مصمم «فالنتينو» يختزل تاريخ روما في ليلة «خالدة»

بيير باولو بكيولي لـ«الشرق الأوسط»: لست سياسياً لكني أقدر قوة الجمال في لمس المشاعر والتعبير عن الإنسانية

صورة من دار «فالنتينو» تظهر المصمم بيير باولو بكيولي في آخر العرض مصحوباً بفريق عمله من الأنامل الناعمة
صورة من دار «فالنتينو» تظهر المصمم بيير باولو بكيولي في آخر العرض مصحوباً بفريق عمله من الأنامل الناعمة
TT

مصمم «فالنتينو» يختزل تاريخ روما في ليلة «خالدة»

صورة من دار «فالنتينو» تظهر المصمم بيير باولو بكيولي في آخر العرض مصحوباً بفريق عمله من الأنامل الناعمة
صورة من دار «فالنتينو» تظهر المصمم بيير باولو بكيولي في آخر العرض مصحوباً بفريق عمله من الأنامل الناعمة

منذ أقل من أسبوعين، انطلق أسبوع الموضة لخريف وشتاء 2023 في عاصمة النور والأناقة باريس، لكن المحطة الأخيرة كانت في روما بعرض فخم نظمته دار «فالنتينو» في الهواء الطلق. في «بيازا دي سبانيا» الشهيرة تحديداً. قد يكون العرض نهاية لموسم حافل، لكنه كان البداية بالنسبة لمصمم الدار بيير باولو بيكيولي، الذي لم يختر روما مسرحاً لعرض تشكيلته اعتباطاً. كان بإمكانه تقديم عرضه ضمن أسبوع الموضة الباريسي إلا أن اختياره للمدينة الخالدة كانت له أسبابه: «ففيها يبدأ كل شيء، ولا شيء يبقى على حاله باستثناء التاريخ العريق والغني بشتى أنواع الفنون».
في لقاء خص به المصمم «الشرق الأوسط» لا يُخفي أهمية هذه المدينة بالنسبة له قائلاً: «كل تشكيلاتي استلهمت من روما... فهي تسكن وجداني وخيالي. كل خيوطها وخباياها بما في ذلك لغتها الصارمة المبنية بالإسمنت تُؤثر على أي عملية إبداع أخوضها. لا تعني لي روما الفخامة والفن والتاريخ والباروك فحسب، فهي أيضاً مدينة الحياة اليومية، حيث أقوم بأعمالي وأجري لقاءاتي ونشاطاتي الخاصة».

كانت الورود حاضرة بقوة على شكل رسمات أو أشكال مقطعة بالليزر لتزين فستاناً أو معطفاً  -  الأزياء الرفيعة تعني فخامة مطعمة بالعملية  -  حتى الرجل كان له نصيب في هذه التشكيلة

إلى جانب اختيارها ساحة دي سبانيا بسلالمها الـ136 لتكون مسرحاً لعرض أطلقت عليه عنوان «البداية»، حرصت الدار أيضاً على أن يبدأ على الساعة الثامنة تماماً ليتزامن مع غروب الشمس، فتكتسب الصورة تأثيراً شاعرياً. فهذ الصورة مهمة لمصمم درس فنون السينما قبل أن ينتقل إلى الموضة، ويؤمن بأن الصورة تلعب دوراً مهماً في تشكيل آرائنا والتأثير على حواسنا، لا سيما في هذا الموسم. فالـ«هوت كوتور» كما يقول: «ثقافة وسلاح قوة للتأثير على المجتمع». عندما أضيف أنها أيضاً فن، يرد: «أعتقد أن الفن والموضة شيئان مختلفان. فالفن بالنسبة لي لا يلبي احتياجات ملموسة في أرض الواقع، على العكس من الموضة. فهي مفيدة وتستهدف أموراً محددة وعملية في الحياة. لكن بالتأكيد هناك قواسم مشتركة كثيرة بينهما مثل بحثهما الدائم عن الجمال والرغبة في تحرير الخيال وإطلاق العنان للإبداع».
على نغمات موسيقى «لابرينث» وهواء عليل هبت نسائمه فجأة لتُرطب الأجواء في يوم حار، برهن بكيولي كيف يمكن أن يتحول الجمال إلى سلاح يمكنه أن يُؤثر بالإيجاب على كل فرد منا من دون أن نشعر. فحضور العرض كونوا مجتمعاً مصغراً من كل الجنسيات، يجمعهم الحلم بغد جديد وشغف بكل ما هو جميل. والأهم من كل هذا برهنوا أنه بإمكانهم أن يتعايشوا مع بعض بحب وسلام بغض النظر عن أهوائهم وجنسياتهم وطبقاتهم، بدليل الابتسامات المتبادلة بين غرباء جلسوا جنب بعض على كراسي تمتد من «بيازا دي سبانيا» إلى «بيازا ميغنانيلي» بعضهم يرطن باللغة الإيطالية والبعض الآخر يرد بالإنجليزية أو الفرنسية أو بلغة الإشارات.

