إيطاليا على أعتاب أزمة حكومية قد تؤدي إلى انتخابات مبكرة

مجلس الشيوخ الايطالي بعد التصويت على الثقة بغياب نواب «النجوم الخمس» في روما أمس (إ ب أ)
مجلس الشيوخ الايطالي بعد التصويت على الثقة بغياب نواب «النجوم الخمس» في روما أمس (إ ب أ)
TT

إيطاليا على أعتاب أزمة حكومية قد تؤدي إلى انتخابات مبكرة

مجلس الشيوخ الايطالي بعد التصويت على الثقة بغياب نواب «النجوم الخمس» في روما أمس (إ ب أ)
مجلس الشيوخ الايطالي بعد التصويت على الثقة بغياب نواب «النجوم الخمس» في روما أمس (إ ب أ)

مرة أخرى، عادت شهية السياسة الإيطالية لتتفتح على أزمة حكومية من شأنها أن تؤدي إلى حل البرلمان وإجراء انتخابات عامة مسبقة، وإجهاض ما كانت الأحزاب والقوى السياسية أجمعت عليه من مشروع إنقاذي وإصلاحي يقوده ماريو دراغي بترحيب أوروبي قلّ نظيره.
مرة أخرى تأبى إيطاليا الخروج عن التقاليد التي جعلتها تبدّل 59 حكومة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وتقف على شفا أزمة تهدد بسقوط الائتلاف الحاكم، بعد أن قرّرت حركة «النجوم الخمس»، التي تملك أكبر كتلة برلمانية، عدم المشاركة في التصويت على الثقة بالحكومة في مجلس الشيوخ، ما يعني عملياً انسحابها من الائتلاف الذي يرأسه دراغي، ويضم جميع الأحزاب البرلمانية، باستثناء حزب «إخوان إيطاليا» اليميني المتطرف، الذي يتحيّن فرصة الانتخابات العامة التي ترجّحه الاستطلاعات للفوز فيها.
وكان زعيم «النجوم الخمس»، الرئيس السابق للحكومة جيوزيبي كونتي، أعلن أن انسحاب كتلته من مجلس الشيوخ لدى التصويت على الثقة يجب ألا يؤثر على بقاء الحكومة. لكن زعيم حزب «الرابطة» اليميني، ماتيو سالفيني، سارع إلى التحذير من أنه في حال انسحاب «النجوم الخمس» من الجلسة، سيسحب هو تأييد حزبه للحكومة، ما يؤدي حتماً إلى سقوطها والدعوة إلى انتخابات عامة قبل موعدها المحدد في ربيع العام المقبل.
بذلك، تتجّه إيطاليا نحو خريف ساخن جداً، بعد أن أفلت التضخم من عقاله، بينما يتراجع معدّل النمو الاقتصادي كل يوم، ولا تزال الإصلاحات التي تعهدت الحكومة بإجرائها للحصول على مليارات صندوق الإنعاش الأوروبي مجرد وعود عرقوبية، وحبر على ورق. لكن هذا الأفق المتلبِّد لم يمنع الأحزاب من تبدية الحسابات الانتخابية والاندفاع نحو هاوية الأزمة التي لا يُستبعد أن تنتهي مرة أخرى بإعادة تشكيل المشهد السياسي، الذي لا يستقر على معادلة واضحة منذ عقود.
وتعود بداية هذه الأزمة إلى الانهيار الذي تشهده حركة «النجوم الخمس» التي أصيبت بسلسلة من الهزائم القاسية في جميع المواعيد الانتخابية منذ فوزها في الانتخابات العامة الأخيرة، وتحديداً إلى الانشقاق الذي قاده منذ أسبوعين وزير الخارجية لويجي دي مايو، بسبب الخلاف الداخلي في الحركة حول موضوع تزويد أوكرانيا بالمزيد من المساعدات العسكرية.
