نعيم حلاوي: «تيك توك» يغيّر مفهوم الكوميديا

نجم الضحكة اللبنانية في حديث مع «الشرق الأوسط»

نعيم حلاوي متوسطاً زملاءه من نجوم الضحكة في الذاكرة اللبنانية
نعيم حلاوي متوسطاً زملاءه من نجوم الضحكة في الذاكرة اللبنانية
TT

نعيم حلاوي: «تيك توك» يغيّر مفهوم الكوميديا

نعيم حلاوي متوسطاً زملاءه من نجوم الضحكة في الذاكرة اللبنانية
نعيم حلاوي متوسطاً زملاءه من نجوم الضحكة في الذاكرة اللبنانية

يسأل محبّو الفنانَ الكوميدي اللبناني الغائب عن الشاشات نعيم حلاوي: «أين أنت؟ مشتاقون إليك». جوابه أنه في منزله، ينتظر المناسب، وقد عُرضت عليه أعمال لم تحاكِ ذوقه. قبل سنوات، اتّخذ من «فيسبوك» منبراً لإبداء الرأي، وحين ازداد عدد متابعيه في «تويتر»، راح يغرّد بتهكّم لمّاح. أحد نجوم أشهر برامج الضحكات في لبنان منذ الألفية الماضية حتى الأعوام الأخيرة، «إس إل شي»، و«لا يمل»، و«ما في متلو»، يقول لـ«الشرق الأوسط»، إنه يمتلئ بالنوستالجيا ويعلم أنّ الحياة تتقلّب فلا تدوم الأشياء إلى الأبد.
منذ «تبعثُر» الفريق المؤلَّف من الخماسية الكوميدية، عادل كرم، وعباس شاهين، ورلى شامية، وأنجو ريحان ونعيم حلاوي؛ وانصراف كل فنان في طريقه، تبدّل المشهد الكوميدي في لبنان وتقريباً انطفأ، كجماليات كثيرة انطوت بانطواء حقبة مجدها. ببساطة، يجيب صاحب شخصية «فوزي أبو لوزي»، بأنه حالياً متوقّف عن أي عمل جدّي كأعمال صنعت عزّه، ولا يُقلّب بين يديه نصوصاً تشبهها: «العروض المطروحة تُفقدني الحماسة، فاخترتُ الاستراحة. المكوث في البيت أفضل من المشاركة بأي أعمال. الكوفيد والثورة قلّصا الفرص، فرحتُ أفكّر فيما يمكن القيام به لنفسي. الإنترنت هو متنفّسي».
لا يزال أرشيف «تلفزيون المستقبل» يتمسك بعرض حلقات «لا يمل»، ولم تتخل «إم تي في» عن إعادة حلقات «ما في متلو». يُشعره ذلك برضا، فيقول: «كأننا لا نزال حاضرين بين الناس. الحلقات المُعادة صلة مع الجيل الجديد. ذلك أفضل من ارتكاب دعسة ناقصة بالموافقة على نصوص باهتة».
تصبح «السوشيال ميديا» منبراً بديلاً، بعدما كان التلفزيون فسحة تعبير وانتشار. نعيم حلاوي من المغردين المُنتَظرين؛ ومثل دبّور، يتألق بالـ«عقصات». لم يكن سهلاً الغياب المفاجئ، لكنها الحياة بدولابها ودورانها. يرى في «تويتر» وجهة لإيصال أفكار تعترض على القهر الاجتماعي، وهو بارع، أشبه بسهم. يتحدث عن تبدّل معيار الأخلاق منذ اجتياح وسائل التواصل: «أحاول الانتباه إلى خطوط حمر تتعلق بالكرامات الشخصية، فأنتقد من دون شتيمة وتجريح. هذه حدودي. السوشيال ميديا تقريباً بلا ضوابط. قبل الآن، لم أكن ألجأ إلى تسمية مباشرة للأشخاص. كنتُ أغرّد بالتلميح، ومع تحوّل الوضع إلى كارثة، وضعتُ نقاطاً على الحروف. مستوى اللياقة واللباقة من المسلّمات، فأغرّد بترتيب».
نعيم حلاوي من ألمع منتقدي مأساة الكهرباء في لبنان: «أنا مواطن مغبون، تعرّضتُ للسرقة والنهب والهدر وأُغرقتُ بالعتمة. أعبّر نيابةً عن الموجوعين». إلى المجد التلفزيوني، والحضور الفعّال على مواقع التواصل، لصاحب شخصية «أبو عبدو» و«قرفتنا يا زلمي»، إذاعة «أونلاين» يعمل على تطويرها: «أبثّ عبرها أغنيات قديمة تعود إلى سبعينات القرن الماضي وثمانيناته. تلك الحقبة الجميلة لا أريدها أن تأفل. لبنانيو الاغتراب يتفاعلون معها أكثر من لبنانيي الداخل. إنهم المتألمون بالحنين. أجهد لتطويرها، فتضمّ برامج وتتوسّع».


