عمارة المسجد التكامل بين الوظيفة والجمال

بلغت ذروتها في العصر العباسي مع انتقال الخلافة إلى العراق

عمارة المسجد  التكامل بين الوظيفة والجمال
TT

عمارة المسجد التكامل بين الوظيفة والجمال

عمارة المسجد  التكامل بين الوظيفة والجمال

يقتصر كتاب «جماليات الفنون الإسلامية» الصادر حديثاً عن «الهيئة المصرية العامة للكتاب»، على عمارة المساجد، باعتبارها «حجر الأساس ورافداً أساسياً تتواشج فيه معظم الجماليات».
وبحسب مؤلفة الكتاب، الدكتورة أمل مصطفى إبراهيم، أستاذة النقد والتذوق الفني بجامعة حلوان، تعد الزخرفة من أكثر المعالجات الفنية الشائعة في عمارة المساجد؛ حيث لا تقتصر جدواها على النواحي الجمالية فقط، وإنما تمتد لتشمل تقليل آثار المناخ السيئة، كالحرارة واحتباسها، وشدة الضوء وسطوعه، وكذلك الرطوبة وآثارها المدمرة في المباني، وهو ما يظهر جلياً في مسجد «الحسن الثاني» بالمغرب الذي تضفي عليه الزخارف ثراء يميز مجموع بناياته؛ خصوصاً أن المسجد قد أنشئ داخل البحر. وتُنفذ الزخرفة عادة على سطح إضافي يعمل كعازل حراري ملائم وبألوان مناسبة تقلل من أثر الاحتباس الحراري، حتى في أضعف السطوح مثل السطوح الزجاجية للنوافذ. وتعمل الزخرفة بشكل فعال على عكس الضوء وتشتيته باتجاهات مختلفة لتقليل سطوعه المزعج على العين، بالإضافة إلى ذلك تنفذ الزخرفة على سطوح قوية وصلبة وبعضها مزججة مانعة للرطوبة، ويمكن صيانتها في المواقع أو في الورشة.
وتعد زخارف الفسيفساء في مسجد «قبة الصخرة» من المعالم الجمالية للزخرفة الإسلامية، فقد أقام عبد الملك بن عبد العزيز فوق الصخرة بناء مستديراً مكوناً من قبة خشبية مرتكزة على رقبة مستديرة الشكل، محاطة بست عشرة نافذة، وهذه الرقبة مستندة على رواق مستدير، ويربط بين أركان المسجد وأعمدته روابط خشبية مطعمة بالنحاس الأصفر المنقوش بالذهب بأساليب فنية كانت معروفة من قبل في سوريا، وتضم حشَوات تمثل وحدات من أوراق «الأكانتس» وتفريعات العنب؛ كذلك أشكال السلال التي تخرج منها الفروع النباتية. وتغطي جدران المسجد عناصر زخرفية نباتية كثيرة، كأشجار النخيل والصنوبر والعنب والرمان، ووحدات الأهلة والنجوم. وأغلب الوحدات الزخرفية التي وجدت في المسجد كانت مقتبسة من الفنون الإغريقية والبيزنطية، مع عناصر الفن الهيلنستي والساساني، ويغلب عليها المناظر الطبيعية، هذا إلى جانب استخدام الجص البارز المنقوش على نطاق واسع.
ويذكر الكتاب أنه في الطراز العباسي، اتصفت العمارة بجمالها وفخامتها وبروعة صناعتها وتنوع طرزها، فمع تحول مقر الحكم إلى العراق تغيرت أساليب الفن تغيراً جوهرياً. ومن الأساليب الجديدة استخدام الآجر بدلاً من الحجر، والأكتاف بدلاً من الأعمدة، وفُضلت الزخارف الجصية على الحجرية، واستخدم التخطيط المستطيل، وازداد ظهور العنصر الفارسي في الشرق سياسياً وثقافياً وفنياً، لتحل التقاليد الساسانية، فمسجد «سُر من رأى» أو «سامراء» الكبير الذي أنشأه «المتوكل» سنة 234 هـ، هو على شكل مستطيل استُعمل في بنائه الطوب اللبن، أما السور الخارجي فمبنيٌّ بالطوب الأحمر الفاتح، وزُود بأبراج تبلغ 40 برجاً، قطر كل منها 4 أمتار ونصف متر، ويبرز الواحد عن الجدار نحو مترين. كما أن المئذنة ذات طابع معماري فريد شُيدت خارج المسجد بشكل حلزوني رشيق. أما حوائط المسجد فمغطاة بالفسيفساء الزجاجية على أرض مُذهبة.
وانتقل الطراز العباسي إلى مصر على يد أحمد بن طولون الذي شيد مسجداً يُعتبر من أجمل المساجد الإسلامية، وهو مساحة مستطيلة يتوسطها صحن مربع مكشوف، في منتصفه «الميضأة» التي أضيفت له لاحقاً. ويحيط بالصحن 4 أروقة أكبرها رواق القبلة، ويتكون من 5 بلاطات، في حين تتكون الأروقة الأخرى من بلاطتين. وتقع مئذنة المسجد خارج السور الخارجي في التوسعة الشمالية الغربية. وتصميم هذه المئذنة يعد صورة مكررة من مئذنة مسجد «سامراء» الملتوية؛ حيث تتكون من قاعدة مربعة الشكل يعلوها جزء أسطواني، ويلتف حولها من الخارج دَرَج يوصل إلى المنطقة العلوية.
وتوضح المؤلفة أن ما ينطبق على «القبة» كعنصر أساسي في عمارة المساجد من قيم شكلية ودلالات، ينطبق أيضاً على المآذن، ولكنها تختلف باختلاف الطراز. وعلى الرغم من أنها كانت مستعملة قبل الإسلام، وأن فكرتها أُخذت من الحضارات السابقة عليها، فإنها تحولت إلى عنصر إسلامي خالص بتلك الإضافات المعمارية، حتى أصبحت فناً إسلامياً رائعاً ذا معانٍ ودلالات خاصة. تمثل المئذنة إذن ذراعاً ممدودة إلى السماء، كما تعد أحد معالم بناء المسجد بقامتها الشاهقة وهي تُرى عن بعد، وترتفع من أحد أركانه لتسمح للمؤذن برفع صوته بالأذان ليبلغ أقصى مكان.
وقد ظهرت المآذن في العمارة الإسلامية لأول مرة في دمشق، حين أُذن للصلاة من أبراج المعبد القديم الذي أقيم فيما بعد على أنقاضه المسجد الأموي. ومنذ ذلك الحين استُخدمت المآذن وتطورت مع العصور الإسلامية، لتتكامل بين الشكل الجمالي والوظيفة الأدائية لها. وهي عبارة عن شكل هندسي مربع أو مخروطي أو أسطواني أو مضلع، تعطي جميعها دلالات مختلفة، فالشكل المربع يعطي إحساساً بالحدة والقوة، وشكل المئذنة الأسطواني المتناظر يضفي مظهر البساطة والجمال، أما قمم المآذن فمنها المخروطي ومنها ما هو مسطح، ومنها ما يأخذ شكل ثمرة القرع، ومنها ما هو كالقبة الكروية الصغيرة، وأيضاً المضلعة، وهذا هو الشكل السائد والمتبع في كثير من المآذن. وعادة ما تكون المئذنة مكسوة ببلاطات خزفية أو مغلفة بالقطع الذهبية.
وزخرفت أسطح المآذن بالزخارف المتنوعة، الهندسية والنباتية والكتابية، واستخدمت في الأساليب الزخرفية شتى أنواع المقرنصات وزخارف البلاطات الزجاجية، بما يخدم الهدف الجمالي للمئذنة.



