خبراء دوليون يعلنون سوريا «جمهورية كبتاغون»

انتشار واسع للتجارة والتعاطي في دمشق

صورة نشرتها «سانا» في نوفمبر2021 لأكياس كبتاغون صودرت قبل تصديرها للخارج (أ.ف.ب)
صورة نشرتها «سانا» في نوفمبر2021 لأكياس كبتاغون صودرت قبل تصديرها للخارج (أ.ف.ب)
TT

خبراء دوليون يعلنون سوريا «جمهورية كبتاغون»

صورة نشرتها «سانا» في نوفمبر2021 لأكياس كبتاغون صودرت قبل تصديرها للخارج (أ.ف.ب)
صورة نشرتها «سانا» في نوفمبر2021 لأكياس كبتاغون صودرت قبل تصديرها للخارج (أ.ف.ب)

مع أن المشهد في دمشق يؤكد تزايد تجارة وتعاطي المخدرات بشكل واسع، وتأكيد مسؤولي إنفاذ القانون في 10 دول وخبراء دوليين وإقليميين وسوريين تحول مناطق سيطرة الحكومة السورية إلى مناطق مصنعة للمخدرات، ووصفها بـ«دولة مخدرات» و«جمهورية الكبتاغون»، إلا أن الحكومة بدت كمن يريد حجب الشمس بكفه، بقولها إنها «تواجه هذه الآفة بكل عزيمة وإصرار» وإن مناطقها «بعيدة كل البعد عن زراعة وصناعة المخدرات».
وترصد «الشرق الأوسط» منذ فترة طويلة مشهد أشخاص جالسين على أرصفة في شوارع دمشق والحدائق، وقد بدت عليهم مظاهر الفتور والخمول وترديدهم لعبارات غير مفهومة، بسبب تعاطيهم للمخدرات على الأغلب، بعدما كانت رؤية مثل هذه المشاهد نادرة قبل عام 2011، كما اشتكى سكان في أحياء دمشق مراراً لـ«الشرق الأوسط» من مشاجرات تحدث بشكل شبه يومي بين شبان في مناطق سكنهم خصوصاً في فترة منتصف الليل، بسبب تعاطيهم للمخدرات والخلافات التي تحصل بين بعضهم البعض عندما تكون المادة متوفرة لدى أحدهم وغير متوفرة لدى الآخر، وتلفظ هؤلاء بعبارات خارجة عن الأدب والأخلاق. ويلفت الانتباه في شوارع دمشق أيضاً مشهد توقف كثير من الشبان عند باعة بسطات دخان وأكشاك، وقولهم لأصاحبها عبارات «المعلوم معلم» و«معلم كيفنا» في إشارة إلى طلب شراء مخدرات، بينما بات كثر من رواد المقاهي وبمجرد جلوسهم إلى الطاولة يرفقون طلبهم من النادل أو النادلة إعطاءهم الشاي أو القهوة بعبارة «روقونا كمان».
ومؤخراً كثرت شكاوى أمهات وآباء من حصول تغيير في تصرفات أبنائهم، منها «الانطواء على الذات»، و«إهمالهم لدراستهم» و«إقامتهم صداقات جديدة» و«تزايد طلبهم للمال»، وهي سلوكيات تدل على تعاطيهم للمخدرات. ونشر «مركز الحوار السوري» منتصف مارس (آذار) الماضي، ورقة حول تجارة المخدرات في سوريا، ذكر فيها أن سوريا عُرفت قبل عام 2011 بكونها معبراً لتجارة المخدرات القادمة من أفغانستان وإيران؛ وليس مستهلكاً، فقد نشطت شبكات التهريب التي أشرفت عليها شخصيات مقربة من النظام، وأُنشئت أيضاً ورشاتٌ لتصنيع المخدرات ظل إنتاجها محدوداً وموجهاً للاستهلاك المحلي. وأشارت الورقة إلى أنه ومع انطلاق الثورة السورية منتصف مارس 2011، انخرط العديد من تجار المخدرات ومهربيها في عمليات قمع المتظاهرين، وأسسوا لاحقاً ميليشيات مسلحة شاركت في العمليات العسكرية لصالح النظام، وقد بدأ الحديث عن تزايد نشاط تجارة المخدرات منذ عام 2013؛ إذ أصبحت أحد مصادر تمويل العمليات العسكرية والميليشيات. ولفتت إلى أن سوريا بدأت بتصدير «الكبتاغون» عام 2013، بالتزامن مع انكماش اقتصادها الرسمي بسبب الحرب والعقوبات الاقتصادية والفساد داخل النظام، وتحولت مصانع الكيمياويات في مدينتي حلب وحمص إلى مصانع لهذه الأقراص.
