعب المصمم لتقوية مهارات معينة مثل ألعاب الذاكرة على الكومبيوتر. وذلك لأن لعب المحاكاة كلما كان عفوياً كانت فائدته أكبر بجانب أهمية الجانب الحركي في هذه الألعاب الذي يجعلها تتفوق على ألعاب الكومبيوتر.

ووجد الباحثون أن الأطفال الذين شاركوا في ألعاب المحاكاة كانت لديهم مهارات أفضل في الدراسة الأكاديمية لاحقاً سواء في القراءة والكتابة أو الرياضيات. وربما يكون ذلك راجعاً إلى تنمية الخيال لأن هذه الألعاب تُعد عملاً إبداعياً خالصاً يساعد الطفل بعد دخوله المدرسة على استيعاب المواد المختلفة والحسابات البسيطة.

لذلك نصحت الدراسة بتشجيع الأطفال على ألعاب المحاكاة والخيال؛ لأن فوائدها تتعدى مجرد التسلية. وأكدت أن اللعب يساعد الطفل في التعرف على نفسه والعالم. وتُعد تجارب اللعب التمثيلي من الطرق الأولى التي يتعلم بها الأطفال ما يحبونه وما يكرهونه واهتماماتهم وقدراتهم.

* استشاري طب الأطفال.