النجم الكوميدي اللبناني نعيم حلاوي

تتغيّر الكوميديا، وما كان مرحلة من ذهب يصبح عند البعض «مدرسة قديمة». يسلّم بالواقع، ويضيف: «الكوميديون اليوم أكثر من المشاهدين. الفضل يعود لـ(تيك توك)، حيث كل مُنفّذ مَقْلب بوالدته يُسمّى كوميدياً. يبدو أنّ الجمهور مسرور بالضحكات الجديدة، وإلا لِمَ تنال ملايين الإعجابات؟».
يقرأ تعريفاً على فيديو يقول: «ستقع على ظهرك من الضحك!»، فيتحمّس للمشاهدة وتحلّ الخيبة: «أجدها فيديوهات عادية، لا ذكاء ولا تلميحات لمّاعة. بعض المقاطع يُضحك فعلاً، لكن في الإجمال، لم تعد الكوميديا بالجدّية التي عهدنا».
يسأله فضوليون عن سبب اهتمامه بأشياء قديمة تملأ غرفته، وأعداد مجلات عمرها سنوات. إنه الحنين! يذكر أياماً لا تغيب عن البال وصداقات لا تتكرر. أيُّ احتمالات للمّ شمل الفريق الألمع كوميدياً في الذاكرة اللبنانية؟ يجيب بأنّ ثمة حديثاً عن تجدّد اللقاء، من دون أن تجهز الطبخة على النار. عسى ولعل.
حاول كثر تقليد نعيم حلاوي وزملاء الضحكات الحلوة، والنتيجة بعيدة عن النسخة الأصلية. يعلّق على المسألة: «كنا فريقاً ينطبق عليه قول السهل الممتنع. روح واحدة بمجموعة كاركترات، يكمل بعضنا البعض. الخلطة الصعبة تجعل تقليدها صعباً». يتقبّل الحياة بربيعها وخريفها، فما يرحل لا يعود: «أدرك أنّ للأشياء نهاية، لكنّ (ما في متلو) انتهى قبل أوانه. كنا في الذروة حين توقّف كل شيء. جيد أننا لم ننتظر الخفوت للانسحاب، لكنّ البرنامج كان لا يزال قادراً على العطاء لسنتين أو ثلاث، لولا واقع لبنان الأليم».
في التمثيل، يستغرب نعيم حلاوي أنّ أياً من المنتجين والشركات لم يتصل به لعرض دور، وينتظر. وفي المسرح يعترف: «لستُ مسرحياً، فشخصيتي خجولة، ولا أتحلّى بجرأتي إلا خلف الكاميرا ووراء وسائل التواصل. أخشى النسيان أو الأخطاء في النص أمام الجمهور. ما يستهويني اليوم هو عالم الأونلاين، فأسعى إلى إطلالات عبر (يوتيوب) أو بث مباشر للتعليق على التطوّرات». يبدو أنّ «السوشيال ميديا» تعوّضكَ عن صفحة طويت وحقبة لم تعد في عزّها؟ ردّه الصريح بمثلين شعبيين: «الكحل أحلى من العمى»، و«البحصة بتسند خابية».



