تظاهرة «جو تونس» تبحث واقع الثقافة العربية في زمن النزاعات

أي دور للثقافة اليوم في زمن النزاعات التي تعصف بالعالم.. وكيف يمكن للثقافة كإحدى أدوات مواجهة التشدد والتطرف.. تلك هي أهم المحاور التي تناولتها تظاهرة «جو تونس 2015» في دورتها الثالثة التي احتضنتها العاصمة التونسية من 27 إلى 30 مايو (أيار) الماضي.
«جو» هي تظاهرة ثقافية رأت النور سنة 2012 بمدينة جدة السعودية على يدي لينا الأزعر التونسية الأصل وبدعم من «مؤسسة كمال الأزعر». وكان الهدف الرئيسي لهذه التظاهرة هو إبراز الثقافة العربية المعاصرة، ومحاولة تسليط الضوء على الفنون بمختلف أشكالها وتقريبها من الجمهور العربي.. ومنذ سنة 2013 حطت هذه التظاهرة الرحال في تونس وتحولت إلى موعد سنوي تحتضنه العاصمة التونسية ووصلت هذه السنة إلى دورتها الثالثة التي تمحورت بالخصوص حول منتدى حمل شعار «الثقافة أمام امتحان النزاعات» ومعرض للرسوم تحت عنوان «العالم بأسره مسجد» وفعاليات ثقافية أخرى كثيرة كزيارة المتاحف ومعارض الرسم الشخصية والجماعية.
أحد أبرز مميزات «جو تونس 2015» هو اختيار متحف باردو غرب العاصمة التونسية لاحتضان فعاليات منتدى هذه الدورة. وقد أعطى هذا الاختيار بعدا خاصا لهذه الدورة.. إذ لم يكن هناك أفضل من هذا الفضاء لاحتضان تظاهرة تتناول دور الثقافة في مواجهة التشدد والتطرف.. فمتحف باردو لا يزال يلملم جراح الاعتداء الإرهابي الذي تعرض له في 18 مارس (آذار) الماضي وأودى بحياة 20 سائحا أجنبيا ورجل أمن تونسي. ومتحف باردو تحول منذ هذا الاعتداء إلى قبلة لكل زوار تونس من سياح وشخصيات أجنبية رسمية وفنانين وسفراء تعبيرا منهم على تعاطفهم مع ضحايا هذا الاعتداء الإرهابي الفظيع وعلى تمسكهم بالتسامح.. وقد لاحظ المشاركون في منتدى «جو تونس» 2015 وجود الكثير من باقات الورد التي يضعها كل يوم زوار المتحف أسفل النصب الذي أقيم في مدخل المتحف ويحمل أسماء الضحايا الذين سقطوا في هذه العملية الإرهابية.
وعلى امتداد يومي (الخميس والجمعة الماضيين) ناقش المشاركون في المنتدى الذي حمل شعار «الثقافة أمام امتحان النزاعات» قضايا كثيرة تمحور أغلبها حول واقع الثقافة العربية اليوم حيث أمن الموائد المستديرة الخمس لهذا المنتدى نخبة من المثقفين والباحثين والمشرفين على مؤسسات ثقافية عريقة من تونس والمغرب والإمارات وفرنسا وبريطانيا ولبنان وألمانيا ومصر. وتناولت المائدة المستديرة الأولى بالدرس محور «الثقافة في زمن النزاعات» وهيمنت على تدخلات المشاركين المخاوف التي تثيرها مواجهة التشدد التي تشهدها أكثر من جهة في البلاد العربية ودور الثقافة في مواجهة التطرف. في حين خصصت المائدة الثانية لموضوع «موقع الأرشيف في الفن المعاصر في العالم العربي» وتناولت المائدة الثالثة قضية «الجسد في الكوريغرافيا التونسية» والمائدة الرابعة لواقع حال للثقافة المغاربية. أما المائدة المستديرة الخامسة فخصصت لموضوع «المصير الغامض للمؤسسات الثقافية في العالم العربي». وفي اختتام أعمال هذا المنتدى يوم الجمعة الماضي عبر كمال الأزعر عن «سعادته بالأجواء التي جرت فيها تظاهرة جو لهذه السنة»، قائلا «ما جرى في متحف باردو في مارس الماضي لن يثنينا عن مواصلة العمل والفعل الثقافي الذي يهدف إلى نشر ثقافة التسامح»، مضيفا قوله «تظاهرة جو ليست في منافسة مع أي جهة كانت علما أن وزارة الثقافة والمحافظة على التراث التونسية هي شريك في تنظيم هذه التظاهرة».
وعدا فعاليات المنتدى أتيح للمشاركين في «جو تونس 2015» زيارة الكثير من معارض الرسم الخاصة والجماعية لفنانين تونسيين وأجانب في أماكن مختلفة من العاصمة التونسية وفي فضاءات كثيرة وخصوصا سيدي بوسعيد والمرسى حيث توجد أهم معارض الرسم كما احتضنت المكتبة الوطنية التونسية وبعض فضاءات المدينة العتيقة لتونس العاصمة بعض فعاليات هذه الدورة.
كما مثل معرض الرسوم المصاحب والذي حمل اسم «العالم بأسره مسجد» إحدى أبرز محطات هذه التظاهرة حيث شارك فيه الكثير من الرسامين العرب من تونس والعراق والإمارات والسعودية والبحرين ولبنان والجزائر والمغرب ومصر بلوحات لها علاقة بالمسجد. وتقول لينا الأزعر في تقديمها لهذا المعرض إن «العالم لو كان مسجدا لما جرى فيه ما يجري اليوم.. لن يكون فيه كل هذا الحقد والحروب والنزاعات.. فالمسجد هو مكان للسلم والتأمل».. وتضيف «المسجد هو أكثر من فضاء مادي للعبادة.. هو فضاء يجعل المؤمن يهب لنجدة كل الناس»، مضيفة أن التأكيد على هذا إنما هو تأكيد على عظمة الإسلام وتسامحه. وقد اختار منظمو التظاهرة إقامة هذا المعرض في مكان مفتوح قرب المسرح الأثري لقرطاج في الضاحية الشمالية لتونس، وخصصوا مكانا للصلاة ضمن الفضاء باعتبار أن زيارة المعرض كانت بين صلاتي المغرب والعشاء.
ما بدا لافتا في الدورة الثالثة لـ«جو تونس 2015» المشاركة الواسعة للأجانب وكذلك الحضور المميز للشباب وللمرأة في مختلف فعاليات هذه الدورة. وقد أكد الكثير من هؤلاء المشاركين الذين تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» أن هذه الدورة جاءت مختلفة بحكم الموضوع الذي عالجته وبحكم التطورات التي تعيشها تونس في الفترة الأخيرة.