منظر معبر عن الامتنان لكل العاملات على إنجاز هذه التشكيلة  -  السر في التفاصيل

كان هذا حواراً جانبياً خلقه المصمم دون قصد. أما المقصود في التشكيلة فكان حواراً فنياً من وحي الخيال مع مؤسس الدار فالنتينو غارافاني جسده فيما لا يقل عن 100 تصميم. اختزل في كل واحد رومانسية الماضي وشاعرية الحاضر. تخللته كذلك الكثير من الأفكار المعاصرة، مثل التنوع الذي ظهر في اختيار عارضات بمقاسات وألوان وأعمار مختلفة. فالحرفية تحافظ على تقاليدها والموضة على طقوسها ولا خوف عليهما من موجات التغيير بالنسبة لبكيولي لكن «ما يهمني في كل هذا هو الحضور الإنساني، الذي من دونه لا يوجد للموضة أي معنى». ويتابع: «دور الموضة أن تدافع على المبادئ والقيم بصوت عال. هناك حالات نختار فيها السكوت لننأى بأنفسنا عن إثارة أي سخط أو جدل، إلا أن الصدق مع النفس والمشاركة في النقاش العام جزء مهم في الحياة لكي تتحسن. أنا لست سياسياً، لكني أقدر قوة الصورة في لمس المشاعر والتأثير عليها، لهذا أحب توظيفها بشكل إيجابي لتعكس المجتمع وتُوقظ إنسانيته».
التصاميم هي الأخرى تميزت بالتنوع. وبدورها تباينت بين الشاعري والرومانسي والفني والمعاصر، وكأن المصمم أراد فيها أن يختزل تاريخ روما في ليلة خالدة. لم يكن بالإمكان وأنت تتابع العرض ونسمات الهواء تهب بين الفينة والأخرى لتداعب وجهك، أن تنسى أنك في مدينة تفوح رائحة الإبداع من كل ركن فيها. في الوقت ذاته يغمرك شعور جامح بأنك تتابع كتابة فصل جديد من تاريخ الموضة، يستمد فيه المصمم بييرباولو قوته وثقته على حد سواء من مدينة يعرف كل زاوية فيها وقرأ الكثير من دواوينها وكتب أدبائها. ولأنه درس السينما وعشق الأدب والشعر كان من السهل عليه أن يُتحفنا بقصة محبوكة بخيوط تمازج فيها الحلم بالواقع. مكمن قوته أنه كتبها بلغة «الهوت كوتور»... ميدانه. فتصاميمه من هذا الخط لا يمكن أن تخطؤها العين بفخامتها ودراميتها الجمالية المتمثلة في الأحجام والتفاصيل والألوان التي جاءت هذه المرة بألوان قوس قزح إلى جانب الأسود والأبيض.

التصاميم تميزت بالتنوع. فقد تباينت بين الشاعري والرومانسي والفني والمعاصر، وكأن المصمم أراد فيها أن يختزل تاريخ روما في ليلة خالدة  -  بالنسبة للمصمم فإن الـ«هوت كوتور» تجمع الجمال بالجانب الوظيفي