صراع العشرين: ليفربول ومانشستر يونايتد... قصة زعامة لا تعرف النهاية

فيرغسون كان لبنة بناء لمانشستر يونايتد في حقبة مضت (ذا أثلتيك)
فيرغسون كان لبنة بناء لمانشستر يونايتد في حقبة مضت (ذا أثلتيك)
TT

صراع العشرين: ليفربول ومانشستر يونايتد... قصة زعامة لا تعرف النهاية

فيرغسون كان لبنة بناء لمانشستر يونايتد في حقبة مضت (ذا أثلتيك)
فيرغسون كان لبنة بناء لمانشستر يونايتد في حقبة مضت (ذا أثلتيك)

بعد أشهر قليلة من تقاعده، وفي وقت كان مانشستر يونايتد لا يزال بطلاً لإنجلترا، ظهر السير أليكس فيرغسون على خشبة مسرح «اللوروي» في مانشستر، للترويج لسيرته الذاتية الجديدة. خلال الأمسية، طُلب منه التوسع في بعض الموضوعات التي تناولها في كتابه. ومع تنوّع الحضور، كان عليه أن ينتقي كلماته بعناية، لا سيما عندما تعلق الحديث ببعض نجوم الفريق السابقين الذين يتمتعون بشعبية كبيرة، مثل ديفيد بيكهام، وروي كين، ورود فان نيستلروي.

بحسب شبكة «The Athletic» فيرغسون وجد مساحة أوسع وأريحية عندما انتقل الحديث إلى أحد المواضيع التي لطالما أحبها: ليفربول. لم يتردد في استعادة مقولته الشهيرة: «جئت لإسقاطهم من على عرشهم اللعين»، مشيراً إلى المهمة التي بدأها منذ منتصف الثمانينيات، حين وصل إلى مانشستر يونايتد وكان ليفربول هو القوة الأعظم في كرة القدم الإنجليزية.

استعرض فيرغسون كيف استطاع أن يحوّل يونايتد إلى الفريق الأقوى، وكيف انتزع منهم الهيمنة في التسعينيات، وكيف تمكن هو ولاعبوه من التفوق عليهم مراراً في الألفية الجديدة. وبحلول وقت تقاعده في عام 2013، كانت النتيجة واضحة: يونايتد يتصدر بـ20 لقب دوري مقابل 18 لليفربول.

قال فيرغسون وهو يضحك في تلك الليلة من أكتوبر (تشرين الأول) 2013: «الأمر الرائع هو أن جمهورنا من الشباب لا يتذكر حتى متى كان ليفربول ناجحاً!».

كانت جماهير ليفربول ترفع اللافتات في الثمانينيات وتقول ليونايتد متى تحقق هذا الرقم؟ (ذا أثلتيك)

ألم الانتظار في ليفربول

في سيرته الذاتية، كتب ستيفن جيرارد: «كان مؤلماً أننا عالقون عند 18 لقب دوري، بينما يونايتد، الذين ظلوا خلفنا لسنوات، بدأوا في حصد البطولات الواحدة تلو الأخرى».

وبحلول عام 2013، مع تقاعد فيرغسون، كانت النتيجة 20–18 لصالح يونايتد، ويبدو أن موازين القوى قد استقرت. ليفربول أنهى ذلك الموسم في المركز السابع، وكان قد حلّ ثامناً، وسادساً، وسابعاً في المواسم الثلاثة السابقة. حتى مع تعثر يونايتد بعد رحيل فيرغسون، بدا أن الإرث الذي خلّفه المدرب الاسكوتلندي كان متيناً بما يكفي للصمود.

