بعد موعد صلاة موحدة وحبس أنفاس طوال الأيام الماضية، منح زعيم «التيار الصدري» مقتدى الصدر خصومه في قوى «الإطار التنسيقي» الشيعي ضوءاً أخضر مشروطاً بـ11 نقطة لتشكيل الحكومة المقبلة.
وكان زعيم التيار الصدري حضر أمس الجمعة تجمعاً هو الأضخم لأنصاره الذين قدموا من كل محافظات العراق لتأدية صلاة جمعة موحدة في مدينة الصدر شرق العاصمة العراقية بغداد.
واتخذت القوات الأمنية العراقية احتياطات أمنية غير مسبوقة في بغداد، بما في ذلك غلق المنطقة الخضراء شديدة التحصين، في وقت لم يتمكن خصوم الصدر في قوى «الإطار التنسيقي» طوال الأسبوع الماضي من عقد جلسة رسمية لتسمية مرشحهم لتشكيل الحكومة.
الخطبة التي تلاها نيابة عن الصدر، الشيخ محمود الجياشي، تضمنت 11 شرطاً صارماً وضعها الصدر أمام خصومه (قوى الإطار التنسيقي) إذا أرادوا تشكيل الحكومة.
ويرى المراقبون السياسيون أن هذه الشروط يمكن أن تكون بمثابة قيود على تشكيل الحكومة. فبعضها قد يكون غير قابل للتحقق لأسباب وحسابات متباينة داخل قوى «الإطار»، فيما بعضها الآخر من شأنه زيادة الفجوة بين أطراف «الإطار التنسيقي»، لا سيما تأكيد الصدر الصريح على استبعاد المالكي من إمكانية تشكيل الحكومة المقبلة.
وبحسب ما جاء في خطبة الصدر التي ألقاها الجياشي نيابة عنه: «إننا في مفترق طريق صعب ووعر حيث هناك إقبال على تشكيل الحكومة من قبل البعض ممن لا نحسن الظن بهم والذين جربناهم سابقاً».
ودعا الصدر من أسماهم المتصدين إلى تشكيل الحكومة إلى إخراج ما تبقى من الاحتلال بالطرق الدبلوماسية والبرلمانية. وهو موقف بدا أكثر مرونة قياساً إلى موقف الفصائل المسلحة التي لا تزال تهدد بإخراجه بالقوة رغم توقف عمليات إطلاق الصواريخ أو الطائرات المسيرة على مواقع يشتبه بوجود أميركيين فيها منذ بضعة شهور.
كما دعا الصدر الكتل السياسية الشيعية إلى التوبة إلى الله ومحاكمة الفاسدين التابعين لهم أمام القضاء. وأضاف أن «المرجعية الدينية العليا في النجف أغلقت أبوابها أمام جميع السياسيين بلا استثناء، وهذه بحد ذاتها سبة بالنسبة لسياسيي الشيعة خصوصاً. لذا أطالبهم بطلب العفو من الله أولاً، وأمام المرجعية ثانياً».
- انتقاد قوي للقوى المحسوبة على إيران
وأوضح الصدر أن «أغلب المتصدين لتشكيل الحكومة غير مقتنع بأن حب الوطن من الإيمان، وصارت توجهاتهم خارجية وأطلب منهم تقديم حب الوطن على أي شي آخر ومعاملة الدول الأخرى بالمثل دبلوماسياً واجتماعياً واقتصادياً».
وفي انتقاد قوي للميليشيات والفصائل المسلحة القريبة من إيران، قال الصدر إنه «لا يمكن تشكيل حكومة عراقية قوية مع وجود سلاح منفلت وميليشيات منفلتة لذا عليهم حل جميع الفصائل، وإن عاد المحتل عدنا أجمع». وفي لفتة هامة بشأن المناطق الغربية التي جرى تحريرها من تنظيم «داعش» وهي ذات غالبية سنية، وجه الصدر الشكر لأهاليها، قائلاً إنهم «رضوا بنا محررين ولولا تعاونهم لما حررت الأراضي المغتصبة فلا منة للحشد عليهم»، مشدداً في الوقت نفسه على أنه «يجب إعادة تنظيم الحشد وترتيبه وتصفية جسده من العناصر غير المنضبطة».
وفي إشارة واضحة بشأن المالكي، قال الصدر «كلنا سمعنا أن المجرب لا يجرب وأردفناها بـ(الشلع قلع)، فلا تعيدوا المجرب، فإنه يستمر بغيه. فلا نريد أن تعاد المأساة القديمة، ويضاع الوطن وتتكرر جريمة سبايكر والصقلاوية وغيرها الكثير من الصفقات المشبوهة واستمرار معاناة الشعب».
وحول تداعيات خطبة الصدر على المشهد السياسي خلال الفترة المقبلة، يقول السياسي العراقي المستقل إبراهيم الصميدعي لـ«الشرق الأوسط» إنه «بلا شك أن للصدر حساباته التي يعجز عن توقعها المراقبون. لكن قطعاً سيكون لقراره سحب الكتلة الصدرية من البرلمان أثر مهم في تجاوز المحاصصة المكوناتية والطائفية والقومية في معادلة تشكيل نظام الحكم فيما بعد، أي انتخابات قادمة، وسوف يؤسس لحكومة ومعارضة على أساس عابر للمكوناتية».
وأضاف الصميدعي أن «المحاصصة كانت هي السبب الأساس في إنتاج حكومات ضعيفة وفاسدة أضعفت الدولة والوطن وعززت انقسام مواطنيه». وقال «مع ذلك، فإن انسحاب كتلة برلمانية بهذا الزخم البشري والقيادة الصارمة كان خسارة لمشروع رقابة برلمانية وطنية يمكن أن تردع الفساد أكثر بكثير مما لو كانت في ائتلاف الحكومة».
وأكد أستاذ الإعلام في جامعة أهل البيت الدكتور غالب الدعمي لـ«الشرق الأوسط» أن «الصدر في هذه الخطبة لم يضع فيتو على المالكي فقط لجهة تشكيل الحكومة المقبلة، بل شمل جميع من تمت تجربتهم في سنوات ماضية، بمن فيهم حيدر العبادي وهو ما يدلل على أن الصدر وضع نقاطاً مهمة في إدارة المرحلة المقبلة».
أضاف الدعمي أن «من بين ما ركز عليه الصدر الآن - وهو نفس ما كان يردده في السابق - تنظيم الحشد الشعبي، وحل الفصائل المسلحة، ومحاربة الفساد». وأشار إلى أنه إضافة إلى الرسائل المهمة التي أراد الصدر إيصالها، «فإن هذا الحضور الهائل للمواطنين من أنصاره إنما هو رسالة في غاية الأهمية للقوى السياسية بأن هذا الجمهور، فيما لو تم استخدامه في التظاهر ضد الحكومة أو الصلاة في المنطقة الخضراء، كيف سيكون عليه المشهد بعد تشكيل الحكومة. وهو ما يعني أنه قادر على إسقاطها في حال لم تتم تلبية مطالبه... وبالتالي هي رسالة للإطار بتشكيل حكومة خدمات من دون لف أو دوران».