وأشارت دراسة صادرة عن «مركز التحليلات العملياتية والأبحاث» السوري المستقل، حجم المواد المخدرة القادمة من سوريا والتي تمت مصادرتها بين 2013 - 2015، زاد بين 4 إلى 6 أضعاف مقارنة بما كانت عليه عام 2011. وذكرت الورقة، أنه مع استعادة النظام معظم المناطق الخارجة عن سيطرته عام، 2018. انتقلت تجارة المخدرات إلى مرحلة جديدة، ارتفع معها حجم المخدرات المصادرة القادمة من سوريا في الأعوام بين 2018 - 2020 ما بين 6 - 12ضعفاً، مقارنة مع عام2011. وتزايدت مراكز وورشات التصنيع المحلي للمخدرات بهدف التجارة، وازدادت أيضاً عمليات التهريب ونقل المخدرات القادمة من لبنان أو من إيران، وكذلك عدد الشحنات التي تم اعتراضها، وأصبح إخفاء الشحنات أكثر تطوراً من الناحية التقنية.
وكشفت دراسة محلية على ما ذكرت الورقة، عن رصد 50 موقعاً حالياً لتصنيع المخدرات في سوريا، إذ يوجد قرابة 14 مركزاً لتصنيع «الكبتاغون»، و12 مركزاً لتصنيع الكريستال ميث، و23 مركزاً لتصنيع الحشيش. وحسب الورقة، تُغادر المواد المخدرة سوريا – خصوصاً شحنات «الكبتاغون» – متجهة إلى ثلاث وجهات رئيسة: شمال أفريقيا، شبه الجزيرة العربية، وأوروبا، حيث تشير الأدلة المتوفرة إلى أن تلك القارة تشكل الآن محطة عبور للمواد المخدرة المتجهة إلى أسواق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وذكرت أنه مع الانهيار الاقتصادي الذي تشهده سوريا نتيجة سياسات النظام، تراجعت الأنشطة الاقتصادية التقليدية لصالح تنامي أنشطة تصنيع المخدرات الذي أصبح قطاعاً مربحاً، تعود عائداته إلى جيوب المرتبطين بالنظام وحلفائه الأجانب وأمراء الحرب.
صحيفة «نيويورك تايمز» وفي تحقيق نشرته نهاية العام الماضي، استند إلى معلومات من مسؤولي إنفاذ القانون في 10 دول، وعشرات المقابلات مع خبراء دوليين وإقليميين وسوريين لديهم معرفة بتجارة المخدرات ومسؤولين أميركيين حاليين وسابقين، ذكرت أن مختبرات «الكبتاغون» تنتشر بشكل أساسي في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة السورية، وفق شهادات سوريين يعيشون في هذه المناطق، أو في الأراضي التي يسيطر عليها «حزب الله» بالقرب من الحدود اللبنانية، أو خارج العاصمة دمشق وحول مدينة اللاذقية الساحلية. كما ينخرط في هذه التجارة مجموعة رجال أعمال يتمتعون بصلات وثيقة بالنظام و«حزب الله»، وأعضاء آخرون من أسرة الأسد يحظون بحماية النظام في ممارسة الأنشطة غير المشروعة؛ وفق تحقيق لصحيفة «تايمز» البريطانية.
وقد استفادت هذه الشبكة من كل إمكانيات سوريا، سواء الإمكانيات البشرية، تحويل معامل الأدوية إلى ورشات للتصنيع، استخدام المرافق والمخازن والمرافئ المتصلة بممرات الشحن في البحر الأبيض المتوسط، وطرق تهريب برية إلى الأردن ولبنان والعراق خضعت لحماية أمنية من الدولة، على ما جاء في ورقة «مركز الحوار السوري». وذكرت الورقة، أن مراكز تصنيع جديدة لـ«الكبتاغون» أقيمت في مصانع صغيرة مقامة في هنغارات حديدية أو في فيلات مهجورة، تخضع لحراسة أمنية من قبل جنود الجيش النظامي، تُصنع فيها الحبوب بآلات بسيطة، فيما وُضعت أمام منشآت أخرى لافتات تفيد بأنها مواقع عسكرية مغلقة؛ وفيها يتم إنتاج نوعين من حبوب «الكبتاغون»: النوع الأول ذو الجودة المتدنية، وهو مخصص للاستهلاك المحلي، تُباع فيه الحبة الواحدة بدولار واحد، ونوع مرتفع الجودة مخصص للأسواق الخارجية تُباع الحبة الواحدة منه بـ14 دولاراً.