لكن مانشستر تجاهل تحذيرات التاريخ - سواء تلك الخاصة بليفربول أو به نفسه.

استعرض فيرغسون كيف استطاع أن يحوّل يونايتد إلى الفريق الأقوى (ذا أثلتيك)

تحذيرات التاريخ... تكرار للسقوط

حين تُوّج مانشستر يونايتد بطلاً للدوري في عام 1967، أصبح متساوياً مع كل من ليفربول وآرسنال برصيد سبعة ألقاب. وفي غضون ثلاث سنوات، انضم إليهم إيفرتون، لكن آرسنال كان أول من بلغ اللقب الثامن في 1971.

وفي السنوات التالية، ظهر ليفربول كقوة ساحقة في كرة القدم الإنجليزية، إذ حصد 11 لقب دوري، وأربعة كؤوس أوروبية، وكأسين للاتحاد الأوروبي، وثلاث كؤوس إنجليزية، وأربع كؤوس رابطة، في الفترة بين 1973 و1990. كانت عملية انتقال القيادة الفنية من بيل شانكلي إلى بوب بيزلي، ثم إلى جو فاغان، وأخيراً كيني دالغليش، تمر بسلاسة، وسط استمرار فلسفة «غرفة الأحذية» الشهيرة، التي منحت النادي روحاً متوارثة.

على النقيض، دخل مانشستر يونايتد فترة انحدار. فاز بدوري أبطال أوروبا عام 1968 كأول نادٍ إنجليزي، لكن الإنجاز تحوّل من نقطة انطلاق إلى لحظة ذروة عاطفية خُتمت بها رحلة إعادة بناء الفريق بعد كارثة ميونيخ، بقيادة السير مات بازبي.

تقاعد بازبي في العام التالي متخيلاً أن من سيخلفه سيواصل البناء. لكن خليفتيه، ولف مكغينيس وفرانك أوفاريل، لم يظهرا ما يكفي من الحزم والشخصية للتعامل مع حجم المهمة، خاصة مع تراجع مستوى بوبي تشارلتون، والانفلات المتزايد لجورج بست. ورغم أن الفريق كاد يحقق الدوري موسم 1972-73، فإنه سقط بشكل كارثي بعد ذلك وهبط في 1974.

في السبعينيات والثمانينيات ظهر ليفربول كقوة ساحقة في كرة القدم الإنجليزية (ذا أثلتيك)

محاولات العودة... ثم الانتكاس

تحت قيادة المدرب تومي دوكيرتي، عاد الفريق سريعاً إلى الدوري الممتاز، وتنافس مع ليفربول على اللقب في موسمي 1975-1976 و1979-1980، بل انتصر عليه في نهائي كأس إنجلترا عام 1977، لكن كل صحوة كان يعقبها سقوط. تبعه كل من ديف سيكستون ورون أتكينسون، وكان لكل منهما فترات واعدة، لكنها لم تثمر عن بطولة الدوري.

الصفقات الكبيرة التي راهن عليها النادي كقطع أخيرة في «أحجية اللقب»، غالباً ما كانت خيبة أمل، ومع كل فشل كانت تُعاد الكرة من جديد.

حين جاء فيرغسون من أبردين الاسكوتلندية في 1986، كان قد مر 19 عاماً على آخر لقب دوري للفريق. وبحلول نهاية الثمانينيات، كانت الذكرى تقترب من إكمال ربع قرن.

ومع تزايد تتويجات ليفربول، لم يتوانَ المدير التنفيذي للنادي بيتر روبنسون عن تحذيراته المتكررة: «لو تمكن مانشستر يونايتد من ترتيب أموره... سندخل في ورطة».

وهذا بالضبط ما حدث. ورغم أن «إسقاط ليفربول» بدا أحياناً وكأنه نتيجة لتفككهم الذاتي، فإنه كان أيضاً نتيجة نهضة يونايتد بقيادة رجل واحد: فيرغسون.