وكانت الحركة أعلنت أنها لن تصوّت لإقرار مرسوم حكومي يتضمّن بعض النقاط التي لا توافق عليها قواعد الحزب، وستنسحب من مجلس الشيوخ عند التصويت.
يُذكر أن دراغي، وهو الحاكم السابق للمصرف المركزي الأوروبي، وحديث العهد بتعقيدات السياسة الإيطالية، كان أعلن منذ أيام أنه في حال خروج «النجوم الخمس» من الائتلاف الحاكم سيعتبر ولايته في حكم المنتهية، وأنه ليس مستعداً لتعديل التشكيلة الوزارية أو تشكيل حكومة جديدة، وبالتالي لن يعود هناك مفرّ من الدعوة إلى إجراء الانتخابات.
وكان كونتي ترك نافذة مفتوحة للتوصل إلى تفاهم مع دراغي، لكن دخول سالفيني المفاجئ على الخط سعياً إلى استعادة شعبيته التي تتراجع باطراد منذ أشهر لصالح منافسته على الضفة اليمينية زعيمة «إخوان إيطاليا» جيورجيا ميلوني أعاد خلط الأوراق، ووضع دراغي أمام مأزق لم يكن ضمن حساباته. وإذا كانت خطوة سالفيني قد أملاها الخوف من البقاء في حكومة تكنوقراط على أبواب الاستحقاق الانتخابي المقبل الذي قد يتوقف عليه مستقبله السياسي، بعد تنامي التيّار المعارض له داخل «الرابطة»، فإنها تضيّق هامش المناورة أمام رئيس الجمهورية سرجيو ماتّاريلّا لإبقاء الحكومة حتى نهاية ولايتها، وعدم الاضطرار لحل البرلمان والدعوة لإجراء انتخابات عامة مسبقة.
ومن الحلول الممكنة التي قد يلجأ إليها ماتاريلا أن يطلب إلى دراغي تشكيل حكومة دون مشاركة «النجوم الخمس»، لكن بتأييد من الفريق المنشقّ عن الحركة، ما يؤمن لها الأغلبية البرلمانية اللازمة. لكن دراغي كان حذَّر أكثر من مرة في الأيام الأخيرة من أنه ليس مستعداً لقيادة ائتلاف حكومي بأغلبية برلمانية مختلفة عن الأغلبية الحالية.
ويقول مقرّبون من دراغي إنه ضاق ذرعاً من أنانية الأحزاب والقيادات السياسية، لكن ماتاريلا قد ينجح في إقناعه بتمديد الولاية حتى الاستحقاق الانتخابي المقبل، حيث يقال أيضاً إن ماتاريلا قد يستقيل من رئاسة الجمهورية، ويفتح الباب لوصول دراغي إلى سدة الرئاسة الأولى. لكن إذا لم تحصل مفاجآت في الأيام أو الساعات المقبلة، فإن إيطاليا على موعد مع انتخابات عامة مسبقة في سبتمبر (أيلول) المقبل، ويكون دراغي الرئيس الثاني لحكومة دولة أوروبية كبرى يسقط منذ بداية الحرب في أوكرانيا.
وثمة مَن يراهن على أن الحلفاء الأوروبيين الذين يؤيدون بقوة بقاء دراغي في الحكم، سيضغطون لإقناعه بالبقاء حتى نهاية الولاية، ليس فقط لأن حزمة الإصلاحات الموعودة للحصول على حصة الأسد من صندوق الإنعاش الأوروبي تتوقف على وجوده على رأس الحكومة الإيطالية، بل أيضاً لأن الفائز في الانتخابات الإيطالية، إذا أجريت اليوم، ستكون زعيمة حزب «إخوان إيطاليا» اليميني المتطرف، جيورجيا ميلوني، على الأرجح متحالفة مع ماتّيو سالفيني الذي ما زالت صورته داخلاً إلى البرلمان الأوروبي مرتدياً قميصاً عليه صورة فلاديمير بوتين ماثلة في الأذهان.


