زوجة منفذ أطول إضراب في تاريخ السجون الإسرائيلية تروي تفاصيل مثيرة عن تجربته

خضر عدنان أصبح رمزًا لمحاربة الاعتقال الإداري بعد أن عاش 26 يومًا على الماء فقط

عدنان مع طفلتيه قبل الاعتقال ({الشرق الأوسط})
عدنان مع طفلتيه قبل الاعتقال ({الشرق الأوسط})
TT

زوجة منفذ أطول إضراب في تاريخ السجون الإسرائيلية تروي تفاصيل مثيرة عن تجربته

عدنان مع طفلتيه قبل الاعتقال ({الشرق الأوسط})
عدنان مع طفلتيه قبل الاعتقال ({الشرق الأوسط})

الموت الذي اختبره الأسير خضر عدنان خلال خوضه إضرابا عن الطعام قبل نحو 3 سنوات، ظل بتفاصيله أحد أسرار التجربة التي لم يبُح بها إلا لزوجته رندة عدنان (أم عبد الرحمن)، التي دونت التجربة في كراس صغير، رصدت فيه تفاصيل هذه التجربة المريرة منذ اليوم الأول وحتى اليوم الـ66 لهذا الإضراب، الذي يعد الأطول في تاريخ السجون الإسرائيلية.
واليوم تلجأ أم عبد الرحمن إلى مذكراتها كل يوم لتفهم ما يعانيه زوجها، وهو يعيد التجربة مرة ثانية، بعد أن دخل أمس يومه الـ26 في إضرابه عن الطعام، احتجاجا على تكرار تجربة الاعتقال الإداري.
وقالت رندة عدنان لـ«الشرق الأوسط» إنها تشعر بقلق كبير على حياته، «فقد مر بتجربة سابقة صعبة ومريرة وعانى بشكل كبير، وكان لدينا ثلاثة أبناء واليوم لدنيا 6 (بينهم 3 توائم جدد)، وقد زاد الحمل وزاد القلق»، خصوصا أنه لم يتمكن أي من عائلة خضر من زيارته منذ بدء إضرابه المفتوح عن الطعام.
وتروي أم عبد الرحمن كيف تلجأ كل يوم إلى مذكراتها التي كتبتها بخط يدها، خلال رصدها لتجربة زوجها الأولى في الإضراب. وتقول بهذا الخصوص: «لقد وثقت تجربة إضرابه يوما بيوم، وكل يوم أقرأ ماذا حدث معه.. اليوم هو اليوم الـ26.. وفي مثل هذا اليوم بدء يتقيأ بشكل صعب ومتكرر، وقال لي إن جسمه بدء يرفض المياه كذلك»، مضيفة أن الضغط الذي تعانيه «كبير وهو ضغط عاطفي ونفسي واجتماعي، في ظل مسؤوليات أخرى».
وتشعر أم عبد الرحمن بقلق مضاعف بعدما أبلغها محامي الصليب الأحمر أنه قابل زوجها عدنان قبل أيام قليلة على كرسي متحرك لأنه لم يستطع المشي مطلقا، وأنه يشكو من ضعف في بصره، وقالت إن محامي الصليب الأحمر ومحامي مؤسسة «مهجة القدس» نقلا لها تفاصيل دقيقة حول فقدانه لكثير من الوزن، وكيف بدا عليه الضعف والتعب والإرهاق. لكن رغم ذلك فقد طلب من زوجته عبر المحامين مصحفا كبيرا بأحرف واضحة للغاية حتى يستطيع القراءة بعد أن ضعف بصره.
ويريد عدنان قرارا من إسرائيل بعدم تجديد الاعتقال الإداري له مرة أخرى، بعدما جددته ثلاث مرات خلال عام واحد فقط. وكانت السلطات الإسرائيلية قد اعتقلته في يوليو (تموز) من العام الماضي، وحكمت عليه بالاعتقال الإداري لمدة ستة أشهر، ثم جددت له إداريا مرة ثانية لمدة 4 أشهر، ومرة ثالثة بأربعة أشهر أخرى، قبل أن يبدأ في الرابع من الشهر الحالي إضرابا مفتوحا عن الطعام. وفي هذا الصدد أكد محامون أن عدنان رفض هذه المرة تناول السوائل والمدعمات والفيتامينات، بخلاف الإضراب السابق.
ويقول رأفت حمدونة، مدير مركز الأسرى للدراسات، إن عدنان يرفض تناول الفيتامينات وإجراء الفحوص الطبية، ولا يقوى على الحركة والوقوف، وحالته في تدهور مستمر، مضيفًا أن إدارة مصلحة السجون تمارس عليه ضغوطا نفسية في مستشفى الرملة لفك إضرابه. وطالب حمدونة المؤسسات الدولية والمنظمات الحقوقية بالضغط على الاحتلال لإنقاذ حياته من الموت البطيء الذي يمر به، والعمل على الإفراج عنه.
أما زوجته أم عبد الرحمن فقد أكدت أنه يعيش فقط على الماء، وهو ما يضاعف الخطر الشديد على حياته. وقد حاولت قبل نحو شهر من الإضراب، عندما تمكنت من زيارته للمرة الأولى والأخيرة، بإقناعه بأن الظروف غير مواتية الآن لخوض إضراب جديد، لكنه أصر على ذلك بقوله إنه يريد أن يرى أمه المريضة، وإنه يشعر بقلق بالغ على حياتها بعد تدهور صحتها في الآونة الأخيرة.
ومع تكرار تجربة الإضراب تحول عدنان بالنسبة للفلسطينيين إلى رمز لمحاربة الاعتقال الإداري، الذي يعني اعتقال المواطنين والزج بهم في السجن دون محاكمات أو إبداء أسباب لفترات مختلفة قابلة للتجديد تلقائيا. ويعتمد السجن الإداري على ملف تتذرع الأجهزة الأمنية الإسرائيلية بأنه سري، ولا يجوز للمحكمة الاطلاع عليه. وقد استخدمت إسرائيل الاعتقال الإداري أكثر من 20 ألف مرة ضد فلسطينيين منذ عام 2000.
وبينما تطالب السلطة الفلسطينية بوقف ظاهرة الاعتقال الإداري نهائيا، يتظاهر فلسطينيون في الضفة الغربية وقطاع غزة يوميا للتضامن مع عدنان للمطالبة بإطلاق سراحه. وقد تنوعت أشكال دعم خضر عدنان، من اعتصامات إلى إطلاق هاشتاغ «كلنا خضر عدنان»، إلى رسم صوره على جدران في الضفة وغزة، إضافة إلى إضرابات جزئية يخوضها أسرى فلسطينيون دعما له.
وتقول أم عبد الرحمن إنها على ثقة بأن زوجها سينتصر في النهاية، لكنها تعجز عن إجابة ابنتها الكبرى معالي (7 سنوات) التي تطرح عليها سؤالا ملحّا كل يوم: «لماذا يضرب أبي وحده عن الطعام؟ وإلى متى؟ لقد وعدني أنه سيوصلني كل يوم إلى المدرسة ويحضر حفل تخرجي».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم