نيويورك تبحث عن راع جديد بعد انسحاب «مرسيدس بنز»

الموضة والسيارات.. علاقة مبنية على الإفادة والاستفادة

من عرض «ديزغال» في أسبوع نيويورك الذي رعته «مرسيدس بنز»
من عرض «ديزغال» في أسبوع نيويورك الذي رعته «مرسيدس بنز»
TT

نيويورك تبحث عن راع جديد بعد انسحاب «مرسيدس بنز»

من عرض «ديزغال» في أسبوع نيويورك الذي رعته «مرسيدس بنز»
من عرض «ديزغال» في أسبوع نيويورك الذي رعته «مرسيدس بنز»

إذا لم تتغير الأمور من هنا إلى شهر سبتمبر (أيلول) المقبل، فإن أسبوع نيويورك سيكون من دون راع بعد انسحاب شركة «مرسيدس بنز» التي دعمته لسبع سنوات متوالية. وكانت الشركة قد سحبت دعمها نظرا للتغيرات التي شهدها عالم السيارات وحاجتها إلى طرق جديدة لتسويقها من جهة، ونظرا لافتقار الأسبوع لبعض حيويته في المواسم الماضية، من جهة ثانية. فبعد أن كان عنوانا للموضة «السبور» والتصاميم المبتكرة التي تسوق نفسها بسهولة، وتجذب لائحة من المشترين لا تضاهيها سوى لائحة النجوم الذي يحتلون المقاعد الأمامية في معظم العروض، شهد تراجعا ملموسا في الآونة الأخيرة مقارنة بعواصم أخرى بدأت تنافسه بشدة وتسحب السجاد من تحت أرجله، سواء من حيث النجوم والبريق أو من حيث التصاميم التي تنبض بروح الحداثة والعصر. والمقصود هنا ليس لندن أو ميلانو أو باريس فحسب، بل أيضا لوس أنجليس، التي تستقطب حاليا الكثير من بيوت الأزياء والمصممين، من أمثال هادي سليمان وتوم فورد و«بيربيري» و«لويس فويتون» وغيرهم ممن افتتحوا محلات كبيرة فيها.
انسحاب «مرسيدس بنز» يعني أنه على الأسبوع أن يبحث عن راع جديد في نفس المستوى والإمكانيات، وكانت شركة «كاديلاك» من الأسماء المطروحة لكن لم يتحقق الأمر للأسباب نفسها التي جعلت «مرسيدس بنز» تنسحب. وجاء على لسان متحدث باسم شركة «كاديلاك» أنهم كانوا يفضلون لو احتضن الأسبوع مبدعين يتميزون بالابتكار والجرأة، وليس مجرد أسماء كبيرة رسخت مكانتها عالميا على المستوى التجاري أو التسويقي، مثل مايكل كورس أو دايان فون فورتنسبوغ وغيرهما. وهذا يشير إلى أن خريطة الموضة بدأت تتغير لصالح الشباب بدليل أن شركة «لكزس» ترعى منذ 2011، أسبوع «مايد فاشن» الذي يتزامن مع أسبوع نيويورك تقريبا، ويركز على المواهب الصاعدة من المصممين الشباب أكثر. بعبارة أخرى، أصبح لزاما على أسبوع نيويورك أن يعيد ترتيب أوراقه، وألا يركز فقط على الأسماء الكبيرة، وأن يعطي فرصة للمبتدئين لكي يعبروا عن خيالهم بحرية حتى يضفي عليه الحيوية التي باتت تنقصه. ومما يشار إليه أن أغلب المصممين الشباب الذي يشاركون في أسبوع نيويورك، يعرضون تشكيلاتهم على مستوى صغير في أماكن متفرقة، أحيانا في مستودعات، بدل مركز لينكولن، المقر الرئيسي للأسبوع، أي ليس تحت مظلة «مرسيدس بنز». فالكثير منهم يرى أن المركز غير مناسب ويختلف كثيرا عن «براينت بارك» الذي كانت تقام فيه الفعالية من قبل، وكان يوفر ظروفا أفضل للجميع عدا النظرة الرومانسية التي ارتبطت به في أذهان الحضور والمشاركين على حد سواء.
ما يلفت النظر في بحث أسبوع نيويورك عن راع جديد، أن أغلب الأسماء المطروحة هي لشركات سيارات، نظرا لإمكانياتها الكبيرة وأيضا لاهتمامها بالتصميم الفني. فشركات السيارات كانت ولا تزال ترى أن العملية مفيدة للطرفين، من منطلق أن امرأة لها القدرة على شراء حقيبة تقدر بآلاف الدولارات يمكنها أن تشتري بسهولة سيارة فارهة. أما سبب التغير الحالي، فيعود إلى تغير الأولويات وضرورة البحث عن طرق جديدة لكي تسوق صورتها كقطاع يجسد الابتكار والاختراع ويدعمه بكل قواه، وبالتالي فإن المسألة لا تعني عزوفهم عن الموضة، بل العكس، فهي لا تزال تُشكل بالنسبة لهم وسيلة فعالة للوصول إلى شرائح جديدة من الزبائن واستقطابهم. كل ما في الأمر أنهم غيروا استراتجياتهم. في الموسم الماضي، مثلا، وخلال اليوم الذي خصصه الأسبوع النيويوركي للأزياء الرجالية، رعت شركة «كاديلاك» ماركات شبابية هي ديفيد هارت و«كاديت»، كما استضافت عروض كل من ماكسويل أوزبورن وداو يي تشو. هذا الأخير كان حديث التخرج في الجامعة قبل أن يصبح المصمم الفني لـ«دي كي إن واي» DKNY، لكنها توسمت فيه القدرة على الإبداع وهو ما أكده. من جهتها، أزاحت شركة «رولز رويس» الستار عن سيارتها الجديدة مؤخرا، وصرحت بأنها «مستلهمة من الموضة» بالنظر إلى إكسسواراتها الداخلية المصنوعة من الحرير والجلد، بينما تحاول شركات أخرى أن تربط اسمها بأسماء مصممين لهم شعبية حتى تربط نفسها بالحلم الذي تثيره الموضة عموما في النفوس. من هؤلاء نذكر «لاند روفر» وعلاقتها بفيكتوريا بيكام، و«جاغوار» بالمصممة ستيلا ماكارتني، و«مازيراتي» بشركة «زيغنا». بالنسبة لـ«مرسيدس بنز» فإنها تؤكد أن انسحابها من أسبوع نيويورك يعني التغيير والتطور أكثر مما يعني الطلاق بينها وبين الموضة، لأن التصميم من الأعمدة الأساسية لصناعة السيارات.



غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)
توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)
TT

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)
توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)

بعد عدة أشهر من المفاوضات الشائكة، انتهى الأمر بفض الشراكة بين المصمم هادي سليمان ودار «سيلين». طوال هذه الأشهر انتشرت الكثير من التكهنات والشائعات حول مصيره ومستقبله. ولحد الآن لا يُحدد المصمم هذا المستقبل. لكن المؤكد أنه ضاعف مبيعات «سيلين» خلال الست سنوات التي قضاها فيها مديراً إبداعياً. غادرها وهي قوية ومخلفاً إرثاً لا يستهان به، يتمثل في تأسيسه قسماً جديداً للعطور ومستحضرات التجميل. فهو لم يكن يعتبر نفسه مسؤولاً عن ابتكار الأزياء والإكسسوارات فحسب، بل مسؤولاً على تجميل صورتها من كل الزوايا، ومن ثم تحسين أدائها.

العطور ومستحضرات التجميل جزء من الحياة ولا يمكن تجاهلهما وفق هادي سليمان (سيلين)

نجح وفق تقديرات المحللين في رفع إيراداتها من 850 مليون دولار حين تسلمها في عام 2018، إلى ما يقرب من 3.27 مليار دولار عندما غادرها. الفضل يعود إلى أسلوبه الرشيق المتراقص على نغمات الروك أند رول من جهة، وإدخاله تغييرات مهمة على «لوغو» الدار وإكسسواراتها من جهة أخرى. هذا عدا عن اقتحامه مجالات أخرى باتت جزءاً لا يتجزأ من الحياة المترفة تعكس روح «سيلين» الباريسية، مثل التجميل واللياقة البدنية.

اجتهد في رسم جمال الدار في عام 2023 وكأنه كان يعرف أن الوقت من ذهب (سيلين)

بعد عام تقريباً من تسلمه مقاليد «سيلين» بدأ يفكر في التوسع لعالم الجمال. طرح فعلاً مجموعة من العطور المتخصصة استوحاها من تجاربه الخاصة والأماكن التي عاش أو عمل فيها. استعمل فيها مكونات مترفة، ما ساهم في نجاحها. هذا النجاح شجعه على تقديم المزيد من المنتجات الأخرى، منها ما يتعلق برياضة الـ«بيلاتيس» زينها بـ«لوغو» الدار.

يعمل هادي سليمان على إرساء أسلوب حياة يحمل بصماته ونظرته للجمال (سيلين)

مستحضرات التجميل كان لها جُزء كبير في خطته. كان لا بد بالنسبة له أن ترافق عطوره منتجات للعناية بالبشرة والجسم تُعزز رائحتها وتأثيرها. هنا أيضاً حرص أن تشمل كل جزئية في هذا المجال، من صابون معطر يحمل رائحة الدار وكريمات ترطيب وتغذية إلى بخاخ عطري للشعر وهلم جرا.

في عام 2019 طرح مجموعة عطور متخصصة أتبعها بمنتجات للعناية بالبشرة والجسم (سيلين)

كانت هذه المنتجات البداية فقط بالنسبة له، لأنه سرعان ما أتبعها بمستحضرات ماكياج وكأنه كان يعرف أن وقته في الدار قصير. كان أول الغيث منها أحمر شفاه، قدمته الدار خلال أسبوع باريس الأخير. من بين ميزاته أنه أحمر شفاه يرطب ويلون لساعات من دون أن يتزحزح من مكانه. فهو هنا يراعي ظروف امرأة لها نشاطات متعددة وليس لديها الوقت الكافي لتجدده في كل ساعة.

بدأ بأحمر شفاه واحد حتى يجس نبض الشعر ويُتقن باقي الألوان لتليق باسم «سيلين» (سيلين)

حتى يأتي بالجودة المطلوبة، لم تتسرع الدار في طرح كل الألوان مرة واحدة. اكتفت بواحد هو Rouge Triomphe «روج تريومف» على أن تُتبعه بـ15 درجات ألوان أخرى تناسب كل البشرات بحلول 2025 إضافة إلى ماسكارا وأقلام كحل وبودرة وظلال خدود وغيرها. السؤال الآن هو هل ستبقى الصورة التي رسمها هادي سليمان لامرأة «سيلين» وأرسى بها أسلوب حياة متكامل يحمل نظرته للجمال، ستبقى راسخة أم أن خليفته، مايكل رايدر، سيعمل على تغييرها لكي يضع بصمته الخاصة. في كل الأحوال فإن الأسس موجودة ولن يصعب عليه ذلك.