بدأ العرض وتوالت التصاميم الواحدة تلو الأخرى، لتقفز للذهن مقولة ليوناردو دافنشي الشهيرة بأن «البساطة هي أقصى علامات الرفاهية». فحتى أكثر التصاميم تعقيداً وفخامة وتفاصيلا كانت من السهل الممتنع، من ناحية أن العارضات كن يتحركن فيها بسهولة وهن ينزلن من على السلالم ويختلن بها على الممشى الطويل. كان من الواضح أن المصمم بكل التفاصيل السخية التي ضخها فيها، لم يكن يستهدف تعقيد حياتنا بقدر ما كان يريد أن يؤجج الحلم «في وقت أصبح فيه الحلم في زمن الأزمات الاقتصادية والقرارات السياسية المؤثرة على ثقافة المجتمع ترفاً». يوم الجمعة كان له ما أراد. فالتشكيلة التي أرسلها شدت الأنفاس بفخامتها وفنيتها رغم رفضه أن تكون الهوت كوتور فناً بمفهومه التقليدي، أي فرجة بلا وظيفة. عاد إلى أرشيف السيد فالنتينو غارافاني الذي أسس الدار في عام 1959 ليستقي منها بصمات لا يزال تأثيرها واضحاً إلى اليوم. ثم ترجمها بلغة العصر. والنتيجة كانت قصيدة من شأنها أن تنال إعجاب شاعره المفضل دانتي أليغيري. كل قَصة كانت لها قِصة، حيث استهل العرض بفستان دائري قصير جداً غطته ورود حمراء من التافتا. كان هو البداية وهو النهاية أيضاً على الممشى في رمزية لدورة الحياة. كانت هناك أيضاً مجموعة من القطع باللونين الأبيض والأسود تُذكرنا بشغف المؤسس فالنتينو بالموزاييك الروماني وكيف ألهم العديد من تشكيلاته قبل أن يتقاعد ويتسلم بكيولي المشعل. التصميم رقم 100 كان عبارة عن «كاب» طويل بثنيات كثيرة. رغم طوله وحجمه، يبدو من مشية العارضة أنه بوزن الريشة بفضل تقنيات خففت من وزنه وجعلته مناسباً للاستعمال في المناسبات.
كانت هناك أيضاً قطع مخصصة للرجل. فهذا الأخير يُقدر حسب قول المصمم الـ«هوت كوتور» ويريد أن يتميز في كل الأوقات، وهو ما لباه في بنطلونات مفصلة بتصاميم مبتكرة ومعاطف وجاكيتات طويلة لم يبخل عليها بالتفصيل ولا بالتفاصيل. معطف على شكل شرنقة مثلاً زينه بريش الأورغنزا ليعطي الانطباع بأنه ريش طبيعي. وآخر استعمل فيه أشرطة باللونين الأبيض والأسود لتزيد من رشاقة تصميمه، بينما زينت ورود كبيرة الصدر أو الكتف وهلم جرا من التصاميم التي لا تترك أدنى شك بأنها ستنال رضا الرجل: عن نفسه وعن الدار على حد سواء. فالجميل في هذه التشكيلة وكل تشكيلات بييرباولو بكيولي الأخيرة أن الإبداع لم يُفرق بين الجنسين كما أن كمية الجمال فيها لم تُستعمل كنوع من الهروب من الواقع الذي نعيشه، بل كتحدٍ لكسر الأفكار النمطية.

- 8 خلاصات من عرض «فالنتينو»
1 - آخر مرة قدمت فيها دار «فالنتينو» عرضها في «بيازا دي سبانيا» كانت في عهد المؤسس في التسعينات من القرن الماضي.
2 - تعمدت الدار أن يبدأ العرض على الساعة الثامنة مساء ليتزامن مع غروب الشمس. فالإضاءة مهمة بالنسبة للمصمم بييرباولو بكيولي كونه درس السينما قبل أن ينتقل إلى الموضة.
3 - كان العرض حواراً بين الماضي والحاضر، أو بالأحرى جدلاً فكرياً وفنياً مثيراً من وحي الخيال بين أسلوب السيد فالنتينو غارافاني الرومانسي الذي شكل فترة الستينات والسبعينات من القرن الماضي، وبين أسلوب المصمم الحالي الذي يجمع شاعرية الماضي بعملية الحاضر ومتطلباته.
4 - قوة الصورة كانت واضحة في العرض. قد تكون مستلهمة من أرشيف الدار وتشكيلات ماضية إلا أن ما تابعناه كان عصرياً بكل المقاييس. فقد كان صورة تعكس الواقع الحالي وتغيراته، ليس من ناحية الأزياء بل في نوعية العارضات والعارضين الذين تنوعت أشكالهم ومقاساتهم وألوانهم. كان واضحاً أن المصمم أراد أن يكسر التابوهات وتلك الصورة النمطية التي تعشقها الموضة وكانت غالبة في أسبوع باريس، بإعطاء العادي صوتاً ومنبراً غير عادي. فقد شاركت في العرض 40 عارضة سوداء إلى جانب عارضات من جنسيات وبمقاسات مختلفة
5 - رغم أن المصمم كما قال «ليس سياسياً» فإن العرض كان حركة اجتماعية تحلم بحاضر عادل وغد أفضل يُحركه الجمال واحتضان الآخر بكل اختلافه. فالـ«هوت كوتور» بالنسبة لبييرباولو يجب أن تحمل قضية ثقافية تبدأ بالحفاظ على الحرفية وطقوس وتقاليد الموضة الرفيعة لتمريرها للجيل القادم وتنتهي بالسلام والجمال.
6- استضاف المصمم 120 طالباً من معاهد الموضة الإيطالية مفسراً ذلك بأنه يتذكر جيداً كيف كان في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي مثلهم طالباً ينظر إلى الموضة من بعيد ويحلم بحضور أي عرض أزياء
7- أطلق المصمم عنوان «البداية» على هذه التشكيلة رغم أنه يعمل في الدار منذ 23 عاماً لأنه يعتقد أن «الهوت كوتور» هي دائماً عن بدايات جديدة تُطلق توجهات موضة غير مسبوقة
8- أول إطلالة في العرض كانت فستاناً أحمر تغطيه ورود ثلاثية الأبعاد من التافتا في إشارة إلى أول فستان باللون الأحمر صممه فالنتينو غارافاني في عام 1959