مقالات ذات صلة

باريس «تأمل» بتحديد موعد قريب لزيارة وزير الخارجية الإيطالي

العالم باريس «تأمل» بتحديد موعد قريب لزيارة وزير الخارجية الإيطالي

باريس «تأمل» بتحديد موعد قريب لزيارة وزير الخارجية الإيطالي

قالت وزارة الخارجية الفرنسية إنها تأمل في أن يُحدَّد موعد جديد لزيارة وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني بعدما ألغيت بسبب تصريحات لوزير الداخلية الفرنسي حول سياسية الهجرة الإيطالية اعتُبرت «غير مقبولة». وكان من المقرر أن يعقد تاياني اجتماعا مع وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا مساء اليوم الخميس. وكان وزير الداخلية الفرنسي جيرار دارمانان قد اعتبر أن رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني «عاجزة عن حل مشاكل الهجرة» في بلادها. وكتب تاياني على «تويتر»: «لن أذهب إلى باريس للمشاركة في الاجتماع الذي كان مقررا مع الوزيرة كولونا»، مشيرا إلى أن «إهانات وزير الداخلية جيرالد دارمانان بحق الحكومة وإي

«الشرق الأوسط» (باريس)
العالم ألمانيا تشن حملة أمنية كبيرة ضد مافيا إيطالية

ألمانيا تشن حملة أمنية كبيرة ضد مافيا إيطالية

في عملية واسعة النطاق شملت عدة ولايات ألمانية، شنت الشرطة الألمانية حملة أمنية ضد أعضاء مافيا إيطالية، اليوم (الأربعاء)، وفقاً لوكالة الأنباء الألمانية. وأعلنت السلطات الألمانية أن الحملة استهدفت أعضاء المافيا الإيطالية «ندرانجيتا». وكانت السلطات المشاركة في الحملة هي مكاتب الادعاء العام في مدن في دوسلدورف وكوبلنتس وزاربروكن وميونيخ، وكذلك مكاتب الشرطة الجنائية الإقليمية في ولايات بافاريا وشمال الراين - ويستفاليا وراينلاند – بفالتس وزارلاند.

«الشرق الأوسط» (برلين)
يوميات الشرق إيطاليا ترفع الحظر عن «تشات جي بي تي»

إيطاليا ترفع الحظر عن «تشات جي بي تي»

أصبح برنامج «تشات جي بي تي» الشهير الذي طورته شركة الذكاء الاصطناعي «أوبن إيه آي» متاحا مجددا في إيطاليا بعد علاج المخاوف الخاصة بالخصوصية. وقالت هيئة حماية البيانات المعروفة باسم «جارانتي»، في بيان، إن شركة «أوبن إيه آي» أعادت تشغيل خدمتها في إيطاليا «بتحسين الشفافية وحقوق المستخدمين الأوروبيين». وأضافت: «(أوبن إيه آي) تمتثل الآن لعدد من الشروط التي طالبت بها الهيئة من أجل رفع الحظر الذي فرضته عليها في أواخر مارس (آذار) الماضي».

«الشرق الأوسط» (روما)
العالم إيطاليا في «يوم التحرير»... هل تحررت من الإرث الفاشي؟

إيطاليا في «يوم التحرير»... هل تحررت من الإرث الفاشي؟

في الخامس والعشرين من أبريل (نيسان) من كل عام تحتفل إيطاليا بـ«عيد التحرير» من النازية والفاشية عام 1945، أي عيد النصر الذي أحرزه الحلفاء على الجيش النازي المحتلّ، وانتصار المقاومة الوطنية على الحركة الفاشية، لتستحضر مسيرة استعادة النظام الديمقراطي والمؤسسات التي أوصلتها إلى ما هي عليه اليوم. يقوم الدستور الإيطالي على المبادئ التي نشأت من الحاجة لمنع العودة إلى الأوضاع السياسية التي ساهمت في ظهور الحركة الفاشية، لكن هذا العيد الوطني لم يكن أبداً من مزاج اليمين الإيطالي، حتى أن سيلفيو برلوسكوني كان دائماً يتغيّب عن الاحتفالات الرسمية بمناسبته، ويتحاشى المشاركة فيها عندما كان رئيساً للحكومة.