كانتونا كان عنصراً بارزاً في تشكيلة يونايتد في التسعينيات (ذا أثلتيك)

تراجع ليفربول في التسعينيات

لماذا تراجع ليفربول بعد 1990؟ القصة معقدة وطويلة، وقد تم استعراضها مطولاً في تقارير لاحقة عن السنوات الثلاثين بين اللقبين 18 و19. لكن في جوهرها، كانت الأسباب: الغرور، وسوء اتخاذ القرار، والفشل في التكيف مع واقع جديد كونهم لم يعودوا ملوك اللعبة.

على عكس مانشستر يونايتد الذي انهار مباشرة بعد بازبي، ظل ليفربول قوياً لسنوات حتى بعد اعتزال شانكلي وبيزلي. لكن عندما غادر دالغليش منصبه عام 1991، لم يكن قد أنهكه فقط ضغط العمل، بل الإرهاق النفسي الناتج عن كارثة هيلزبره وتبعاتها المروعة.

تولى غرايم سونيس المهمة بعقلية ثورية، عازماً على تجديد التشكيلة التي فازت بالدوري مؤخراً. لكن هذا التغيير السريع قضى على ما تبقى من «الأسلوب الليفربولي» القائم على التماسك والاستمرارية.

يقول بول ستيوارت، أحد اللاعبين الذين استُقدموا في تلك المرحلة: «حين وصلت عام 1992، شعرت أن الجدران بدأت تضيق... وكل لاعب يحاول فقط حماية نفسه».

أموريم لا يزال يبحث عن نفسه مع مان يونايتد (ذا اثلتيك)

فقدان الروح والانضباط

الفلسفة البسيطة التي قادت ليفربول نحو المجد في السبعينيات والثمانينيات كانت بحاجة إلى تحديث. لكن أي محاولة للتطوير قوبلت بمقاومة عنيفة. جاء روي إيفانز بعد سونيس، وكان رجلاً لطيفاً نشأ في «غرفة الأحذية»، لكنه لم ينجح في فرض الانضباط داخل غرفة الملابس التي باتت تفتقر للعقلية التنافسية.

في تلك الحقبة، وُلد مصطلح «سبايس بويز»، أطلقته الصحافة الشعبية في إنجلترا على لاعبي ليفربول الذين اعتادوا حياة اللهو والترف. يقول المدافع السابق جون سكيلز: «كنا نملك المهارة، لكن افتقرنا للروح القتالية التي كانت تُميّز لاعبي مانشستر يونايتد مع فيرغسون».

ويضيف: «في ليفربول، كان هناك شعور دائم أننا سنعود إلى القمة... إنها مسألة وقت. لكن الواقع تغير كثيراً منذ 1990».

كتب فيرغسون في مذكراته عام 2013: «عام 2000، نظرت إلى ليفربول ولم أرَ أي إشارات على أنهم قد يعودون. الأمر كان سيأخذ وقتاً طويلاً. لم أشعر أنهم تهديد لنا».

ورغم بعض المحاولات الجدية - تحت قيادة إيفانز، وجيرار هولييه، ورافا بينيتيز، وبريندان رودغرز - لم يتمكن ليفربول من ترجمة التقدم إلى هيمنة محلية. حتى التتويج بدوري أبطال أوروبا 2005 بقي حالة فردية في ظل غياب الاستقرار المحلي.

مانشستر يونايتد بعد فيرغسون... نسخة من معاناة ليفربول

مانشستر يونايتد بعد فيرغسون... نسخة من معاناة ليفربول

كل ما واجهه ليفربول بعد 1990، انعكس بطريقة مشابهة على مانشستر يونايتد بعد 2013. النجوم المخضرمون فشلوا في التكيف مع مرحلة ما بعد فيرغسون، وتآكلت العقلية الانتصارية في غرفة الملابس تدريجياً، بينما تصاعدت روح «احمِ نفسك أولاً» لدى اللاعبين.