مقالات ذات صلة

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

لمسات الموضة توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

بعد عدة أشهر من المفاوضات الشائكة، انتهى الأمر بفض الشراكة بين المصمم هادي سليمان ودار «سيلين». طوال هذه الأشهر انتشرت الكثير من التكهنات والشائعات حول مصيره…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة كيف جمع حذاء بسيط 6 مؤثرين سعوديين؟

كيف جمع حذاء بسيط 6 مؤثرين سعوديين؟

كشفت «بيركنشتوك» عن حملتها الجديدة التي تتوجه بها إلى المملكة السعودية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة الملك تشارلز الثالث يتوسط أمير قطر الشيخ تميم بن حمد وزوجته الشيخة جواهر والأمير ويليام وكاثرين ميدلتون (رويترز)

اختيار أميرة ويلز له... مواكبة للموضة أم لفتة دبلوماسية للعلم القطري؟

لا يختلف اثنان أن الإقبال على درجة الأحمر «العنابي» تحديداً زاد بشكل لافت هذا الموسم.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة تفننت الورشات المكسيكية في صياغة الإكسسوارات والمجوهرات والتطريز (كارولينا هيريرا)

دار «كارولينا هيريرا» تُطرِز أخطاء الماضي في لوحات تتوهج بالألوان

بعد اتهام الحكومة المكسيكية له بالانتحال الثقافي في عام 2020، يعود مصمم غوردن ويس مصمم دار «كارولينا هيريرا» بوجهة نظر جديدة تعاون فيها مع فنانات محليات

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة الممثلة والعارضة زانغ جينيي في حملة «بيربري» الأخيرة (بيربري)

هل يمكن أن تستعيد «بيربري» بريقها وزبائنها؟

التقرير السنوي لحالة الموضة عام 2025، والذي تعاون فيه موقع «بي أو. ف» Business of Fashion مع شركة «ماكنزي آند كو» للأبحاث وأحوال الأسواق العالمية، أفاد بأن…

«الشرق الأوسط» (لندن)

عملية للمخابرات التركية في القامشلي... وتدخل أميركي لوقف نار في منبج

لقاء سابق لفيدان وبلينكن في أنقرة نوفمبر 2023 (الخارجية التركية)
لقاء سابق لفيدان وبلينكن في أنقرة نوفمبر 2023 (الخارجية التركية)
TT

عملية للمخابرات التركية في القامشلي... وتدخل أميركي لوقف نار في منبج

لقاء سابق لفيدان وبلينكن في أنقرة نوفمبر 2023 (الخارجية التركية)
لقاء سابق لفيدان وبلينكن في أنقرة نوفمبر 2023 (الخارجية التركية)

يبحث وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في تركيا، الجمعة، التطورات في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد.

وقال مصدر دبلوماسي تركي، اليوم، إن بلينكن سيزور تركيا بعد 5 أيام فقط من سقوط الأسد، وسيتناول مع نظيره التركي، هاكان فيدان، آخر التطورات.