شوقي الريّس (روما)
شمال افريقيا تعاون مصري - إيطالي في مجال الاستثمار الزراعي

تعاون مصري - إيطالي في مجال الاستثمار الزراعي

أعلنت الحكومة المصرية عن عزمها تعزيز التعاون مع إيطاليا في مجال الاستثمار الزراعي؛ ما يساهم في «سد فجوة الاستيراد، وتحقيق الأمن الغذائي»، بحسب إفادة رسمية اليوم (الأربعاء). وقال السفير نادر سعد، المتحدث الرسمي لرئاسة مجلس الوزراء المصري، إن السفير الإيطالي في القاهرة ميكيلي كواروني أشار خلال لقائه والدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء المصري، (الأربعاء) إلى أن «إحدى أكبر الشركات الإيطالية العاملة في المجال الزراعي لديها خطة للاستثمار في مصر؛ تتضمن المرحلة الأولى منها زراعة نحو 10 آلاف فدان من المحاصيل الاستراتيجية التي تحتاج إليها مصر، بما يسهم في سد فجوة الاستيراد وتحقيق الأمن الغذائي». وأ

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

مسؤول: قراصنة إلكترونيون صينيون يستعدون لصدام مع أميركا

القراصنة قاموا بعمليات استطلاع وفحص محدودة لمواقع إلكترونية متعددة مرتبطة بالانتخابات الأميركية (أرشيفية - رويترز)
القراصنة قاموا بعمليات استطلاع وفحص محدودة لمواقع إلكترونية متعددة مرتبطة بالانتخابات الأميركية (أرشيفية - رويترز)
TT

مسؤول: قراصنة إلكترونيون صينيون يستعدون لصدام مع أميركا

القراصنة قاموا بعمليات استطلاع وفحص محدودة لمواقع إلكترونية متعددة مرتبطة بالانتخابات الأميركية (أرشيفية - رويترز)
القراصنة قاموا بعمليات استطلاع وفحص محدودة لمواقع إلكترونية متعددة مرتبطة بالانتخابات الأميركية (أرشيفية - رويترز)

قال مسؤول كبير في مجال الأمن الإلكتروني في الولايات المتحدة، الجمعة، إن قراصنة إلكترونيين صينيين يتخذون مواطئ قدم في بنية تحتية خاصة بشبكات حيوية أميركية في تكنولوجيا المعلومات تحسباً لصدام محتمل مع واشنطن.

وقال مورغان أدامسكي، المدير التنفيذي للقيادة السيبرانية الأميركية، إن العمليات الإلكترونية المرتبطة بالصين تهدف إلى تحقيق الأفضلية في حالة حدوث صراع كبير مع الولايات المتحدة.

وحذر مسؤولون، وفقاً لوكالة «رويترز»، من أن قراصنة مرتبطين بالصين قد اخترقوا شبكات تكنولوجيا المعلومات واتخذوا خطوات لتنفيذ هجمات تخريبية في حالة حدوث صراع.

وقال مكتب التحقيقات الاتحادي مؤخراً إن عملية التجسس الإلكتروني التي أطلق عليها اسم «سالت تايفون» شملت سرقة بيانات سجلات مكالمات، واختراق اتصالات كبار المسؤولين في الحملتين الرئاسيتين للمرشحين المتنافسين قبل انتخابات الرئاسة الأميركية في الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) ومعلومات اتصالات متعلقة بطلبات إنفاذ القانون في الولايات المتحدة.

وذكر مكتب التحقيقات الاتحادي ووكالة الأمن السيبراني وأمن البنية التحتية أنهما يقدمان المساعدة الفنية والمعلومات للأهداف المحتملة.

وقال أدامسكي، الجمعة، إن الحكومة الأميركية «نفذت أنشطة متزامنة عالمياً، هجومية ودفاعية، تركز بشكل كبير على إضعاف وتعطيل العمليات الإلكترونية لجمهورية الصين الشعبية في جميع أنحاء العالم».

وتنفي بكين بشكل متكرر أي عمليات إلكترونية تستهدف كيانات أميركية. ولم ترد السفارة الصينية في واشنطن على طلب للتعليق بعد.