ولفتت إلى أن حجم اقتصاد المخدرات السوري – خصوصاً قيمة تجارة حبوب «الكبتاغون»– في البلاد، يقدر بما يقارب 16 مليار دولار أميركي سنوياً، وهو ما يعادل 3 أضعاف ميزانية الحكومة السورية لعام 2022. وقد خَلُصت تحليلات المركز إلى أن السلطات في أوروبا ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بصورة رئيسة، صادرت ما لا يقل عن 173 مليون حبة «كبتاغون» (34.6 طن) و(12.1) طن من الحشيش المصدرة من سوريا في عام 2020 مقدرة القيمة السوقية لهذه الكمية المصادرة من حبوب «الكبتاغون» بما يقارب 3.46 مليار دولار أميركي، فيما ذكر تحقيق نشرته المجلة الألمانية «دير شبيغل»، أن قيمة شحنات المخدرات المصنعة في سوريا، وصلت إلى 5.7 مليار دولار عام 2021 حسب بعض التقديرات. ولفتت ورقة «مركز الحوار السوري»ـ إلى أن «تجارة المخدرات وتصنيعها، جمعت الحلفاء (إيران ونظام الأسد و«حزب الله») على مصلحة واحدة، الهدف منها إيجاد مصادر تمويل جديدة تسمح بالتهرب من العقوبات، والوصول إلى أسواق جديدة، وإيجاد مصادر تمويل ذاتي للميليشيات، وتأمين قطع أجنبي».
وذكرت أنه ورغم أن المخدرات مُعدة للتصدير الخارجي؛ فإن النظام أغرق المجتمع السوري بمنتجاته ذات النوعية الرديئة، حيث لجأ الكثير من الناس لتعاطي المخدرات وسيلة للهروب من اليأس وحالة انسداد الأفق والإحساس بالعجز والوضع الاقتصادي المتردي. وأشارت إلى أنه رغم كل ادعاءات الحكومة السورية حول قيامها بمداهمات وإلقاء القبض على بعض المروجين، فإن هذه العمليات تطول صغار المروجين والمتورطين، فيما لم تقترب من الشخصيات والجهات التي تدير أو تحمي هذه التجارة. ومع تزايد التقارير عن تحول سوريا إلى «دولة مخدرات» و«جمهورية الكبتاغون»، ذكر محمد الرحمون وزير الداخلية السوري في اليوم العالمي لمكافحة ظاهرة المخدرات الذي صادف في السادس والعشرين من يونيو (حزيران) الماضي، أن «سوريا تشارك المجتمع الدولي في اليوم العالمي لمكافحة المخدرات تأكيداً منها على التزامها في مواجهة هذه الآفة الخطيرة»، وأن الوزارة «تواجه هذه الآفة بكل عزيمة وإصرار»، وأن جهودها أثمرت في التصدي لتجار ومهربي المواد المخدرة وضبط كميات كبيرة عابرة ومخبأة بطريقة فنية معقدة.
صحيفة «الوطن» شبه الحكومية وفي اليوم التالي، ذكرت أن نضال جريج مدير إدارة مكافحة المخدرات، كشف أن عدد قضايا المخدرات التي تم تسجيلها خلال العام الحالي، وصلت إلى 4991، على حين وصل عدد المتهمين إلى 6408 شخصاً، مشيراً إلى أنه في العام الماضي تم تسجيل 9260 قضية، في حين وصل عدد المتهمين إلى 11730، وقال جريج،. إن «سوريا ما زالت بلد عبور بحكم موقعها الجغرافي، وهي بعيدة كل البعد عن زراعة وصناعة المخدرات».