وذكرت مصادر تركية لـ«الشرق الأوسط»، أن المباحثات بين فيدان وبلينكن ستتطرق إلى الأوضاع في سوريا، في ظل تولي الحكومة الانتقالية المؤقتة، والخطوات المستقبلية، في إطار العملية السياسية لتحقيق الاستقرار والحفاظ على وحدة سوريا.

لقاء سابق لفيدان وبلينكن في أنقرة نوفمبر 2023 (الخارجية التركية)

وأضافت المصادر أن التوغل الإسرائيلي في سوريا بعد سقوط الأسد، ومسألة الدعم الأميركي المستمر لوحدات حماية الشعب الكردية، التي تشكل المكون الرئيسي لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، والتي تعدّها أنقرة امتداداً لحزب «العمال الكردستاني» في سوريا، فيما تتعاون معها واشنطن بوصفها حليفاً وثيقاً في الحرب على تنظيم «داعش» الإرهابي، سيطرحان خلال المباحثات، فضلاً عن دعم الشعب السوري، وتقديم المساعدات الإنسانية في هذه المرحلة.

وتنشر أميركا نحو 900 جندي في مناطق سيطرة الوحدات الكردية وحلفائها في «قسد» في شمال وشرق سوريا، ويتسبب دعمها للقوات الكردية في خلاف مع تركيا، حليفتها في حلف شمال الأطلسي (ناتو).

استمرار دعم «الوحدات الكردية»

قال وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، إن بلاده تعمل وتتواصل مع قوات «قسد» التي تقودها الوحدات الكردية، وهي شريك رئيسي في القتال المستمر ضد تنظيم «داعش» الإرهابي.

وأضاف، في تصريحات، الأربعاء، خلال زيارته لليابان، أن الولايات المتحدة تراقب عن كثب الوضع «الديناميكي للغاية» في سوريا.

ورداً على سؤال حول تعرض «قسد» لهجوم من جانب فصائل «الجيش الوطني السوري»، الموالي لتركيا، قال أوستن: «لقد عملنا جنباً إلى جنب مع (قسد) لبعض الوقت، وهذا العمل مستمر. لدينا علاقة جيدة معهم، وأعتقد أن الأمر سيبقى على هذا النحو».

وأضاف أن وضع القوة الأميركية لم يتغير، وأنهم سيبقون «على اتصال وثيق مع شركائهم في المنطقة»، مع استمرار تطور الوضع، وأن الأولوية الرئيسية هي حماية القوات الأميركية ومنع عودة تنظيم «داعش».

قوات أميركية في سوريا (إعلام تركي)

والتقى قائد القيادة المركزية الأميركية (سينتكوم)، الجنرال مايكل إريك كوريلا، مع قيادة وحدات حماية الشعب الكردية، وقادة وجنود أميركيين يعملون في قواعد مختلفة في سوريا.

وقالت القيادة المركزية الأميركية، عبر حسابها في «إكس»، إن كوريلا تلقى، خلال اللقاء الذي عقد الثلاثاء، معلومات حول إجراءات حماية القوة الأميركية، والوضع سريع التطور في سوريا، والجهود المبذولة لمنع «داعش» من استغلال الوضع الحالي.

واهتمت وسائل الإعلام الكردية، الأربعاء، بزيارة كوريلا لقيادة الوحدات الكردية، لافتة إلى أنها تجديد للدعم الأميركي لها في ظل التطورات الجارية في سوريا.

عملية للمخابرات التركية

وجاءت زيارة القائد الأميركي قبل ساعات من عملية للمخابرات التركية في القامشلي بمحافظة الحسكة، شمال شرقي سوريا، دمرت خلالها 12 شاحنة محملة بصواريخ وأسلحة ثقيلة، بالإضافة إلى دبابتين ومستودعات ذخيرة من مخلفات جيش النظام السوري، كانت تنقلها وحدات حماية الشعب الكردية.

وقال مصدر أمني تركي إن القوات المسلحة التابعة للرئيس المخلوع بشار الأسد خلّفت وراءها العتاد العسكري حينما فرت من منطقة القامشلي في شمال شرق البلاد، وإن جهاز المخابرات نفذ عمليته، ليل الثلاثاء - الأربعاء، بعدما رصد أفراده الميدانيون استيلاء وحدات حماية الشعب على العتاد العسكري، ونقلها إلى مخازنهم.

