ثلاثة قتلى على الأقل في مظاهرات مناوئة للحكومة في فنزويلا

مادورو يأمر بتشديد الأمن ويصف الاحتجاجات بـ«محاولات انقلابية»

متظاهر ينبطح أرضا بينما يستعد جنود «الحرس الوطني» لإطلاق النار خلال مظاهرة مناوئة لحكومة مادورو في كراكاس أول من أمس (أ.ف.ب)
متظاهر ينبطح أرضا بينما يستعد جنود «الحرس الوطني» لإطلاق النار خلال مظاهرة مناوئة لحكومة مادورو في كراكاس أول من أمس (أ.ف.ب)
TT

ثلاثة قتلى على الأقل في مظاهرات مناوئة للحكومة في فنزويلا

متظاهر ينبطح أرضا بينما يستعد جنود «الحرس الوطني» لإطلاق النار خلال مظاهرة مناوئة لحكومة مادورو في كراكاس أول من أمس (أ.ف.ب)
متظاهر ينبطح أرضا بينما يستعد جنود «الحرس الوطني» لإطلاق النار خلال مظاهرة مناوئة لحكومة مادورو في كراكاس أول من أمس (أ.ف.ب)

تبادلت الحكومة والمعارضة في فنزويلا أمس الاتهامات بالمسؤولية عن مقتل ثلاثة أشخاص على الأقل في أسوأ اضطرابات تعرفها البلاد منذ الاحتجاجات التي اندلعت العام الماضي بعد فوز نيكولاس مادورو بالرئاسة بفارق ضئيل عن أقرب منافسيه. وبعد نحو عام من رحيل الزعيم الاشتراكي هوغو شافيز، اندلعت أول من أمس أعمال عنف عدت أحدث مؤشر على الاستقطاب العميق وانعدام الثقة المتبادل بين المعسكرين السياسيين في فنزويلا.
وكان آلاف الطلبة والناشطين نزلوا إلى شوارع كراكاس ومدن أخرى أول من أمس احتجاجا على غلاء المعيشة وتردي الأوضاع الأمنية. وقتل ناشط من أنصار الحكومة وطالب بالرصاص على هامش هذه المظاهرة في كراكاس، كما أعلنت المدعية العامة في فنزويلا لويزا أورتيغا دياز، التي تحدثت من جهة أخرى عن 23 جريحا في المظاهرات التي نظمت في عدد من مدن البلاد. وقتل ناشط آخر بالرصاص أيضا في شاكاو، أحد الأحياء الشعبية في شرق العاصمة الفنزويلية، كما ذكر عمدة هذه البلدية. وتحدث الرئيس مادورو عن إصابة شخص رابع باتت حالته حرجة، قبل أن يلقي بالمسؤولية على «جماعات فاشية صغيرة» قال إنها تسللت وسط احتجاج المعارضة. بدوره، أوضح وزير الداخلية ميغيل رودريغيز أن 30 شخصا بالإجمال أوقفتهم قوات الأمن. وقال «كانوا جميعا يحملون أغطية للرأس وأجهزة اتصال لاسلكي، وفي حقائبهم كانت هناك قنابل حارقة وحجارة وكل أنواع المواد التي تستخدم في الاعتداء على عناصر الشرطة». وأصدر الرئيس مادورو مساء أول من أمس أمرا بتشديد التدابير الأمنية في كبرى مدن البلاد لإحباط «المحاولات الانقلابية». وقال في خطاب بثته قنوات التلفزة والإذاعة «لن يحصل انقلاب في فنزويلا، فليكن هذا الأمر واضحا لديكم. الديمقراطية مستمرة، الثورة مستمرة».
وتنظم جماعات معارضة متشددة ترفع شعار «الرحيل»، أي رحيل مادورو عن الحكم، احتجاجات معظمها صغير في أنحاء متفرقة من البلاد منذ أسبوعين، وتشتكي من الجريمة والفساد والارتفاع السريع في تكاليف المعيشة. وقال ليوبولدو لوبيز، وهو زعيم معارض دعا أنصاره للتظاهر، إن الحكومة خططت لإراقة الدماء بهدف تشويه حركة الاحتجاج السلمي التي يقودها.
وخلال المظاهرة المناوئة لحكومة مادورو والتي شارك فيها آلاف الأشخاص وسط العاصمة، شوهد رجال على دراجات نارية يطلقون النار على الجموع ويلوذون بالفرار، حسبما أفادت وكالة الصحافة الفرنسية في تقرير لها. وتعرض ناشطون من أنصار الحكومة لصحافيين، وسلبوا منهم آلتي تصوير، وفقا للمصدر الإعلامي نفسه. كما اختفت شبكة التلفزيون الكولومبية «إن تي إن 24» التي خصصت للمظاهرات تغطية واسعة، من لائحة شبكات التلفزيون التي تعيد بث أفلامها أبرز شركتين مشغلتين في فنزويلا، كما قالت إحدى الصحافيات. واعتقل صحافيان لم تكشف هويتاهما، كما أعلن الأمين العام للنقابة الوطنية للصحافيين.
وخلال مظاهرة سابقة نظمت الثلاثاء في مدينة ميريدا (غرب)، أصيب خمسة طلبة بالرصاص الذي أطلقه أشخاص كانوا على دراجات نارية، كما أفاد عدد من وسائل الإعلام المحلية والنقابات الطلابية. وطالب المتظاهرون أول من أمس أيضا بالإفراج الفوري عن عشرة طلبة أوقفوا في الأيام الأخيرة. وقالت دانييلا مونوز الطالبة في كلية الطب «إننا نتظاهر لأننا نريد إطلاق سراح زملائنا المسجونين، وبسبب الوضع في البلاد وتدهور الاقتصاد ونقص المواد الغذائية الذي يمرضنا والتردي الأمني».
وتواجه فنزويلا التي تشهد تضخما ونقصا في المواد الغذائية وترديا للأوضاع الأمنية اضطرابات يعجز عن احتوائها الرئيس مادورو الذي خلف هوغو شافيز (1999 - 2013). وفي موازاة هذه المظاهرة، دعت الحكومة أنصارها أيضا في مختلف أنحاء العاصمة إلى الاحتفال بـ«يوم الشبيبة». وتشكل هذه التجمعات مظاهرات دعم للحكومة في معركتها ضد «حرب اقتصادية» مفترضة يخوضها كما يقول مادورو القطاع الخاص والمعارضة المدعومة من الخارج.



رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية
TT

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

هل عادت رياح اليسار تهب من جديد على أميركا اللاتينية بعد موجة الانتصارات الأخيرة التي حصدتها القوى والأحزاب التقدمية في الانتخابات العامة والرئاسية؟
من المكسيك إلى الأرجنتين، ومن تشيلي إلى هندوراس والبيرو، ومؤخراً كولومبيا، خمسة من أقوى الاقتصادات في أميركا اللاتينية أصبحت بيد هذه الأحزاب، فيما تتجه كل الأنظار إلى البرازيل حيث ترجح الاستطلاعات الأولى فوز الرئيس الأسبق لولا دي سيلفا في انتخابات الرئاسة المقبلة، وإقفال الدائرة اليسارية في هذه المنطقة التي تتعاقب عليها منذ عقود شتى أنظمة الاستبداد العسكري والمدني، التي شهدت أبشع الديكتاتوريات اليسارية واليمينية.
بعض هذه الدول عاد إلى حكم اليسار، مثل الأرجنتين وهندوراس وبوليفيا، بعد أن جنح إلى الاعتدال، ودول أخرى لم تكن تتصور أنها ستقع يوماً في قبضة القوى التقدمية، مثل تشيلي وكولومبيا، فيما دول مثل المكسيك وبيرو ترفع لواء اليسار لكن اقتصادها يحتكم إلى أرسخ القواعد الليبرالية.
هذه الموجة تعيد إلى الأذهان تلك التي شهدتها المنطقة مطلع هذا القرن مع صعود هوغو تشافيز في فنزويلا، وتحت الظل الأبدي الوارف لفيديل كاسترو، فيما أطلق عليه يومها «اشتراكية القرن الحادي والعشرين». ومن المفارقة أن الدوافع التي كانت وراء ظهور هذه الموجة، نجدها غالباً في تمايزها عن تلك الموجة السابقة التي كان لارتفاع أسعار المواد الأولية والصادرات النفطية الدور الأساسي في صمودها. فيما محرك التغيير اليوم يتغذى من تدهور الوضع الاجتماعي الذي فجر احتجاجات عام 2019 وتفاقم مع ظهور جائحة «كوفيد». يضاف إلى ذلك أن تطرف القوى اليمينية، كما حصل في الأرجنتين وكولومبيا وتشيلي وبيرو، أضفى على الأحزاب اليسارية هالة من الاعتدال ساعدت على استقطاب قوى الوسط وتطمين المراكز الاقتصادية.
ومن أوجه التباين الأخرى بين الموجتين، أنه لم يعد أي من زعماء الموجة الأولى تقريباً على قيد الحياة، وأن القيادات الجديدة تتميز ببراغماتية ساعدت على توسيع دائرة التحالفات الانتخابية نحو قوى الوسط والاعتدال كما حصل مؤخراً في تشيلي وكولومبيا.
حتى لولا في البرازيل بحث عن حليفه الانتخابي في وسط المشهد السياسي واختار كمرشح لمنصب نائب الرئيس جيرالدو آلكمين، أحد زعماء اليمين المعتدل، الذي سبق أن هزمه في انتخابات عام 2006.
ولى زمن زعماء اليسار التاريخيين مثل الأخوين كاسترو في كوبا، وتشافيز في فنزويلا، وإيفو موراليس في بوليفيا، الذين اعتنقوا أصفى المبادئ الاشتراكية وحاولوا تطويعها مع مقتضيات الظروف المحلية، وجاء عهد قيادات جديدة تحرص على احترام الإطار الدستوري للأنظمة الديمقراطية، وتمتنع عن تجديد الولاية، وتلتزم الدفاع عن حقوق الإنسان والحفاظ على البيئة.