التعاقدات كانت فوضوية. آمال كبيرة عُلّقت على أسماء لا تليق بحجم القميص الأحمر. طموحات أُلقيت على كاهل شباب غير ناضجين بعد. وفوق كل ذلك، كانت ثقة الإدارة والأنصار بأن العودة «مسألة وقت لا أكثر» تُعميهم عن الواقع المتغير.

ومنذ آخر لقب دوري في 2013، مضت 12 سنة. صحيح أن الفريق حل وصيفاً تحت قيادة جوزيه مورينيو في 2018، ثم أولي غونار سولشاير في 2021، لكن لم يقترب في أي من الحالتين من التتويج فعلياً. لقد تكررت الحلقة ذاتها مع كل مدرب: تحسن نسبي سريع، غالباً يشمل التأهل لدوري الأبطال أو الفوز بكأس، يتبعه تراجع حاد في الأداء والثقة.

المدرب الحالي روبن أموريم يأمل أن تشكل العودة الدراماتيكية أمام أولمبيك ليون في الدوري الأوروبي نقطة انطلاق جديدة، على غرار ما فعله يورغن كلوب حين قاد ليفربول إلى نصف نهائي البطولة ذاتها في موسمه الأول، بعد فوز مثير على بوروسيا دورتموند.

الليالي الخوالي لا تزال في مخيلة مشجعي يونايتد (ذا أثلتيك)

حين تصبح الذكريات وسيلة للبقاء

جماهير مانشستر يونايتد، كما جماهير ليفربول في الماضي، لجأت إلى التاريخ في لحظات الظلمة. حتى خلال أسوأ الهزائم في العقد الأخير، كثير منها على يد ليفربول نفسه، بقيت الأناشيد تصدح في المدرجات: عشرين مرة... عشرين مرة... مان يونايتد». شعار يردده المشجعون مراراً وتكراراً، تذكير لأنفسهم ولغريمهم بأن الرقم لا يزال لصالحهم، رغم أن الرياح تغيّرت.

يقول نيك هاوارد، أحد مشجعي يونايتد (33 عاماً): «كان معادلة ليفربول في عدد الألقاب (18) شيئاً هائلاً بالنسبة لنا، خصوصاً وأنه تحقق في موسم كنا نتنافس معهم مباشرة. ثم جاء اللقب 19، وبعده العشرين، بهاتريك فان بيرسي ضد أستون فيلا، تماماً منذ 12 عاماً».

ثم يتوقف متأملاً: «لو قلت لي حينها إن ليفربول سيعادل رقمنا بعد 12 سنة... لما صدّقت. مجرد التفكير بالأمر يقلقني».

لكن هل لا يزال شعار «عشرين مرة» صالحاً للاستخدام حين يتساوى الخصمان؟ أم، لا قدّر الله، لو تجاوزهم ليفربول؟ يقول هاوارد: «ربما يفقد رونقه قليلاً... لم أشأ التفكير في هذا السيناريو بصراحة».

صورة ضوئية تظهر فارق لقب واحد بين ليفربول ويونايتد على صعيد البريميرليغ (ذا أثلتيك)

جماهير ليفربول: التحدي ليس في التفوق على يونايتد.

على الطرف الآخر، لم تُظهر جماهير ليفربول ذلك الهوس بالتفوق على مانشستر يونايتد، حتى بعد اقترابهم من معادلة الرقم. خلال السنوات الأخيرة، كان التركيز الأكبر على إنهاء الغياب الطويل عن التتويج، أكثر من أي صراع عددي.

حتى بعد تقليص الفارق إلى لقب وحيد، لم يتحول ذلك إلى دافع علني لدى المدرب يورغن كلوب، ولا حتى الآن مع أرني سلوت. لا أحد من اللاعبين - لا فيرجيل فان دايك ولا كورتيس جونز - تحدّث عن الرغبة في «إسقاط يونايتد من عرشهم». لم يكن هذا هو الخطاب السائد، لا من الإعلام، ولا من الفريق نفسه.