قصف المخابرات التركية لآليات وأسلحة ومعدات استولت عليها «قسد» من مخلفات الجيش السوري في القامشلي (إعلام تركي)

ونفى المصدر ما تردد عن قصف طائرات إسرائيلية قواعد جوية للجيش السوري في القامشلي، مساء الاثنين، استناداً إلى مصدرين أمنيين سوريين، قائلاً إن وحدات حماية الشعب بدأت نشر كذبة مفادها أن إسرائيل تستهدف مطار القامشلي.

في السياق ذاته، قال المتحدث باسم البيت الأبيض، جون كيربي، إن أميركا تقدر مخاوف تركيا المشروعة بشأن مكافحة الإرهاب، لكنها ستواصل التركيز على مكافحة تنظيم «داعش»، والتركيز على شراكتها مع «قسد».

فصائل الجيش الوطني السوري الموالي لتركيا تدخل منبج (إعلام تركي)

وأضاف كيربي، في إفادة صحافية ليل الثلاثاء - الأربعاء: «سنجري المحادثات المناسبة مع الأتراك بشأن تحقيق كلتا النتيجتين كلما تداخل هذان الهدفان أو كان التعارض بينهما محتملاً».

وقال قائد «قسد»، مظلوم عبدي، الثلاثاء، إن قوات «مجلس منبج العسكري» التابعة لقواته، وافقت على الانسحاب من منبج بعد التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار من خلال وساطة أميركية.

تركيا و«قسد»

وعلى الرغم من إعلان وقف إطلاق النار، فإن «المرصد السوري لحقوق الإنسان» أفاد بمقتل 6 عناصر من قوات مجلس منبج العسكري، وإصابة 4 آخرين بجروح متفاوتة، جراء استهداف طائرة مسيّرة تركية، الأربعاء، موقعاً قرب جسر قرقوزاق غرب نهر الفرات بريف حلب الشرقي.

كما قصفت القوات التركية وفصائل «الجيش الوطني» المتمركزة في منطقة «نبع السلام»، ريف الحسكة، وقرى في ريف تل تمر ومحيطها، وسط حركة نزوح للأهالي.

وأكد وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، أن تركيا لن تسمح بأن تصبح سوريا معقلاً للإرهاب، وستقوم بما هو ضروري لمنع تنظيمي «داعش» وحزب «العمال الكردستاني» وامتداده في سوريا، وحدات حماية الشعب الكردية، من استغلال الوضع الحالي.

ولفت من ناحية أخرى إلى أن إسرائيل تستهدف بعقليتها الاحتلالية سيادة سوريا ووحدة ترابها عبر التوغل في أراضيها.

وزير الخارجية التركي هاكان فيدان متحدثاً أمام البرلمان (الخارجية التركية)

وشدد فيدان، في كلمة خلال مناقشة موازنة وزارة الخارجية لعام 2025 بالبرلمان ليل الثلاثاء - الأربعاء، على أن تركيا ستستمر في الوقوف إلى جانب أشقائها السوريين دائماً، من أجل سوريا يسودها الرفاه والسلام، وتتعايش فيها المجموعات الدينية والعرقية المختلفة في سلام، ولا تتسبب بعدم الاستقرار لجيرانها.

ولفت فيدان إلى أهمية تشكيل إدارة جديدة في سوريا بشكل منظم، مضيفاً: «من المهم أن تتحد المعارضة السورية، وأن تشكل حكومة شاملة، وقد حان الوقت لتوحيد وإعادة بناء البلاد، كما يمكن للسوريين الذين اضطروا إلى مغادرة منازلهم بسبب الحرب العودة إلى أراضيهم الآن».

في السياق، أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين أنها ستزور تركيا، الاثنين المقبل، لإجراء مناقشات بشأن سوريا.

وكتبت دير لاين، عبر حسابها في «إكس»، عقب اتصال هاتفي مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، مساء الثلاثاء، تناول التطورات في سوريا: «سنلتقي في بداية الأسبوع المقبل (الاثنين) في تركيا؛ لمناقشة ما يعنيه هذا التطور بالنسبة للمنطقة وما وراءها».

ولفتت إلى أهمية الحفاظ على وحدة الأراضي السورية وحماية الأقليات، قائلة إن كلاً من الاتحاد الأوروبي وتركيا، يأمل في استقرار سوريا بعد سقوط بشار الأسد، مع توقعات بعودة المزيد من اللاجئين السوريين إلى وطنهم طواعية.