مقالات ذات صلة

توقيف «بلوغر» مصرية لحيازتها مخدرات يجدّد أزمات صانعات المحتوى

يوميات الشرق «البلوغر» والمذيعة المصرية داليا فؤاد بقبضة الشرطة (صفحتها في «فيسبوك»)

توقيف «بلوغر» مصرية لحيازتها مخدرات يجدّد أزمات صانعات المحتوى

جدَّدت واقعة توقيف «بلوغر» أزمات صانعات المحتوى في مصر، وتصدَّرت أنباء القبض على داليا فؤاد «التريند» عبر «غوغل» و«إكس».

محمد الكفراوي (القاهرة )
أوروبا ساحة بلازا دي كولون في إسبانيا (رويترز)

إسبانيا: العثور على 20 مليون يورو مخبأة بجدران منزل رئيس مكافحة الاحتيال السابق

اعتقلت السلطات الإسبانية الرئيس السابق لقسم مكافحة الاحتيال وغسل الأموال في الشرطة الوطنية الإسبانية، بعد العثور على 20 مليون يورو مخبَّأة داخل جدران منزله.

«الشرق الأوسط» (مدريد)
أوروبا الأميركي روبرت وودلاند داخل قفص المحكمة (أ.ب)

رفض استئناف أميركي مدان بتهريب المخدرات في روسيا

تتهم واشنطن موسكو باستهداف مواطنيها واستخدامهم أوراق مساومة سياسية، بيد أن المسؤولين الروس يصرون على أن هؤلاء جميعاً انتهكوا القانون.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
المشرق العربي كميات كبيرة من حبوب الكبتاغون صودرت شمال غربي سوريا أبريل 2022 (أ.ف.ب)

دمشق ترفع وتيرة القبض على شبكات ترويج المخدرات

تشهد سوريا ارتفاعاً ملحوظاً في نشاط حملة مكافحة المخدرات التي تشنّها الحكومة على شبكات ترويج وتعاطي المخدرات في البلاد.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي جنود من الجيش الأردني عند نقطة حدودية (أرشيفية - أ.ف.ب)

مقتل مهرب مخدرات في اشتباك مع حرس الحدود الأردني

قُتل مهرب مخدرات على الحدود الأردنية السورية في اشتباك بين حرس الحدود الأردني ومجموعة من مهربي المخدرات حاولوا التسلل إلى أراضي المملكة، اليوم الأحد.

«الشرق الأوسط» (عمان)

نصف سكان اليمن يواجهون تهديدات زائدة بسبب تغير المناخ

الأمطار في اليمن تترك مخيمات النازحين بأوضاع سيئة (المجلس النرويجي للاجئين)
الأمطار في اليمن تترك مخيمات النازحين بأوضاع سيئة (المجلس النرويجي للاجئين)
TT

نصف سكان اليمن يواجهون تهديدات زائدة بسبب تغير المناخ

الأمطار في اليمن تترك مخيمات النازحين بأوضاع سيئة (المجلس النرويجي للاجئين)
الأمطار في اليمن تترك مخيمات النازحين بأوضاع سيئة (المجلس النرويجي للاجئين)

نبّه البنك الدولي إلى المخاطر الزائدة التي يواجهها اليمن نتيجة لتغير المناخ، في وقت يعاني فيه من نزاع طويل الأمد نتيجة انقلاب الحوثيين على السلطة الشرعية. وأكد أن سكاناً كثيرين يواجهون تهديدات نتيجة تغير المناخ، مثل الحرارة الشديدة، والجفاف، والفيضانات.

وذكر ستيفان غيمبيرت، المدير القطري للبنك الدولي في مصر واليمن وجيبوتي، أن «اليمن يواجه تقاطعاً غير مسبوق للأزمات: النزاع، وتغير المناخ، والفقر». وطالب باتخاذ إجراءات فورية وحاسمة «لتعزيز المرونة المناخية لأن ذلك مرتبط بحياة الملايين من اليمنيين». وقال إنه من خلال الاستثمار في الأمن المائي، والزراعة الذكية مناخياً، والطاقة المتجددة، يمكن لليمن أن يحمي رأس المال البشري، ويعزز المرونة، ويضع الأسس «لمسار نحو التعافي المستدام».

الجفاف والفيضانات والحرارة الشديدة تهدد ملايين اليمنيين (الأمم المتحدة)

وفي تقرير لمجموعة البنك الدولي الذي حمل عنوان «المناخ والتنمية لليمن»، أكد أن البلاد تواجه تهديدات بيئية حادة، مثل ارتفاع درجات الحرارة، والتغيرات المفاجئة في أنماط الأمطار، والزيادة في الأحداث الجوية المتطرفة، والتي تؤثر بشكل كبير على أمن المياه والغذاء، بالإضافة إلى التدهور الاقتصادي.

ووفق ما جاء في التقرير الحديث، فإن نصف اليمنيين يواجهون بالفعل تهديدات من تغير المناخ مثل الحرارة الشديدة، والجفاف، والفيضانات. ‏وتوقع أن ينخفض الناتج المحلي الإجمالي السنوي لليمن بنسبة 3.9 في المائة بحلول عام 2040 إذا استمرت السيناريوهات المناخية السلبية، مما يفاقم أزمة الفقر وانعدام الأمن الغذائي.

تحديات متنوعة

في حال تم تطبيق سيناريوهات مناخية متفائلة في اليمن، تحدث تقرير البنك الدولي عن «فرص استراتيجية» يمكن أن تسهم في تعزيز المرونة، وتحسين الأمن الغذائي والمائي. وقال إن التوقعات أظهرت أن الاستثمارات في تخزين المياه وإدارة المياه الجوفية، مع استخدام تقنيات الزراعة التكيفية، قد تزيد الإنتاجية الزراعية بنسبة تصل إلى 13.5 في المائة بين عامي 2041 و2050.

