في عصر تيودور، كانت زيارة الملك لأي نبيل بريطاني بمثابة كارثة محققة لا يضاهيها أي شيء سيئ آخر، حيث كان الملك يقضي أسبوعاً كاملاً يتناول خلاله كميات هائلة من الطعام والخمور. وكان النبلاء يقومون بمحاولات حثيثة لإغلاق النوافذ والاختباء في مثل هذه المناسبات. وكان مشهد القطار الملكي وهو يلوح في الأفق، مع جحافل من الطهاة والجنود والمهرجين، بمثابة نذير للإفلاس، والماشية المذبوحة، والحقول المدمرة، والدمار العام لأي شيء داخل النطاق الذي يمكن الاستيلاء عليه.
وفي عام 1602، توجهت حاشية الملكة إليزابيث الأولى إلى منزل اللورد إيغرتون وأكلت 676 دجاجة و96 حمامة و59 أرنباً و23 بطة و20 خنزيراً و38 حجلاً و24 جراد بحر، خلال حفلة واحدة على مدار ثلاثة أيام، بتكلفة تصل إلى 10 ملايين جنيه إسترليني!
وعندما يتعلق الأمر بالإفراط في الإنفاق، فلا شيء ينافس كرة القدم في الحقيقة، فعلى مدار السنوات القليلة الماضية كان هناك ما يشبه هذه الجولات الملكية شديدة التبذير في نهاية حقبة النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو والنجم الأرجنتيني ليونيل ميسي، حيث كان يتم التعامل معهما على أنهما اثنان من الآلهة المسنة التي لا تزال تنبعث منها الضوء والحرارة، لكنهما في حقيقة الأمر لا يزالان يحرقان التربة ويسرقان الهواء من السماء ويدمران أي مكان يذهبان إليه.
رونالدو (إ.ب.أ)
ويبدو من الواضح تماماً أن رونالدو سينتقل إلى نادٍ جديد مرة أخرى هذا الصيف. لا يمكننا أن نلومه على ذلك، فهو عبارة عن وحش رياضي يبحث دائماً عن تحقيق الفوز، بالإضافة إلى أنه الآن أكبر مصدر دخل فردي في عالم كرة القدم على الإطلاق، حيث يجني مليوني جنيه إسترليني من كل منشور له على «إنستغرام». وبالتالي، فمن غير المعقول أن يلعب هذا النجم، البالغ من العمر 38 عاماً، في بطولة الدوري الأوروبي أمام أندية مثل جينت وأومونيا وليشيا غدانسك بعد فشل مانشستر يونايتد في التأهل إلى دوري أبطال أوروبا!
وكانت الشائعات التي تربط رونالدو بالانتقال إلى تشيلسي تدور بشكل غامض خلال الأيام الماضية. ويقال إن ملاك تشيلسي الجدد مهتمون بالتعاقد مع رونالدو، لكن في حال حدوث ذلك فإن هذه ستكون أول إشارة تحذيرية على طريقة تفكير الملاك الجدد للبلوز، نظراً لأن التعاقد مع رونالدو سيكون كارثة لهذا النادي، كما الحال بالنسبة لأي كيان رياضي جاد!
في الواقع، يبدو من الغريب للغاية أنه لا تزال هناك حاجة للتأكيد على ذلك بصوت عالٍ، وينطبق الأمر أيضاً على ميسي. لقد كان من الواضح تماماً حتى الصيف الماضي أن انتقال رونالدو إلى مانشستر يونايتد وميسي إلى باريس سان جيرمان سينتهي بفشل باهظ الثمن، ويعود السبب في ذلك بشكل جزئي إلى أن أي شخص يرغب في دفع هذه المبالغ المالية الكبيرة نظير التعاقد مع نجم في نهاية مسيرته الكروية سوف يؤدي إلى تدمير ناديه بطريقة أو بأخرى، كما أنه لا يمكن تحمل نفقات هذه النجوم وتأثيرها السلبي على الفريق لفترات طويلة.
ومنذ بداية عام 2020، لعب رونالدو تحت قيادة ستة مديرين فنيين على مستوى الأندية، بينما لعب ميسي تحت قيادة خمسة مديرين فنيين. وإذا انتقل رونالدو إلى تشيلسي، فيمكن أن يرتفع عدد المديرين الفنيين الذين لعب تحت قيادتهم منذ تلك الفترة إلى ثمانية، نظراً لأن ذلك سيؤدي إلى إقالة توماس توخيل وأي شخص آخر يحل محله، وسيحدث ذلك لأن المدير الفني الألماني يعتمد على نظام صارم يقوم في الأساس على التحرك المستمر داخل الملعب والضغط على الفريق المنافس طوال الوقت، وليس الاعتماد على اللعب الفردي للاعب متقدم في السن!