«عورة في الجوار»... رواية جديدة لأمير تاجّ السِّر

«عورة في الجوار»... رواية  جديدة لأمير تاجّ السِّر
TT

«عورة في الجوار»... رواية جديدة لأمير تاجّ السِّر

«عورة في الجوار»... رواية  جديدة لأمير تاجّ السِّر

بالرغم من أن الرواية الجديدة للكاتب السوداني أمير تاج السر تحمل على غلافها صورة «كلب» أنيق، فإنه لا شيء في عالم الرواية عن الكلب أو عن الحيوانات عموماً.

هي رواية تتنقل بخفة ولغة ساخرة بين المعاناة والحب والسياسة والفانتازيا والأساطير، تحمل اسم «عورة في الجوار»، وسوف تصدر قريباً عن دار «نوفل» للنشر والتوزيع، وتقع في 140 صفحة.

عن عوالمها وفضائها السردي، يقول تاج السرّ لـ«الشرق الأوسط»: «تروي هذه الرواية التحولات الاجتماعية، وحياة الريف المكتنز بالقصص والأساطير، وانتقال البلد إلى (العصرنة) والانفتاح ورصد التأثيرات الثقافيّة التي تهبّ من المدن إلى الأرياف، لكنها ترصد أيضاً تأثير الأوضاع السياسية المضطربة في السودان على حياة الناس العاديين وما تسببه الانقلابات العسكرية من معاناة على السكان المحليين، خاصة في الأرياف... إلى جانب اهتمامها بتفاصيل الحياة اليومية للناس، في سرد مليء بالفكاهة السوداء».