وربما هذا يعكس تغيّر الزمن. فحين تولّى فيرغسون قيادة يونايتد، كان ليفربول هو الفريق المتوّج، وكان الإسقاط هدفاً واضحاً. أما سلوت وكلوب فقد تسلَّما ليفربول في وقت كانت فيه هيبة يونايتد قد تراجعت بالفعل.

جيل غاري وفيل نيفيل، وبول سكولز، وراين غيغز، ونيكي بات، نشأوا مشجعين ليونايتد، يكرهون ليفربول بالفطرة. أما جيل ليفربول اليوم، فهو نتاج دوري إنجليزي أكثر عالمية، أقل انقساماً قبلياً، وأكثر انفتاحاً على قيم الاحتراف والمنافسة.

حتى داخل المدرجات، يبدو الحديث عن الرقم 20 أمراً ثانوياً. يقول داميان كافاناه، مشجع ليفربول منذ عقود: «بصراحة، لم أفكر كثيراً بالأمر حتى سألتني. لا يهمني معادلة مانشستر يونايتد أو تجاوزه. ما يهمني هو أن يكون ليفربول في القمة، وأن يُرفَع اسم المدينة والنادي عالياً في كل أنحاء العالم».

أما نيل أتكينسون، مقدم أحد أشهر برامج البودكاست الخاصة بالنادي، فيرى الأمر من منظور آخر: ربما نستخدمه فقط للسخرية في أولد ترافورد الموسم المقبل، لكن فعلياً، لا أهمية له الآن... بالنظر إلى مدى سوء يونايتد مؤخراً».

ويضيف بابتسامة: «لكن، لو قيل لنا إن كويكباً سيضرب الأرض بعد عشر دقائق... سأطالب بإحضار فيرغسون إلى التلفاز ليُعلن أن ليفربول فاز».

صراع الألقاب يشتعل بين الناديين الكبيرين كما في الصورة الضوئية (ذا أثلتيك)

التفوق بالأرقام... معركة متواصلة

بالإضافة إلى الصراع الدائم على الزعامة المحلية في كرة القدم الإنجليزية، هناك سؤال معقّد لا يتوقف الجدل حوله: من هو النادي الأكثر نجاحاً في تاريخ إنجلترا؟ وفقاً لحسابات ليفربول، فإن الفوز بلقب الدوري هذا الموسم سيكون اللقب الكبير رقم 52 في سجلهم، وهم يعتبرون أنفسهم متفوقين أصلاً على مانشستر يونايتد الذي يمتلك 47 بطولة كبرى، وبالتالي فإن هذا التتويج سيجعل الفارق خمس بطولات لصالح ليفربول. وإذا تحدثنا عن البطولتين الأهم، وهما الدوري ودوري أبطال أوروبا، فإن الفريقين سيتساويان في عدد ألقاب الدوري (20 لكل منهما)، لكن ليفربول سيكون متفوقاً بثلاثة ألقاب في دوري الأبطال (6 مقابل 3). أما تفوق مانشستر يونايتد فسيقتصر على كأس إنجلترا التي فاز بها 13 مرة مقابل 8 لليفربول، وعلى كأس الكؤوس الأوروبية التي فاز بها مرة واحدة، وهي بطولة أُلغيت لاحقاً.

يقول نيل أتكينسون، أحد أبرز وجوه إعلام جماهير ليفربول: «لا جدال في أن ليفربول هو النادي الأكثر نجاحاً في تاريخ الكرة الإنجليزية». لكن في المقابل، تعتمد حسابات مانشستر يونايتد على تعريف مختلف للبطولات الكبرى، يشمل درع المجتمع «كوميونيتي شيلد»، التي فازوا بها 21 مرة مقابل 16 لليفربول. ووفقاً لهذا المقياس، فإنهم يتفوقون بمجموع 68 لقباً مقابل 67 لليفربول، لكن مع تتويج ليفربول باللقب العشرين في الدوري، سيصبح المجموع متعادلاً 68–68.