قد يقول البعض إن هذه هي طبيعة كرة القدم، التي تشهد قدوم وذهاب المديرين الفنيين من آن لآخر، لكن السؤال المهم الآن هو: هل التعاقد مع رونالدو سيجعل فريقك أفضل؟ ربما يكون الشيء الغريب حقاً هو أن البعض لا يزال يطرح هذا السؤال من الأساس! والإجابة بالطبع هي «لا»، فالتعاقد مع رونالدو لا يجعل فريقك أفضل.
ربما يكون هذا الالتباس مفهوماً، لأنه يتعلق بأبسط الأرقام، فلم يحرز أي لاعب أهدافاً أكثر من رونالدو في أي موسم بالدوري الإنجليزي الممتاز مع مانشستر يونايتد منذ رحيل السير أليكس فيرغسون. فكيف يكون هذا اللاعب الهداف هو المشكلة؟
لكن السؤال ليس بالطبع ما إذا كان هذا اللاعب العبقري الذي فقد كثيراً من سرعته لا يزال عبقرياً أو ما إذا كان رونالدو أفضل في إنهاء الهجمات من ماركوس راشفورد (الإجابة: نعم وسيظل كذلك حتى عندما يبلغ من العمر 87 عاماً). لكن السؤال الحقيقي يتعلق بما إذا كانت هذه هي الطريقة الصحيحة التي تبني بها فريقاً أم لا.
دعونا نلقي نظرة على بعض الأرقام الأخرى، ففي وجود رونالدو أحرز مانشستر يونايتد 57 هدفاً في الدوري الإنجليزي الممتاز الموسم الماضي، ومن دونه أحرز النادي في المواسم الأربعة السابقة 73 و66 و65 و68 هدفاً. وبينما كان رونالدو يحرز الأهداف بمفرده، اختفى جميع المهاجمين الآخرين للفريق وانهارت فكرة اللعب الجماعي. وكما قالوا في إيطاليا، فإن رونالدو هو الحل للمشكلة التي يسببها. ولا يمكن لأي فريق يضم رونالدو أن يلعب كرة قدم حديثة متكاملة من الناحيتين التكتيكية والبدنية، على الرغم من حقيقة أن رونالدو لا يزال مهاجماً قناصاً وقادراً على استغلال أنصاف الفرص وإحداث الفارق في بعض المباريات.
ومن وجهة نظر رياضية بحتة، يمكن القول إن التعاقد مع رونالدو سيجعل تشيلسي فريقاً أقل فاعلية. وبعد أن كان هذان النجمان اللامعان مصدراً لسعادة عشاق الساحرة المستديرة في جميع أنحاء العالم خلال العقدين الماضيين، فقد تحولا إلى نوع من «الإضافة السامة»، إن جاز التعبير، حيث يتم التعاقد معهما لأغراض تجارية أو لمشروع تقوده دولة قومية تسعى لتعزيز مكانتها وعلاقاتها العامة.
في الحقيقة، هناك شيء مثير للغثيان من رؤية هذه المواهب الرياضية الخالصة وهي تتعرض للاستغلال من قبل المليارديرات في عالم كرة القدم، في خطوة أخرى تُظهر هيمنة هؤلاء المليارديرات غير الخاضعين للرقابة على هذه الرياضة. إن صفقة البث التلفزيوني لمباريات الدوري الإنجليزي للسيدات، التي تعد مصدر أمل لمستقبل كرة القدم لنصف السكان، تبلغ ثمانية ملايين جنيه إسترليني سنوياً، أي أكثر بقليل من المقابل المادي الذي يحصل عليه رونالدو نظير نشره ثلاثة منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي! فما الهدف من إثراء هؤلاء الناس إلى ما لا نهاية؟ قد يرى البعض أن هذه هي متطلبات السوق، لكن الحقيقة أن هذه السوق سوف تستنزف التربة من تحت أقدامنا.
ربما يكون هذان أعظم لاعبين في تاريخ كرة القدم على مستوى الأندية عبر كل العصور، كما أنهما ظلا نقيين بشكل غريب خلال سنواتهما الذهبية وسط كل هذا الجشع والطمع. ولو كانا يلعبان في فترات سابقة لربما اعتزلا كرة القدم الآن، لكن في كرة القدم الحالية ما زالا ملكين متوجين وإمبراطوريين يرفضان الابتعاد عن الأنظار، ويسحبان معهما كل الأضواء عند السقوط.