لكن مع ذلك لا يستقيم الحديث عن كيان واحد مشترك تنضوي تحته كل القوى التقدمية الحاكمة حالياً في أميركا اللاتينية، إذ إن أوجه التباين بين طروحاتها الاقتصادية والاجتماعية تزيد عن القواسم المشتركة بينها، الأمر الذي يدفع إلى التساؤل حول طبيعة العلاقات التي ستقيمها هذه القوى التقدمية مع محيطها، وأيضاً مع بقية دول العالم.
وتشير الدلائل الأولى إلى ظهور توتر يتنامى بين رؤية القوى التقدمية الواقعية والمتعددة الأطراف للعلاقات الدولية، والمنظور الجيوستراتيجي للمحور البوليفاري. ومن المرجح أن يشتد في حال فوز لولا في البرازيل، نظراً لتمايز نهجه الدبلوماسي عن خط كوبا وفنزويلا، في الحكم كما في المعارضة.
ويلاحظ أن جميع القوى اليسارية الحاكمة اليوم في أميركا اللاتينية، وخلافاً لتلك التي حكمت خلال الموجة السابقة، تعتمد أسلوباً دفاعياً يهدف إلى صون، أو إحداث، تغييرات معتدلة من موقع السلطة وليس من خلال التعبئة الاجتماعية التي كانت أسلوب الأنظمة اليسارية السابقة، أو البوليفارية التي ما زالت إلى اليوم في الحكم. ولا شك في أن من الأسباب الرئيسية التي تدفع إلى اعتماد هذا الأسلوب الدفاعي، أن القوى اليسارية والتقدمية الحاكمة غير قادرة على ممارسة الهيمنة السياسية والآيديولوجية في بلدانها، وهي تواجه صعوبات كبيرة في تنفيذ برامج تغييرية، أو حتى في الحفاظ على تماسكها الداخلي.
ويتبدى من التحركات والمواقف الأولى التي اتخذتها هذه الحكومات من بعض الأزمات والملفات الإقليمية الشائكة، أن العلاقات مع كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا ستكون مصدراً دائماً للتوتر. ومن الأمثلة على ذلك أن الرئيس الكولومبي الجديد غوستافو بيترو، ونظيره التشيلي، اللذين كانا لأشهر قليلة خلت يؤيدان النظام الفنزويلي، اضطرا مؤخراً لإدانة انتهاكات حقوق الإنسان التي يمارسها نظام نيكولاس مادورو، علماً بأن ملايين الفنزويليين لجأوا في السنوات الأخيرة إلى كولومبيا وتشيلي.
وفي انتظار نتائج الانتخابات البرازيلية المقبلة، وبعد تراجع أسهم المكسيكي مانويل لوبيز لوبرادور والتشيلي بوريتش لقيادة الجبهة التقدمية الجديدة في أميركا اللاتينية، برزت مؤخراً صورة الرئيس الكولومبي المنتخب الذي يتولى مهامه الأحد المقبل، والذي كان وضع برنامجه الانتخابي حول محاور رئيسية ثلاثة تمهد لهذا الدور، وهي: الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية وتغير المناخ، والدور المركزي لمنطقة الكاريبي والسكان المتحدرين من أصول أفريقية، والميثاق الإقليمي الجديد الذي لا يقوم على التسليم بريادة الولايات المتحدة في المنطقة لكن يعترف بدورها الأساسي فيها.