حتى مع ذلك، فإن درع المجتمع نفسها محل جدل، لأن شكلها الحالي الذي يُقام بين بطل الدوري وبطل الكأس لم يُعتمد رسمياً حتى عام 1974، حين كان مانشستر يونايتد قد فاز بها سبع مرات (منها اثنتان بالتقاسم)، وليفربول ثلاث مرات (منها اثنتان بالتقاسم أيضاً). أما قبل ذلك، فكان نظام البطولة متغيراً، والمشاركة فيها غير ملزمة سواء لبطل الدوري أو بطل الكأس.

هناك أيضاً اختلاف في وجهات النظر بين الإحصائيين بشأن البطولات الأخرى مثل كأس السوبر الأوروبي، وكأس العالم للأندية، وكأس الإنتركونتيننتال، وهل تُعتبر بطولات كبرى أم لا. لكن في سياق هذا الجدل تحديداً، فإن كلاً من ليفربول ومانشستر يونايتد يحتسبون هذه البطولات ضمن إنجازاتهم الرسمية، وإذا تم استبعادها، فإن ليفربول سيتفوق بفارق بسيط أيضاً (46 مقابل 44).

سلوت يسير على خطى كلوب في الارتقاء بليفربول (ذا أثلتيك)

الخلاصة... الزعامة لا تستقر

الشيء المؤكد أن ميزان القوة عاد خلال العقد الأخير لصالح ليفربول. فعندما تقاعد فيرغسون عام 2013، كان يونايتد قد تقدم بفارق ثلاث بطولات إجمالاً (62 مقابل 59 مع احتساب الدرع)، كما أن التتويج بكأس الرابطة والدوري الأوروبي تحت قيادة مورينيو في 2017 جعله يتعادل مع ليفربول في عدد البطولات الكبرى (44 لكل منهما). لكن سبعة ألقاب كبرى حققها ليفربول في عهد يورغن كلوب أعادت له الصدارة (51 مقابل 47)، رغم أن يونايتد ظل متفوقاً بفارق بطولة واحدة إذا شملنا الدرع.

حتى اليوم، لا يزال موقع مانشستر يونايتد الرسمي يصف النادي بأنه «الأكثر نجاحاً في تاريخ إنجلترا»، وهي عبارة كانت ذات يوم لا تقبل الجدل، لكنها ستصبح صعبة التبرير إذا عادل ليفربول عدد بطولات الدوري، خاصة وأنه يتفوق أوروبياً بشكل واضح.

ما يحتاجه ليفربول الآن هو الاستمرار في الفوز، كما يقول أتكينسون، مضيفاً: «مانشستر يونايتد سيعود يوماً ما، وسيكون من الرائع أن نكون قد أضفنا ثلاثة أو أربعة ألقاب دوري أخرى قبل أن يحدث ذلك».

صلاح سيكون سبباً في معادلة ليفربول الرقم التاريخي لعدد ألقاب البريميرليغ (رويترز)

معركة بلا نهاية

حتى في أصعب الأوقات، كما أثبت ليفربول في الألفينات، ومانشستر في الثمانينيات وما بعدها، فإن الأندية الكبرى دائماً ما تجد وسيلة لإضافة ألقاب جديدة إلى خزينتها. مانشستر يونايتد لا يزال يطمح هذا الموسم في الفوز بالدوري الأوروبي، وإذا حقق اللقب في بلباو يوم 21 مايو (أيار)، فسيدّعي أن هذا اللقب رقم 69 يعيد تأكيد مكانته كأكبر أندية إنجلترا، على الأقل حتى يخوض ليفربول مباراة الدرع الخيرية في أغسطس (آب).

الإمبراطوريات تنهض، وتسقط. القمم تتغير. لكن الصراع لا يتوقف.