حمل غلاف الرواية صورة الكلب، في رمزية مغوية إلى بطل الرواية، الذي كان الناس يطلقون عليه لقب «كلب الحرّ» كتعبير عن الشخص كثير التنقلّ الذي لا يستقرّ في مكان. كان كثير التنقّل حيث يعمل سائق شاحنة لنقل البضائع بين الريف والعاصمة وبقية المدن، والزمان هو عام 1980، وفي هذا الوقت يلتقي هذا السائق، وكان في العشرينات من عمره بامرأة جميلة (متزوجة) كانت تتبضع في متجر صغير في البلدة التي ينحدرُ منها، فيهيمُ فيها عشقاً حتى إنه ينقطع عن عمله لمتابعتها، وتشمم رائحتها، وكأنها حلم من أحلام الخلود.

وعن الريف السوداني الذي توليه الرواية اهتماماً خاصاً، ليس كرحم مكاني فحسب، إنما كعلاقة ممتدة في جسد الزمان والحياة، مفتوحة دائماً على قوسي البدايات والنهايات. يتابع تاج السر قائلاً: «الريف السوداني يلقي بحمولته المكتنزة بالقصص والأساطير حتى الفانتازيا في أرجاء الرواية، حيث ترصد الرواية ملامح وعادات الحياة الاجتماعيّة... لتنتقل منها إلى عالم السياسة، والانقلابات العسكرية والحروب الداخلية، حيث تسجل صراعاً قبلياً بين قبيلتَين خاضتا صراعاً دموياً على قطعة أرض زراعية، لا يتجاوز حجمها فداناً واحداً، لكنّ هذه الصراعات المحلية تقود الكاتب إلى صراعات أكبر حيث يتناول أحداثاً تاريخيّة كالوقائع العسكريّة والحروب ضدّ المستعمِر الإنجليزي أيّام المهدي محمد أحمد بن عبد الله بن فحل، قائد الثورة المهديّة، ومجاعة ما يعرف بـ(سنة ستّة) التي وقعت عام 1888، حيث تعرض السودان عامي 1889 – 1890 إلى واحدة من أسوأ المجاعات تدميراً».

وعلى الصعيد الاجتماعي، ترصد الرواية الغزو الثقافي القادم من المدن إلى الأرياف، وكيف استقبله الناس، خاصة مع وصول فرق الموسيقى الغربية، وظهور موضة «الهيبيز»، وصولاً إلى تحرر المرأة.

رواية جديدة تتنقل بخفة ولغة ساخرة بين المعاناة والحب والسياسة والفانتازيا والأساطير، سوف تصدر قريباً عن دار «نوفل» للنشر.

يشار إلى أن أمير تاج السر روائي سوداني ولد في السودان عام 1960، يعمل طبيباً للأمراض الباطنية في قطر. كتب الشعر مبكراً، ثم اتجه إلى كتابة الرواية في أواخر الثمانينات. صدر له 24 كتاباً في الرواية والسيرة والشعر. من أعماله: «مهر الصياح»، و«توترات القبطي»، و«العطر الفرنسي» (التي صدرت كلها عام 2009)، و«زحف النمل» (2010)، و«صائد اليرقات» (2010)، التي وصلت إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية عام 2011، تُرجمَت أعماله إلى عدّة لغات، منها الإنجليزيّة والفرنسيّة والإيطاليّة والإسبانيّة والفارسيّة والصينيّة.

نال جائزة «كتارا» للرواية في دورتها الأولى عام 2015 عن روايته «366»، ووصلتْ بعض عناوينه إلى القائمتَين الطويلة والقصيرة في جوائز أدبيّة عربيّة، مثل البوكر والشيخ زايد، وأجنبيّة مثل الجائزة العالميّة للكتاب المترجم (عام 2017 بروايته «العطر الفرنسي»، وعام 2018 بروايته «إيبولا 76»)، ووصلت روايته «منتجع الساحرات» إلى القائمة الطويلة لجائزة عام 2017.

صدر له عن دار «نوفل»: «جزء مؤلم من حكاية» (2018)، «تاكيكارديا» (2019) التي وصلتْ إلى القائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد للكتاب (دورة 2019 – 2020)، «سيرة الوجع» (طبعة جديدة، 2019)، «غضب وكنداكات» (2020)، «حرّاس الحزن» (2022). دخلت رواياته إلى المناهج الدراسيّة الثانويّة الإماراتيّة والبريطانيّة والمغربية.