وامتدت تحذيرات البنك الدولي إلى قطاع الصيد، الذي يُعد أحد المصادر الأساسية للعيش في اليمن، وتوقع أن تتسبب زيادة درجات حرارة البحر في خسائر تصل إلى 23 في المائة في قطاع الصيد بحلول منتصف القرن، مما يعمق الأزمة الاقتصادية، ويسهم في زيادة معاناة المجتمعات الساحلية.

التغيرات المناخية ستسهم في زيادة الفقر وانعدام الأمن الغذائي (إعلام محلي)

واستعرض البنك في تقريره التحديات الصحية الناجمة عن تغير المناخ، وقال إنه من المتوقع أن يكلف ذلك اليمن أكثر من 5 مليارات دولار بحلول عام 2050، وتتضمن هذه التكاليف الرعاية الصحية الزائدة نتيجة للأمراض المرتبطة بالطقس مثل الملاريا والكوليرا، وهو ما يضع ضغطاً إضافياً على النظام الصحي الذي يعاني بالفعل من ضعف شديد.

ولهذا، نبّه التقرير إلى أهمية دمج المرونة المناخية في تخطيط الصحة العامة، مع التركيز على الفئات الضعيفة، مثل النساء والأطفال. وفيما يتعلق بالبنية التحتية، أشار التقرير إلى أن المناطق الحضرية ستكون الأكثر تأثراً بازدياد الفيضانات المفاجئة، مع تحذير من أن التدابير غير الكافية لمواجهة هذه المخاطر ستؤدي إلى صدمات اقتصادية كبيرة تؤثر على المجتمعات الهشة.

وفيما يخص القطاع الخاص، أكد التقرير على أن دوره في معالجة التحديات التنموية العاجلة لا غنى عنه. وقال خواجة أفتاب أحمد، المدير الإقليمي للبنك الدولي لـ«الشرق الأوسط»، إن «القطاع الخاص له دور حيوي في مواجهة التحديات التنموية العاجلة في اليمن. من خلال آليات التمويل المبتكرة، يمكن تحفيز الاستثمارات اللازمة لبناء مستقبل أكثر خضرة ومرونة».

وتناول التقرير إمكانات اليمن «الكبيرة» في مجال الطاقة المتجددة، وقال إنها يمكن أن تكون ركيزة أساسية لاستجابته لتغير المناخ، لأن الاستثمار في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح سيسهم في تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، وتوفير بنية تحتية مرنة لدعم الخدمات الحيوية، مثل الصحة والمياه.

تنسيق دولي

أكد البنك الدولي على «أهمية التنسيق الدولي» لدعم اليمن في بناء مرونة مناخية مستدامة، مع ضرورة ضمان السلام المستدام كون ذلك شرطاً أساسياً لتوفير التمويل اللازم لتنفيذ هذه الاستراتيجيات.

ورأى أن اتخاذ قرارات مرنة، وتكييف الإجراءات المناخية مع الواقع السياسي في اليمن، من العوامل الحاسمة في مواجهة التحديات، وقال إن التركيز على «السلام والازدهار» يمكن أن يحقق فوائد اقتصادية واجتماعية أكبر في المستقبل.

وزير المياه والبيئة اليمني مشاركاً في فعاليات تغير المناخ (إعلام حكومي)

من جهته، أكد وزير المياه والبيئة توفيق الشرجبي في الجلسة الخاصة بمناقشة هذا التقرير، التي نظمها البنك الدولي على هامش مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، أهمية دمج العمل المناخي في استراتيجية التنمية، والتكيف مع تقلبات المناخ، ومناقشة العلاقة بين المناخ والنزاع والتنمية.

وأشار وزير المياه والبيئة اليمني إلى أن تقرير المناخ والتنمية يشكل مساهمة جيدة لليمن في مواجهة تغير المناخ، وسيعمل على تسهيل الوصول لعدد من التمويلات المناخية في ظل الهشاشة الهيكلية والتقنية التي تعيشها المؤسسات جراء الحرب.

وقال الشرجبي إن التقرير يتماشى بشكل كبير مع الأولويات العاجلة لليمن، خصوصاً في مجال الأمن المائي والغذائي، وتعزيز سبل العيش، وتشجيع نهج التكيف المناخي القائم على المناطق، لافتاً إلى أهمية دور الشركاء التنمويين لليمن في تقديم المساعدة التكنولوجية والتقنية، وبناء القدرات.